عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 23 Sep 2019, 01:04 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي





الدعوة إلى الله وأخلاق الدّعاة

ولتحقيق هداية التوفيق إلى سواء الطّريق، أعان الله سبحانه، عباده، بإرسال الرُّسُل، ليبيّنوا لهم ما نُزِّلَ إليهم من كتبٍ فيها الحياة والسّعادة والنّجاة.

وبـإرسال الرًّسل كما أسلفنا، تتمّ هداية الدّلالة والبيان، والتّوجيه، والدّعوة إلى الله، التي اصطفى لها ربّنا عزّوجلّ، أحسن عباده، خَلْقًا وخُلُقًا. فهيّأهم لتبليغ رسالة التّوحيد، فكان الإخلاص والصّبر والحِلم والحكمة، قائد الصّفات التي حملها أنبياء الله ورسله. حتّى يتمكّنوا من مواجهة، الّذين يبلّغونهم، بحزمٍ وقوّة وثبات. (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).
وقد بيّن الله سبحانه، في كتابه القرآن، صفات الأنبياء والرُّسل عليهم الصّلاة والسّلام، وأثنى عليهم أبلغ الثناء، حتّى يقتدي بهم، مَن تبعوا سبيلهم، واهتدوا بهديهم، لتكون دعوتهم إلى الله على بصيرة وعلم وحكمة وصبر وثبات.
ولقد عدّد الشيخ عبدالعزيز بن باز، جملة من صفات الدّعاة إلى الله وأخلاقهم. حيث قال رحمه الله، في موضوع عنوانه: "الدّعوة إلى الله وأخلاق الدّعاة":
{.....أمّا أخلاق الدعاة وصفاتهم التي ينبغي أن يكونوا عليها، فقد أوضحها الله جلّ وعلا في آيات كثيرة، في أماكن متعددة من كتابه الكريم.
-أولاً منها: الإخلاص، فيجب على الداعية أن يكون مخلصا لله عزّ وجل، لا يريد رياء ولا سمعة، ولا ثناء الناس ولا حمدهم، إنّما يدعو إلى الله يريد وجهه عز وجل، كما قال سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ [يوسف:108] وقال عز وجل: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ [فصلت:33] فعليك أن تخلص لله عز وجل، هذا أهمّ الأخلاق، هذا أعظم الصّفات أن تكون في دعوتك، تريد وجه الله والدار الآخرة.
-ثانيا: أن تكون على بيّنة في دعوتك أي على علم، لا تكن جاهلا بما تدعو إليه: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ" [يوسف:108] فلا بد من العلم، فالعلم فريضة، فإيّاك أن تدعو على جهالة، وإيّاك أن تتكلّم فيما لا تعلم، فالجاهل يهدّم ولا يبني، ويفسد ولا يصلح، فاتّق الله يا عبد الله، إيّاك أن تقول على الله بغير علم، لا تدعو إلى شيء إلاّ بعد العلم به، والبصيرة بما قاله الله ورسوله، فلا بدّ من بصيرة وهي العلم، فعلى طالب العلم وعلى الداعية، أن يتبصّر فيما يدعو إليه، وأن ينظر فيما يدعو إليه ودليله، فإن ظهر له الحقّ وعرفه دعا إلى ذلك، سواء كان ذلك فعلاً أو تركاً، فيدعو إلى الفعل إذا كان طاعة لله ورسوله، ويدعو إلى ترك ما نهى الله عنه ورسوله على بيّنة وبصيرة.
-ثالثا: من الأخلاق التي ينبغي لك أن تكون عليها أيّها الداعية، أن تكون حليماً في دعوتك، رفيقاً فيها، متحمّلاً صبورًا، كما فعل الرسل عليهم الصلاة والسلام، إيّاك والعجلة، إيّاك والعنف والشدّة، عليك بالصبر، عليك بالحلم، عليك بالرِّفق في دعوتك، وقد سبق لك بعض الدليل على ذلك كقوله جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] وقوله سبحانه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران:159] الآية وقوله جل وعلا في قصة موسى وهارون: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44] وفي الحديث الصحيح يقول النبي ﷺ: "اللّهمّ مَن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ومَن ولي من أمر أمتي شيئا فشقّ عليهم فاشقق عليه" خرجه مسلم في الصحيح،
