عرض مشاركة واحدة
  #21  
قديم 24 May 2008, 09:51 PM
أبو البراء إلياس الباتني أبو البراء إلياس الباتني غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 106
افتراضي

أبو قتادة يجيز قتل النساء و الأطفال قصدا و لو لم يقاتِلوا


لم يقف إجرام المشبوه عند حد جواز قتل النساء و الأطفال من غير قصد إذا اختلطوا بالعدوّ، بل تعدّاه إلى جواز تقصّد قتلهم رأسا؛ طلبا للضغط على الجيش بذلك؛ قال في مقاله السابق (ص 12): ”و قد جاء في الحديث ـ كما سيأتي ـ جواز الهجوم على الذريّة و النساء؛ حتى ينخذل الكفّار و يتشتّت أمرهم، فتتوسع دائرة المعركة، فتسهل هزيمتهم؛ و ذلك بجزعهم على أبنائهم و نسائهم، و بتفرقهم من أجل حمايتهم، فقد روى البخاري في صحيحه في قصة الجاسوس الخزاعي الذي أرسله ليكتشف له شأن قريش، و هو قادم للعمرة، و ذلك في قصة الحديبية، فأخبره الجاسوس أن قريش (كذا) جمعت له حلفاءها من المقيمين حول مكة لزيارة البيت، فاستشار رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ أصحابه قائلا: "أشيروا عليّ: أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم؛ فإن قعدوا قعدوا موتورين محروبين، و إن لم يجيئوا تكن عنقا قد قطعها الله، أم ترون أن نؤمّ البيت فمن صدّنا قاتلناه؟" انتهى، هذا لفظ عبد الرزاق في مصنفه، و قد رواه البخاري في صحيحه بألفاظ مقاربة، ففي الحديث جواز اتخاذ الذرية و النساء وسيلة ضغط على المشركين لتوهين أمرهم و تفريق جمعهم؛ فإن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ أراد الهجوم على النساء و الذرية حتى يفرّق الحلفاء من حول قريش.

بهذا يتبين أن ما فعلته ’الجماعة الإسلامية المسلحة‘ من تهديد ذرية و نساء المرتدين بالقتل من أجل تخفيف وطأتهم على النساء و المساجين و الإخوان هو عمل شرعي لا شبهة فيه! ! !“.

النقد:

1- هذا ظلم بيّم، في كلام ليّن؛ و إلا فلا أدري لماذا عَدَل هنا عن التعبير بالقتل إلى التعبير بـ ’التهديد‘ فقط، و قد صرّح في بحثه كلِّه بأن الجماعة المذكورة قامت بالغزو الجماعي لديار المسلمين؟!

2- أين هي شرعية الجهاد في الجزائر حتى يُبنى عليها هذه الفروع الإجراميّة؟!

و يدخل تحت هذا البحث فروع أخرى يدندن حولها اليوم ’الجهاديّون!‘ من غير مراعاة لأصل المسألة، و من هذه الفروع قولهم:

- هل الاغتيالات جائزة؟ فيجيبون بلا معاناة: لقد أمر رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ باغتيال ابن أبي الحقيق اليهودي!

- هل يجوز تفجير البلاد الكافرة و قد يكون فيهم مسلمون؟ فيجيبون بلا مبالاة: قد رمى النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ بلا تمييز!

- هل العمليات الانتحارية جائزة ؟ فيجيبون بلا مراعاة: قد اقتحم البراء بن مالك عسكر العدوّ!

- بل وصل بهم الضلال إلى القول بجواز اختلاس أموال الكفار و سبي نسائهم؛ استدلالا بفعل أبي بصير ـ رضي الله عنه ـ لمّا كان يُغير على قوافل قريش! ! !.

و الجواب الجامع لهذه الفروع يُعلم من الجواب عن السؤال الآتي: متى كانت الاغتيالات و العمليات الفدائية و ما يتبعها: أبعدَ مشروعيةِ الجهاد أم قبله؟

و متى كان أبو بصير يُغير على القوافل: أبعدَ مشروعية الجهاد أم قبله؟

و بتعبير آخر: هل كان رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ يقوم بهذه الأشياء و هو مستضعف في مكة؟

و الجواب معروف عند من لديه أدنى اطّلاع على سيرة الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ وجهاده، و لا أظن عاقلا يتصور المسلمين اليوم أقوياء و هم يستوردون الإبرة من عدوّهم، و الله المستعان.

