عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 26 May 2015, 10:42 AM
أبو عبد الرحمن أسامة أبو عبد الرحمن أسامة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 509
افتراضي

قال الشّيخ العلاّمة: مُحمّد بن هادي المدخليّ -حفِظهُ الله- في شرحه لـ:"الإبانة الصُّغرى لابن بطّة":

قال:(...والجهميّة والمُرجِئة...)

والجهميّة: وهُم أتباع الجهم بن صفوان الذي ظهر في آخر المائة الأولى من ترمذ، قتله سَلم بن أحوز، وجهمٌ ضالٌّ مُضِلٌّ كفّره العُلماء؛ وأتباعه هُم المعروفون باسم الجهميّة، وجهمٌ قد أجمع الأئمّة على كُفره وضلاله؛ وقد ذكروا عنهُ أنّه شكّ حتّى في وُجود الله تبارك وتعالى وترك الصّلاة أربعين يومًا وخرج على النّاس بعد ذلك، ويُقال: إنّه كان يناظر السّومانيّة في الهند وهؤلاء لا يُؤمنون إلاّ بالمحسوسات فلمّا ناظرهم مرّةً قالوا له: أين إلهك؟ هل رأيته؟ قال: لا؛ تراه؟ قال: لا؛ سمعته؟ لا؛ لمسته؟ لا؛ شمَمْتَه؟ لا؛ ذقته؟ لا؛ فيقولون: وقع عنده الشّكّ حتّى في وجود الله تبارك وتعالى بعد ذلك.

وهذا من آثار مُقابلة المُنحرِفين مع قِلّة البضاعة، وجهمٌ خرج بعد ذلك على النّاس فقالوا له: أين إلهك؟ قال: لا أدري؛ في السّماء؟ لا أدري؛ في الأرض؟ لا أدري؛ إذًا أين هُو؟! قال: إن شِئتُم قولوا: هُو هذا الهواء الذي يتردّد في الفضاء؛ ما يدري هُو أين! فحصل بسببه ضلالٌ عظيمٌ للنّاس، وجهمٌ ينفي الأسماء والصِّفات ويقول: إنّ الله في كُلّ مكان؛ ليس له مكان.

وقد دخل أعرابيٌّ عليه مرّة وهُو في جامع ترمذ يُقرّر أوّل أمره المذهب الذي أخذه عنه تلاميذه المعتزلة: إنّ الله سميع بلا سمع؛ بصير بلا بصر؛ عالِمٌ بلا عِلم وهكذا؛ هذا كان في أوّل أمره ثمّ بعد ذلك انتهى إلى لا شيء؛ فوقف الأعرابي على هؤلاء النّاس المُتحلِّقين على هذا الأحمق الذي يُقرِّر هذا التّقرير؛ ويسمع هذا الأعرابي حتّى فرغ جهم فلمّا فرغ أنشأ في الحال يقول:

ألا إنَّ جهمًا كافِرٌ بان كُفرُهُ *** ومَن قال يومًا قول جَهمٍ فقد كفرْ
لقد جُنَّ جَهمٌ إذ يُـسمِّي إلــهَـهُ *** سميـعًا بلا سمـعٍ بـصيـرًا بِلا بَـصَر
عليمًا بلا عِلمٍ رضِيًّا بلا رضى *** لطيفًا بلا لُطفٍ خبيرًا بلا خَبَر
أيُرضيكَ أن لو قال يا جهمُ قائلٌ *** أبوك امرؤٌ حرٌّ خطيرٌ بلا خَطَر
مليحٌ بلا مُلحٍ بهِيٌّ بلا بهى *** طويلٌ بلا طولٍ يُخالِفُه القِصَر
حليمٌ بلا حُلمٍ وفِيٌّ بلا وفى *** فبالعقلِ موصوفٌ وبالجهلِ مُشتَهَر
جوادٌ بلا جودٍ قويٌّ بلا قوى *** كبيرٌ بلا كُبرٍ صغيرٌ بلا صِغَر
أمدحًا تُراهُ أم هِجاءً وسُبَّةً *** وهزءًا كفاك الله يا أحمقَ البَشَر
فإنَّـكَ شيطانٌ بُعِثتَ لِأُمَّةٍ *** تُصَيِّرُهم عمَّا قريـبٍ إلى سَقَر


