عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01 Jan 2020, 11:45 AM
أبو حذيفة عبد الحكيم حفناوي أبو حذيفة عبد الحكيم حفناوي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2018
المشاركات: 214
افتراضي نظرات وتأملات في عبارات أهل العلم وماحوته من عبر وعظات

*نظرات وتأملات في عبارات كبار أهل العلم وماحوته من عبر وعظات*

*العبارة الثانية :" *ردوا عليهم ولا تجبنوا* "
الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي _ حفظه الله _

هذه الكلمة مشهورة عن شيخنا ولا يزال يرددها ولو بغير هذا اللفظ - أحيانا -مما يؤكد نسبتها إليه حفظه الله، والذي في معناها ما نصح به الإخوة المعتمرين الزائرين له في بيته حيث حثهم على الرد على المفرقة وبيان زيف كلامهم مهما كان القائل.
وهذه الكلمة من الشيخ حفظه الله تعالى هو امتداد لجهاده للمخالفين على تنوع طوائفهم واشتراكهم في حرب السلفيين.
ولاشك أنه بعد التمعن في مغزى هذه الكلمة ومرماها ندرك تمام الإدراك أنها كلمة عظيمة تنبىء عن فهم عميق للمنهج السلفي الذي تميز بالصفاء والنقاء ولايزال بحول الله إذ هو المحجة البيضاء التي ذكرها سيد البرية جمعاء.
فمن العظات والعبر التي نستخلصها من كلمة الشيخ حفظه الله ما يأتي:
أولا: وجوب الرد على هؤلاء المبطلين، وأن هذا هو الشجاعة في الحق، لبيان الهدى للخلق، وفائدته تظهر في تعرية المناهج المنحرفة ، بقيام المؤهلين بالواجب الكفائي وهذا ما أمر الله به نبيه بعد سنوات من الدعوة السرية فقال:" فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين " وقال له:" يا أيها المدثر قم فأنذر " وبين الله جل وعلا أن بيان سبيل المجرمين والمفسدين لا يتم إلا بتفصيل الآيات فقال جل من قائل:" وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين "
وقد جسد نبينا صلى الله عليه وسلم ذلك الرد على المبطلين في دعوته، فتارة يرد على اليهود وتارة على النصارى وتارة يرد على من أخطأ كقضية حنين وطلب الصحابة ذات انواط وكالنفر الذين تقالوا عبادة رسول الله، وكالخوارج الذين قال عنهم:" يخرج من ضئضئي هذا قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم..." وتارة على القدرية الذين قال عنهم:" القدرية مجوس هذه الأمة " وهكذا
وتارة يحث صحابته الكرام على الرد والشجاعة في ذلك ويزيدهم بأنهم مؤيدون، فقد روى الإمام أحمد في مسنده, والبخاري ومسلم عن الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: اهْجُهُمْ، أَوْ هَاجِهِمْ، وَجِبْرِيلُ مَعَكَ، وفي رواية النسائي، وأحمد:وروح القدس معك، وفي رواية ابن حبان، وغيره: إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ مَعَكَ ما هاجيتهم.
وروى مسلم وأبو داود عن عَائِشَةُ قالت: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ لِحَسَّانَ: إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.

وهذا دليل واضح على فضل الرد على المخالف مهما كان وبيان خطئه بالحجة والبرهان، إذ به حماية بيضة الإسلام واستمرار نصاعة بياضه عبر السنين والأعوام.

ثانيا : أن النكول عن الرد والسكوت على هؤلاء جبن وخور وتخذيل للحق وأهله لمن كان قادرا على بيان الحق بدليله ولم يفعل، إذ- كما مر- إن هذا مدعاة لضمور الحق، وعدم رفعته ووضوحه، ولهذا كان الانبياء أصحاب شجاعة منقطة النظير فدعوا اقوامهم وصبروا على ما أوذوا وكذبوا، وكسروا الاصنام بأيديهم كما فعل ابو الأنبياء إبراهيم عليه السلام بعد دعوته قومه بترك عبادتها، وهكذا نبينا عليه الصلاة والسلام دعا قومه لعبادة الله وترك عبادة ماسواه، وأمر الصحب الكرام بتهديم كل ما عبد من دون الله كما فعل مع اللات والعزى،ومناة.
وبقيت هذه التربية راسخة في صدور الصحابة رضوان الله عليهم فرأيناها في الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكيف تعامل مع صبيغ وشبهاته حيث ضربه بجريد النخل حتى زال عنه الوهم.
ثم جاء من بعدهم فجاهدوا في الله حق جهاده بالسيف والسنان والقلم والبنان فألفوا في الرد على اهل البدع والمخالفين الرسائل والكتب وكانوا في ذلك كله موفقين بتوفيق الله جل وعز.

ثالثا: أن السكوت عن أخطاء المخالفين ليس من الشجاعة الشرعية في شيء بل هو من الجبن لاسيما إذا تكلم كبار العلماء وبينوا الأخطاء، وظهر الحق من الباطل، وأن دعوى السكوت لإنقاص عمر الفتنة دعوى باطلة، قد يظهر عكسها، إذ السكوت عن الباطل يزيد في عمر الفتنة ولا يقطع دابرها، ولهذا يذكر الله عزوجل دائما الرد على اهل العناد والطغيان يختمها بالنتيجة الحتمية لذلك وهي:" ويقطع دابر الكافرين " و:" فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين "
فقطع دابر المخالفين المعاندين الظالمين لا يكون بالسكوت أبدا كما يدعي بعضهم، بل بالحجة والبرهان.

