عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 21 May 2008, 09:59 PM
أبو البراء إلياس الباتني أبو البراء إلياس الباتني غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 106
افتراضي

فتوى أبي قتادة في قتل النساء و الأطفال

وصف حال الإجرام التي وقعت في الجزائر


قبل أن أخوض في الموضوع، أعرض على القارئ بعض الصور الإجرامية التي وقعت في الجزائر باسم الجهاد في سبيل الله؛ وذلك لأنه أكثرُ عونا على فهم فتوى المشبوه، فأقول:
1- حصل أن اغتيل بعض رؤوس الكفر ممن يعلنون كفرهم، و لكن هذا النوع من الاغتيال من أندر ما وقع.
2- حصل قتل بعض المسؤولين الذين ترى بعض الجماعات القتالية كفرهم، و هذا في ندرته كسابقه.
3- حصل قتل الشرطة و سائر أجهزة الأمن، و هذا كان منه العدد الكبير الذي لا يحصر، بل يُقتلون يوميا كقتل الذباب، و جلّ من قُتل من هؤلاء هم الذين لا يقدّمون من الأمر شيئا و لا يؤخرون و إنما هم طلّاب رزق لعيالهم. و قد قُتل هؤلاء على أساس أنهم داخلون في حكم طائفة حكامهم، كما قُتلوا على أساس إضعاف الدولة و إحداث النكاية فيها!
4- محاولة اغتيال المسؤولين في الأوساط الشعبية، و الغالب أنهم لا يصيبونهم، و إنما تقع الإصابة على سائر الشعب المسلم الذي لا حماية له.
5- قتل رجال الأمن أو المسؤولين بمن حولهم من مدنيين و نساء و أطفال و عجزة...
6- غزو قرى المسلمين و تذبيح الجميع بلا تمييز، و هذا أيضا منه شيء كثير؛ على أساس تكفير الشعب بتكفير حكامه، و أن الدار دار حرب، أي ـ كما يقول المشبوه و أتباعه ـ كفر الحاكم و كفر طائفته التي هي الشعب؛ و لو لم تكن هذه الطائفة كافرة لالتحقت بالثوار، و إذ لم تفعل فحكمها حكمه، كذا هي فلسفتهم!
7- اغتصاب أموال التجار و الأغنياء لصالح مقاتليهم، فمن أعطى فهو آمن، و من تردد فغير ضامن، و من قال: (كيف؟!)، أخذه السيف، و حصل من هذا عدد لا يُحصى!
8- و صور أخرى لا تنضبط؛ و هذه هي حالة القتال غير المنضبط بالشرع، و الله المستعان.

عن أبي هريرة عن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ قال: "من خرج من الطاعة و فارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية، و من قاتل تحت راية عُمِّيَّ يغضب لعَصَبة، أو يدعو إلى عَصَبَة، أو ينصر عصَبة، فقُتل فقتلة جاهلية، و من خرج على أمتي يضرب برّها و فاجرها، و لا يتحاش من مؤمنها، و لا يفي لذي عهد عهده، فليس مني و لست منه" رواه مسلم (1848).

ظروف الفتوى

قبل أن يعرض المشبوه فتواه، قدّم بكلمة تحت عنوان ’ظروف الفتوى‘.

و هذه ’الظروف‘ عبارة عن حكايات لألوان التعذيب التي تعرض لها من ذكرهم و هو في فلسطين و سوريا و روسيا...

و مثاله قوله في مجلة الأنصار، العدد (90)، في (ص 10)، بتاريخ: (29 شوّال 1415 هـ): ”هل نحدّثك ـ أخي القارئ! ـ عن وضع الأخوات في سجون البعثي...؟ !“، ثم صوّر هناك بأن الأسارى في الجزائر يعيشون أسوأ أيامهم، و لذلك احتاجوا إلى فتواه لإنقاذهم مما هم فيه.

و هذا العرض العاطفي للمسائل الشرعية نفثة حركية معلومة؛ يلجأ أصحابها المفلسون من الحجة الشرعية إلى الأسلوب الخطابي العاطفي، يلهبون به مشاعر الناس نحو ما يقع ’لمجاهديهم! ‘ من العقوبات، أو يلجؤون إلى طريقة القصّاص في حكاية بطولات رؤوسهم، فيقولون مثلا: إن سّيد قطب مات من أجل قضية الإسلام، أو إنه أُعدم و هو رافع سبّابة التوحيد...!

