عرض مشاركة واحدة
  #23  
قديم 16 Oct 2019, 08:34 AM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي





* (فصل) (1)

المَوْضِعُ السّادِسُ: مِن قَوْلِهِ ﴿اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ﴾ فـالهِدايَةُ: هي البَيانُ والدَّلالَةُ، ثُمَّ التَّوْفِيقُ والإلْهامُ، وهو بَعْدَ البَيانِ والدَّلالَةِ، ولا سَبِيلَ إلى البَيانِ والدَّلالَةِ إلّا مِن جِهَةِ الرُّسُلِ، فَإذا حَصَلَ البَيانُ والدَّلالَةُ والَتَّعْرِيفُ، تَرَتَّبَ عَلَيْهِ هِدايَةُ التَّوْفِيقِ، وجَعْلُ الإيمانِ في القَلْبِ، وتَحْبِيبُهُ إلَيْهِ، وتَزْيِينُهُ في القَلْبِ، وجَعْلُهُ مُؤْثِرًا لَهُ، راضِيًا بِهِ، راغِبًا فِيهِ.

وَهُما هِدايَتانِ مُسْتَقِلَّتانِ، لا يَحْصُلُ الفَلاحُ إلّا بِهِما، وهُما مُتَضَمِّنَتانِ تَعْرِيفَ ما لَمْ نَعْلَمْهُ مِنَ الحَقِّ تَفْصِيلًا وإجْمالًا، وإلْهامَنا لَهُ، وجَعْلَنا مُرِيدِينَ لِاتِّباعِهِ ظاهِرًا وباطِنًا، ثُمَّ خَلْقُ القُدْرَةِ لَنا عَلى القِيامِ بِمُوجَبِ الهُدى بِالقَوْلِ والعَمَلِ والعَزْمِ، ثُمَّ إدامَةُ ذَلِكَ لَنا وتَثْبِيتُنا عَلَيْهِ إلى الوَفاةِ.

وَمِن هُنا يُعْلَمُ اضْطِرارُ العَبْدِ إلى سُؤالِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ فَوْقَ كُلِّ ضَرُورَةٍ، وبُطْلانُ قَوْلِ مَن يَقُولُ: إذا كُنّا مُهْتَدِينَ، فَكَيْفَ نَسْألُ الهِدايَةَ؟ فَإنَّ المَجْهُولَ لَنا مِنَ الحَقِّ أضْعافُ المَعْلُومِ، وما لا نُرِيدُ فِعْلَهُ تَهاوُنًا وكَسَلًا مِثْلُ ما نُرِيدُهُ أوْ أكْثَرُ مِنهُ أوْ دُونَهُ، وما لا نَقْدِرُ عَلَيْهِ مِمّا نُرِيدُهُ كَذَلِكَ، وما نَعْرِفُ جُمْلَتَهُ ولا نَهْتَدِي لِتَفاصِيلِهِ فَأمْرٌ يَفُوتُ الحَصْرَ، ونَحْنُ مُحْتاجُونَ إلى الهِدايَةِ التّامَّةِ، فَمَن كَمُلَتْ لَهُ هَذِهِ الأُمُورُ كانَ سُؤالُ الهِدايَةِ لَهُ سُؤالَ التَّثْبِيتِ والوِئامِ.

وَلِلْهِدايَةِ مَرْتَبَةٌ أُخْرى وهي آخِرُ مَراتِبِها وهي الهِدايَةُ يَوْمَ القِيامَةِ إلى طَرِيقِ الجَنَّةِ، وهو الصِّراطُ المُوَصِّلُ إلَيْها، فَمَن هُدِيَ في هَذِهِ الدّارِ إلى صِراطِ اللَّهِ المُسْتَقِيمِ، الَّذِي أرْسَلَ بِهِ رُسُلَهُ، وأنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ، هُدِيَ هُناكَ إلى الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ، المُوَصِّلِ إلى جَنَّتِهِ ودارِ ثَوابِهِ، وعَلى قَدْرِ ثُبُوتِ قَدَمِ العَبْدِ عَلى هَذا الصِّراطِ الَّذِي نَصَبَهُ اللَّهُ لِعِبادِهِ في هَذِهِ الدّارِ يَكُونُ ثُبُوتُ قَدَمِهِ عَلى الصِّراطِ المَنصُوبِ عَلى مَتْنِ جَهَنَّمَ، وعَلى قَدْرِ سَيْرِهِ عَلى هَذِهِ الصِّراطِ يَكُونُ سَيْرُهُ عَلى ذاكَ الصِّراطِ، فَمِنهم مَن يَمُرُّ كالبَرْقِ، ومِنهم مَن يَمُرُّ كالطَّرْفِ، ومِنهم مَن يَمُرُّ كالرِّيحِ، ومِنهم مَن يَمُرُّ كَشَدِّ الرِّكابِ، ومِنهم مَن يَسْعى سَعْيًا، ومِنهم مَن يَمْشِي مَشْيًا، ومِنهم مَن يَحْبُو حَبْوًا، ومِنهُمُ المَخْدُوشُ المُسَلَّمُ، ومِنهُمُ المُكَرْدَسُ في النّارِ، فَلْيَنْظُرِ العَبْدُ سَيْرَهُ عَلى ذَلِكَ الصِّراطِ مِن سَيْرِهِ عَلى هَذا، حَذْوَ القُذَّةِ بِالقُذَّةِ، جَزاءً وِفاقًا ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إلّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النمل: ٩٠].

وَلْيَنْظُرِ الشُّبُهاتِ والشَّهَواتِ الَّتِي تَعُوقُهُ عَنْ سَيْرِهِ عَلى هَذا الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ، فَإنَّها الكَلالِيبُ الَّتِي بِجَنَبَتَيْ ذاكَ الصِّراطِ، تَخْطَفُهُ وتَعُوقُهُ عَنِ المُرُورِ عَلَيْهِ، فَإنْ كَثُرَتْ هُنا وقَوِيَتْ فَكَذَلِكَ هي هُناكَ ﴿وَما رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: ٤٦].

فَـسُؤالُ الهِدايَةِ مُتَضَمِّنٌ لِحُصُولِ كُلِّ خَيْرٍ، والسَّلامَةِ مِن كُلِّ شَرٍّ.
--------------------------------------------
(1) مدارج السالكين بين منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين 1-3 ج1





الصور المرفقة
نوع الملف: png يهدي الله لنوره من يشاء.PNG‏ (529.9 كيلوبايت, المشاهدات 1811)
نوع الملف: png مهما بلغ الإنسان من علم.PNG‏ (778.0 كيلوبايت, المشاهدات 2449)
رد مع اقتباس