[فتحي إدريس]

إنَّه لمن المحزن أن يطالبَ المرء بالرُّجوع عن قوله والتَّوبة والأوبَة دون أن يبيَّن له جُرْمُه ولا أن يعطى فرصةً لمناقشة رأيه واطمئنان قَلْبِهِ، وإذا تابَ ورجع دون أن يبنى رجوعه وتراجعه على الحقِّ والأدلَّة فعلى أيِّ شيءٍ سيكون بنى رأيَه وقوله إلا على ما شهدَ به الأخ الذي ناقشته -ومن مناقبه صراحته فلم يزعم لنفسه اتباع الدليل- إذ قال: "المهم أنا مع الشيخ فركوس" ولعلها من فروع ونتاج "أنتم سندي".
وقد بعث الله أنبياءه ورسله بمحاجَّة أهل الكتاب والمشركين ومجادلتهم بالتي هي أحسن مع أنَّهم كانوا على شيءٍ مخالفٍ لما جبل الله عز وجل عليه البشر، بل هم في قرارة أنفسهم مقرُّون به، ومع ذلك لم يرسل الله عز وجل أنبياءه ورسله دون بينات وحجج بل أرسل معهم الآيات البينة الباهرة التي يؤمن على مثلها البشر، وجلس الأنبياء يدعونهم ويحاجونهم ويبينون فساد مذبهم ويفحمونهم ويتحدونهم؛ فكيف لا يجادلُ السلفيُّون ولا يبيَّن لهم الحقُّ ولا يبصَّرون في هذه النازلة التي حارت فيها عقول بعض الحكماء، وأبرهت من حنكته التجارب، وعركته الفتن؛ فكيف بالشَّابِّ الحدث.
نسأل الله أن يردَّنا إليه ردًّا جميلًا، وأن يوفِّقنا للسير على الدرب الذي رسمه الأئمَّة،
قال أبو داود: قال لي أحمد: "لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا"["مسائل الإمام أحمد «(ص 276 - 277)] وكلُّ واحدٍ من هؤلاء إمام جليلٌ طبَّق علمه وشهرته الآفاق وقرن علمه بالعمل وكانوا كلهم على الهدي الأوَّل، فكيف بغيرهم ممن هو دونهم قطعا؟!
ولقد تذكرت حين قراءتي لما كتبته من المطالبة بالبيان والتوبة عند فلان؛ ما ذكره الشيخ عبيد الجابري -رحمه الله- هذا العالم المتفرِّس الذي أبقت هذه الفتنة كلماته المخصرة قواعد يستضاء بها حقيقةٌ بأن تدرس، فما تكلم بكلمة إلا كانت واقعة موقعها، وهكذا العلماء الربانيون الذين شرح الله صدورهم حتى جرت الحكمة على ألسنتهم، فقد قال: "اعلموا أن السلفية لم يؤسسها أحد من البشر بل هي دين الله الذي جاءت به الرسل والنبيون من نوح أولهم إلى محمد خاتمهم صلى الله عليه وسلم" فهي بحمد الله عز وجل دين ربنا سبحانه الذي تجب العبوديَّة له سبحانه لا لأحد سواه، فليست السَّلفية حزبًا من الأحزاب.