عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 29 Dec 2009, 08:33 AM
أبو أحمد ضياء التبسي أبو أحمد ضياء التبسي غير متواجد حالياً
.:. أصلحه الله .:.
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
المشاركات: 325
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو أحمد ضياء التبسي
افتراضي

بدعة تصديهم للدعوات

إن من علم قليلا من مبادئ الأديان، يعلم أن أشياخ الطرائق لم تتسرب إليهم هذه العقلية إلا من أمة أجنبية عن الإسلام، لرؤسائها هذه الزعامة التي تؤهل صاجبها لهذه السلطة الواسعة النفوذ في عالم الغيب الدنيوي والأخروي، فاقتبسها أشياخ الطرائق من بعض من دمس-كذا في الشَّاملة؛ و لعلَّها: دسَّ.ضياء- نفسه في هذه الأمة التي قطعت نظرها عن هدي سلفها، فتخبطت في حمأة الجهالات ووجد كل دخيل يريد الشر بالإسلام بابا مفتحا يلج منه إلى الفتك بالملة وأهلها.
خدع أشياخ الطرائق بهذه الرئاسة المبتدعة- رئاسة تصديهم للدعوات- فأدخلوها إلى دين الإسلام، ذلك الدين الذي لا يعرف ولا يبيح لمخلوق أن يضع نفسه في هذا الموضع المملوء بالشوك والريب في الدين. ومن تأهل لهذه الدعوات فدين الإسلام- الذي أمر فيه نبيه بأن يخاطب الإنسانية على تباين أجناسها واختلاف لغاتها وتباعد أزمانها، بأنه لا فضل لعربي على عجمي إلا بتقوى الله، وأنه لا يغني أحد عن أحد شيئا (39) ، وأن الأعمال بالخواتيم (40) ، وأن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة ثم ينقلب لعلم الله فيه (41) - فحال أن يعقل فيه التسامح لأي مخلوق لم تثبت له عصمة أن يؤهل نفسه لهذه الدعوات التي جنّ بها أشياخ الطرائق وأذنابهم جنونا أنساهم كل ما في دينهم مما ينقض هذه الوظيفة الدخيلة في دين الإسلام، الغريبة عن تعاليمه المتروكة من سلف الأمة الممقوتة في دينهم المتلقي عن نبيهم.
وقد جلبت هذه البدعة السمجة (42) على الأمة عقلية هي أمس العقليات بعقل بعض الأمم اللاتينية قبل هذه العصور المتأخرة، تلك العقلية التي كانت معولا من معاول الهدم في أممهم، وداء عضالا في جسم الشعوب، وآية بينة على سفه العقل البشري.
وقد كانت الدعوات أيام السلف رضي الله عنهم مستعملة مرغبا فيها في حدود ما تلقوه عن صاحب الملة يدعو الفرد منهم لنفسه ولأخيه أو للأمة من غير أن يرى من نفسه فضلا له أو مزية أو خصوصية تجعله قمينا (43) بإفراغ الدعوات على ما يشاء إفراغا، وجديرا بالدعوات المستجابة التي تجعل الناس تشد إليهم الرحال من أقصى البلاد إلى أقصاها لتغترف من دعواتهم كما فعل أشياخ الطرائق قبل الآن، وفي هذه الأيام التي أصبحوا فيها يغتصبون الولاية والصلاح اغتصابا رضي الصلاح أم أبى، وسلم العلم أم أنكر.

