عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 26 Mar 2019, 09:39 PM
وليد ساسان وليد ساسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2018
المشاركات: 77
افتراضي

بارك الله في القائل والسامع والناقل وجعل فعلكم هذا مفتاح خير لجمع ما ضاع من شعاب الفوائد في أودية العلم، ولا يخفى على كل من نطق بالعلم أن بعض الأزمنة المفاجئة له؛ تكون أشد إنارة من تلك التي يُقدر لها ويحضر، وذلك لعوامل كثيرة منها مايرجع إلى النفس ومنها ما يرجع إلى المعنى:

فمما يرجع إلى نفسية المتكلم أن النفس متى كُبحت جمحت، ومتى أرسلت رحُبت.
وربما انطلقت وربما أنطبقت؛ فتأتي في الزمانين المتقاربين والمكانين المختلفين بما يترك السامع حائرا بين المدح والذم، يعرف هذا كل ممارس.
ولذلك شواهد في صفاة مُجالسي من مضى من الأمراء والعلماء؛ من الندماء الأدباء والعقلاء النبلاء..
وأما مايرجع إلى المعنى: فإن الإنسان ربما تكلم بالشيئ الذي يحضّره في الزمان الطويل ولا يشك أنه أحسن فيه، فلايزال معجبا بعلمه متجردا لقوته وحفظه، حتى إذا ألقاه من فيه إلى الأسماع كان هو أول من يمجه ويقليه.
وفي المقابل ربما تجده ما اجتمع له من أسباب الإساءة والتفريط ما اجتمع له في بعض الدروس والحلق، فما يلقيه على الأسماع إلا وهو يرى نفسه ماتكلم يوما مثل كلامه ولا أفاد مثل إفادته.

وما استوى على عرش هذه الرفعة من البيان إلا عندما جمع لله قلبه وانكسر بين يديه وصدق في توجهه، فوهبه الله لذلك من كنوز العلم ما وهبه، ووفقه لنور العلم والفهم...
وليعلم أن الجمع بين البحث والصدق هو المراد وهو أولى من الطرح.

ومن ترك اللباس تواضعا لله رفعه الله.
قال أهل العلم: ومن تركه ليرفعه الله لم يرفعه.!!

ومن جميل هذه الفوائد أنها اشبهت في أصلها ما خطته أقلام الأوائل:
ككتاب الفنون لابن عقيل، وصيد الخاطر لابن الجوزي، والفوائد لابن القيم ومجالس العلماء للزجاجي، رحمة الله على الجميع.
وفارقتها أنها فريدة- فيما يعلم- في صفتها وطريقة اقتناصها من مجالس لم تعقد لها أصالة.
وأنا أقرأ فوائدكم حضرتني فوائد بين فوائدكم منها:
فبين الفائدة الأولى والثانية نشأت عندنا طائفتين طائفة أتت على جوامع العلم فتواضعت وعرفت قيمتها وقيمة سلفها.

و طائفة عكفت على وسائل التواصل فقطفت من كل قصاصة فائدة أغرقتها في بحر الجهل والتعالم، والتكبر على العلماء؛ فتجدها تجادل بفرائد الفوائد أهل الفضل والعلم فجنوا على أنفسهم وعلى من معهم.

الفائدة السادسة:
أحسن بها من فائدة:
فنعم قد كان السلف أبعد الناس عن المجاملات والتمادح وقد بلغت المحبة في نفوسهم أوجها وفي كتب أدب العشرة عن الأعمش قال:
أدركت أقواماً لا يلقى الرجل أخاه الشهر والشهرين فإذا لقيه لم يزده على كيف أنت وكيف حالك ولو سأله شطر ماله أعطاه ثم أدركت آخرين لم يلق الرجل منهم أخاه يوماً سأله حتى عن الدجاجة في البيت ولو سأله حبة من ماله منعه.اه
وأكثر هذه الألقاب انتشرت لتملأ نقصا في حقيقتها وتجبر عيبا في طياتها ومن مدحك بما ليس فيك فقد أبلغ في ذمك.
ولذلك كان كل ناقص يحتاج إلى مايكمله ولما كانت المرأة ناقصة احتاجت إلى الزينة لتجبر نقصها، ولما كانت الجميلة أصالة لا تحتاج لما يزينها ويكملها سمتها العرب"غانية" لاستغنائها بجمالها عن الحلية.
وفي هذا المعنى يقول أحد الشعراء في ملوك الأندلس:

مما يزهدني في أرض أندلس// ألقاب معتضد فيها ومعتمد
ألقاب مملكة في غير موضعها// كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد.
الفائدة الثامنة:
أحبت أن انقل فيها كلاما في هذا المعنى:
ففي الأول:
يقول ابن مالك* في مقدّمة كتابه "تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد": " وإذا كانت العلومُ مِنَحاً إلهية، ومواهبَ اختصاصيةً فغيرُ مستبعَدٍ أن يُدَّخَر لبعض المتأخِّرين ما عسُرَ على كثيرٍ من المتقدِّمين، أعاذنا الله من حسدٍ يسدُّ بابَ الإنصاف ويصدُّ عن جميل الأوصاف. اه.
الثاني:
قال المرتضى الزَّبيديُّ معلقا عليه: والمعنى أن تَقدُّم الزمان وتأخُّرَه ليست له فضيلةٌ في نفسه؛ لأن الأزمانَ كلَّها متساويةٌ، وإنما المعتَبر الرجالُ الموجودون في تلك الأزمان، فالمصيبُ في رأيه ونقلِه ونقدِه لا يضرُّه تأخُّرُ زمانِه الذي أظهره اللهُ فيه، والمخطئ الفاسدُ الرأيِ الفاسدُ الفهمِ لا ينفعه تقدُّم زمانِه، وإنما المُعاصرة كما قيل: حِجابٌ والتقليد المَحْضُ وبالٌ على صاحبه وعذاب.

الثالث:
قاله حاجي خليفة* في مقدِّمة كشف الظنون: واعلم أن نتائجَ الأفكار لا تقف عند حدٍّ، وتصرُّفاتِ الأنظار لا تنتهي إلى غاية، بل لكل عالم ومتعلم منها حظٌّ يُحْرزه في وقته المقدَّر له، وليس لأحدٍ أن يزاحمه فيه؛ لأن العالَم المعنوي واسعٌ كالبحر الزاخر، والفيضَ الإلهي ليس له انقطاعٌ ولا آخر، والعلومُ منحٌ إلهية ومواهبُ صَمَدانية، فغير مستبعد أن يُدَّخَر لبعض المتأخِّرين ما لم يدَّخر لكثير من المتقدِّمين فلا تغترَّ بقول القائل: "ما ترك الأول للآخر"، بل القول الصحيح الظاهر: "كم ترك الأول للآخر" فإنما يُستجَاد الشيء ويُسترذَل لجَوْدته ورداءته لا لقِدَمه وحدوثه. ويقال: ليس بكلمةٍ أضرَّ بالعلم من قولهم: "ما ترك الأول شيئاً" لأنه يقطع الآمال عن العلم، ويحمل على التقاعد عن التعلم، فيقتصر الآخر على ما قدَّم الأولُ من الظواهر وهو خطر عظيم وقول سقيم، فالأوائل وإن فازوا باستخراج الأصول وتمهيدها فالأواخر فازوا بتفريع الأصول وتشييدها، كما قال عليه الصلاة والسلام: "أمتي أمة مباركة لا يُدْرَى أوَّلها خير أو آخرها. اه

الفائدة العاشرة:
من الأمثلة العالقة التي ربما تندرج تحت ماذكره الشيخ خالد ممثلا لا محددا:
قوله تعالى:" والنجم والشجر يسجدان"
فمنهم من فسر النجم بنجم السماء ومنهم من فسره بنجم الأرض وهو نوع من الشجر، واجتمع فيهما معنى التعبد لله.
وقوله تعالى:
"بينهما برزخ لا يبغيان" : على تفسير ابن جرير أن المراد بالبحرين بحر الأرض والسماء
وقول من فسره ببحر الأرض فقط أجاجه وعذبه.
هذا والله تعالى أعلم وجزاكم الله خيرا.

وجزاكم الله خيرا على ماتفضلتم.

وكتبه: محبكم وليد ساسان.

رد مع اقتباس