و ما هي إلا حكايات من لغو البطولات، و فقه غريب مدهون بالعواطف العاصفات، يفتحون بها شهيّة الثوّار، و يغلقون بها عقول الأغمار، حتى إذا استدرّوا عواطفهم، و أدمعوا أعينهم، أوجدوا لشبهاتهم أرضيّة لتحطّ رحالها و لا ترحل، و هناك يحرم على الفقه أن يدخل بقيوده، و على الشرع أن يتكلم بضوابطه، و إنما هي أهواء، تحت غطاء الولاء و البراء.

تنبيه مهم:
الملاحظ هنا أن المشبوه يريد الكلام عن ضرورة الجهاد في سبيل الله لإقامة الدولة الإسلامية، لأنه يسمي الحكام ’مرتدّين‘ من هذا الباب.

و إذا كان جهاده ـ كجهاد من هم على مشربه ـ قائما لهذا الغرض، فعلام حكاية هذه الشكايات المشار إليها أعلاه؟!

و المقصود ههنا تحرير سبب قيام هؤلاء على دولهم: أهو من أجل حماية جناب ’الحاكمية‘، أم هو من أجل حماية أنفسهم؟

و إذا قيل إن الجهاد شُرع من أجل هذا و هذا، قلنا: فبأي دافع بدأتم، و لأي الغرضين خرجتم؟

إنني نبّهت على هذا؛ لأن الغالب على هذه الحركات الدمويّة و الجهاديّة اليوم أنها لا تتحرك نحو ما تسميه ’جهادا‘ إلا إذا أُخذ على أيدي أفرادها.

و إنك لتجد الحكم بالشريعة معطّلا في البلاد سنوات طويلة، فلا يتحركون للمواجهة إلا ما كان من حركة اللسان، فإذا حصل لبعض أفرادهم مكروه جاءت الفتاوى في مشروعية الجهاد، بل في وجوبه، بل في الرمي بالنفاق لمن لا يرى ذلك! و لو حاول القارئ المنصف أن يتذكر أول دافع لخروج كل من خرج في هذا العصر و من قبله لوجد ذلك جليا في أكثر البلاد.

و كم يلبّس الشيطان على هؤلاء؛ إذ يلبس نيّتهم لباس التقوى، و يظهر لهم من أنفسهم أنهم قاموا لتحكيم الشريعة، و لكن أمارات تكذيب ذلك تظهر على أعمالهم:
- إما بالانحراف عن سيرة الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ في طريقة النهي عن المنكر، و عدم التحاكم إلى هديه في ذلك.
- و إما بالاستجابة إلى نوازع النفس و إشباع رغباتها في الانتصار لها من الظالم، و إضفاء الصبغة الجهادية عليها، فيظل أحدهم يدافع على نفسه في معركة ضارية، و لا يجري على لسانه إلا الدفاع عن الدين!

و قد تظهر نواياهم أحيانا في لحن القول، كما قال ـ تعالى ـ: {و لو شاء الله لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم و تعرفنهم في لحن القول و الله يعلم أعمالكم} (محمد 30)، و هذا هو الذي حصل للمشبوه هنا.

و قد يتفلت من ألسنتهم ألفاظ صريحة، تنادي على أصحابها بالفضيحة، كما حصل للشيخ سلمان العودة في محاضرة ’مهرجان بريدة‘، حيث قال: ”أتدرون كم دفعت الجزائر كدولة، و كأمّة؟ كم دفعت ثمنا للعدوان على رجال الإسلام: على عباسي مدني، و على علي بن حاج، و على غيرهم من رموز الدعوة و رموز الإسلام؟“.

قلت: و إن عجبت لهذه الفلتة، فاعجب لجوابه، حيث قال: ”فقط عشرة آلاف قتيل... ! ! “.

إنه تصريح من سلمان على أنهم ماتوا في سبيل رجال... !

فأين إخلاص الدين لله؟!

وأين الجهاد لإقامة دولة الإسلام؟!

و أين الجهاد لنفي الشرك الذي سمّاه فتنة، فقال: {و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله} (الأنفال 39).

و لو كانت هذه التضحية مشروعة من أجل حماية الرجال، فلماذا لم تحظ قضية الحاكمية بمثلها، و قد كان مقتضيها قائما قبل وجود هؤلاء ’الرجال‘؟!