بل إنك لتسأل هذه الجماعات التكفيرية: لماذا تعيشون في بلاد الكفر؟

فيجيبون بقولهم: لأننا مستضعفون في بلادنا... لا نجد حريّتنا... لا نعبد الله على راحتنا...

إذاً فهي شهادة منهم على أنهم مستضعفون، بل ستجد ـ فيما يأتي إن شاء الله ـ شهادة المشبوه على نفسه بأنه خرج من بلده؛ لأنه عجز عن الجهاد فيها! !

و الحق أن هذه المسائل مبنية على أصل مشروعية القتال؛ لأن القتال إذا شُرع تفرّع عنه ما سبق إقداما أو إحجاما فلا تتباحث مع أصحاب هذا الطرح مسائلهم تلك إلا بعد تصحيح أصلها؛ لأن الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ الذي أخذت عنه أحكام الجهاد ـ لم يكن يغتال أو يفجّر أو يجيز العمليّات الانتحارية أيام الاستضعاف.

ونسأل أولئك أيضا: كيف يتصرف المسلم تجاه من يؤذيه إذا كان مستضعفا، بل تجاه من يؤذي الله ـ عز و جل ـ و رسوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ؟

الجواب: قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في 'الصارم المسلول' (2 / 413): [فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف، أو في وقت هو فيه مستضعف، فليعمل بآية الصبر و الصفح عمن يؤذي الله و رسوله من الذين أوتوا الكتاب و المشركين...]

فدلّ هذا على أن آيات القتال تكون ناسخة لآيات الصبر عند وجود القوّة، و ليست ناسخة لها مطلقا، و لذلك قال بعد كلامه هذا مباشرة: [و أم أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون].

و إذا سألت عن الدليل، أجابك ابن تيمية نفسه بقوله في المصدر السابق (2 / 208): [الرابع: أن المسلمين كانوا ممنوعين قبل الهجرة و في أوائل الهجرة من الابتداء بالقتال، و كان قتل الكفّار حينئذ محرما، و هو من قتل النفس بغير حق، كما قال ـ تعالى ـ: {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم}، إلى قوله: {فلما كتب عليهم القتال} (النساء 77)].

قلت: ها أنت ـ أخي القارئ! ـ بين علم و دليل، و من فضل الله عليك أن وُفِّق لك هذا الراسخ ـ رحمه الله تعالى ـ، فأَصْغ للعلم، و أذعن للدليل، و اعرف لأهل هذا الشأن قدرهم، و أنا أكرر هذا دائما ليرسخ؛ و لأنه خلاصة الكلام في مباحث الجهاد، و إن رُمْت تفسير ذلك زدتك من كلامه قوله عقبه مباشرة: [و لهذا أوّل ما أنزل من القرآن فيه نزل بالإباحة، بقوله: {أُذِن للذين يقاتَلون} (الحج 39)، و هذا من العلم العام بين أهل المعرفة بسيرة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ لا يخفى على أحد منهم أنه ـ صلى الله عليه و سلم ـ كان قبل الهجرة و بعيْدها ممنوعا عن ابتداء القتل و القتال، و لهذا قال للأنصار الذين بايعوه ليلة العقبة لمّا استأذنوه أن يميلوا على أهل منى: "إنه لم يؤذن لي في القتال"1، و كان ذلك بمنزلة الأنبياء الذين لم يِمروا بالقتال، كنوح و هود و صالح و إبراهيم و عيسى، بل كأكثر الأنبياء غير أنبياء بني إسرائيل، ثم إنه لمّا هاجر لم يقاتل أحدا من أهل المدينة، و لم يأمر بقتل أحد من رؤوسهم الذين كانوا يجمعونهم على الكفر، و لا من غيرهم].

ثم إن القول بمشروعية الجهاد أو عدمه غير متروك للمجاهيل، بل و لا للثقات من طلبة العلم، و إنما هو لأهل العلم، بل جعله ابن تيمية ـ رحمه الله ـ خاصا بخواصهم، فقد قال في 'منهاج السنة' (4 / 504): [و في الجملة فالبحث في هذه الدقائق من وظيفة خواص أهل العلم]، فأي عار يلحق من استجاب لذلك و هو يسمع الله يقول: {و لو رَدّوه إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه} (النساء 83)؟ !

