عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 25 May 2019, 02:22 PM
أبو عبد الله حيدوش أبو عبد الله حيدوش غير متواجد حالياً
وفقه الله
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: الجزائر ( ولاية بومرداس ) حرسها الله
المشاركات: 757
افتراضي مقال لفضيلة الشيخ عمر الحاج مسعود -حفظه الله-: نصـيـحـةُ مُـشـفِـق إلى لزهر سنيقرة




نصـيـحـةُ مُـشـفِـق

الحمدُ لله ربِّ العالمين والعاقبةُ للمتَّقين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيِّدِ المرسَلين وإمامِ النَّاصحين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه أجمعين.
أمَّا بعد، فقد استمعتُ إلى صوتيَّة( )لأخي أزهر سنيقرة ـ الذي فرَّق بيني وبينَه هذه الفتنةُ ومؤجِّجوها ـ رمى فيها المشايخَ والطَّلبةَ السَّلفيين ـ المخالفين له والمستمسكين بغَرز الكبار كالشَّيخين ربيعٍ وعُبيدٍ حفظهما الله ـ بالبوائق ورشَقَهم بالعظائم، ليس فيها تدليلٌ ولا تقعيد، ولا تنظيمٌ ولا ترتيب، سلاحُه فيها السَّبُّ والتَّدليس والتَّلبيس، ولَأْمَتُه التَّهويلُ والتَّعميم وكثرةُ الحلِف، لاستمالةِ عقولِ الأتباعِ واستعطافِ المغرَّر بهم.
يتكلَّم فيها باستعلاء وتطاولٍ واغترار، وكأنَّه يخاطبُ عبيدًا أو غلمانًا، مع أنَّ في المشايخِ مَن هو أكبرُ منه سِنًّا وعلمًا وفضْلًا وسبْقًا.
فأستسمِحُه اليومَ في ذكر بعضِ الحقائق، إظهارًا للحقِّ الَّذي أدينُ اللهَ به وإقامةً للشهادة له، ونُصحًا للظَّالم ونَصرًا للمظلوم، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) وقال تعالى: ( لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ وَكَانَ الله سَمِيعًا عَلِيمًا) وقال:وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ)، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالًا» [رواه الشَّيخان]، وقال: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» [رواه البخاري].
ثمَّ إنَّ الأمرَ يتعلَّق بدين الله جلا جلاله والدَّعوةِ السَّلفيَّة المباركة وعلمائها وأعراضِ الأبرياء من أهلها، والسُّكوتُ دائمًا ـ وقد سكتنا كثيرًا ـ قد يضرُّ وتترتَّبُ عليه مفاسدُ وخيمةٌ، ولعلَّ مِن أوْخَمِها اعتقادَ الباطلِ حقًّا والحقِّ باطلًا.
اعلم أنَّك اتَّهمتَ المشايخَ المشار إليهم بالكذب دون أدنى تريُّث أو تورُّع، بل قلت جازمًا: «يتقصَّدون الكذبَ والافتراء».
على رِسْلك يا هذا، اتَّقِ اللهَ ربَّك واحذر الفجورَ في الخصومة، لأنَّك لم تذكر دليلًا على هذا البهتان، ولم تُقِم حُجَّةً على تلك التُّهم، بل ذكرتَ أمورًا مجمَلةً محتمَلةً دون تفصيل وتدليل، وتلك هي طريقتُك في جلِّ مقالاتك وصوتياتك، بَيْدَ أنَّها غيرُ مُجديةٍ في هذا المقام، ولا هي طريقةُ الأئمَّة الأعلام، فقد كانوا يَدينون الرَّجلَ بكلامِه ويُبيِّنون فسادَه بالأدلة والحجج، وانظر مثلًا فيما كتبه شيخُ الإسلام في الرَّدِّ على النَّصارى والرَّافضة والمعتزلة والأشاعرة وأهلِ الكلام، وارجع إلى ردودِ الشيخ ربيع على سيد قطب والمأربيّ والحربيّ وغيرِهم.
وجعلتَ ما هم عليه من أخطاء ـ في نظرك ـ من زيغِ القلب، واستدللتَ بقوله تعالى:فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ، وهذا في رأيي من أفجرِ ما جاء في الصَّوتيَّة، وإن استعملتَ حرفَ «لعَلَّ»، الذي يُفيد هنا الظَّنَّ.
اتَّهمتَهم بزيغ القلوب مستشهدًا بالآيةِ السَّابقة، وهي تتضمَّنُ الانسلاخَ من الدِّين، كما يدلُّ عليه معناها: وهو أنَّ أولئك المذمومين في الآيةِ لمَّا عدَلوا عن الحقِّ وانصرفوا عنه بعِلمٍ وقصدٍ وجاروا عن سواءِ السَّبيل، أمال اللهُ قلوبَهم عن الحقِّ عقوبةً لهم وخذلانًا. [انظر الطَّبري (22/612)، البغوي (8/108)، ابن كثير (8/109)، السِّعدي (ص 858)]
وقال ابن رجب [«فتح الباري»(1/195)]: «فيُخشَى على من غَلَبَ عليه خصالُ النِّفاق الأصغرِ في حياته أن يُخرجَه ذلك إلى النِّفاقِ الأكبر، حتَّى ينسلخَ من الإيمانِ بالكليَّة، كما قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ، وقال: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ».