فعليك يا عبد الله أن ترفق في دعوتك، ولا تشق على الناس، ولا تنفّرهم من الدّين، ولا تنفّرهم بغلظتك ولا بجهلك، ولا بأسلوبك العنيف المؤذي الضار، عليك أن تكون حليماً صبورًا، سلس القياد، ليّن الكلام، طيّب الكلام، حتى تؤثّر في قلب أخيك، وحتّى تؤثر في قلب المدعو، وحتى يأنس لدعوتك ويلين لها، ويتأثر بها، ويثني عليك بها ويشكرك عليها، أما العنف فهو منفّر لا مقرّب، ومفرّق لا جامع.
-ومن الأخلاق والأوصاف التي ينبغي، بل يجب أن يكون عليها الداعية، العمل بدعوته، وأن يكون قدوة صالحة فيما يدعو إليه، ليس مَن يدعو إلى شيء ثم يتركه، أو ينهى عنه ثم يرتكبه، هذه حال الخاسرين نعوذ بالله من ذلك، أمّا المؤمنون الرّابحون فهم دعاة الحق يعملون به وينشطون فيه ويسارعون إليه، ويبتعدون عمّا ينهون عنه، قال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ۝ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3] وقال سبحانه موبّخا اليهود على أمرهم الناس بالبر ونسيان أنفسهم: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [البقرة:44]. وصحّ عن النبي ﷺ أنّه قال: "يؤتى بالرجل يومم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور فيها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع عليه أهل النار فيقولون له يا فلان ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بلى كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه". هذه حال من دعا إلى الله وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ثم خالف قوله فعله وفعله قوله، نعوذ بالله من ذلك.
فمن أهمّ الأخلاق ومن أعظمها في حق الداعية، أن يعمل بما يدعو إليه، وأن ينتهي عما ينهى عنه، وأن يكون ذا خلق فاضل، وسيرة حميدة، وصبر ومصابرة، وإخلاص في دعوته، واجتهاد فيما يوصل الخير إلى الناس، وفيما يبعدهم من الباطل، ومع ذلك يدعو لهم بالهداية، هذا من الأخلاق الفاضلة، أن يدعو لهم بالهداية ويقول للمدعو: هداك الله، وفّقك الله لقبول الحق، أعانك الله على قبول الحق، تدعوه وترشده وتصبر على الأذى، ومع ذلك تدعو له بالهداية، قال النبي عليه الصلاة والسلام لمّا قيل عن (دوس) إنّهم عصوا، قال: اللّهمّ اهْدِ دوسا وأتِ بهم.
تدعو له بالهداية والتوفيق لقبول الحق، وتصبر وتصابر في ذلك، ولا تقنط ولا تيأس ولا تقل إلا خيراً، لا تعنف ولا تقل كلاماً سيّئاً ينفّر من الحق، ولكن مَن ظلم وتعدّى له شأن آخر، كما قال الله جلّ وعلا: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46]
فالظالم الذي يقابل الدعوة بالشر والعناد والأذى، له حكم آخر، في الإمكان تأديبه على ذلك بالسجن أو غيره، ويكون تأديبه على ذلك على حسب مراتب الظلم، لكن ما دام كافاً عن الأذى، فعليك أن تصبر عليه، وتحتسب وتجادله بالتي هي أحسن، وتصفح عمّا يتعلق بشخصك من بعض الأذى، كما صبر الرسل وأتباعهم بإحسان.
وأسأل الله عز وجل أن يوفّقنا جميعاً لحسن الدّعوة إليه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يمنحنا جميعا الفقه في دينه، والثبات عليه، ويجعلنا من الهداة المهتدين، والصالحين المصلحين، إنّه جلّ وعلا جواد كريم،
وصلّى الله وسلّم وبارك على عبده ورسوله نبيّنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدّين[1]. ..
--------------------------------
[1] - هذا الموضوع نشر في رسالة برقم ٤٨ عام ١٤٠٢هـ عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وقد نشر في مجلة البحوث الإسلامية العدد الرابع الصادر من محرم إلى جمادى الآخرة عام ١٣٩٨ هـ، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 1/ 324).