وحاشا السلف أن يفعلوا ما لم يأذن فيه الدين، أولئك الأبرار الذين لا يعدلون عن دينهم ولا يؤثرون عن سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، ولا يخرجون المشروعات وسنن الهدى عما سمع من المشروعية بزيادة أو نقصان أو تحوير (44) ، وفي آثارهم القولية والعملية ما فيه شفاء العلل ودواء لكل داء أصيبت به الأمة من شرذمة من أبنائها وأهل مقتها. وسيمر بك إن شاء الله شيء يختصر هذا الموضوع، تفهم منه أن أشياخ الطرائق قد خالفوا صالحي الأمة من الصحابة والتابعين في تصديهم للدعوات، وانتصابهم للوسيلة التي أعطوها لأنفسهم من غير رضى الدين، فاغتر بهم الجاهل وقوي بهم المبتدع على تضليل الأمة عن هدي سلفها الصالح، وأوجدوا في الأمة حالة عقل وخلقية انقلبت بها الأمة شر انقلاب إلى أسوأ حالة جاءت الرسل باقتلاعها ومطاردتها.
ونظرة قليلة فيما آلت إليه حالة مسلمي الجزائر الدينية، تجعل المسلم المحب للإسلام الحق يغير في وجه هذه البدع التي كادت تجعل الشعب شعوبا متباينة بسبب مثل هذه الدعوات الطرقية وما إليها مما تفرقت به جماعتها، وحملها على التصديق بكل وهم وخرافة حتى باتت ملكة التفكير والنقد ضعيفة إلى حد سفه العقل، وذهاب ميزته التي هي الفصل بين الحق والباطل.
وكلنا يعلم أن هذه الدعوات التي يعطيها أشياخ الطرائق تركت في نفوس الجماهير أسوأ الآثار، وأقبح الاعتقادات المعادية للأوليات الإسلامية التي تنادي وتوحي إلى كل مسلم أن عالم الغيب وما فيه بيد خالقه، فجاءت الدعوات الطرقية ومدت يدها إليه وتصرفت فيه جميع أنواع التصرفات والمعاوضات وصيرته تحت مشيئتها.
فكم من إجارات عقدها أشياخ الطرائق عوضها دعوة من الدعوات على أمور بيد بارئها، استأثر بعلمها ولم يجعل لنا طريقا إليها. فباعت أشياخ الطرائق الأمطار وما في العالم العلوي، وتدخلوا في الأجنة في بطون الأمهات وظلام الأرحام؛ وعقدوا فيها الإجارات ونصبوا لها أسواقا وربما حددوا الأثمان لها.

وكم من حرائر سقن من منازلهن كما تساق الأنعام إلى منازل شيوخ الطرائق إجارة على شفاء عليل أو رد ضالة. وكم من مسلمة تجردت من حليها وأصبحت عاطلة في العواطل عقدها أو حجلها (45) أو سوارها ذهب عوض أمنية غرت بها في أحلام وأماني. وكم من عقود أبرمت على الخلاص من الآثام والدخول إلى الجنة بضمانات أشياخ الطرائق.
وكم من عظائم سمعنا بها ارتكبها أشياخ الطرائق عادت على مبادئ الدين بالنقض والإبطال ووقفت في وجه عمل السلف الصالح.
علام تستحل أموال الأمة بهذه الخدع الشيطانية، ويتلاعب بهم هذا التلاعب الذي لم يسمع الناس بمثله قبل ظهور متصوفة الزمان ومن تقدمهم بقليل؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ))(46) . ((من غشنا فليس منا)) (47) ((تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها)) (48) .
من ذا الذي يحمل إيمانا كاملا بين جنبيه ويسكت عن هذه المخالفات الصريحة المعاندة لما عرف من شرعه صلى الله عليه وسلم المتلقي عنه تلقيا يقطع دابر تحريف المحرفين وانتحال المبطلين.
أين تقع هذه الدعوات البدعية الطرقية التي طاروا بها كل مطار من دعوات الأقوام المحدثين (49) كعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبي بكر الصديق وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان وأويس القرني وسعيد بن جبير وأمثالهم؟
وهل أتى عن أحد منهم في خبر كاذب أو صادق أنهم كانوا يرون من أنفسهم التصدي للدعوات، والتأهل لإجابة الرغبات كما يرى لنفسه رهط الطرقيين الذين رأوا من أنفسهم التصدي للدعوات وإبرازها إلى الأسواق وعرضها للمزايدات العلنية.