فلعلَّك لم تنتبهْ إلى خطورةِ هذا، بسببِ غلبةِ التَّحامل والهوى والمعاداة.
زاغوا عن أيِّ شيء؟ هل زاغوا عن الإيمان والتَّوحيد؟ هل أعرضوا عن ربِّهم وهجروا كتابَه وعارضوا سنَّةَ نبيِّه صلى الله عليه وسلم وطعنوا في أصحابه رضي الله عنهم؟ هل خالفوا عقيدةَ السَّلفِ ومنهجَهم؟
إنَّهم لا يزالون يتعلَّمون العلمَ النَّافعَ ويُعلِّمونه، ويدعون إلى التَّوحيد والسُّنَّة ويحذِّرون من الشِّرك والبدعة وأهلِها، ولا يزالون يقومون على مجلَّةٍ سلفيَّةٍ نقيَّة واضحة، كما أنَّهم مع النَّصائحِ الرَّشيدةِ والتَّوجيهاتِ السَّديدةِ للعلماء، كالشَّيخين ربيع وعبيد.
نعم، زاغوا عن آرائِك وتركوا طريقتَك التي حذَّر منها الكِبار، سبحان الله! وهل كلُّ من خالفك يعدُّ زائغًا منحرفًا مميِّعا، لا يستحقُّ إلَّا التَّحذيرَ والسَّبَّ والهجرَ.
عجيبٌ تَسَلسلُكَ في الاتِّهام وغريبٌ تصعيدُك في الطَّعْن: « يُلبِّسون، يَكذبون، يتقصَّدون الكذبَ والافتراء، زاغوا».
أخشى أن تكونَ قد اقتربتَ من حظيرة التَّكفيرِ والقولِ برأيِ الخوارج، والخوارجُ زائغون، روى الطَّبري (22/612) عن أبي أُمامةَ ت في قوله: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ، قال: «همُ الْخَوَارِجُ».
اتَّهمتَ الشَّيخَ الفاضلَ توفيق عمروني بالكذب والتَّلبيس، ولم تأتِ بما يُؤيِّدُ ذلك، وإنَّما غاظك إقناعُه لبعض الملبَّس عليهم ورجوعُ جماعةٍ من المغرَّر بهم إلى قول الكبار، خاصةً بعد قراءتِهم «نسف التَّصريح» الَّذي كتبه بلغةِ العلم وقوَّةِ الحُجَّة ولسانِ الصِّدق وأسلوبِ الإقناع، وفرِح به السَّلفيُّون وأفرحَ الشَّيخَ ربيعًا ونصح بنشرِه، وانتفع به خلقٌ، ولله الحمدُ والمِنَّة.
ذكر فيه أهدافَ الجَلسةِ مع عبد المالك رمضاني وملابساتها بكُلِّ دِقَّة ووضوح، وبيَّن أنَّه كما جلَستم أنتم مع المخالفين جلسنا نحن، فكان ماذا؟
فلمَ كلُّ هذا التشغيبِ وسوءِ الظَّنِّ؟ ولمَ الكيلُ بمكيالين؟ اللَّهمَّ إلَّا إن كنتَ تَعتقِدُ أنَّنا لسنا أهلًا لذلك، وأنَّ ذلك الجلوسَ حِكْرٌ عليكم.
والعجيبُ أنَّك لم تُجِب على التَّلبيس الَّذي دنْدنتَ حولَه، ولم تُبيِّنْ عدمَ التَّماثل بين الجلوسين، بل استعملتَ أسلوبَ السَّبِّ والتَّهكُّم والاتِّهام، فقلت: «لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله، أليس هذا من البهتان ومن المكر والخداع الَّذي لا يعود إلَّا على أصحابه بالنَّتائج الوخيمة، وهذا لعلَّه من باب قوله تبارك وتعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ».
أين المكرُ والخِداعُ والزَّيغ؟ لمَ هذا التَّهويلُ والثَّرثرةُ والتَّصلُّب؟ ما دام أنَّ المقصودَ من الجلوسِ هو النَّصيحةُ وإنقاذُ المخطئ وإقامةُ الحجَّة والمعذرةُ إلى الله تعالى.
ولا إخالُك تنسى يوم التقينا بتاريخ (04ربيع الأوَّل 1439 الموافق لـ 22/11/2017) ـ وكان فتيلُ الفتنةِ قد اشتعل ـ، حيث جئتك ناصحًا، ومبيِّنًا ما يُنتقَدُ عليك، وقاصدًا تنبيهَك على أنَّه إذا كُنْتَ تظنُّ أنَّ إخوانَك لهم أخطاء فلك أنت مثلُها وربَّما أزيد، لكنَّك غضِبتَ وقلتَ لي بالحرف الواحد: «إذا لم أُعجبْكم فارموا عليَّ الماء»، وهي كلمةٌ عاميَّة تعني تخلَّوا عنِّي وحذِّروا منِّي، لكنْ سياقُها يتضمَّنُ أنَّكم إن فَعلتُم ذلك فلن تضرُّوني شيئًا.