فانفضَّ من في الحلقة عنده كلّهم جميعًا بفضل الله ثُمّ بما جاء من توفيقه لهذا الأعرابي العاقِل على الفِطرة؛ كيف سميعٌ بلا سمع؟! وبصير وبلا بصر؟! ومُتكلِّم بلا كلام؟! من يعقل هذا ومن يقبله؟! فأنشأ هذه الأبيات التي نفع اللهُ بها من في الحلقة فانفضُّوا عنهُ جميعًا.

والجهميّة: بدعتُهُم وفِتْنَتُهُم عظيمة، هُم جبريّة أيضًا بالأفعال؛ وأنّ العبدَ مجبورٌ على فعل نفسه؛ على الفعل.

صعدةٌ نابتةٌ في حائرٍ *** أينما الرِّيحُ تُميِّلْها تَمِلْ

عصا في مهبّ الرّيح لا تنبت شيئًا –فنعوذُ باللهِ من ذلك-، قد كفّره العُلماء وقُتِل في الكُفر والزّندقة، وهُم أشدّ الطّوائف في هذا الباب ضلالاً –نعوذُ باللهِ من ذلك-.

إن كُنتِ كاذبة الذي حدّثتنِي *** فعليكِ إثمُ الكاذب الفتّانِ
جهم بن صفوان وشيعتِهِ الأُلَى *** جحدوا صفات الخالِقِ الدّيّانِ
بل عطّلوا منهُ السّماوات العُلى *** والعرش أخلَوْهُ من الرّحمنِ


فهُو وأتباعه الجهميّة على هذا المذهب، والجهميّة كُفّار كفّرهُم خمس مائة إمام نقلهُم اللاّلكائي –رحمهُ الله تعالى- في:"السُّنّة"؛ ومِن قبلِه حكى الطّبراني –رحمهُ الله تعالى- في:"السُّنّة" التي نسألُ اللهَ جلّ وعلا أن يَمُنّ فيها على المُسلمين ويُمكِّنهُم من العثور عليها.

ولقد تقلّد كُفرَهُم خمسونَ فيه *** عشرٍ من العُلماء في البُلْدانِ

عشرة في خمسين كَم؟ خمس مائة إمام كفّروا الجهميّة، واليوم الدّكتور إبراهيم يقول لك: إِلِّي ما يُبدِّع الجهم بن صفوان ما هُو الجهميّ؛ الجهم بن صفوان تأخذ عنه العلم!! خلاف الإجماع للأسف وهُو مُتخصِّص في العقيدة.

إلِّي ما يبدِّع جهم هو عالِم وعنده فيه خير وعنده عِلم سُنّة؛ أنا ما أدري فين هذا العالِم إلِّي عنده سُنّة وعِلم وفيه خير وفاضل وما كفّر جهم؛ ما بدّع جهم؛ يعني: ما كفاه أنّه ما كفّر جهمًا؛ لا ما بدّع جهمًا يعني: حتّى التبديع نفسه لم تَرْضَ به! ويحتجّ على باطله هذا بباطلٍ وهُو أنّ الجهميّة دافع عنهُم عن جهم القاسميّ؛ ما شاء الله هذه الحُجّة المُحكَمة!

القاسميّ هُو أحد رَجُلَيْن:
إمّا أن يكون هذا الكلام منه كما ذكرتَ أنتَ ونقلته عن غيرك عن البحّاثة المُحقِّق أنّ هذا الكلام قبل أن يرجعَ إلى السُّنّة –القاسمي قاله!- فإذا كان قاله قبل أن يرجع إلى السُّنّة فلا يسوغُ الاحتجاج به؛ صح ولاّ لا؟!
وإن كان قاله بعد في آخر حياته فليس هُو بِحُجّة بل هذا دليلٌ على ضلالِه؛ فلا يجوزُ لَكَ أن تحتجَّ بِضالٍّ وبضلالٍ على خطئك أنتَ.