أي لماذا لا يخرجون عند إقصاء الشريعة، و إنما يخرجون دائما عقب الأخذ على أيدي رموزهم؟!

إن سلمان العودة يريد إفهام مريديه بضرورة التفكير في إراقة الدماء في البلاد السعودية، لو حصل له و لأشكاله مكروه؛ بدليل قوله في المحاضرة نفسها: ”قضيتنا (أي في السعودية) أكبر من هذا البلد (أي الجزائر)، لكن هذا البلد أيضا من ضمن قضايانا! ! !“.

هكذا صراحة، مع ذلك لا يزال قوم يستغفلوننا بأن الرجل لم يحرّض على شيء!

هذا أمر، و أمر آخر: هو ربطه الخروج بزمن العدوان على أشخاصهم؛ كأن الشريعة ليست إلا هم، و هم ليسوا إلا الشريعة!

و إذا قيل إنهم أوذوا بسبب دعوتهم إلى تحكيم الشريعة، قلنا: فلماذا لم يُفتوا بالخروج بمجرد إقامتهم الحجة البيانية على منابرهم؟!

لماذا يمكثون سنوات و هم يزمجرون على المنابر من غير خروج، فإذا أوذوا جادت أنفسهم به؟!

أليس خروجهم من أجل الشريعة أولى من خروجهم من أجل أنفسهم؟!

أقول هذا كله انطلاقا من منطقهم، و إلا فقد دلّ ما ترون على أن جهادهم انقلب من حماية الدعوة إلى طلب الحماية بالدعوة، فتأمّل! ! !

و قد صرّح به المشبوه عند كلامه على الجماعة الإسلامية المصرية، فقال في حواره مع جريدة ’الحياة‘: ”إن العمل المسلّح لدى الجماعة المصرية لم يكن أصلا في منهجها، و إنما تطوّرات الواقع ـ مثل اغتيالات بعض قادتها ـ هي التي أدّت بهم إلى دفع الصائل! !“.

و إذا كانت الجماعة المصرية تراجعت عن العمل المسلح بسبب ضعفها، فهل يشرع للمستضعف أن يدفع عن نفسه صيالة الصائل، و هو يعلم أنه عاجز، عمّا يترتب عليه؟

لقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ يُؤذى و يُعتدى عليه و هو مستضعف، فكيف كان ردّه؟

لقد كان يمر بآل ياسر و هم يُؤذون، بل يُقتلون،فلا يزيد على قوله: "صبرا يا آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة"، و هو صحيح كما قال العلامة الألباني في تعليقه على 'فقه السيرة' (ص 103)، و قد أخرجه ابن سعد (3 / 249) و الطبراني في 'الأوسط' (1508) و الحاكم (3 / 383، 388-389) و أبو نعيم في 'معرفة الصحابة' (6664) و البيهقي في 'الدلائل' (2 / 282) و ابن عساكر في 'تاريخ دمشق' (43 / 371) من طرق عن مسلم بن إبراهيم عن هشام الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر، إلا أن ابن سعد أسقط الصحابي، و يبدو أن الإسقاط منه؛ لأن ابن عساكر رواه من طريقه بالإسقاط نفسه، أما بقيتهم فقد أثبتوه.
و هذا إسناد صحيح لولا عنعنة أبي الزبير.

و أخرجه ابن سعد أيضا (3 / 248-249) و (4 / 136-137) و أحمد (1 / 62) و الحارث بن أبي أسامة كما في 'بغية الباحث' للهيثمي (1016) و أبو نعيم في 'الحلية' (1 / 140) و في 'معرفة الصحابة' (6662) و أبو أحمد الحاكم و ابن منده كما في 'الإصابة' لابن حجر (6 / 639) من طريق سالم بن أبان، لكنه توبع عند أحمد و غيره، بل ذكر أبو نعيم في المصدر المذكور أنه قد جاء من طريق عبد الملك الجُدِّّي و أبي قطن و موسى بن إسماعيل المنقري في آخرين.

و أخرجه عنه أيضا الطبراني في 'الكبير' (24 / 303) و أبو نعيم في 'معرفة الصحابة' (7690) من طريق عبد الله بن الحارث و هو بن نوفل، و قد روى عن عثمان، إلا الدارقطني قال في 'العلل' (3 / 39): [و الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص].