والظاهر أنَّك قلتَ ذلك ثقةً منك وعُجبًا، لا مِزاحًا أو غَضبًا، بدليل تصرُّفاتِك وأقوالِك وتوتراتِك التي جاءت بعد.
فهل يقول مثلَ هذا الكلامِ رجلٌ يريدُ الخيرَ لنفسِه ويدعو إلى سبيل ربِّه؟ هل يقولُه مَن يَقبَلُ النُّصحَ ويُريد الصُّلحَ؟
إنَّ تلك العبارةَ لتدلُّ على غايةِ العُجبِ والاعتدادِ بالرَّأي وغَمْطِ النَّاصحين واحتقارِ توجيهاتهم.
وذكرتَ أكثرَ من مرَّةٍ أنَّك أجبتني عن جميعِ المسائل الَّتي دارت في المجلسِ إلَّا مسألةً واحدةً! لكن أجوبتك كان فيها ما فيها، وقد وقع فيها أخذ ورد، وظهرت بعد ذلك تناقضات.
من ذلك قضيَّةُ جمال صاولي السُّروري المُحترِق، سألتُك عن علاقتك به، فقلت بالحرف الواحد تقريبًا: «لم ألْتَقِ به منذ ثلاث سنوات، ويأتي يبحث عنِّي ولا أستقبلُه».
ولمَّا أُخرجت صورةٌ فيها اجتماعُك به، اعتذرتَ بقولك: «لا شكَّ أنَّ المقصود بالصُّورة هو من كان جالسًا بجانبي، وهو الدُّكتور جمال صاولي، المتَّهم عند البعض بالتَّكفير أو أمور أخرى، والَّذي أشهد به أمام الله تعالى أنَّ الرَّجل بريء من هذه الفرية، وهو من أبعد النَّاس منها ولله الحمد، وأخطاؤه المنهجيَّة الَّتي تلبَّسَ بها وناقشته فيها كتعاطفه مع بعض المنحرفين فإنَّه رجع عنها بعد هذا، وهذا الَّذي أشهد به، وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَï، والرَّجل الآن مشتغل بنشاطه الأكاديمي في تخصُّصه، ومن يعلم عنه خلاف هذا بالحجَّة والدَّليل يبيِّنه لننصحه فيه أو لنتبرَّأ منه إن لم يقبل النُّصح».
فلماذا لم تذكُر لي مثلَ هذا الكلام وتهرَّبت بجوابك المذكور، بل أعطيتني في الخاصِّ جوابًا وروَّجت في العامِّ الَّذي يراه صاولي جوابًا آخر، فيه لينٌ وتزكيةٌ.
أليس هذا ـ عبادَ الله ـ تلبيسًا وتدليسًا، كن صادعًا بالحقِّ قائلًا به في الخاصِّ والعامِّ والسِّرِّ والعَلن.
تقول: «والرَّجل الآن مشتغل بنشاطه الأكاديمي في تخصُّصه»، ألم تعلم أنَّه يتعامل مع مكتبة الغرباء التُّركيَّة لصاحبها عبد الله بن عبد الحميد الَّذي يقول عنها صاولي إنَّها: «لأخينا وصديقنا الشَّيخ الدَّاعية»، والرَّجل يمدحُ سيِّد قطب، وكان يزورُه شيخُ صاولي محمَّد بنُ سرور وغيرُه من المنحرفين.
كما له كتاب «الوجيز في عقيدة السَّلف» فيه مخالفاتٌ للمنهج السَّلفي، منها قوله (ص 218):
«الدَّعوة إلى التَّعاون وإلى كلِّ ما يُوصل إِليه، والبعد عن مواطن الخلاف وكلِّ ما يؤدِّي إليه، وأَن يعين بعضُنَا بعضًا، وينصح بعضُنا لبعضٍ فيما نختلف فيه، ممَّا يسع فيه الخلاف، مع نبذ التَّباغض.
والأَصل بين الجماعات الإسلاميَّة المعتدلة التَّعامل والوَحدة، فإِنْ تعذَّر ذلك فالتَّعاون، فإِنْ تعذَّر ذلك فالتَّعايش، وإلَّا فالرَّابعة الهلاك».
فهذا الكلام مضادٌّ للمنهج السَّلفيّ، بل هو من أصول المنهج الإخوانيّ الدَّاعي إلى التَّكتيل والتَّجميع، مهما اختلفت المناهجُ وتباينت العقائدُ.
فأين الصَّلابةُ في المنهج والقوَّةُ في الصَّدع بالحقِّ، وأين التَّثبُّتُ فيمن يُتعامل معهم؟
اذكُر لنا بطانةَ صاولي وصُحبتَه، هل كان يزور ـ مع طول المدَّة الَّتي مكثها في السُّعوديَّة ـ الشَّيخين ربيعًا وعبيدًا وغيرَهما من المشايخ؟

وصفتني في صوتيَّتك بالكاذب، وشنَّعتَ عليَّ حينَ ذكرتَ نقدي لعبارة «الوقت جزء من العلاج» وموضوعَ النَّصيحة في اجتماعاتنا، وهما قضيَّتان مختلفتان تمامًا، لكنَّك خلَطتَ بينَهما ولبَّست.
