عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 02 Sep 2019, 02:07 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي





في هذا الجزء من البحث المتواضع الذي أسأل الله فيه التّوفيق للحقّ والإخلاص، أطرح سؤالا لمَن تتبّع مراحل البحث، ليس ليجيبني فيه، وإنّما لإيصاله إلى جوابٍ، إن شاء الله، فيه ما يسدّ حاجته إلى معرفة دين الله تعالى، الذي لااعوجاج فيه، ولاظلم ولابغيٌ تشمئزُّ منه كلّ نفسٍ، تريد السّعادة، وتبحث عنها، في حياةٍ، تملأها شُبهات وشهوات لاينجو منها إلاّ مَن صدق مع الله في الاعتقاد والقول والعمل.

والسؤال المطروح الذي يحمل في طيّاته الجواب المبين للحقّ وكنز الحياة الثّمين:
من أين نستمدّ هداية الدّلالة والبيان، التي هي طريق العبد إلى ربّه، علمًا وعملاً، يوصله إلى هداية التّوفيق إلى الحقّ والهدى والإيمان، وهو قلب الهداية النّابض، الذي إذا توقّفت دقّاته، مات مَن لم يُوفّق إلى العيش به، في حياة الإنشراح والطّمأنينة والسّكينة ؟

قال الله جلّ في علاه: "الم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۚ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)"

يقول الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره:

[......... وقوله: (تَنـزيلُ الكتاب لا رَيْبَ فِيهِ) يقول تعالى ذكره: تنـزيل الكتاب الذي نـزل على محمد صلى الله عليه وسلم، لا شكّ فيه (من ربّ العالمين) : يقول: من ربّ الثّقلين: الجنّ والإنس.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: (الم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ) لا شكّ فيه. وإنّما معنى الكلام: أنّ هذا القرآن الذي أُنـزل على محمد لا شكّ فيه أنّه من عند الله، وليس بشعر ولا سجع كاهن، ولا هو ممّا تخرّصه محمد صلى الله عليه وسلم، وإنّما كذّب جلّ ثناؤه بذلك قول الّذين: "وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا" وقول الّذين قالو: "إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ" .] انتهـ.

ويقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره:
[... "تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ" يخبر تعالى أنّ هذا الكتاب الكريم، أنّه تنزيل من رب العالمين، الّذي رباهم بنعمته.

"أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۚ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ"
ومن أعظم ما رباهم به، هذا الكتاب، الّذي فيه كلّ ما يصلح أحوالهم، ويتمّم أخلاقهم، وأنّه لا ريب فيه، ولا شكّ، ولا امتراء، ومع ذلك قال المكذبون للرسول الظالمون في ذلك: افتراه محمد، واختلقه من عند نفسه، وهذا من أكبر الجراءة على إنكار كلام اللّه، ورمي محمد صلى اللّه عليه وسلم، بأعظم الكذب، وقدرة الخلق على كلام مثل كلام الخالق.
وكل واحد من هذه من الأمور العظائم، قال اللّه - رادًا على مَن قال: افتراه:-
{ بَلْ هُوَ الْحَقُّ } الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيم حميد. { مِنْ رَبِّكَ } أنزله رحمةً للعباد { لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ } أي: في حالة ضرورة وفاقة لإرسال الرسول، وإنزال الكتاب، لعدم النذير، بل هم في جهلهم يعمهون، وفي ظلمة ضلالهم يتردّدون، فأنزلنا الكتاب عليك { لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } من ضلالهم، فيعرفون الحق فيؤثرونه.
وهذه الأشياء التي ذكرها اللّه كلّها، مناقضة لتكذيبهم له: وإنّها تقتضي منهم الإيمان والتّصديق التام به، وهو كونه { مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وأنّه { الْحَقُّ } والحق مقبول على كل حال، وأنّه { لَا رَيْبَ فِيهِ } بوجه من الوجوه، فليس فيه مَا يُوجِب الرِيبَة، لا بخبر لا يطابق للواقع ولا بخفاء واشتباه معانيه، وأنّهم في ضرورة وحاجة إلى الرسالة، وأنّ فيه الهداية لكلّ خير وإحسان.]انتهـ.