فالقاسميّ هُو أحد رجُلين:
إمّا أن يكون هذا قاله قبل أن يتوب كما تزعمون ويرجِع إلى السُّنّة فحينئذٍ لا حُجّة فيه لأنّه قد تركه؛ فلا يسوغُ لكَ الاحتجاج به.
وإمّا أن يكون قاله ومات عليه فحينئذٍ أنتَ تحتجُّ بمُبطلٍ وباطلٍ على باطلٍ ﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ.

وإذا كان قد عظُم في صدرِك القاسميّ؛ فنحنُ في صُدورنا عَظُمَت سُنّة رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم-.

وأمّا القول بأنّ العُلماء ما تكلّموا فيه؛ فالذي عندنَا:
أوّلاً: إحسانُ الظّنّ بالعُلماء فقد تكلّموا على من كان ضلالُهُ أقلّ من القاسميّ ممّن بلغهُم كلامه.
وثانيًا: قد أنكر عليهِ من أنكَر في زَمانِه وكتبوا بذلك واشتكوا إلى الوجيه مُحمّد نصيف أفندي بجدّة والكلام معروف في هذا؛ فبطل حينئذٍ الاحتجاج.

وعلى كُلّ حال سواءٌ كان هذا أو ذاك فالجهميّة كُفّار، وجهمٌ بذاته خاصّة كفّره العُلماء، بل من لم يُكفِّر الجهميّة السّلف يقولون: لا تقعُد إليه؛ ما هُو من لم يُبدِّعهم! من لم يُكفِّرهم؛ وقد ذكر ذلك الحافظ المروذي –رحمهُ الله- في كتاب:"الزّهد" للإمام أحمد بن حنبل وهُو راوِيه ذكره في زوائده عليه عن أبي بكرة الورّاق وهُو موجودٌ عن عددٍ من السّلف –رحمهُمُ الله-.

فإذن: الجهميّة هُنا الأصل فيها ماذا؟! من السُّنّة وتمام الإيمان وكمالِهِ أن تبرأ منها ولاّ لا؟! تبرأ منها؛ لأنّها مُخالفة للسُّنّة ولأنّها خارجةٌ عن إجماعِ الأُمّة، ثُمّ أيضًا: الواجبُ عليكَ أن تُبَايِن أهلَها وتُجانِب ما اعتقدوه ولاّ لا؟! من السُّنّة مُباينة أهل التّجهّم ومُباينة من اعتقد عقيدة التّجهّم والتّقرّب إلى الله بِمُخَالَفَتِه، مُجانبتُهُ ومُخالفتهُ؛ مُو أخذ العِلم عمّن لم يُبدِّعهُ! مُجانبة جهم واجبة وتكفيره قد كفّره فيه العُلماء، والجهميّة على العُموم كفّرهُم العُلماء كما سمعتُم كلام ابن القيِّم –رحمهُ الله- وكلام اللاّلكائي –رحمهُ الله-.

فأقلّ ما يُقال: إنّه يجبُ على المُؤمِن هذا الذي ذكره المُصنِّف، مُبايَنة هؤلاء ومُجانبتهم والتّقرّب إلى الله بِمُخالفتِهِم، ومن لم تجِد نفسهُ بتبديع الجهميّة فلا خير فيه مهما قيل، فإنّ هؤلاء ضُلاّل جاؤوا لهدمِ الدِّين.