أمَّا الأولى؛ فمقصودي نقدُ هذه العبارةِ ـ بغضِّ النَّظر عن قائلها ـ الَّتي صار يستعملها الكثيرُ من الشَّباب والكُتَّاب في هذه الفتنة، ويحتجُّون بها أثناءَ المناقشة أو عبرَ وسائلِ التَّواصلِ حين يَعجِزون عن إقامة الأدلَّة الَّتي تَدين المشايخ، ويستدلُّون بها كأنَّها آيةٌ أو حديث أو أثرٌ سلفيٌّ، مع أنَّها مشهورةٌ عن الإخوان المسلمين، قالها حسن البنَّا كما في «رسالة التَّعاليم» ومحمَّد الغزالي في كتابه «الطَّريق من هنا» (ص 96).
فالمتعيِّنُ في مثلِ هذه الحالاتِ التفصيلُ وتركُ الإجمال والتوضيحُ والبيانُ بالأدلَّةِ القاطعةِ المُقْنعةِ التي تَدينُ المشايخَ ويُحكَم بها عليهم، لا أن يُتركَ ذلك للوقتِ والغيب والتَّفتيش والتَّنقيب وجمعِ الشهادات، عمَلًا بالقاعدة البدعية «اعتَقِد ثم استدِلَّ»، خاصةً وأنَّ الأمرَ يتعلَّق بأناسٍ معروفين بالسَّلفية، وهذه هي طريقةُ السلف في النَّقدِ والجَرْح، كما سيأتي في كلام الشيخ ربيع.
ومَن عُرف عنه بالدَّليل الاستقامةُ ولزومُ الجادَّة ، لم يَزُل عنه ذلك إلا بدليلٍ مثلِه أو أقوى منه، إذ «اليقينُ لا يزول بالشك»، قال تعالى: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ قال ابن سِعدي [«فتح الرحيم» (ص 211)]: «هذا إرشادٌ منه لعبادِه إذا سمعوا الأقوالَ القادحةَ في إخوانهم المؤمنين، رجعوا إلى ما علِموا من إيمانهم وإلى ظاهرِ أحوالهم، ولم يَلتفتوا إلى أقوالِ القادحين، بل رجعوا إلى الأصلِ وأنكروا ما ينافِيه»
ومن القواعدِ المقرَّرةِ في أصول الفقه والمتَّفَقِ عليها أنَّ «تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز»، والحاجةُ إلى البيان في قضيتنا ماسَّة، لا يُتحمَّلُ تأخيرُه ولا يجوز كِتمانُه.
إذن لا بُدَّ من إظهارِ الأدلَّة وتوضيحِها، لأنَّ العِبرةَ بها، قال تعالى:قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ.


ولما تكلم الشيخُ ربيع في محمد بن هادي قال: «ما عنده ولا ذرّةُ دليل، ما عنده إلَّا الثَّرثرة»، ولم يأتِ بالأدلة الموجِبةِ للجَرْح إلى الآن.
وقال حفظه الله في [«نصيحته لفالح الحربيّ (ص 13 ـ 14)]: «وإنِّي ـ والله ـ لأحــبُّ لــك مــا أحــبُّ لنفســي، ومــن ذلــك الرجــوعُ إلى الصــواب في هــذه المسـائل، إلى طريقـة السـلف في التفصـيل والبيـان في نقـد أهـل البـدع و أهـل الأخطـاء حتى يتبيَّن خطأُ المجتهدين وتستبينَ سبيلُ المبتدعين والمجرمين.
إنَّ إصــدارَ الأحكــام علــى أشــخاص ينتمــون إلى المنــهج الســـلفيّ، وأصواتُهم تـُدوِّي بأنَّهم هـم السـَّلفيون بـدون بيـانِ أسـبابٍ وبـدون حجـجٍ وبـراهينَ قـد سبَّبَ أضرارا عظيمـة وفُرقــةً كبيــرة في كــلِّ البلــدان، فيجـب إطفــاءُ هــذه الفتنِ بــإبرازِ الحججِ والبراهينِ الَّتي تُبــيِّن للناس وتُقــنعُهم بأحَقِّيَّــة تلــك الأحكــامِ وصــوابِها، أو الاعتذارِ عن هذه الأحكامِ.
ألا ترى أنَّ علماءَ السلفِ قد أقاموا الحججَ والبراهينَ على ضلال الفِرق مـن روافض وجَهْمية ومعتزلة وخوارج وقدَرية ومُرجئة وغيرهم، ولم يَكتفـوا بإصـدارِ الأحكـام علـى الطوائـف والأفـراد بـدون إقامـةِ الحُجج والبراهين الكافيةِ والمقنعة، بـل ألَّفـوا المؤلفاتِ الكثيـرةَ الواسـعة في بيـانِ الحـقِّ الذي عليـه أهـلُ السُّنـة والجماعة وبيانِ الضَّلال الذي عليه تلك الفرقُ والأفراد ...