و في 'الإصابة' أيضا أنه رواه أبو أحمد الحاكم من طريق عقيل عن الزهري عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر عن أبيه، فيكون من مرسلات صغار الصحابة، و هي حجة.

و في 'الإصابة' أيضا أنه رواه الطبراني في 'التفسير' من طريق أبي صالح عن ابن عباس نحوه.

و أخرجه ابن سعد (3 / 249) و (4 / 136) أبو نعيم في 'مع رفة الصحابة' (6663) بسند صحيح من طريق يوسف بن ماهك المكي، و كذا أحمد في 'الزهد' كما في 'الإصابة'، إلا أنه مرسل.

و أخرجه أبو نعيم في 'معرفة الصحابة' (7689) بإسناده إلى محمد بن إسحاق بلاغا، و كذا في 'الشعب' (2 / 239)، إلا أن محمد بن إسحاق قال: عن رجال من آل ياسر.

و الحديث يتقوّى بهذه الطرق بلا ريب.

و معلوم أن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ كان يعمل يومها بالصبر و دفع السيئة بالحسنة؛ لأن الله ـ تعالى ـ قد قال: {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل و لا تستعجل لهم} (الأحقاف 35)، و جعله شرطا في نصر نبيه ـ صلى الله عليه و سلم ـ، و بيّن أنه لو شاء لأراه انتقامه من أعدائه، لكن مع الدفع بالتي هي أحسن، فقال له : {و إنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون (95) ادفع بالتي هي أحسن نحن أعلم بما يصفون (96)} (المؤمنون)، بل أمره بلزوم الصبر حتى لو لم ير الانتقام منهم في حياته ـ صلى الله عليه و سلم ـ، فقال سبحانه: {فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينّك بعض الذي نعدهم أو نتوفينّك فإلينا يرجعون} (غافر 77)، و الصبر هنا مع عدم الانتصار من الصائل دليل على صدق التمسك بالوحي و التجرد من نوازع النفس التي تميل إلى الانتصار؛ لأن الذي أمر بالجهاد في موطن، هو الذي أمر بالصبر في هذا الموطن، قال ـ سبحانه ـ: {فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون (41) أو نرينّك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون (42) فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم (43)} (الزخرف).

و مما ينبغي التنبه له أن هذه الآيات مكيّة، فكان الصبر هو الترياق الناجع، بل قد كان الصبر على أذى أهل الكتاب و المشركين مأمورا به في المدينة أيضا، إلى أن أمر الله بقتالهم، قال الله ـ تعالى ـ: {لتبلونّ في أموالكم و أنفسكم و لتسمعنّ من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و من الذين أشركوا أذى كثيرا و إن تصبروا و تتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} (آل عمران 186)، و قد روى البخاري في صحيحه (4566) عند هذه الآية حديثا في ذلك عن أسامة بن زيد، و فيه: (و كان النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ يعفون عن المشركين و أهل الكتاب كما أمرهم الله، و يصبرون على الأذى، قال الله ـ عز و جل ـ: {و لتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و من الذين أشركوا أذى كثيرا} الآية، و قال الله: {ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردّونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم} إلى آخر الآية (البقرة 109)، و كان النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ يتأوّل العفو ما أمره الله به، حتى أذن الله فيهم، فلمّا غزا رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ بدراً فقتل الله به صناديد كفّار قريش...).

قلت: يريد من سوقه الآية الأخيرة تتمّتها؛ فإن فيها أمره ـ تعالى ـ بالعفو و الصفح، و ذلك هو قوله: {فاعفوا و اصفحوا}، كما نبّه عليه ابن حجر من رواية أبي نعيم في 'المستخرج'، ثم قال (8 / 232-233): [قوله: (حتى أذن الله فيهم) أي في قتالهم، أي فترك العفو عنهم، و ليس المراد تركه أصلا، بل بالنسبة إلى ترك القتال أولا و وقوعه آخرا، و إلا فعفوه ـ صلى الله عليه و سلم ـ عن كثير من المشركين و اليهود بالمن و الفداء و صفحه عن المنافقين مشهور في الأحاديث و السير].

