عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 16 Oct 2013, 09:16 AM
ابومارية عباس البسكري ابومارية عباس البسكري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: الجزائر بسكرة
المشاركات: 703
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى ابومارية عباس البسكري
افتراضي (حدود استعمال وسائل الدعوة إلى الله تعالى) ، كلمة مؤصلة متينة نفيسة من فضيلة الشيخ فركوس تزلزل عروش

(حدود استعمال وسائل الدعوة إلى الله تعالى) ، كلمة مؤصلة متينة نفيسة من فضيلة الشيخ فركوس تزلزل عروش الجمعيات







بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد :

فقد كثرة كلمات علماء السنة الكرام وفتاويهم في التحذير من الجمعيات ، وعلت أصواتهم بالتنديد بها وتحذيرهم من أهلها ، وبيان مفاسدها ومخاطرها، وعلى منوالهم أقتفى آثارهم اتباعهم وشباب الأمة السنية ، فعاب عليهم ممن يريد بهذه الأمة الإسلامية الفتنة والشر ، وهو يسعى في إهلاك شبابها وإغراقهم في مستنقعات وسائل اليهود والنصارى ، و أوحال البدعة والمغالطات الباطلة والحيل الضالة ، فأرغد وأزبد ، وقال : ما بال هؤلاء الشباب يكثرون من الكلام في الجمعيات !!!

ونسي وتناسى وتجاهل المسكين ، أن الكلام في الشر والمحدثات والضلالات يكون على حسب انتشارها واتساعها ، وابتلاء الأمة الإسلامية بها ، ونوعية حملتها .

أليس الله تعالى لما ذكر أقسام الخلق في أول سورة البقرة ، ذكر في حق المؤمنين ثلاث آيات ، وفي حق الكفار آيتين ، فلما انتهى إلى ذكر المنافقين ذكر فيهم بضع عشرة آية ([1]) وأطال في ذمهم غاية الذم ، وما ذاك إلا لخطورتهم على المسلمين ومجتمعهم بصفتهم أنهم منتسبون إليهم ، وهم مخالطون لهم ، كذا الجمعيات ما كثر وأطال أهل السنة والجماعة كلامهم فيها إلا لخطورتها ، وأن الذي رفع شعارها ويدعو إليها في مجتمعهم هم أناس ينتسبون إليهم ، ويغتر بفتنتهم من يغتر من الشباب السلفي .

أيضا ألم يصنف أئمة الحديث والسنة المصنفات الكثيرة العديدة في السنة والعقائد ، لما حدثت البدع الكلامية والعقائدية في الأمة ، من اليوم بروزها وظهورها إلى يومنا هذا لا يزال أئمة السنة والأثر يصنفون في ذلك ، أنقول والحالة هذه أن أئمة السنة والحديث أكثروا الكلام والمصنفات في هذا !!! وقد قال هذا الحركية والثورية والمتحزبة .

وأيضا من المضحكات مما رجف به هذا الصنف ، أنه يرمي ممن يحذر من الجمعيات ، ويكثر من ذلك ـ على زعمه الأعوج ـ أنه حدادي أو مشابه للحدادية !!!

فما أسهل قلب الحقائق وتغيير الموازين والمغالطات والمداخلات في الكلام التي لا تغني أهلها ، ولا أحد يعجز عنها ، فما أشبه طريقة وفعلة هذا الصنف ، بما عليه أهل البدع والأهواء من أهل التحريف والتعطيل إذ رموا أهل الحديث والأثر ، من أنهم مشبهة ومجسمة وممثلة ، وما ذاك إلا لأنهم أثبتوا لله تعالى ما أثبته لنفسه ، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم بدون تمثيل وتكييف .

وكذا هذا الصنف رموا أهل السنة والجماعة بأنهم حدادية ـ وشيخهم في ذلك المأربي الضال ـ وما ذاك إلا لأنهم اقتفوا آثار علماء الأمة الفضلاء الذين حذروا من الجمعيات ، واتبعوا السنة التي كان عليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله ، ونبذوا طرائق ووسائل اليهود والنصارى .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في (الفتوى الحموية الكبرى)(ص: 533 ـ 540)

(( إطلاق أهل البدع الألقاب الشنيعة على أهل السنة :

وقد صنف أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن درباس الشافعي جزءًا أسماه: «تنزيه الشريعة عن الألقاب الشنيعة» وذكر فيه كلام السلف وغيرهم من معاني هذه الألقاب، وذكر أن أهل البدع كل صنف منهم يلقب أهل السنة بلقب افتراه، يزعم أنه صحيح على رأيه الفاسد، كما أن المشركين كانوا يلقبون النبي صلى الله عليه وسلم بألقاب افتروها.