أترى لو كان نقدُهم ضعيفا واحتجاجُهم هزيلا ـ وحاشاهم من ذلك ـ أو اكتَفَـوا بإصـدار الأحكـام، فقـالوا الطائفـةُ الفلانيةُ جهميـة ضـالة، وفلانٌ جهْمـيٌّ وفلانٌ صوفيّ قبوريّ، وفلانٌ من أهلِ وَحدة الوجود والحلول، والروافضُ أهــلُ ضلالٍ وغلوٍّ ويُكفِّــرون الصــحابةَ ويســبُّونهم، والقدريــةُ والمعتزلةُ مــن الفرقِ الضَّالة، أو كان نقدُهم ضعيفا، فإذا طُولبوا بالحججِ والبراهين وبيانِ أسبابِ تضليل هذه الفرقِ، قالوا ما يلْزَمُنا ذلك، وهذه قاعدةٌ ضالّةٌ تُضِلّ الأمَّةَ، أترى لو فعلوا ذلك أكانوا قد قاموا بنصْر السنة وقمْع الضلالِ والإلحاد والبدع، الجواب لا وألف لا»

هذا كلام أهل الحديث المتخصصين في الجرحِ والتَّعديل ونَقدِ الطَّوائفِ والأشخاص، وكَأنَّه موجَّهٌ لك، فتدبَّر.
وأنا لم أذكُر أيَّ أحدٍ أثناءَ نقدي للعبارة، وإنَّما وضَّحتُ فسادَها بكلام واضح ، مهما كان قائلُها الشيخُ فركوس أو غيرُه.
وكلُّ هذا لا يلزَمُ منه أنْ أصفَه بالغِشِّ والمراوغة كما زعمتَ أنت وغيرُك، وإنَّما ذلك من بنات أفكارك وسوءِ ظنِّك بإخوانك الَّذي أدَّى إلى هذا الفسادِ والتَّمزيق الَّذي لم يُعرف بين السَّلفيِّين مِن قبلُ.
ولا يخفى عليك أن الخطأَ ـ مهما علت منزلةُ صاحبِه ـ يردُّ بعلم وحُجَّة وعدل وأدب، وأنَّ كلًّا يُؤخذ من قوله ويُترك إلَّا النَّبيَّ ق.
وسُئلتَ أنت عن حكمِ استعمالِ وثائقَ وهميَّةٍ للاستفادة من تأشيرة الحجِّ، فأجبتَ:
«صورة المسألة المطروحة هي: أنَّ بعضَهم ـ هداهُم الله ـ يتَّفِق مع أحد مُوظَّفِي البريد ليَمنَحه قسِيمةَ حوالَةٍ باسمِه، ظاهِرُها أنَّه دفَع قيمتَها، وحقيقَتُها أنَّها وهمِيَّةٌ مُزوَّرَةٌ فيها مخالَفةٌ للأنظِمة، وبالتَّالي معصِيةٌ للحاكِم الَّذِي وجَب علينا طاعتُه في المعروف، ثمَّ بعد ذلك يدفَعُ دفترَ الحجِّ، على أساسِ أنَّه قد دفَع المُستحَقَّات ـ وهو كاذِبٌ في ذلك ـ...ثمَّ إنَّ بعضَهم يصِلُ بهذه الوثائِق المزوَّرَة إلى مطار جُدَّة فلا يدفَعُ قيمَة المصارِيف المخصَّصة لبعضِ الخَدَمات (التَّنازل)، بناءً على أنَّه قد دفعه في بلدِه، وحقيقَةُ أمرِه أنَّه لم يدفع فَلسًا واحِدًا، ومع الأسَفِ الشَّديد أنَّك تجِدُ هذا الصَّنِيع متفَشِّيًا بين الأغنِياء أو مَن يحُومونَ حولَهم لنَيل رِضاهُم...والأَقبحُ مِن هذا كلِّه أنَّك تجِدُ مَن يُبَرِّرُ لهؤلاء صنِيعَهم، بل قد يُشارِكهم فيه ويُعينُهم عليه، وهُو مَحسُوبٌ مِن طلَبة العِلم المُوَجِّهِين، وبناءً عليه؛ فالواجِبُ علينا أن نتَّقِيَ اللهَ في عِباداتِنا، وأن نعلَم عِلم اليَقِين «أنَّ اللهَ طيِّب ٌ لا يقبَلُ إلاَّ طَيِّبًا»».
فإن كنت صادعًا بالحقِّ ـ كما تزعُم دائمًا ـ ولا تخشى في الله لومةَ لائمٍ، فسَمِّ لنا مَن كنتَ تقصدُهم بهذه الفتوى، واذكر لنا «طلَبة العِلم المُوَجِّهِين»، الذين سوَّغوا ذلك الصنيع.
فإن قلتَ: بيَّنتُ الحقَّ في المسألة بغضِّ النَّظر عن قائلها أو فاعلها، فهو جوابي كذلك.
على كلِّ حال، كان المفروضُ عليك أن تنقدَ كلامي وتُزيِّفَ ردِّي بعلم وحجة، لا بالسبِّ والقَذْع، وإثارةِ حفائظِ الأتباع المغرَّر بهم، وشحنِ قلوبهم بالغِلّ وإيغارِ صدورهم بالوَحَر.
أمَّا قضيَّةُ المناصحةِ؛ فمسألةٌ أخرى تتعلَّق باجتماعاتنا على أمورِ الدَّعوة والمجلَّة، قبلَ الفتنة وظهورِ العبارةِ المنتقَدة.
