عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12 Feb 2015, 03:07 PM
أبو سهيل محمد القبي أبو سهيل محمد القبي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2014
المشاركات: 207
افتراضي حتى لا تصاب الدعوة السلفية في مقتل

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبيّنا محمّد، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فإنه كُتب على دين الإسلام وأهلِهِ، منذ اللحظة الأولى لميلاده، أن يواجه أكبر التحديات، ويُجابَهَ بأجلِّ الصعوبات، ذلك لأنّ الكفر لا يملك إلا وجهه القبيح، يزينّه ربما، ولكنه لا يملك أن يغيّره.

تاريخ العداوة


لمّا خلق الله عزوجل أبانا آدم عليه السلام، وأسجد له ملائكتَه، وفضّله على خلقه، حسده إبليس واستكبر عن السجود له بعد أن كان يعبد الله تعالى معززا مكرّما، قال تعالى { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ }[البقرة: 34]، ثم أسكن اللهُ سبحانه آدمَ جنتَه، وحذّره من وساوس إبليس وبيّن له عداوتَه، فقال تعالى { فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى }[طه: 117]، ولم يزل به يتظاهر له بالنصح حتى أغواه فأخرجه من الجنّة.
ثم انتقل العَدَاء والصراع بين الشيطان وذرية آدم إلى أن تقوم الساعة، واتخذ الشيطان من ذريته ومن بعض بني آدم من يعينه على المؤمنين، قال سبحانه { إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا }[الكهف: 50]
وهذه سنة كونية إلى قيام الساعة أن ابتلى الله تعالى عباده المؤمنين بأشكال وألوان من الأعداء، فالشيطان رأس الأعداء، والكفار على اختلاف مللهم عملاءُ له ومساعدون، ولم يزل أولياء الشيطان يعادون أولياءَ الله ودينَهم الحق، ويقفون في وجه دعوتهم، ويصدّون عن سبيلهم وطريقهم بشتى الوسائل والحيل والمكر والخداع، قال سبحانه { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا }[الفرقان: 31]
فأعداء الرسل هم أعداءُ الإسلام وأهله يتناصرون بمقتضى العداوة.

يا أبناء الدعوة .. الدعوة الدعوة


على أهل الدعوة إلى دين الإسلام الصافي، ألا يتنازلوا عن البيان، ولا عن البلاغ، لأنهما من أعظم وظائف الدعوة والدعاة، فإن حَجَبوه أو هادنوا فيه مسخوا دين الله عزوجل، وجعلوه ثوبا يرقعه أهل البدع بحسب أهواءهم، فيُصَوَّرُ على أنه الإسلام العظيم، ولا كذلك دينُ سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
وإليكم ـ إخواني القرّاء ـ أنموذجا واحدا على قولنا نختصره من حادثة هجرة بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة:
لمّا زاد الأذى بمكة على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أصحابه، أذِنَ لهم بالهجرة إلى الحبشة، ففرّوا بإسلامهم إلى بلادِ رجلٍ لا يُظلم عنده أحد، فتبعتهم قريشٌ ولم تتركهم يأمنون في تلك البلاد.
فأرسلت قريشٌ رجلين محمّلين بالهدايا للنجاشي وبطارقته، فدفعوا الهدايا أولا للبطارقة، وافترى من افترى منهما على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنّ من السفهاء غلمانا قد خرجوا على معهود دينهم، وسفهوا أحلام قومهم ... فكَلِّمُوا النجاشيَ فيهم، حتى يَرُدَّهم إلى قومهم، لِيَرَوا فيهم رأيَهم.
فلمّا عُرِض الأمرُ على النجاشي، وقد دُفِعت إليه الهدايا مما يُحبّ، وكلّمَهُ بطارقتُه في أن يَرُدّ أولئك إلى قومهم وهم أولى بهم، قال: لا يكون حتى أسمع منهم.
فلمّا نزل ذلك بجعفر بن أبي طالب ومن معه من الصحابة، نزل بهم أمرٌ شديد.
فقالوا: إذا عُرِضنا عليه غدا، ماذا نقول ؟
فقال جعفر: نقول والله، ما بلّغَنَاهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولا نكتمُ منه شيئا.

كان النجاشي نصرانيا، وعنده بطارقته من رؤساء ملته وأهل دينه، فكيف يُواجِهُ أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم القومَ، ـ وهم في قبضتهم ـ بما يكرهون.
فلما مَثَلوا بين يديه، سألهم عما أُرسل به الرجلُ الذي بُعث فيهم؟
فتكلّم جعفرٌ رضي الله عنه وأخبر بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من حقيقة الدعوة، وقرأ عليه شيئا من سورة مريم، فبكى النجاشي وبطارقته، ثم قال: والله إن هذا والذي جاء به موسى، ليخرج من مشكاة واحدة.
فانصرف الرجلان المبعوثان من قريش، وقال أحدهما: لآتينّهم في غد بما يجعل النجاشي يطردهم ويرجعهم إلى قريش.
فلما أصبحَ غدَا على النجاشي، فقال: أيها المَلِك، إنهم ليقولون في ابن مريم قولا عظيما، فاستدعاهم.
فتشاور الصحابة رضي الله عنهم قبل أن يَمثُلُوا بين يديه، ماذا تقولون له؟
فقالوا: والله لا نقولُ إلا ما بلَّغَناهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نكتمُ من البلاغ شيئا. [ راجع كتب السير إذا أردت التوسع والمزيد ]
فرضي الله عن الصحابة أجمعين، بلغوا دين رب العالمين، ولم يتنازلوا ولم يكتموا منه شيئا، فنصرهم الله تعالى على أعدائهم، ومكّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم.