فالروافض تسميهم نواصب، والقدرية يسمونهم مجبرة، والمرجئة يسمونهم شكاكًا، والجهمية تسميهم مشبهة، وأهل الكلام يسمونهم حشوية ونَوَابت، وغثاءً، وغُثْرًا، إلى أمثال ذلك، كما كانت قريش تسمي النبي صلى الله عليه وسلم تارة مجنونًا،وتارة شاعرًا، وتارة كاهنًا، وتارة مفتريًا.

قالوا: فهذه علامة الإرث الصحيح والمتابعة التامة، فإن السنة هي ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتقادًا واقتصادًا وقولًا وعملًا؛ فكما أن المنحرفين عنه يسمونه بأسماء مذمومة مكذوبة ـ وإن اعتقدوا صدقها بناء على عقيدتهم الفاسدة ـ فكذلك التابعون له على بصيرة الذين هم أولى الناس به في المحيا والممات، باطنًا وظاهرًا.

وأما الذين وافقوا ببواطنهم وعجزوا عن إقامة الظواهر، والذين وافقوه بظواهرهم وعجزوا عن تحقيق البواطن، أو الذين وافقوه ظاهرًا وباطنًا بحسب الإمكان: لا بد للمنحرفين عن سنته أن يعتقدوا فيها نقصًا [يذمونهم به] ، ويسمونهم بأسماء مكذوبة ـ وإن اعتقدوا صدقها ـ كقول الرافضي: من لم يبغض أبا بكر وعمر، فقد أبغض عليًا، لأنه لا ولاية لعلي إلا بالبراءة منهما، ثم يجعل من أحب أبا بكر وعمر ناصبيًا، بناءً على هذه الملازمة الباطلة، التي اعتقدوها صحيحة، أو عاندوا فيها وهو الغالب.

وكقول القدري: من اعتقد أن الله أراد الكائنات وخلق أفعال العباد، فقد سلب العباد القدرة والاختيار وجعلهم مجبورين كالجمادات التي لا إرادة لها ولا قدرة.

وكقول الجهمي: من قال: إن الله فوق العرش، فقد زعم أنه محصور، وأنه جسم مركب وأنه مشابه لخلقه.

وكقول الجهمية المعتزلة: من قال: إن لله علمًا وقدرة، فقد زعم أنه جسم مركب، وهو مشبه، لأن هذه الصفات أعراض، والعَرَض لا يقوم إلا بجوهر متحيز، وكل متحيز فجسم مركب، أو جوهر فرد، ومن قال ذلك فهو مشبه، لأن الأجسام متماثلة.

ومن حكى عن الناس «المقالات» وسماهم بهذه الأسماء المكذوبة بناءً على عقيدتهم التي هم مخالفون له فيها، فهو وربه. والله من ورائه بالمرصاد، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.)) ا.هـ

وبهذه المناسبة أتحف القراء الكرام بكلمة قوية متينة لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس ـ حفظه الله ورعاه ـ ، وهو يبين فيها ضابط وحدود استعمال وسائل الدعوة إلى الله تعالى ، وهذه الكلمة المتأمل فيها ، وما فيها من الأصول الشرعية المقررة يجد أنها تزلزل وسيلة الجمعيات المحدثة من جذورها .



سئل ـ حفظه الله ـ : من المعلوم أنَّ الأمَّة مأمورةٌ بالأخذ بوسائل الدعوة وتحصيلِ أسبابها، فهل يُشترط الاقتصار على الوسائل المنصوص عليها، أو التي فعلها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، أم يجوز التوسُّع باستعمال الوسائل الدعوية، وإن لم يَرِدْ نصٌّ عليها، وهي لا تخالف الشرعَ؟ وبعبارةٍ أخرى مقتضبةٍ: هل وسائل الدعوة توقيفيةٌ أم اجتهاديةٌ؟

فأجاب :

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين .

أمّا بعد:

فقد جاءتْ نصوصٌ عامَّةٌ من الكتاب تأمر بالدعوة إلى الله تعالى وتبليغ الرسالة من غير تقييدٍ بوسائلَ معيَّنةٍ، مثل قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥]، وقوله تعالى: ﴿وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ﴾ [القصص: ٨٧]، وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء:٢١٤]، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة: ٦٧]، فهذا الميدان الدعويُّ في حاجته إلى وسائلَ أمرٌ بدهيٌّ، إذ «الأَمْرُ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِلَوَازِمِهِ»([2])، وإذا كان الأمر بالدعوة والتبليغ لا يتمُّ إلاَّ بتحصيل الوسائل وتحقيقِ الأسباب؛ كان الأخذُ بها واجبًا أو مستحبًّا بِحَسَبِهِ، جريًا على قاعدة: «الوَسَائِلُ لَهَا أَحْكَامُ المَقَاصِدِ، فَمَا لاَ يَتِمُّ الوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَمَا لاَ يَتِمُّ المَسْنُونُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ مَسْنُونٌ، وَطُرُقُ الحَرَامِ وَالمَكْرُوهِ تَابِعَةٌ لَهُ، وَوَسِيلَةُ المُبَاحِ مُبَاحَةٌ»([3]).

غيرَ أنَّ هذه الوسائلَ -مِن حيثُ سعتُها- شاملةٌ للوسائلِ العباديةِ والعاديةِ، ومجالُ توقيفِ العادية شرعًا أوسعُ من أن يكون نصًّا خاصًّا يشملُها، بل يتعدَّى إلى ما كان عامًّا، أو إلى قاعدةٍ علميةٍ يمكن أن يُستندَ إليها في تقرير شرعية هذه الوسائل؛ ذلك لأنَّ مُمارسة العمل الدعويِّ ومباشرتَهُ دون معرفة حُكمه والاستناد على دليله الشرعيِّ تَحكُّمٌ وعملٌ بالجهل واتِّباعٌ للهوى، وهو مردودٌ على صاحبه، إذ كما لا يجوز الخروج عن الحكم الشرعيِّ في المناهج والمقاصد؛ لا يجوز كذلك في الوسائل ([4]) ، لقوله تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [الجاثية: ١٨]، ولقوله تعالى: ﴿اِتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٣]، ولقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً﴾ [الإسراء:٣٦]، ولقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».

وعليه؛ فعمومُ الوسائل الشرعيةِ سواء كانت عباديةً أو عاديةً لا مدخل للعقل والرأيِ المجرَّدِ في حُكمها.([5])

ولمزيدٍ من التوضيح في هذا المقام نلفت النظر إلى أنَّ الوسيلة إن كانت من جنس العبادات فإنها تحتاج إلى نصٍّ خاصٍّ يقضي بمشروعيَّتها، ذلك لأنَّ «العِبَادَاتِ أَصْلُهَا التَّوْقِيفُ وَالمَنْعُ حَتَّى يَرِدَ الدَّلِيلُ النَّاقِلُ عَنْهُ»؛ فلا يُشرع منها إلاَّ ما شرعه الله تعالى وأذن فيه، لقوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ﴾[الشورى: ٢١] ، وبناءً عليه؛ فإنَّ الوسائل العباديةَ توقيفيةٌ، وحُكمها يُؤخذُ من جهة الشرع، وبالدليل الخاصِّ بها، لا بوصف العموم والإطلاق، إذ لا يلزم ما أمر اللهُ للعمل بوصف العموم والإطلاق -في باب العبادات- أن يكون مشروعًا بوصف الخصوص والتقييد أو مأمورًا به، إلاَّ إذا جاء دليلٌ مُبيِّنٌ للإجمال الحاصل في صفة العموم والإطلاق، ويكون حُكم الخصوص والتقييد تابعًا للدليل، فإن جاء موافقًا للأمر العامِّ أو المطلق كان تحصيلُ المعيَّن بالخصوص والتقييد من باب عطف الخاصِّ على العامِّ، بتظافر الأدلَّة وتعاضُدها، وإن جاء الدليل مخالفًا للأمر العامِّ أو المطلق كان تحصيلُه من باب تخصيص العموم وتقييد المطلق، وهذا التقرير -وإن كان يشمل جانب العبادات والعادات والمعاملات- إلاَّ أنَّ باب العبادات قُيِّد بالدليل الخاصِّ؛ لأنَّ الأصل فيها التوقيف والمنع -كما تقدَّم-.

وهذا بخلاف الوسيلة الداخلة في جنس العادات والمعاملات؛ فلا يلزم لثبوتها الأدلّةُ الخاصَّة، بل تكفي الأدلَّة والقواعد العامَّة في إثباتها وتقريرها، ذلك لأنَّ «الأَصْلَ فِي المُعَامَلاَتِ وَالعَادَاتِ الإِبَاحَةُ وَالجَوَازُ» حتى يَرِدَ الدليلُ الناقلُ عنه، فلا يمنع منها شيءٌ إلاَّ ما منعه الشرعُ وحَرَّمه، لقوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً، قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس: ٥٩]، ولقوله تعالى -مُمتَنًّا على عباده-: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾[البقرة: ٢٩]، ولقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «الحَلاَلُ مَا أَحَلَّهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَالحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ». فالوسائلُ العادية يُؤخذ حُكمها -أيضًا- من جهة الشرع، لكنْ لا يُشترط أن يدلَّ عليها دليلٌ خاصٌّ، بل يجوز العمل فيها بالأوامر العامَّة والمطلقة، كما يجوز أن تحال أحكامُها إلى القواعد العامَّة.