بعد هذا الاستطراد يتبيّن أن إناطة المشبوه حكم حمل السلاح بدفع الصائل ليس بشيء؛ لأنه إذا شهد على المسلمين اليوم بالضعف كما هو مشاهد، فقد وجب على جماعته اتباع النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ في ترك دفع الصائل أيام الضَّعف، قال الله ـ عز و جل ـ: {و إن تطيعوه تهتدوا و ما على الرسول إلا البلاغ المبين} (النور 54)، و بالله التوفيق.

أبو قتادة يفتي بقتل النساء و الأطفال
لا ريب أن المشبوه أفتى بجواز قتل النساء و الأطفال في الجزائر!!

لقد كان ذلك في العدد (90) من مجلة الأنصار، و لبشاعة ما فيها فقد ردّ عليه من جماعته أقوام، بل إن أنصاره اليوم لا يعطونك هذه الفتوى؛ خجلا مما فيها، مع أنها حين نزلت الأسواق نزلت سافرة لا جلباب، حتى إذا نفرت منها الطباع، و نَبَتْ عنها الأسماع، توارت بحجاب!

ولست أستغرب أن يفتي أبو قتادة بهذه الشناعة؛ فإن الرجل مشبوه، و إنما المستغرب كيف وجدتْ فتواه عقلا بشريا يقبلها، فضلا عن أن يكون عقلا مسلما؟!

ففي صحيح البخاري (3014) و مسلم (1744) بألفاظ مقاربة، من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: "أن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ نهى عن قتل النساء و الصبيان".

و صح عند مال في 'الموطأ' و عند غيره أن أبا بكر الصديق بعث جيوشا إلى الشام، و قال: (لا تقتلنّ امرأة و لا صبيا و لا كبيرا هرما، و لا تقطعنّ شجرا مثمرا، و لا تخربنّ عامرا...).

و عن الأسود بن سريع قال: (أتيت رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ و غزوت معه، فأصبت ظَهْر أفضل الناس يومئذ حتى قتلوا الولدان، و قال مرة: الذريّة، فبلغ ذلك رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، فقال: "ما بال أقوام جاوزهم القتل اليوم حتى قتلوا الذريّة؟!" فقال رجل: يا رسول الله! إنما هم أولاد المشركين، فقال: "ألا إن خياركم أبناء المشركين"، ثم قال: "ألا لا تقتلوا ذريّة، ألا لا تقتلوا ذرية"، قال: "نَسَمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها، فأبواها يهوّدانها و ينصّرانها" أخرجه أحمد (3 / 435) و الدارمي (2 / 223) و الحاكم (2 / 123)، و غيرهم، و صححه الحاكم و وافقه الذهبي، و كذا الألباني في 'السلسلة الصحيحة' (402).

و الغريب في الأمر أن المشبوه قد ساق في فتواه مثل هذه النصوص تحت عنوان ’باب عدم جواز قتل النساء و الذرية‘ في (ص 11) من مقاله المذكور، ثم كرّ عليها بالإبطال في الصفحة نفسها تحت عنوان ’باب جواز قتل النساء و الذريّة لمقاصد شرعية! !‘، بحيث لا يصبح لأحاديث الباب السابق معنى و لا وجود، فهو على هذا كمن قال الله ـ تعالى ـ فيهم: {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم و إن فريقا منهم ليكتمون الحق و هم يعلمون} (البقرة 146)، و كتمانه الحق هنا بمثابة كتمان المؤوّلة للمعاني الصحيحة للنصوص.

صورة المقال السابق

[ ]
لقد أفتى المشبوه بمخالفة هذه النصوص، و شرع لغلاظ الأكباد في الجزائر أن يذبحوا النساء و فلذات الأكباد، و ذلك في العدد (90) من مجلة الأنصار،في (ص 10)، بتاريخ (الخميس 29 شوال 1415 هـ)، الموافق لـ (30 مارس 1995 م)، تحت عنوان: ’فتوى خطيرة الشان حول جواز قتل الذرية و النسوان درءاً لخطر هتك الأعراض و قتل الإخوان‘!!

و كان مما قال فيها في (ص 12): ”بهذا يتبيّن أن ما فعلته الجماعة الإسلامية المسلحة من تهديد ذرية و نساء المرتدّين بالقتل؛ من أجل تخفيف وطأتهم على النساء و المساجين و الإخوان، هو عمل شرعيّ لا شبهة فيه! !“، و قد تقدّم تصوير هذا المقال الأخير، و أما الذي قبله فهذه صورته:

صورة المقال السابق

[ ]

رد مع اقتباس