وهذا الجواب كاف في حقيقته لتوقيف مباحثة تلك المسائل مع صاحبها، مع ذلك فإنني أتنقّل بالأجوبة الآتية:

3- من العجائب أن يقيس المشبوه النساء المسلمات و الأطفال المسلمين على النساء الكافرات و الأطفال الكفّار، و هذا دأبه في كل ما تجرّأ فيه على هؤلاء الأبرياء، و الله ـ تعالى ـ يقول: {أم نجعل الذين آمنوا و عملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} (سورة ص 28).

4- لا بد أن لا ينسى القارئ أن المشبوه استدل بهذه القصة لتسويغ قتل النساء و الأطفال في الجزائر، مع أنه ليس في شيء من روايات الحديث أنه ـ صلى الله عليه و سلم ـ أراد قتل هؤلاء النساء و الأطفال كما أوهم المشبوه، و إنما هو السبي فقط، و لذلك قال ابن حجر عند شرحه (5 / 352): [و فيه أشياء تتعلّق بالجهاد، منها جواز سبي ذراري الكفّار إذا انفردوا عن المقاتلة، و لو كان قبل القتال].

5- أن في الرواية بيانا لسبب استحقاق هؤلاء لهذه العقوبة، و هو أنهم كانوا تمالؤوا مع كفار قريش على حرب النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ و أصحابه، كما في رواية البخاري (4178،4179) و عبد الرزاق (9720) و أحمد (4 / 328) و اللفظ له، و ابن حبان (4872) و الطبراني (2 / 13) و البيهقي (7 / 171) و (10 / 109) و غيرهم، عن المسور بن مخزمة و مروان بن الحكم ـ يصدّق كل منهما حديث صاحبه ـ قالا: (خرج النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ زمان الحديبية في بضع عشرة مئة من أصحابه، حتى إذا كانوا بذي الحليفة، قلّد رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ الهدي و أشعره، و أحرم بالعمرة، و بعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش، و سار رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ حتى إذا كان بغدير الأشطاط قريب من عُسفان أتاه عينه الخزاعي، فقال: إني قد تركت كعب بن لؤي و عامر بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش2، و جمعوا لك جموعا،و هم مقاتلوك و صادّوك عن البيت، فقال النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ: "أشيروا عليّ: أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم؛ فإن قعدوا موتورين محروبين3، و إن يحنُون تكن عنقا قطعها الله، أو ترون أن نَؤُم البيت، فمن صدّنا عنه قاتلناه؟" فقال أبو بكر: الله و رسوله أعلم يا نبي الله! إنما جئنا معتمرين و لم نجئ نقاتل أحدا، و لكن من حال بيننا و بين لبيت قاتلناه، فقال النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ: "فروحوا إذاً".

قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في 'منهاج السنة' (8 / 391): [ففي الحديبية لما شاورهم على أن يغير على ذريّة الذين اعانوا قريشا أو يذهب إلى البيت، فمن صدّه قاتله]، و قال ابن حجر في 'الفتح' (5 / 334): [المراد أنه ـ صلى الله عليه و سلم ـ استشار أصحابه: هل يخالفوا الذين نصروا قريشا إلى مواضعهم فيسبي أهلهم؛ فإن جاؤوا إلى نصرهم اشتغلوا بهم و انفرد هو و أصحابه بقريش، و ذلك المراد بقوله: "تكن عنقا قطعها الله"، فأشار عليه أبو بكر الصديق بترك القتال و الاستمرار على ما خرج له من العمرة حتى يكون بدء القتال منهم، فرجع إلى رأيه].

وحشية الأكباد الغليظة:
قتل والديه لأنهما كانا ينويان تزويج أخته من شرطي! !