المصدر



و قبل تطرّق الشيخ ابن باز رحمه الله لـصفات الدّعاة وأخلاقهم، قد ذكر الدّعوة إلى الله و أهميّتها وفضلها، ثمّ ذكر:

كيفية أدائها وأساليبها:

أمّا كيفية الدعوة وأسلوبها فقد بينها الله عز وجل في كتابه الكريم، وفيما جاء في سُنّة نبيّه عليه الصلاة والسلام، ومن أوضح ذلك قوله جلّ وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] فأوضح سبحانه الكيفية التي ينبغي أن يتّصف بها الداعية ويسلكها يبدأ أولا بـالحكمة، والمراد بها الأدلة المقنعة الواضحة الكاشفة للحق، والداحضة للباطل، ولهذا قال بعض المفسرين المعنى بـ القرآن، لأنّه الحكمة العظيمة، لأنّ فيه البيان والإيضاح للحق بأكمل وجه، وقال بعضهم معناه بـالأدلة من الكتاب والسُّنَّة، وبكل حال، فـالحكمة كلمة عظيمة، معناها الدّعوة إلى الله بالعلم والبصيرة، والأدلة الواضحة المقنعة الكاشفة للحق، والمبيّنة له، وهي كلمة مشتركة تطلق على معان كثيرة، تطلق على النبوة وعلى العلم والفقه في الدين وعلى العقل، وعلى الورع وعلى أشياء أخرى، وهي في الأصل كما قال الشوكاني رحمه الله: الأمر الذي يمنع عن السفه، هذه هي الحكمة، والمعنى: أنّ كل كلمة وكلّ مقالة تردعك عن السّفه، وتزجرك عن الباطل فهي حكمة، وهكذا كلّ مقال واضح صريح، صحيح في نفسه، فهو حكمة، فـالآيات القرآنية أولى بأن تسمّى حكمة، وهكذا السُّنَّة الصحيحة أولى بأن تسمى حكمة بعد كتاب الله، وقد سمّاها الله حكمة في كتابه العظيم، كما في قوله جل وعلا: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة:129] يعني السُّنَّة، وكما في قوله سبحانه: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269] الآية، فالأدلة الواضحة تسمّى حكمة، والكلام الواضح المصيب للحق، يسمى حكمة كما تقدم، ومن ذلك الحكمة التي تكون في فم الفرس: وهي بفتح الحاء والكاف سميت بذلك، لأنها تمنع الفرس من المضي في السير، إذا جذبها صاحبها بهذه الحكمة.
فالحكمة كلمة تمنع مَن سمعها من المضي في الباطل، وتدعوه إلى الأخذ بالحق والتأثر به، والوقوف عند الحدّ الذي حدّه الله عزّ وجل، فعلى الداعية إلى الله عز وجل أن يدعو بالحكمة، ويبدأ بها ويعنى بها، فإذا كان المدعو عنده بعض الجفا والاعتراض، دعوته بالموعظة الحسنة بالآيات والأحاديث التي فيها الوعظ والترغيب، فإن كان عنده شبهة جادلته بالتي هي أحسن، ولا تغلظ عليه، بل تصبر عليه ولا تعجل ولا تعنف، بل تجتهد في كشف الشبهة، وإيضاح الأدلة بالأسلوب الحسن، وهكذا ينبغي لك أيها الداعية، أن تتحمّل وتصبر ولا تشدد، لأنّ هذا أقرب إلى الانتفاع بالحق وقبوله وتأثر المدعو، وصبره على المجادلة والمناقشة، وقد أمر الله جل وعلا موسى وهارون لمّا بعثهما إلى فرعون أن يقولا له قولا لينا وهو أطغى الطغاة، قال الله جل وعلا في أمره لموسى وهارون: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44] وقال الله سبحانه في نبيّه محمد عليه الصلاة السلام: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] الآية، فعلم بذلك أن الأسلوب الحكيم والطريق المستقيم في الدعوة أن يكون الداعي حكيما في الدعوة، بصيرا بأسلوبها، لا يعجل ولا يعنف، بل يدعو بالحكمة، وهي المقال الواضح المصيب للحق من الآيات والأحاديث، وبـالموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن هذا هو الأسلوب الذي ينبغي لك في الدعوة إلى الله عز وجل، أمّا الدعوة بالجهل فهذا يضر ولا ينفع، كما يأتي بيان ذلك إن شاء الله عند ذكر أخلاق الدعاة، لأنّ الدعوة مع الجهل بالأدلة، قول على الله بغير علم، وهكذا الدعوة بالعنف والشدّة ضررها أكثر، وإنّما الواجب والمشروع هو الأخذ بما بيّنه الله عز وجل في سورة النحل وهو قوله سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ [النحل:125] الآية، إلاّ إذا ظهر من المدعو العناد والظلم، فلا مانع من الإغلاظ عليه كما قال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التحريم:9] الآية، وقال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46]



وقد شرح رسالة الشيخ ابن باز رحمه الله:"الدعوة إلى الله وأخلاق الدّعاة"، فضيلة الشيخ عبدالله البخاري حفظه الله ورعاه.
فإليكموها:

المصدر

الصور المرفقة
نوع الملف: png الدعوة بالحكمة.png‏ (596.3 كيلوبايت, المشاهدات 1915)
نوع الملف: png ادع إلى سبيل ربّك.png‏ (205.7 كيلوبايت, المشاهدات 2115)
نوع الملف: png أخلاق الدعاة.png‏ (490.6 كيلوبايت, المشاهدات 1948)
رد مع اقتباس