الحق أن متصوفة الزمان ومن تقدمهم بزمن كانوا وصمة عار لا تنمحي، ونقطة سوداء في جبين الإسلام البريء من النقص، والمسلمين الذين فهموا الإسلام كما أراده صاحبه وأهل التصوف الحقيقي أمثال الجنيد والقشيري والمحاسبي الذين كانوا خلاصة أهل السنة في أيامهم، فانتسبت إليهم هذه النابتة المتأخرة وصيرت طريقتهم كالملة المستقلة عن ملة الإسلام. وكل أمورهم جاءت على خلاف طريقة القوم ولم يحتفظوا بغير الاسم فجاء تصوفهم خلقا جديدا مشوه الصورة، بشع المنظر، سيئ المآل.
وها أنا قاص عليك أنموذجأ من دعوات السلف رضي الله عنهم إيفاء بالوعد لتزن دعوات الطرقيين بها وكأني بك محكم دينك وعقلك على هذه الدعوات الطرقية. وأكبر العلم إنك ستبرأ من دعوات الطرائق إجابة لدينك وانتصارا لأهل التصوف الحقيقي فإن رجال الإصلاح إنما يدافعون عن أهل التصوف ويذبون (50) عن هداهم حتى لا يختلط المحق بالمبطل.
أخرج الطبري عن مدرك بن عمران قال: كتب رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فادع الله لي. فكتب إليه عمر: إني لست بنبي ولكن إذا أقيمت الصلاة فاستغفر لذنبك (51) . فمنعه عمر وأنكر عليه كما ترى، وليست إباية عمر من جهة أصل الدعاء للغير فقد فعله كما في أثر آخر، وإنما أبى عليه إجابة طلبه لفهمه من قصد الكاتب أمرا زائدا على أصل الدعاء يخرجه عن أصله كما يرشد إليه قوله: ((لست بنبي )). ويدل على ما قلنا: ما روي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه لما قدم الشام أتاه رجل فقال: استغفر لي. فقال: لا غفر الله لك. ثم أتاه رجل آخر فقال: استغفر لي. فقال: لا غفر الله لك ولا لذاك أنبي أنا (52) ؟ فهذا الأثر قد أوضح أن سعدا رضي الله عنه لما بان له أن الرجلين فهما من دعائه ما لم يؤذن له فيه شرعا من المقاصد التي تخرج المشروع عن مشروعيته؛ رد عليهما قصدهما بأشد ما يرد المنكر فرارا من أن تنقلب معالم الدين ويبلغ بهم الحال إلى ما بلغنا إليه.

وعن زيد أبي وهب أن رجلا قال لحذيفة رضي الله عنه: استغفر لي. فقال: لا غفر الله لك. ثم قال حذيفة: يذهب هذا إلى نسائه فيقول: استغفر لي حذيفة (53) . فتأمل كيف رأى أن إشاعة مثل هذا وقصد الناس إليه من أقبح المناكر التي يحثى في وجه صاحبها التراب، فكيف بالانتصاب والتصدي وبعث الدعاة إلى الجهلة لطلب هذه الدعوات؟
وتأمل مذهب مالك رضي الله عنه في قوله بكراهة تصدي أئمة المساجد إلى إعطاء الدعوات وتصدرهم لها كيف كرهها، ونقل أصحابه في ذلك أثرا عن عمر. وليس فيما أنكره السلف وما كرهه مالك من تصدر الإمام للدعاء من المفاسد وما يجتمع في أبعد جنس مع ما حف بأدعية الطرقيين من سوء الاعتقاد وإضلال الأمة.
ولو عرضنا الطرائق على قاعدة سد الذرائع؛ لقال أهل الإسلام ببطلانها؛ لما جزت إليه من المفاسد ولو كان للطرائق دليل ثابت. فكيف بها والدلائل القائمة تنادي ببدعيتها؟! فتأملوا يا رجال العلم ويا أهل التقوى كيف أصبح المنكر معروفا يذب عنه وينصر ويعتنق ولو صاح علماء الإسلام ألف صيحة. وكيف انقلب المعروف منكرا يبدع قائله ويرمى بأشنع ما يرمى به أصحاب الأهواء، ولا تقبل منه حجة ولو جاء بالدلائل اللائحة وساق الشواهد الثابتة.

وهذه الحالة تذكرنا بقوله صلى الله عليه وسلم: ((بدأ الدين غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء)) (54) .

------------------

(39) راجع صحيح البخاري حديث رقم 2753 ومسلم حديث 206.
(40) البخاري حديث رقم 6607.
(41) راجع البخاري حديث رقم 3208 ومسلم 2643.
(42) القبيحة.
(43) جديرا.
(44) التحوير: التغير.
(45) الحجل: الخلخال.
(46) مسلم رقم 2563 من حديث أبي هريرة.
(47) مسلم رقم 101 من حديث أبي هريرة.
(48) أحمد 4/ 126- 127 وابن ماجه من حديث العرباض بن سارية وهو حديث صحيح.
(49) المحدث: الملهم الصادق الحدس.
(50) يدافعون.
(51) انظر الاعتصام2/ 316 وعزاة للطبري في كتابه (( تهذيب الآثار)).
(52) راجع الاعتصام 2/ 317 وعزاة أيضا للطبري في تهذيب الآثار.

(53) وتتمه كما في الاعتصام 2/ 317: (( أترضين أن يجعلك مثل حذيفة؟)) وعزاة للطبري في تهيب الآثار.
(54) مسلم حديث رقم 145.

رد مع اقتباس