لا يزال التسلسل الإجرامي بأعداء الجنس البشري ممتدَّ الحبل إلى دم آخر آدميّ تصله أيديهم، فقد نشرت مجلة الأنصار، فيعددها (147)، في (ص 4)، بتاريخ: (الخميس 14 من ذي الحجة 1416 هـ)، الموافق لـ (2/5/1996 م) صورة مقال من مجلة القتال، التي تصدرها الجماعة الإسلامية المسلحة بالجزائر، في عددها (32)، و هي الناطق الرسمي لهذه الجماعة، تحت عنوان: ’كلمة العدد: هكذا ليكن الجهاد... إحياء لسيرة السلف! !‘ كما يمليه عليهم غلوّهم، و كان ممّا قالوه: ”لقد وصل أفراد الجماعة الإسلامية إلى درجة نحمد الله ـ تعالى ـ عليها بالبراءة من المرتدّين و أعوانهم، حتى لو كانوا آباءهم و أهليهم؛ و ما ذلك إلا بسبب فهمهم لعقيدة السلف الصالح و التشبه بسيرة الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ، فإن بعض عمليات أفراد الجماعة في تطبيق حكم الله في المرتدّين و أعوانهم كانت ضد آبائهم و إخوانهم، ففي بوقرّة4 قام شاب من أفراد الجماعة بتطبيق حكم الله ـ تعالى ـ في والديه؛ بعد ما رفضا حكم الله ـ تعالى ـ، و ذلك بقبولهما بتزويج أخته إلى رجل مليشيّ! ! !

فالحمد لله الذي أحيا فينا سيرة سلف الأمة الصالح {لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادّون من حادّ الله و رسوله و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان و أيّدهم بروح منه و يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم و رضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون} (المجادلة 22).

فهذه خَيرات الجهاد، و هذه هي آثار نعمة الله ـ تعالى ـ على عباده إن سلكوا سبيل الأوائل في اتباع الكتاب و السنة ! ! !“.

صورة البيان السابق

[ ]

إنّ دافع هذه الفرحة التي غمرت أصحاب هذه القلوب الحجرية هو الولاء و البراء كما يتوهّمونه، و قد مرّ بنا نقل تزكية أبي قتادة لثورة هؤلاء حين قال في خطبته: ”الجهاد الواضح أنّ الجزائري يقتل الجزائري! لماذا يقتله؟ لأن هذا جند الله،وهؤلاء جند الطاغوت! أرأيتم في هذا الوقت جهادا بمثل هذا الوضوح؟!!“.

إن أي عسكري يُعدّ عندهم كافر، و من ثَمّ حرُم تزويج المرأة منه، و مَن قوي إيمانه عندهم و أراد أن يحيي (سيرة السلف!) قتل والديه إذا خالفا الحكم كما ترى!

قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: "أوَ أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة؟!" متفق عليه.

و الحقيقة أن بعض الخوارج أخفّ ضررا من هؤلاء الأجلاف، فقد ذكر الإمام أبو الحسن الأشعري في 'مقالات الإسلاميين' (1 / 189) عن الضحّاكية ـ فرقة من الخوارج ـ أنهم: [أجازوا أن يزوّجوا المرأة المسلمة عندهم من كفّار قومهم في دار التَّقيَّة، فأما في العلانية ـ و قد جاز حكمهم فيها ـ فإنهم لا يستحلّون ذلك فيها] !

لماذا يغزون قرى المسلمين في الجزائر؟

جاء في المقال السابق قولهم في أوله: ”بعد أن نُقِّيَّ الصف، و تمايزت الصفوف، و بدأت تظهر بوادر معرفة حقائق القرى و المدن، و خلوصها إلى نصرة المجاهدين أو دخولهم في دين الطاغوت، و انضمامهم إلى الميلشيات، فإن المعركة على أرض الجزائر تزداد قوّة و ضراوة... ! !“.

النقد:

1- هذا وصف صريح من الجماعة الإسلامية المسلحة لمدن الجزائر و قراها، فهي عندهم إما معهم فأهلها مسلمون، و إما هي لم تنضم إليهم فأهلها كافرون! !

و أمّا وصفهم القرى و المدن بأنّها انضمّت إلى الميليشيات فهذا تهويل بالباطل؛ لأنه لم يُعرف أن القرى كانت تقاتل مع عساكر الدولة!

فتأمل هذه الكذبة؛ لتعلم مبلغ ديانة هؤلاء الذين يتشدّقون كثيرا بدولة الإسلام، و دولة الإسلام تتنزّه عن الكذب، لا سيما إذا كان وراء ذلك استحلال ما حرّم الله من الدماء و الأعراض.