ويجبُ على الأخ إبراهيم الرّحيلي أن يَتُوبَ إلى الله وَيَتْرُك المُراوغة، يوم يقول: قُلته على باب التّنزّل وهُو يُؤلِّف كتاب كامل في التّأصيل لهُ والدِّفاع عنه، ويوم يأتي: ويحتجّ عليه بالقاسميّ؛ فهذا يدُلُّ على أنّه ما قاله على مقام التّنزّل، ومرّة يقول: كلامِي مبتور! فهات الجُزء الذي بُتِر حتّى يصحّ كلامك! واترُك التّلوّن في دينِ الله جلّ وعلا، وقُل: أخطأت لا يضرّك بل يزيدُك رِفْعَةً عند الله وعند النّاس، وإيّاك إيّاك أن تظُنّ أنّ هذا ينفعُك عندَ من نوّر اللهُ بصائرهُم ولو حاولتَ وجهدتَّ.

ونحنُ نقول هذا: لأنّه قد أكثر التّشكِّي والصّياح والتّباكي والتّلوّن، تارةً يقُول؛ و تارةً يقُول؛ و تارةً يقُول، كُلّ ذلك أنفةً وكِبْرًا أن يقُول: أخطأت –ولا حول ولا قُوّة إلا بالله-.

وكذلك (...المُرجئة...) وقد تقدّم معنا الكلام عليهِم وهُمُ الذين لا يُثْبِتُون الأعمال في مُسمّى الإيمان؛ وهُم طوائف مُتعدِّدة أشدّهُم الجهميّة؛ وأخفّهُم مُرجِئة الفُقهاء؛ وكُلُّهم ليسوا من أهلِ السُّنّة.

أشدّهُمُ الجهميّة الذينَ يقولون: الإيمان هُو المعرِفة، وأخفّهم مُرجِئة الفُقهاء الذين يقُولون: أنّ الإيمان اعتقادٌ بالقلبِ ونُطقٌ باللِّسان ولا يُدخِلُون الأعمال في مُسمّى الإيمان؛ هؤلاء مُرجئة الفُقهاء هُم أخفّ أهل الإرجاء إرجاءً ومع ذلك ليسُوا من أهل السُّنّة، وقرأنا عليكُم كلام شيخ الإسلام ابن تيميّة –رحمهُ الله- في أنّ السّلف إيش؟ أنكرُوا عليهِم وردُّوا عليهِم وبدّعُوهُم؛ اشتدّ نكيرُهُم عليهِم وبدّعُوهُم.

والدّكتور إبراهيم يقول: ما في أحد بدّع مُرجئة الفُقهاء! للأسف، ولمّا ردّ عليه الشّيخ عُبيد؛ يقول: الشّيخ عُبيد ما هُو مُتخصِّص! وهذا كلامُهُ هُو وهو المُتخصِّص! فما أدري لو كان غير مُتخصِّص كما يَزعُم في الشّيخ عُبيد ماذا سيقُول؟! سيأتِي بالعجائب والطّامّات!

فالمُرجِئة ليسُوا من أهلِ السُّنّة، ابن المُبارَك لمّا قالوا له: أنتَ مُرجِئ؛ قال: أنا المُرجِئة لا تَقْبَلُنِي، أنا أقول: الإيمان قولٌ وعملٌ يزيدُ وينقُصُ؛ هُم يقولون: الإيمان قولٌ واعتقاد ما فيه عمَل وما يقولون بالزّيادة والنّقصان، هُم أصلاً ما يقبلونني أنا، لو جيت أنا أقول: أنا منكُم ما قَبِلُونِي؛ فكيف أنتَ تُريد أن تجعلهُم على مذهب ابن المبارك الذي هُو مذهب أهل السُّنّة؟!

عرفتُم إخوتي وأبنائي؟! فقولوا لإبراهيم الرّحيلي، نعم.اهـ (1)





وفرّغه:/ أبو عبد الرحمن أسامة
23 /محرم / 1434هـ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
(1) من شرح الشّيخ العلاّمة: مُحمّد المدخلي -حفظه الله- لـ:"الإبانة الصُّغرى لابن بطّة" / الدّرس 17 والأخير / والذي نُقل عبر إذاعة ميراث الأنبياء.

رد مع اقتباس