قال السعدي في تفسير الآيات التي في الأنفال :" قدم تعالى - أمام هذه الغزوة الكبرى المباركة - الصفات التي على المؤمنين أن يقوموا بها، لأن من قام بها استقامت أحواله وصلحت أعماله، التي من أكبرها الجهاد في سبيله. فكما أن إيمانهم هو الإيمان الحقيقي، وجزاءهم هو الحق الذي وعدهم اللّه به،.كذلك أخرج اللّه رسوله صلى الله عليه وسلم من بيته إلى لقاء المشركين في بدر بالحق الذي يحبه اللّه تعالى، وقد قدره وقضاه. وإن كان المؤمنون لم يخطر ببالهم في ذلك الخروج أنه يكون بينهم وبين عدوهم قتال. فحين تبين لهم أن ذلك واقع، جعل فريق من المؤمنين يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ويكرهون لقاء عدوهم، كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون. والحال أن هذا لا ينبغي منهم، خصوصا بعد ما تبين لهم أن خروجهم بالحق، ومما أمر اللّه به ورضيه،. فبهذه الحال ليس للجدال محل [فيها] لأن الجدال محله وفائدته عند اشتباه الحق والتباس الأمر،. فأما إذا وضح وبان، فليس إلا الانقياد والإذعان. هذا وكثير من المؤمنين لم يجر منهم من هذه المجادلة شيء، ولا كرهوا لقاء عدوهم،.وكذلك الذين عاتبهم اللّه، انقادوا للجهاد أشد الانقياد، وثبتهم اللّه، وقيض لهم من الأسباب ما تطمئن به قلوبهم كما سيأتي ذكر بعضها.

ثم قال رحمه الله:" . وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ فينصر أهله وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ أي: يستأصل أهل الباطل، ويُرِيَ عباده من نصره للحق أمرا لم يكن يخطر ببالهم. لِيُحِقَّ الْحَقَّ بما يظهر من الشواهد والبراهين على صحته وصدقه،. وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ بما يقيم من الأدلة والشواهد على بطلانه وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ فلا يبالي اللّه بهم" اه

فظهر من خلال ذلك أن السكوت عند وضوح الحق لا يجوز، بل الواجب الانقياد والإذعان، اأما مع الاشتباه فربما يكون ذلك محله، وببيان الباطل يظهر زيف أولئك وتستأصل شأفتهم.

رابعا: أن التخذيل لأهل الحق بنهيهم عن الردود على المبطلين أشد وأعظم ولذلك جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفتين في الحديث الصحيح:" لا يزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى ياتي أمر الله "
فهم ثلاثة أصناف:
* صنف ظهروا بالحق ودعوا إليه وردوا الباطل وحذروا منه وهم المنصورون.
* صنف خالفوا الحق وأهله وردوا بالشبهات والافتراءات العارية عن الحجة والبرهان.
* صنف خذلوا أهل الحق ولم يقفوا معهم بالسكوت تارة وبالنهي لهم تارة أخرى مع ادعاء ولوجهم في خندق واحد.
خامسا: الرد على المخالفين شبهاتهم يزداد مع ازدياد نشاطهم وكثرة مخالفاتهم للحق، إذ من أجل هذا شرع ذاك، ولو بقي الخق ناصحا ناصعا مااحتجنا إلى هذه الردود، لكن مع وجود الباطل وجب- على حسب القدرة- الرد، وكتاب الله فيه الكثير من الآيات التي ترد على المبطلين كالنصارى واليهود والذين أشركوا وكفار العرب، والسنة تنضح بذلك كما مر سابقا، وسير الصحابة طافحة بذلك، والدليل على ذلك دفاع العلماء كتابة على من جاؤوا بعد القرون المفضلة بالزور والبهتان كالمعتزلة والاشعرية والماتريدية والجهمية والباطنية والصوفية والشيعة والرافضة وغيرهم، فكانت كلماتهم كلها دفاعا عن السنة، فمن مؤلف في ذلك ومقرر للحق إلى مدافع منافح عنها برد الباطل لما زاد أهل الباطل في باطلهم زاد اهل السنة السلفيون في الدفاع عن الحق بعبارات جميلة سنية سلفية، كما قال أحمد- رحمه الله-:" فلما زادوا زدنا " وزاد بعضهم:"ولو سكتوا لسكتنا ".
وهكذا هم المفرقة الحدادية الجدد فرقوا السلفيين وتكلموا فيهم بالباطل وأبوا الاجتماع على الحق، وبهتوهم، ونعتوهم بأقبح الصفات، ولم يقبلوا توبتهم، بل حاولوا جاهدين إسقاطهم جملة واحدة، وسموا كل من ناوأهم ووقف ضدهم صعفوقا ولو كان عالما هماما حاملا لراية الجرح والتعديل!!! ثم جددوا قاعدة الإخوان المسلمين، فتعاونوا فيما اتفقوا عليه وعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا فيه!
كما فعلوا مع العتيبي، لكن مع أهل السنة السلفيين قالوا: لا نعذرهم ولا نتعاون معهم أبدا ولو اجتمع كل من في السموات والأرض ضدنا والله المستعان.

نسال الله جل في علاه أن يجعلنا وإياكم ممن استعملهم في طاعته فإن ذلك شرف عظيم ووسام جليل مقتفين بذلك سير ذلك الرعيل المبارك الذي مازال فيهم البقية الباقية التي تأمر بالحق وبه تعدل.

كتبه: أبو حذيفة حفناوي.

رد مع اقتباس