ثم هي مراوغة و تقيّة، و ما داموا يسندون ظهورهم إلى التقيّة فليس لنا معهم حيلة، كما قيل:
من كان يخلق ما يقو [][][] لُ فحيلتي معه قليلة

و الحقيقة المرّة أنهم انطلقوا في ذلك من مذهب أسلافهم أزارقة الخوارج، قال أبو الحسن الأشعري ـ رحمه الله ـ في 'المقالات' (1 / 174):
[و زعمت الأزارقة أن من أقام في دار الكفر فكافر، لا يسعه إلا الخروج].

ثم لو قاتلت هذه القرى أولئك الوحوش للدفاع عن نفسها لما كان لأحد عليهم سبيل؛ فإن الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ قال: "من قُتل دون ماله فهو شهيد، و من قُتل دون أهله فهو شهيد، و من قُتل دون دينه فهو شهيد، و قتل دون دمه فهو شهيد" رواه أحمد و أبو داود و النسائي و الترمذي، و صححه الألباني في 'أحكام الجنائز' (ص 57)، و بعض فقراته في الصحيحين.

ولقائل أن يقول: نحن نخرج على هؤلاء السلاطين دفاعا عن أموالنا و أنفسنا انطلاقا من هذا الحديث، و الجواب: أن السلطان مستثنى ههنا؛ للنصوص المتواترة في الأمر بالصبر عليهم في ذلك، قال ابن المنذر ـ رحمه الله ـ في 'الأوسط في السنن و الإجماع و الاختلاف' (ص 407): [و الذي عليه عوام أهل العلم، أن للرجل أن يقاتل عن نفسه و عن ماله و أهله إذا أُريد ظلما؛ للأخبار التي رُوِيت عن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ أنه قال: "من قُتل دون ماله فهو شهيد"، لم يخص وقتا دون وقت، و لا حالا دون حال إلا السلطان؛ فإن كل من نحفظ عنهم من علماء أهل الحديث كالمجمعين على أنه من لم يمكنه أن يمنع نفسه و ماله إلا بالخروج على السلطان و محاربته أنه لا يحاربه، و لا يخرج عليه للأخبار التي جاءت عن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ بالأمر بالصبر على ما يكون منهم من الجوْر و الظلم، و تَرك قتالهم و الخروج عليهم ما أقاموا الصلاة].

2- من ذلك الوصف، انطلقوا يغزون القرى غزوا جماعيا،و هم يرون أن الصفوف متمايزة، إذا فلا يحتاجون إلى تمييزها، و أنهم حين أبادوا قرًى كاملة إنما أبادوا كفّارا!

فهل يسوغ ـ بعد شهادة القوم على أنفسهم ـ أن يبرَّؤوا مما يفتخرون به من جرائم؟!

فيا لله العجب من قوم وقفوا يوعِدون و يصدّون عن سبيل الله، لا يرون فاعلا لهذه الجرائم سوى المخابرات، و هم يقرٍؤون معنا هذا الاعتراف من صاحب الجريمة نفسه! !

يقول الله ـ تعالى ـ: {يأيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله و لو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين} (النساء 135).

