عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 17 Feb 2016, 08:10 PM
أبو عبد الله محمد بن عامر أبو عبد الله محمد بن عامر غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
الدولة: تلاغ - الجزائر
المشاركات: 81
افتراضي احذر..! لا تؤتى الدعوة من قبلك

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على من أرسله الله رحمة للعالمين ، و على آله و صحبه و من تبعهم بإحسان
إلى يوم الدين أما بعد :
فإن أعظم نعمة أوتيها العبد نعمة الهداية إلى دين الإسلام ، و لا يستشعر ذلك إلا من أمعن النظر حوله ، فوجد من يعبد الصليب ، و وجد من يعبد النار ، بل و من يعبد الجرذان و العياذ بالله تعالى .
فها أنت أيها المسلم قد من الله عليك و هداك للإسلام ، تعبد الله العظيم المنان وحده ، و هو المستحق لأن يخضع له و يعبد ، و يركع له و يسجد ، لأنه الرب المتصف بصفات الكمال و نعوت الجلال ، ليس كمثله شيء و هو السميع البصير ، فاعرف للنعمة حقها ، و ارعها حق رعايتها ، وقيدها بالشكر و الشكر للنعمة قيد ، و يكون بأمور ثلاث :
-1) بالقلب : و يكون ذلك بالإعتراف بأنها من الله وحده لا شريك له .
-2) باللسان : و يكون بحمد الله باللسان ، و يكون بالتحدث بها لقوله تعالى :( و أما بنعمة ربك فحدث .) الضحى/11.
-3) بالأركان و الجوارح و ذلك بالقيام بهذا الدين ، و التدين به ظاهرا و باطنا ، و تصريف كل النعم فيما يرضي الله سبحانه .
قال العلامة ابن ناصر الدمشقي رحمه الله :
أفادتني النعماء شكرا لفضلكم ****بقلبي و نطقي و الجوارح مرسلا
و توفيقكم للشكر يلزم شكره ****كذا كل شكر بعده متسلسلا
و ما ثم إلا العجز عن شكر ربنا ****كما ينبغي سبحانه متفضلا (1)
ثم إن الهداية هدايتان كما قال علماؤنا عليهم رحمة الله ، هداية إلى الصراط ، و هداية في الصراط .
الهداية إلى الصراط هي الهداية إلى دين الإسلام العظيم ، و الهداية في الصراط هي الهداية إلى السنة و التوفيق لمجانبة البدع و الأهواء بانواعها ، حقيقية كانت أو إضافية ، عقدية كانت أو عملية ، مكفرة أو مفسقة ، و هي نعمة عظيمة و منة جليلة تستوجب الشكر .
قال عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما : ما فرحت بشيء من الإسلام أشد فرحا بأن قلبي لم يدخله شيء من هذه الأهواء .(2)
و قال مجاهد رحمه الله : ما أدري أي النعمتين علي أعظم ، أن هداني للإسلام ، أو عافاني من الأهواء .(3)
و قد بلغتنا هذه الدعوة المباركة هادية إلى الصراط و فيه ، فانشرحت لها صدورنا ، و تلقيناه بل تلقفناه بالقبول و لله الحمد وحده ، و ذلك لأنها دعوة الحق ، مبنية على أدلة الحق ، أوصلها لنا حملتها من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، فالتابعين و من تبعهم ، و من تلقاها عنهم من الأئمة الفحول ، و العلماء العاملين ، و هم فيما نحسب :
- مخلصين في دعوتهم
- ممتثلين ما يدعون الناس إليه
فكان ذلك مؤثرا فينا لقبول الحق ، و لله الحمد على التوفيق و الإنعام .
و مما يأسف له كل عاقل ، ما يصدر ممن ينتسبون لهذه الدعوة المباركة ، و هو عرضهم لها بأسلوب مخالف لأسلوب من أخذوها عنهم و تلقوها منهم .
ليعلم أن كل منتسب لهذه الدعوة ، فهو داع لها إما بلسان قاله أو بلسان حاله ، و الداعي إلى الله تبارك و تعالى لابد له من التخلق بأخلاق الدعاة ، و خلقه هو التزامه بدين ربه عز و جل عقيدة و عبادة ، معاملة و سلوكا ، فالخلق الحسن يكسب الحق -على ثقله على النفوس- حلاوة و قبولا ، كما أن سوء الخلق و الفظاظة تزيده ثقلا على ثقله ، و نبينا صلى الله عليه و سلم لم يكن كذلك ، و هو قدوتنا و أسوتنا ، فكذلك فلنكن بارك الله فيكم .