فكلمةُ «الوقت جزء من العلاج» لا علاقة لها بما ذكرتَه من أمر النَّصيحة، وإنَّما لها علاقة بما جاء بعد الافتراقِ وبما ذُكِر من انتقادات على المشايخ، فذكرتُ أنَّه يَتعين إقامةُ الأدلَّة على انحرافِهم وتفصيلُها وتوضيحُها وإذاعتُها، ولا يُترك ذلك للوقتِ والمستقبَل والاكتشاف.
فأنا تكلَّمتُ عن شيء وأنت ذكرتَ شيئًا آخرَ ـ لحاجةٍ في نفسك ـ، وأكثرُ المعجَبين بك لا يتفطَّنون لهذا، ويظنُّون أنَّك أفحمتَ خصمَك وأقمتَ الحجَّةَ عليه.
إنَّ موضوعَ النَّصيحة شيْءٌ ثانٍ، فالمجالسُ كانت تُعرض فيها مسائلُ علْميَّةٌ ودعْويَّةٌ للمناقشةِ وإبداءِ الآراء بالأدلَّة، ويكون فيها تبادلُ النُّصحِ والأخذُ والرَّدُّ والاستفسارُ والنِّقاش والجدال والجواب، وأحيانًا تكون المناقشاتُ حادَّةً، في قضيَّة المجلَّةِ والمستكتَبين ومنتدياتِ التَّصفية والتَّربَّية وغيرِها، وكلُّ واحد يجيب ويدافع ويعتذر، والخطأ لا يَسلَم منه أحدٌ.
أمَّا النَّصيحةُ الَّتي أردتها أنت، وهي أنَّ الأخطاءَ تكون واضحةً والأدلَّة قائمة، والمنصوح تُقامُ عليه الحجَّةُ ثمَّ يُصِرُّ ويُعاند، فلم يبقَ إلَّا مفارقتُه والتَّحذيرُ منه، فهذا ما لم أرَه ولم أَشْهدْه، مع حضوري جميعَ الجلسات إلَّا قليلًا.
وموضوعُ المستكتَبين وأشكالُ المجلَّة ونحوُ ذلك، وقع فيه نقاشٌ وجدال، وكنتَ تريدُ فرضَ رأيِك في أمور فتُوَاجَهُ وتُناقَش، ويُبَيَّنُ للجميع وِجهةُ النَّظر وتُذكر المسوِّغاتُ، ثمَّ تقول بعد ذلك: نصحناهم فأبَوْا!
طيِّب! متى نصحتم في موضوع التَّأَكُّل بالدَّعوة، ـ وهو من أخطر التُّهم المُوجَّهة للمشايخ ـ ومتى بيَّنتم حَدَّه ووضَّحتم معناه وأقسَامه الجائزةَ والممنوعة؟
أذكِّرُك أنَّ سائلًا سألك أثناءَ الفتنة في تويتر: ما هي المسائل المنهجيَّة التي خالف فيها المشايخ؟ فأجبته بقولك: «سأبيِّنها ـ إن شاء الله ـ بعد مناصحتنا لهم».
عجيب يدَّعي أنَّهم نصحوا ثم يقول سأبيِّنها إن شاء الله!
أدَعُ هذا للعاقل، فليتَأمَّله، حتَّى يدركَ التَّناقضَ والاضطرابَ والتلبيسَ في كلام أزهر.
وقد يَظنُّ المستمِع لكلامك أنَّنا لم ننصحْك في شيء، وأنَّ المنصوحَ هم المشايخُ المطعونُ فيهم فقط.
ألم نكن ننصحُك وتتضايق، إلى درجة أنَّك كنت ـ أحيانًا ـ تريدُ الانصراف.
ألم ننصحك في بعض ما كان ينشر في منتديات التصفية والتربية التي كانت تحت إشرافك.
ألم ننصحْك في مسألة البيانات الَّتي كنتَ تنفردُ بتحريرِها ونشرِها، وقد كانت أكبرَ من علمِك وأعظمَ من مكانتك، لذا وقعت في مخالفاتٍ منهجيَّة لو كانت لغيرك ـ ولم يُعذَرْ كما عُذِرتَ ـ لأُخرج من السَّلفيَّة جملةً وتفصيلًا، منها بيانَا غرداية والمغرب.
ألم نشدِّد عليك في قولك: «نحن وأنور مالك في خندق واحد في محاربة الرَّافضة»، مع أنَّ الرَّجلَ لاجئ سياسيٌّ خارجَ الجزائر، ولا يُعرف بعِلم ولا دعوة ولا سلفيَّة.
ذكرنا ذلك بالأدلَّة والبيِّنات، وجمعنا لك مِلفًّا خاصًّا، لكنَّك كنت تأبى وتتصلَّب وتتهرَّب.
أنا أعرف أنَّك تستطيع أن تجدَ لهذا تأويلاتٍ وتلتمسَ مخارجَ، فهلَّا تسمحُ لإخوانك أن يفعلوا مثلَ ذلك؟
إنَّ الَّذي يَفهمُه كلُّ عاقلٍ مُنصِفٍ أنَّك جاوزتَ القَنطرةَ، فيَحِقُّ لك أن تتعاملَ مع مَن تشاء ـ ولو كان من أهل الأهواء ـ ويجوزُ لك أن تَنتقدَ مَن تشاء ـ ولو كان من العلماء ـ لأنَّك السَّلفيُّ الحصيفُ القُحُّ الواضحُ الَّذي يدري ما يفعل، ولا يُخشى عليه الزَّيغُ، ولأنَّ العبرةَ بالدَّليل، أمَّا غيرُك ممَّن خالفتهم فلا بدَّ أن يأخذوا منك الإذنَ والموافقة وإلَّا سُلِّط عليهم التَّحذيرُ والمعاقبة.
