عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 28 Oct 2019, 07:07 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي





فصل:
حاجَةُ العَبْدِ إلى أنْ يَسْألَ اللَّهَ أنْ يَهْدِيَهُ الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ

وَلا تَتِمُّ لَهُ سَلامَةُ القَلْبِ لِلْعَبْدِ مُطْلَقًا حَتّى يَسْلَمَ مِن خَمْسَةِ أشْياء:

مِن شِرْكٍ يُناقِضُ التَّوْحِيدَ، وبِدْعَةٍ تُخالِفُ السُّنَّةَ، وشَهْوَةٍ تُخالِفُ الأمْرَ، وغَفْلَةٍ تُناقِضُ الذِّكْرَ، وهَوًى يُناقِضُ التَّجْرِيدَ والإخْلاصَ.
وَهَذِهِ الخَمْسَةُ حُجُبٌ عَنِ اللَّهِ، وتَحْتَ كُلِّ واحِدٍ مِنها أنْواعٌ كَثِيرَةٌ، تَتَضَمَّنُ أفْرادًا لا تَنْحَصِرُ.
وَلِذَلِكَ اشْتَدَّتْ حاجَةُ العَبْدِ بَلْ ضَرُورَتُهُ، إلى أنْ يَسْألَ اللَّهَ أنْ يَهْدِيَهُ الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أحْوَجَ مِنهُ إلى هَذِهِ الدَّعْوَةِ، ولَيْسَ شَيْءٌ أنْفَعَ لَهُ مِنها.
فَإنَّ الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ يَتَضَمَّنُ: عُلُومًا، وإرادَةً، وأعْمالًا، وتُرُوكًا ظاهِرَةً وباطِنَةً تَجْرِي عَلَيْهِ كُلَّ وقْتٍ، فَـتَفاصِيلُ الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ قَدْ يَعْلَمُها العَبْدُ وقَدْ لا يَعْلَمُها، وقَدْ يَكُونُ ما لا يَعْلَمُهُ أكْثَرَ مِمّا يَعْلَمُهُ، وما يَعْلَمُهُ قَدْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وقَدْ لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وهو الصِّراطُ المُسْتَقِيمُ وإنْ عَجَزَ عَنْهُ، وما يَقْدِرُ عَلَيْهِ، قَدْ تُرِيدُهُ نَفْسُهُ وقَدْ لا تُرِيدُهُ كَسَلًا وتَهاوُنًا، أوْ لِقِيامِ مانِعٍ وغَيْرِ ذَلِكَ، وما تُرِيدُهُ قَدْ يَفْعَلُهُ وقَدْ لا يَفْعَلُهُ، وما يَفْعَلُهُ قَدْ يَقُومُ فِيهِ بِشُرُوطِ الإخْلاصِ وقَدْ لا يَقُومُ، وما يَقُومُ فِيهِ بِشُرُوطِ الإخْلاصِ قَدْ يَقُومُ فِيهِ بِكَمالِ المُتابَعَةِ وقَدْ لا يَقُومُ، وما يَقُومُ فِيهِ بِالمُتابَعَةِ قَدْ يَثْبُتُ عَلَيْهِ وقَدْ يُصْرَفُ قَلْبُهُ عَنْهُ، وهَذا كُلُّهُ واقِعٌ سارٍ في الخَلْقِ، فَـمُسْتَقِلٌّ ومُسْتَكْثِرٌ.
وَلَيْسَ في طِباعِ العَبْدِ الهِدايَةُ إلى ذَلِكَ، بَلْ مَتى وُكِلَ إلى طِباعِهِ حِيلَ بَيْنَهُ وبَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ، وهَذا هو الإرْكاسُ الَّذِي أرْكَسَ اللَّهُ بِهِ المُنافِقِينَ بِذُنُوبِهِمْ، فَأعادَهم إلى طِباعِهِمْ وما خُلِقَتْ عَلَيْهِ نُفُوسُهم مِنَ الجَهْلِ والظُّلْمِ، والرَّبُّ تَبارَكَ وتَعالى عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ في قَضائِهِ وقَدَرِهِ، ونَهْيِهِ وأمْرِهِ، فَيَهْدِي مَن يَشاءُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ بِفَضْلِهِ ورَحْمَتِهِ، وجَعْلِهِ الهِدايَةَ حَيْثُ تَصْلُحُ، ويَصْرِفُ مَن يَشاءُ عَنْ صِراطِهِ المُسْتَقِيمِ بِعَدْلِهِ وحِكْمَتِهِ، لِعَدَمِ صَلاحِيَةِ المَحَلِّ، وذَلِكَ مُوجِبُ صِراطِهِ المُسْتَقِيمِ الَّذِي هو عَلَيْهِ، فَإذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ نَصَبَ لِخَلْقِهِ صِراطًا مُسْتَقِيمًا يُوصِلُهم إلَيْهِ، فَهو عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
وَنَصَبَ لِعِبادِهِ مِن أمْرِهِ صِراطًا مُسْتَقِيمًا دَعاهم جَمِيعًا إلَيْهِ حُجَّةً مِنهُ وعَدْلًا، وهَدى مَن يَشاءُ مِنهم إلى سُلُوكِهِ نِعْمَةً مِنهُ وفَضْلًا، ولَمْ يَخْرُجْ بِهَذا العَدْلِ وهَذا الفَضْلِ عَنْ صِراطِهِ المُسْتَقِيمِ الَّذِي هو عَلَيْهِ، فَإذا كانَ يَوْمُ لِقائِهِ نَصَبَ لِخَلْقِهِ صِراطًا مُسْتَقِيمًا يُوَصِّلُهم إلى جَنَّتِهِ، ثُمَّ صَرَفَ عَنْهُ مَن صَرَفَ عَنْهُ في الدُّنْيا، وأقامَ عَلَيْهِ مَن أقامَهُ عَلَيْهِ في الدُّنْيا، نُورًا ظاهِرًا يَسْعى بَيْنَ أيْدِيهِمْ وبِأيْمانِهِمْ في ظُلْمَةِ الحَشْرِ، وحَفِظَ عَلَيْهِمْ نُورَهم حَتّى قَطَعُوهُ كَما حَفِظَ عَلَيْهِمُ الإيمانَ حَتّى لَقَوْهُ، وأطْفَأ نُورَ المُنافِقِينَ أحْوَجَ ما كانُوا إلَيْهِ، كَما أطْفَأهُ مِن قُلُوبِهِمْ في الدُّنْيا.
وَأقامَ أعْمالَ العُصاةِ بِجَنْبَتَيِ الصِّراطِ كَلالِيبَ وحَسَكًا تَخْطِفُهم كَما خَطَفَتْهم في الدُّنْيا عَنِ الِاسْتِقامَةِ عَلَيْهِ، وجَعَلَ قُوَّةَ سَيْرِهِمْ وسُرْعَتَهم عَلى قَدْرِ قُوَّةِ سَيْرِهِمْ وسُرْعَتِهِمْ في الدُّنْيا، ونَصَبَ لِلْمُؤْمِنِينَ حَوْضًا يَشْرَبُونَ مِنهُ بِإزاءِ شُرْبِهِمْ مِن شَرْعِهِ في الدُّنْيا، وحَرَمَ مِنَ الشُّرْبِ مِنهُ هُناكَ مَن حُرِمَ الشُّرْبَ مِن شَرْعِهِ ودِينِهِ هاهُنا.
فانَظُرْ إلى الآخِرَةِ كَأنَّها رَأْيُ عَيْنٍ، وتَأمَّلْ حِكْمَةَ اللَّهِ سُبْحانَهُ في الدّارَيْنِ، تَعْلَمْ حِينَئِذٍ عِلْمًا يَقِينًا لا شَكَّ فِيهِ: أنَّ الدُّنْيا مَزْرَعَةُ الآخِرَةِ وعُنْوانُها وأُنْمُوذَجُها، وأنَّ مَنازِلَ النّاسِ فِيها مِنَ السَّعادَةِ والشَّقاوَةِ عَلى حَسَبِ مَنازِلِهِمْ في هَذِهِ الدّارِ في الإيمانِ والعَمَلِ الصّالِحِ وضِدِّهِما، وبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
فَمِن أعْظَمِ عُقُوباتِ الذُّنُوبِ - الخُرُوجُ عَنِ الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ.

المصدر:
كتاب: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي المسمى الداء والدواء (فصل:محاسبة النفس/النقطة رقم 9 بعنوان: الصراط المستقيم.






الصور المرفقة
نوع الملف: png وليعلم الذين أوتوا العلم.png‏ (196.9 كيلوبايت, المشاهدات 1755)
نوع الملف: png القلب السليم.png‏ (357.4 كيلوبايت, المشاهدات 2047)
نوع الملف: jpg يامقلب القلوب.jpg‏ (44.9 كيلوبايت, المشاهدات 1976)
رد مع اقتباس