وقال الله تعالى: "الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ"

يقول الشيخ السعدي رحمه الله مفسّرا للآية:

"الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ"
يقول تعالى معظّما لكتابه مادحا له { تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ } أي: الآيات الدالة على أحسن المعاني وأفضل المطالب، { وَقُرْآنٍ مُبِينٍ } للحقائق بأحسن لفظ وأوضحه وأدلّه على المقصود، وهذا ممّا يُوجب على الخلق الانقياد إليه، والتّسليم لحكمه وتلقّيه بالقبول والفرح والسرور.] انتهـ.

ويقول الإمام الطبري رحمه الله:
[..... وأما قوله : ( تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ) فإنه يعني: هذه الآيات، آيات الكتب التي كانت قبل القرآن كالتوراة والإنجيل ( وقُرآنٍ ) يقول: وآيات قرآن ( مُبِينٍ ) يقول: يُبِين من تأمله وتدبَّره رشدَه وهداه.
كما:حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَقُرْآنٍ مُبِينٍ ) قال: تبين والله هداه ورشده وخيره......] انتهـ.

وقال الله تعالى: "فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ"

يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره:
[...
فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ "
وأما أنت { فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ } فعلا واتصافا، بما يأمر بالاتصاف به ودعوة إليه، وحرصا على تنفيذه في نفسك وفي غيرك. { إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } موصل إلى الله وإلى دار كرامته، وهذا ممّا يوجب عليك زيادة التّمسّك به والاهتداء إذا علمت أنّه حق وعدل وصدق، تكون بانيا على أصل أصيل، إذا بنى غيرك على الشكوك والأوهام، والظلم والجور...] انتهـ.
ويقول الإمام الطبري رحمه الله:
[.... يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فتمسّك يا محمد بما يأمرك به هذا القرآن الذي أوحاه إليك ربّك, ( إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) و منهاج سديد, وذلك هو دين الله الذي أمر به, وهو الإسلام.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) : أي الإسلام.....]انتهـ.



وقال الله عزّوجلّ مبيّنًا مصدر الهدى والرُّشد، لكلّ متّبع للرُّسل والأنبياء فيما أمروا وزجروا:
"الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)"

يقول الشيخ السّعدي في تفسيره:
[... وقوله { ذَلِكَ الْكِتَابُ } أي هذا الكتاب العظيم الذي هو الكتاب على الحقيقة, المشتمل على ما لم تشتمل عليه كتب المتقدّمين والمتأخّرين من العلم العظيم, والحق المبين. فـ { لَا رَيْبَ فِيهِ } ولا شك بوجه من الوجوه، ونفي الريب عنه, يستلزم ضدّه, إذ ضدّ الريب والشك اليقين، فهذا الكتاب مشتمل على علم اليقين المزيل للشك والريب. وهذه قاعدة مفيدة, أنّ النفي المقصود به المدح, لا بد أن يكون متضمنا لضدّه, وهو الكمال, لأنّ النّفي عدم, والعدم المحض, لا مدح فيه. فلمّا اشتمل على اليقين وكانت الهداية لا تحصل إلاّ باليقين قال: { هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } والهدى: ما تحصل به الهداية من الضلالة والشُّبَه، وما به الهداية إلى سلوك الطرق النافعة. وقال { هُدًى } وحذف المعمول, فلم يقل هدى للمصلحة الفلانية, ولا للشيء الفلاني, لإرادة العموم, وأنّه هدى لجميع مصالح الدارين، فهو مرشد للعباد في المسائل الأصولية والفروعية, ومبين للحق من الباطل, والصحيح من الضعيف, ومبين لهم كيف يسلكون الطرق النافعة لهم, في دنياهم وأخراهم.



إذن، مَن هم الّذين هيَّأَهُم الله لأن يكونوا من أهل الصّراط المستقيم؟

سيتمّ التّطرّق إلى هذه المسألة، في وقتٍ قريب إن شاء الله ربّ العالمين.

اللّهمّ اجعلنا من أهل الصّراط المستقيم، صراط "الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا"


الصور المرفقة
نوع الملف: jpg الله ربّي وربّكم فاعبدوه.jpg‏ (22.2 كيلوبايت, المشاهدات 3655)
نوع الملف: jpg ذلك الكتاب لاريب فيه.jpg‏ (56.9 كيلوبايت, المشاهدات 5702)
نوع الملف: jpg الصراط المستقيم هو.jpg‏ (125.1 كيلوبايت, المشاهدات 3915)
رد مع اقتباس