ولا شكَّ -بعد هذا البيان- أنَّ الوسائل الدعوية في تعلُّقها بالعادات إن تضمَّنتْ مصلحةً راجحةً للدعوة ولم تخالف نصًّا شرعيًّا ([6]) فيجوز مباشرتها لدخولها إمَّا في القواعد العامَّة الكلِّية، أو لاتِّصاف الدليل عليها بصفة العموم والإطلاق؛ ذلك لأنَّ تحصيل المعيَّن في الوسيلة إن كان مشمولاً بالأمر العامِّ أو المطلق ولم تتعرَّض له الأدلَّة بأمرٍ أو نهيٍ بقي على وصف العموم والإطلاق، وجاز العمل بأيِّ فعلٍ معيَّنٍ يتحقَّق به امتثال الأمر العامِّ أو المطلق؛ ذلك لأنَّ «الأَصْلَ فِي العَادَاتِ وَالمُعَامَلاَتِ الإِبَاحَةُ وَالجَوَازُ» -كما تقدَّم-، ويدلُّ عليه عمل النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم بعموم قوله تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٤]، حيث اختار النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم في الدعوة وسيلة الصعود على الصفا ومخاطبةِ بطون قريشٍ، وهذا الاجتهاد في الوسيلة إنما جاء بناؤه على ضوابطَ عامَّةٍ متمثِّلةٍ في الحكمة والموعظة الحسنة المأمورِ بهما، واتَّخذ هذه الوسيلة لتكون أسرع إلى الفهم، وأدعى إلى الانقياد، وأقوى في التأثُّر والاستجابة. وكذلك إجماع الصحابة على وجوب المصير إلى وسيلة جمع القرآن الكريم في مصحفٍ واحدٍ لحفظ كلام الله سبحانه وتعالى، وقد تردَّد الصحابة في أوَّل الأمر لعدم ورود دليلٍ خاصٍّ يؤيِّدُ هذا الفعلَ، كما أنه لم يفعله النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، ثمَّ اعتبروا قوَّةَ هذه الوسيلة لحفظ القرآن الكريم المتمثِّلةِ في جمعه في مصحفٍ واحدٍ لِمَا في ذلك من مصلحةٍ راجحةٍ.

فالحاصل؛ أنَّ وسائل الدعوة إلى الله تعالى في تقرير مشروعيَّتها يجب أن تراعى فيها جُملةٌ من الضوابط تتمثَّل في: وجوب موافقتها للنصوص الشرعية العامَّة والخاصَّة أو قواعد الشرع الكلِّية، كما أنَّ الوسائل إن كانت تابعةً لمقاصدَ مخالفةٍ للشرع، فتُمنَعُ بحكم تبعيَّتها للممنوع؛ لأنَّ طُرُقَ الحرام والمكروهات تابعةٌ لها، و«النَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ نَهْيٌ عَمَّا لاَ يَتِمُّ اجْتِنَابُهُ إِلاَّ بِهِ»، وتُمنع -أيضًا- الوسيلة إذا ما تعلَّق بها وصفٌ منهيٌّ عنه، فتبطل لاقترانها به، كأنْ يكون شعارًا لليهود والنصارى والمجوس([7])، فقد سيَّب النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم وسيلةَ النفخ في البوق للدعوة للصلاة لكونه شعارَ اليهود، وتخلَّى عن الضرب بالناقوس لكونه شعارَ النصارى، وترك إيقاد النار لكونه شعارَ المجوس .

هذا؛ ويشرع الأخذ بالوسيلة المشروعة إلى المقصد المشروع شريطةَ أن لا يترتَّب على الأخذ بها مفسدةٌ مساويةٌ أو أكبرُ من المصلحة المرجوَّة، وإلاَّ بَطَلَت الوسيلةُ، عملاً بقاعدة: «الضَّرَرُ لاَ يُزَالُ بِمِثْلِهِ»، وقاعدة: «دَرْءُ المَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ المَصَالِحِ». ([8])

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا. ([9])

رد مع اقتباس