عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03 Jul 2017, 11:01 AM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي نصيحةٌ لطالب العلم في بلدٍ لا يُساعِدُ على التَّحصيل



نصيحةٌ لطالب العلم في بلدٍ لا يُسَاعِد على التَّحصيل

كثيرٌ من طلَّاب العلم مَنْ له أهليَّة وهمَّة عالية وحرصٌ شديد على التَّحصيل، لكن الوضع في بلادنا لا يساعده على ذلك، لعدم وجود مشايخ متفرِّغين، ولا مدارس متخصِّصة، فربَّما يتثبَّط بعضُهم بسبب ذلك.
وقد التقيت في الأيَّام الأخيرة بعددٍ من هؤلاء، فَلَهُم ولمن كان في مثل حالهم أقول:

إنَّ على طالب العلم أن لا ينتظر من غيره أن يُهيِّيء له أسباب التَّحصيل ويُعَبِّد له طريقه، فأنت تطلبُ أعزَّ المطالب وأشرفها وهو علم الشَّريعة، وقديمًا قيل فيما هو دون هذا:
لولا المشَقَّةُ سَادَ النَّاسُ كلُّهُمُ ** الجودُ يُفقِرُ والإقدامُ قَتَّالُ
هذا في الجود والشَّجاعة، فكيف بميراث النبوَّة؟!
فعلى طالب العلم أن يُوَطِّنَ نفسَهُ على المصاعب أوَّلا.

ثمَّ عليه أن يحرص على وقته، ويستفرغ جهده في حفظ المتون العلميَّة المتعارف عليها بين العلماء، وأوَّلها القرآن العظيم، ثمَّ مثلُ «عمدة الأحكام» و«بلوغ المرام» في الحديث، و«ألفيَّة ابن مالك» في النَّحو و«لاميَّة الأفعال» له، و«الورقات» و«مراقي السُّعود» في الأصول، و«نخبة الفكر» و«ألفيَّة العراقي» في المصطلح، وغير ذلك من المتون المعروفة، فيعمُر وقتَه بحفظ هذه المتون.
فهذه المتون ـ ولو لم يجد من يُدَرِّسها له ـ سيحتاج إليها في محفوظِهِ، فليشغَل وقتَه بذلك، فإنهَّا أعظمُ غنائمِ الصِّغر والفراغِ.

وعليه ثالثًا أن يستعين بالدُّروس المسجَّلة للعلماء، فدروس الشَّيخ ابن عثيمين في فنون العلم المختلفة، وشروح الشَّيخ صالح آل الشَّيخ في العقيدة فيها خير كثيرٌ، وقد قال لي مرَّة الشيخ عبد الرزَّاق العبَّاد ـ حفظه الله ـ: «أعرف طلبة علمٍ تأصلَّوا من دروس الشَّيخ ابن عثيمين المسجَّلة».

وقد قلتُ لبعض إخواني في مناسبات عديدةٍ: من يضمن لي أن يحفظ «بلوغ المرام» حفظًا متقنًا، ويستمع شرح الشَّيخ ابن عثيمين عليه (وهو في 270 درسًا) فيحفظُ ما يُحفَظ ويفهَمُ ما يُفْهَم، ويُقيِّد ما يُقَيَّد، فأنا أضمن له أن يخرج من ذلك بزادٍ يُؤهِّلُهُ لأن يكون مفتي قريته!
وعندي في البيت كُرَّاسةٌ كنت أدوِّن فيها فوائد الدُّروس المسجَّلة (وكنَّا نسميها آنذاك: السَّلاسل العلميَّة) قبل أن يُيَسِّر الله لي الرِّحلة، كتبتُ على غلافها الخارجي: «السَّلاسل العلميَّة رحلة الزَّوالية» ـ والزَّوالية باللِّسان الدَّارج هم الفقراء ـ، فنَعَم، إن لم تستطع أن ترحَلَ لمجالسة العلماء، فهذه مجالسهم قد رَحَلَتْ إليك.

ورابعًا: أن يحرص على مذاكرة إخوانه ومدارستهم، بأن يجلس إلى من هو فوقَه في العلم ـ إن وجد ـ فيدارسه ويباحثه في الكتاب الَّذي يدرسه، و يجلسَ مع مَنْ هو مثلُه فيذاكره، أو يجلس مع من هو دونه فيُلقِي عليهم من صغيرِ العلمِ ما ينتفعون هم به، وينتفع هو بتثبيتِه في نفسِه وزيادةِ وضوحه وتَقرُّرِه في ذهنِهِ.

وخامسًا: أن يحرص على الرِّحلة إلى المشايخ والعلماء متى ما تيَّسر له ذلك، ولا يستمع لمن يثبِّط عن ذلك، فإنَّ الرِّحلة سنَّة ماضية، وأقلُّ ما يستفيد منها طالب العلم أن يتفرغ يومَه كلَّه للطَّلب والتَّحصيل، وسيَجِد ـ إن وُفِّق ـ مشايخ متفرِّغين لتدريس فنون العلم المختلفة، وهذا الصنِّف من الدُّروس أنفعُ شيء لطالب العلم، أن يأخذ كتابه في شرح المتن المعتمد ويقرأه على شيخٍ متقنٍ لذلك الفنِّ قد دَرَسَه ودَرَّسَه.

فإن لم تتيسَّر له الرِّحلة فيستمرُّ على ما كان عليه، وهو في جميع ذلك يقتني ما يتيسَّر له من الكتب المهمَّة المفيدة، ويُطَالع فيها، ويُقَيِّد الفوائد الَّتي يقتَنِصُها منها، ويبحث المسائل المشكلة، ويحرص على سؤال المشايخ وطلَّاب العلم عمَّا يُشكل عليه، فلا شكَّ أنَّه سيُحصِّل خيرًا كثيرًا.

وفوقَ ذلك كلِّه يسأل الله التَّوفيق، فإنَّ العلم من أعزِّ ما يُطلب وأعظم ما يُوهب، ولا يُوفِّق الله إليه كلَّ أحدٍ ففي الحديث المتَّفق عليه: «من يُرِدِ الله به خيرًا يُفَقِّهه في الدِّين».

فاستعن يا طالب العلم بالله تعالى، وأَخْلِص له النيَّة، واسأله بإلحاحٍ أن يُيَسِّر لك أسباب العلم وطرقَه، ويُذَلِّل لك صِعَابه، واسلكُ الطَّريق الَّتي وصفت لك، فَسَتَصِل إن شاء الله، فإنَّ من سار على الدَّرب وَصَل، ومن أدام قَرْعَ الباب فُتِحَ لَه، فإن حالَ الأجلُ بينَه وبينَ مراتب العلماء وحملةِ العلمِ فقد أقام المعذرة لنفسه، ولعلَّ الله أن يُبَلِّغَهُ بنيَّته ما لم يبلغه بعلمه.
والحمد لله ربِّ العالمين.

كتبه ناصحًا لمن جعل العلم هَمَّهُ وغَرَضَه: خالد حمُّودة 9/10/1438


التعديل الأخير تم بواسطة أبو البراء ; 03 Jul 2017 الساعة 11:07 AM
رد مع اقتباس