قال الله عز و جل :( فبما رحمة من الله لنت لهم و لو كنت فظا غليظ القلب لانفظوا من حولك .. الآية.) آل عمران/159
قال العلامة السعدي رحمه الله : أي برحمة الله لك و لأصحابك ، من الله عليك أن ألنت لهم جانبك ، و خفضت لهم جناحك ، و ترققت عليهم ، و حسنت لهم خلقك ، فاجتمعوا عليك و أحبوك و امتثلوا أمرك ، (ولو كنت فظا) أي سيء الخلق (غليظ القلب) أي قاسيه (لانفظوامن حولك) لأن هذا ينفرهم و يبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيء.
فالأخلاق الحسنة من الرئيس في الدين تجذب الناس إلى دين الله ،و ترغبهم فيه ، مع ما لصاحبه من المدح و الثواب الخاص ، و الأخلاق السيئة من الرئيس في الدين تنفر الناس عن الدين و تبغضهم إليه ، مع ما لصاحبه من الذم و العقاب الخاص ، فهذ الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول ، فكيف بغيره !؟
أليس من أوجب الواجبات و أهم المهمات الاقتداء بأخلاقه الكريمة ، و معاملة الناس بما يعاملهم به صلى الله عليه و سلم من اللين و حسن الخلق و التأليف ، امتثالا لأمر الله ، و جذبا لعباد الله لدين الله ؟ إه(4)
- فيه فوائد :
- أن الأخلاق الحسنة رحمة من الله ، ينعم بها على من شاء من عباده ، فلنسأل الله من فضله ، جاء في الحديث : (.. و اهدني لأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ... الحديث ) رواه مسلم من حديث علي رضي الله عنه .
- أن الأخلاق الحسنة إذا كانت في الداعي إلى الله ، فإن هذا يحبب الناس فيه و في دعوته ، و يرغبهم و يجذبهم لدين الله عز و جل .
- أن الداعي إلى الله تعالى ذو الخلق الحسن ينال في الدنيا الثناء الحسن -و هذ من عاجل بشراه- و ينال في الآخرة الثواب الخاص من ربه سبحانه .
- أن الداعي إلى الله ذو الخلق السيء يناله ضد ذلك من نفور الناس منه ، و عدم قبول دعوته ، بل و الطعن فيه و في دعوته بسببه ، و كذا العقاب الخاص من رب العالمين -نسأل الله العفو و العافية-.
- أن الاقتداء بالنبي الكريم ، عليه من ربه أفضل الصلاة و أزكى التسليم ، لهو من أوجب الواجبات و أهم المهمات ، و بالأخص في حق الداعي إلى دين الله رب العالمين .
ثم إن حسن الخلق هو أثقل شيء في ميزان الأعمال يوم القيامة ، قال الإمام البخاري رحمه الله في الأدب المفرد : حدثنا أبو الوليد ، قال : حدثنا شعبة ، عن القاسم بن أبي برزة قال : سمعت عطاء الكيخاراني ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق .)(5)
قال العلامة زيد بن هادي المدخلي رحمه الله : في هذا الحديث ترغيب من النبي صلى الله عليه و سلم لكل مسلم و مسلمة أن يكونوا من أصحاب الأخلاق الحسنة ، و قد أعطى الله نبيه صلى الله عليه و سلم أكمل الأخلاق ،و أثنى عليه بذلك في قوله : (و إنك لعلى خلق عظيم ) القلم/4 ، و سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه و سلم فقالت : كان خلقه القرآن ، أي يأتمر بأوامره و ينتهي عن نواهيه ، ويرغب فيما رغب فيه ، و يرهب عما رهب منه ، و يتحلى بما فيه من الفضائل ، و يعتبر بما فيه من القصص و الأمثال ، و حسن الخلق يكون بالقول و يكون بالفعل .إه (6)
فلنتق الله يا إخوتاه ، و لنحذر كل الحذر أن تؤتى الدعوة من قبلنا بسبب سوء أخلاقنا ، و لنقتد بنبينا صلى الله عليه و سلم في أخلاقه و دعوته ، و في سمته ودله .
أسأل الله الكريم المنان أن يهدينا لأحسن الأخلاق ، و أن يصرف عنا سيئها ، إنه جواد كريم ، و صلى الله و سلم على نبينا محمد ، و على آله و صحبه .
----------------------------
(1) قاله في كتابه (المجالس) مستدركا على قول بعضهم :
أفادتكم النعماء مني ثلاثة ***يدي و لساني و الضمير المحجبا
استفدته من أحد المواقع
(2) أصول الإعتقاد للالكائي 1/130
(3) أصول السنة لابن أبي زمنين 236
(4) تيسير الكريم الرحمن للسعدي 137
(5) صححه العلامة الألباني
(6) عون الأحد الصمد شرح الأدب المفرد للشيخ زيد رحمه الله 1/295
كتبه : أبو عبد الله محمد بن عامر
مدينة تلاغ حرسها الله .


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله محمد بن عامر ; 13 Apr 2017 الساعة 08:27 PM
رد مع اقتباس