لا تُصيبوا الدعوة في مقتل


من أكبر ما تصاب به الدعوة في مقتل، أن ينشغل الدعاة في الردّ على الاتهامات، وفي تبرير الأحكام، لأنه بسبب ذلك تبقى الدعوة حبيسةَ قفص الاتهام، وحينئذ يصاب أهل الدعوة بالذلة والمهانة، وربما دفعهم الغيظ والحنق إلى حماسةٍ متهوّرة، فيُحسَبُ ذلك على الدعوة بعدُ.
لأن أعداء الإسلام يحيكون المؤامرات، وينسجون الاتهامات للدعوة منذ جاء بها النبي صلى لله عليه، وإذا صار أهلها إلى التبرير ودفع التهم ذهبت ريحها.
تصاب الدعوة في مقتل، عندما يتحول الدعاةُ إلى مبررين مدافعين، والتهم تنهال عليهم، كلما فَرَغوا من شبهةٍ جاءتهم شبهة، وقد يتولد من ردّهم على الشبهة شبهةٌ، فأين بيان دين ربّنا، وأين بلاغ أمر نبيّنا للعالمين.

أسئلة بريئة وأمثلة واقعية


لا يخفى عليكم ـ إخواني ـ تلك الهجمات الشرسة التي يتعرض لها دين الإسلام، ورسول ربّ الأنام عليه الصلاة والسلام هذه الأيام من أهل الكفر والإلحاد ومن رضي بصنيعهم من أهل النفاق والعناد، سواء من الداخل أو الخارج، وهذا يبيّن العداوة التي يحملها هؤلاء في قلوبهم تجاه هذا الدين وأهله.
ـ روّجت بعض الصحف الإعلامية المحلية لشرّ وأخطر طائفة على أهل الإسلام، وهي الشيعة الرافضة، وصورتهم على أنهم يمثلون المذهب الموالي لآل النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم يحملون همّ القضية الفلسطينية، وأنهم المتصدي الوحيد للكيان الصهيوني ووو.
ـ في صحيفة أخرى محلية تجرأ نكرة متطاول على ربّ العالمين بالسبّ والانتقاص علنا أمام الناس بوقاحة لا نظير لها، والعجيب من ذلك أنه وجد أناسا يدافعون عنه، رافعين شعار " حرية التعبير ".
ـ في صحيفة أخرى كذلك محلية تجرأت عجوز شمطاء على دين الإسلام وعلى الصحابة الكرام من الخلفاء الراشدين، والسلف الصالحين، والعلماء الربانيين، في صمت رهيب يندى له الجبين.
ـ في صحيفة دولية تجرأ كتابها على الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم وسنته، وراحوا يطعنون فيها طعنا يحرق قلب كل مسلم.
مما يجعلني ويجعل كل مسلم غيور على دينه يتساءل:
لماذا في هذا الوقت بالذات تهاطلت علينا هذه الهجمات ؟ لماذا هذه الجرأة ؟ أين الخلل ؟
الجواب:
ـ إذا لم نعرض الإسلام عرضا صحيحا، فكيف يعرفه الناس؟
ـ إذا لم نبيّن للناس دين الله ونحمل الأمانة، فمن يبيّن الدين للناس ويحمل أمانة التبليغ؟
ـ إن خُنّا أمانة الله؟ فمن ذا يؤتمن بعدنا؟
إذا أدّينا هذه الواجبات، فوالله سيجعل اللهُ عزوجل العزة للمؤمنين، وسيُمكِّن لنا الدين، كما مكّنه للذين من قبلنا، وسترجع المهابة للمسلمين، فلا يستطيع كافر أو منافق من هنا وهناك مسّ شيء من مقدّساتنا.

إخواني العداوة قديمة ومتيقنة


ـ فلماذا ننتظر ورود الشبهات حتى نردّ عليها ونبيّن بطلانها؟
ـ أما آن لكل واحد منا ـ بحسب ما آتاه الله عزوجل من فضل ـ أن يبلّغ دين الله عزوجل، ويبيّن محاسنه ومزاياه، وأن يبلّغ للأنام سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، تطبيقا وتعليما.
ـ أما آن أن نبين للمسلمين خطر البدع في الدين وأهلها، قبل أن يقوم الجهّال بنشرها في وسائل الإعلام وغيرها.
نقول هذا: مع يقيننا أن ثلة من العلماء الربانيين والدعاة المصلحين قائمون ـ والحمد لله ـ بهذا الأمر العظيم، نسأل الله عزوجل أن يحفظهم، وأن يجعلنا وإخواننا سائرين في طريقهم ثابتين عليهم.

كتبه: أبو سهيل محمد في: 23/ربيع الثاني/1436


التعديل الأخير تم بواسطة أبو سهيل محمد القبي ; 12 Feb 2015 الساعة 05:35 PM
رد مع اقتباس