أدَّاك غُرورك هذا واعتدادُك بنفسك إلى الطَّعن في كلِّ من خالفك ولو كان من الأكابر، ويكفي ما فعلته مع إمام الجرحِ والتَّعديل الربيع، فقلتَ فيه كلماتٍ قبيحةً مُنْتنةً:
شويَّا ايجي ويروح، يعني كبِر وتعِب، وتقام له لافاج، أي: غسيلُ الدِّماغ، له بطانةٌ سيِّئةٌ، يُحيط به الأشرارُ، يُكذَب عليه ويصدِّق، لو تكلَّمَ فينا سيُسقطُ نفسَه، وثالثةُ الأثافيِّ: إنَّه تكلَّم في محمَّد بن هادي بغير حقٍّ، وأتى بكبيرة في حقِّه، ولم يتراجعْ عنها.
فهل صار الربيعُ مضلَّلًا، لا يميِّز بين الصَّادق والكاذب، ولا يَعرف التَّثبُّت والتَّبيُّن، سيِّقةً يُملَى عليه ما يقول، ويتكلّم بالهوى والباطل، إنَّه لم يجرؤ على هذا أهلُ البدع ورؤوسُهم الَّذين حذَّر منهم الشَّيخُ وكشف دسائسَهم.
وقد أجمع طلبتُه وجلساؤه وضيوفُه وزوَّارُه أنَّه في كاملِ قوَّتهِ العقليَّة، وأنَّه لا يزال يقرأ ويطالعُ ويلاحظ ويَنصَح ويُصلح، وأنَّ بيتَه مفتوحٌ للقاصي والدَّاني، بارك الله في أنفاسِه وجعلها في طاعتِه.
وقلتَ عن العلَّامة عبيد الجابري وقع في فضيحةٍ وأنَّه غير ثابت في مواقفه، وأصبح يتلاعب فيها.
سبحان الله! هل كانت لك المنزلةُ في هذه الدَّعوةِ المباركة ـ بعد الله تعالى ـ إلَّا بتزكيتِهما وتوثيقِهما؟ ثمَّ تجحدُ معروفَهما وتكفرُ إحسانَهما.

وطعنتَ في الشَّيخ عبد الله البخاري قائلًا إنه كبير الصَّعافقة، ووصفتَ الأخ الفاضل عمر ابن الشَّيخ ربيع بالمجرم، فلم تُراعِ حرمةَ والدِه ولم تَحفَظْ كرامتَه.
وتفوَّهتَ بالبهتان في أخينا الوقور مصطفى قالية، وعندما طالبَك بالشُّهود نكَلتَ، ولم تأت بهم إلى الآن، وهل بينَك وبينَه الفيافي والبحار حتَّى عسُر عليك التَّبيُّنُ والتَّأكُّد؟
ولعلَّك تقول: أخبرني الثِّقات، فمن هم يا ترى حتَّى يُنظر في حالِهم وصفاتهِم.
هل صارت أعراضُ إخوانِك المخالفين لك حلالًا، يَحِقُّ لك نهشُها وانتهاكُها دون حُجَّةٍ وتبيُّن؟
اتقِّ الله، واذكُر قولَه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِله شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ.
لقد تكلَّمتَ ـ أخي أزهر ـ في كلِّ من خالفك ولو كان مُحِقًّا، حتَّى خالفتَ الكبار ولم تَستجبْ لنصائحهم، وخُضتَ في كلِّ شيءٍ ولو بباطل، حتَّى تكلَّمتَ في أمورٍ أكبرَ منك.
فاحذَرْ وقِفْ عندَ حدِّك، واعلم أنَّ مِن عَقْل المرءِ أن يعرفَ قدْرَ نفسِه، ولا يدَّعِيَ ما لا عِلْمَ له به، وإلَّا فضحتْه شواهدُ الامتحان، روى الإمام مسلم (110) أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنِ ادَّعَى دَعْوى كَاذِبَةً لِيتَكَثَّر بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللهُ إِلَّا قلَّةً».
في هذا الحديث شدَّةُ التَّحذير مِن أن يدَّعيَ المرءُ ما ليس فيه، ويتشبَّعَ بما لم يُعطَ مِن دِينٍ أو مال أو نسَب أو مَنصِب أو حال، قال أبو العباس القُرطبيُّ : في «المفهِم» (1/315): «يعني ـ والله أعلم ـ أَنَّ مَنْ تظاهرَ بشيء مِن الكمال وتعاطاه وادَّعَاه لنفسه، وليس موصوفًا به، لم يَحْصُلْ له مِن ذلك إلَّا نقيضُ مقصودِه، وهو النَّقصُ، فإن كان المُدَّعَى مالًا لم يبارَكْ له فيه، أو علمًا أظهرَ اللهُ تعالى جَهْلَه، فاحتقَرَهُ النَّاس وقَلَّ مقدارُه عندهم، وكذلك لو ادَّعَى دِينًا أو نَسَبًا أو غَيْرَ ذلك فضَحَه اللهُ وأظهَرَ باطلَه، فقَلَّ مقدارُه وذَلَّ في نفسه، فحصَلَ على نقيضِ قصدِه».