------------------------------------------

1: عن كعب بن مالك قال: (كان أوّل من ضرب على يد رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ البراء بن مَعرور، ثم تتابع القوم، فلما بايعنا رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفَذ صوت سمعته قطّ: يا أهل الجبَاجب! هل لكم في مذمّم و الصباة معه، قد اجتمعوا على حربكم، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: ما يقول عدوّ الله، هذا أَزب العقبة، هذا ابن أزيب، اسمع عدوّ الله، أما و الله! لأفرغنّ لك، ثم قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: ارفضُّوا (أي اذهبوا و تفرّقوا) إلى رحالكم، فقال له العباس بن عبادة بن نضلة: و الذي بعثك بالحق! لئن شئت لَنميلنّ غداً على أهل منىً بأسيافنا، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: لم نُؤمر بذلك، و لكن ارجعوا إلى رحالكم، قال: فرجعنا إلى مضاجعنا، فنمنا عليها حتى أصبحنا...) أخرجه ابن هشام في 'السيرة' (2 / 297) و ابن سعد (1 / 223) و أحمد (3 / 461) و الفاكهي في 'تاريخ مكة' (4 / 238) و ابن جرير في 'تاريخه' (2 / 464-465) و اللفظ له، و البيهقي في 'دلائل النبوة' (2 / 444-449)، و هو صحيح؛ فإن معبد بن كعب بن مالك تابعه جمع عند ابن سعد.
و في 'معجم ما استعجم' للبكري (1 / 361) في معنى الجباجب: [قال الحربي: هي منازل منى]، و في 'غريب الحديث' لابن قُتيبة (2 / 179): [قال الأصمعي: و لا أحسبه سُمّي بذلك إلا لأن الكروش (أي كروش الأضاحي) تلقى فيه أيام الحج، و الكروش يقال لها الجباجب، واحدها جبجبة بفتح الجيمين، فسُمي المكان بها لكثرتها فيه.]
و في 'المعجم' أيضا (ص 362) [عن الحربي أنه قال: و الجبجب المستوي من الأرض ليس بحزونة]، و كذلك هي أرض منى.]
و أما كلمة (مذمّم) فإن معناها المبالغة في الذم، يقصدون به الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ قال ابن حجر في 'الفتح' (6 / 558): [كان الكفار من قريش من شدة كراهيتهم في النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ لا يسمّونه باسمه الدال على المدح، فيعدلون إلى ضده، فيقولون مذمّم! !].
و أما الصباة، فإنه جمع الصابئ خُفّفت همزته، و هو الذي خرج من دين إلى دين، و يقصدون بذلك المسلمين، انظر 'لسان العرب'، مادة صبأ.
و في هذا الحديث دليل واضح على أن الشيطان يحرص على استفزاز الكفّار ضد المسلمين، إذا كان هؤلاء ضعفاء، و أنه يفرح لتحرّك المسلمين لمواجهة عدوّهم في وقت الضعف إذا استُفِزّوا بتعذيب و نحوه؛ كي لا يتمكّنوا من التقوّي في دينهم و دنياهم، لأن السِّلم يخدم الدعوة خدمة عظيمة، و لا أدلّ من ذلك قَبول النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ صلح الحديبية على الرغم مما كان فيه من ظلم للمسلمين، فليتأمّل هذا المتعجّلون المتحمّسون لردّ استفزاز الأعداء؛ متوهّمين أن مواجهتهم ـ في هذا الظّرف ـ تكُف شرهم أو تُخفّفه أو تُثبت وجودهم على حدّ تعبيرهم العصري، مع أن الواقع يكذّب ذلك.
و قد كان وجود رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ بين أظهرهم من أعظم الأسباب التي حفظ الله بها تلك العصبة المؤمنة ـ رضي الله عنهم ـ، يدفع عنهم ـ بحكمته ـ الحماسة الزائدة، و لذلك لمّا صدّق المشركون الشيطان إذ صاح بهم، أتوا رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ و أصحابه فوجدوهم نائمين، فنامت الفتنة، و حُفِظت العصبة المؤمنة، و لو حصل مثل هذا الاستفزاز الشيطاني لبني جلدتنا اليوم لأقرّوا عين الشيطان، و الله المستعان.
و عن عبد الله بن عبّاس أن عبد الرحمن بن عوف و أصحابا له أتوا النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ بمكة، فقالوا: يا رسول الله! إنا كنّا في عِز و نحن مشركون، فلمّا آمنّا صرنا أذلّة، فقال : "إني أُمِرت بالعفو، فلا تقاتلوا" رواه النسائي و هو صحيح.
2: قال ابن تيمية في 'منهاج السنة' (8 / 407-408): [الأحابيش: و هي الجماعات المستجمعة من قبائل، و التحبّش: التجمّع].
3: قال السِّندي في شرحه على 'المسند' كما في طبعة الرسالة (31 / 254): [موتورين: أي منفردين على الأهل و المال، محروبين: أي مسلوبين منهوبي الأموال و العيال].
4: منطقة قريبة من عاصمة الجزائر.


التعديل الأخير تم بواسطة أبو البراء إلياس الباتني ; 24 May 2008 الساعة 10:57 PM
رد مع اقتباس