وقال الإمام الشَّافعي :: «من سام بنفسِه فوقَ ما يساوي ردَّه الله تعالى إلى قيمتِه».
أنصحُك أن تحاسبَ نفسَك وتُمسكَ لسانَك؛ فإنَّه يُوردك المهالك ويُوصلك إلى سوء المسالك، قال عبد الله بن مسعود ت: «البلَاءُ مُوَكَّلٌّ بالقَولِ» [رواه وكيع في «الزُّهد» (311)، وصحَّحه الألباني في «الضعيفة»:(7/395)].
فكثرةُ الكلامِ وشِدَّةُ الاندفاع وقلةُ الأناة، توصلُ المرء إلى حتفِه وتُذيقُه وبالَ أمرِه.
ألم تعلم أنَّ الشَّيخين الفاضلين ربيعًا وعبيدًا حذَّرَا منك، ألم تشعرْ أنَّك صِرتَ تأتي المدينةَ النَّبويَّةَ ولا تزورُهما ولا تسألُ عنهما، فما الذي تغير؟ فيا لها من مصيبة، ويا لها من فاجعة.
أما تخاف أن يموتا ـ أطال اللهُ أعمارَهما في طاعته ـ ولمَّا تُصلحْ ما بينك وبينهما.
ألم تسأل نفسَك وتقُل: كيف خالفني هؤلاء الكبارُ وحذَّروا منِّي ورفضوا طريقتي؟ أأنا أعلمُ وأفقهُ أم هم؟
إنَّه العُجبُ والغرورُ اللَّذان يحملان المرءَ على مناطحةِ الكبار وانتقاصِهم ورَدِّ توجيهاتهم، حتَّى يظنَّ أنَّه على الحقِّ ولو قالوا فيه ما قالوا، قال بعضُ الحُكماءِ: «عُجبُ المرْءِ بنَفْسِه أَحدُ حُسَّادِ عقْلِه».
هل أنت مطمئنٌّ لهذا الحالِ السَّيِّء، هل أنت راضٍ بهذا الفسادِ العريض؟
لمَ لا تعودُ إليهما ـ والعَودُ أحمدُ ـ، وتسعى في الإصلاحِ ولمِّ الشَّمْل ورَأْب الصَّدْع، فتنالَ الأجرَ العظيم والثَّوابَ الجسيم، قال تعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا.
فلْنتَّقِ اللهَ في هذه الدَّعوةِ ولْنَرحم أهلَها وشبابَها، ولْنَعُد إلى رُشدِنا ولْنتجرَّد من حظوظ أنفسنا.
إنَّني ـ يعلم الله ـ مُشفقٌ عليك ممَّن ظَلمتَهم وبَغَيتَ عليهم طَوالَ هذه الفترةِ وأردتَ تشويهَ سيرتِهم، إنَّني خائف عليك من دعوات الأسحار ودموع المظلومين، قال تعالى:إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللهُ لِصَاحِبِهِ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ، مِنَ البَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ» [أخرجه أحمدُ وأصحابُ السُّنن إلَّا النَّسائيَّ]، وقال: «واتَّقِ دعْوَةَ المظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَها وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ» [رواه البخاري ومسلم].
وقال ابن سِعدي : في «جهاد الأعداء» (ص 22): «فما ارتفع أحدٌ إلا بالعَدلِ والوفاء، ولا سقَط أحدٌ إلا بالظُّلم والجوْرِ والغدْر»
إيَّاك من عَسْفِ الأنامِ وظلمِهم واحذر من الدَّعواتِ في الأسحار
لا تظلـمنَّ إِذا مـا كنتَ مقتدِرًا فالظُّـلـمُ آخـرُهُ يأْتـيك بالنَّـــدمِ

ولْنعلمْ جميعًا أنَّ الأيَّامَ دُوَلٌ وسِجال، ولا تدوم على حال، وخيرُ صاحبٍ فيها تقوى الله ذي العظمة والجلال، قال تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.
وفي الأخير أُذكِّر نفسي وجميعَ إخواني بقول الله (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ).

أرجو أن يتَّسعَ صدرُك لكلامي وتنتفعَ بنقدي، وآمَلُ أن تقرأَه بعين العدْل الإنصاف وتَطرحَ التَّحامُلَ والاعتساف.
نسألُ اللهَ أن يردَّنا إلى رشدنا وأن يعيذَنا من شرورِ أنفسنا وسيِّئاتِ أعمالنا، كما نسألُه أن يطهِّرَ قلوبَنا ويُصلحَ شأنَنا كلَّه، إنَّه سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدُّعاء، وصلَّى اللهُ وسلَّم وبارك على عبدِه ونبيِّه محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه.


كتبه أخوك
الناصح لك المشفق عليك
عمر بن مسعود الحاج مسعود
الجمعة 19 رمضان 1440
الموافق لـ 24 /05/2019


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله حيدوش ; 27 May 2019 الساعة 06:19 PM
رد مع اقتباس