عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 04 Nov 2018, 08:56 PM
أبو حـــاتم البُلَيْـــدِي أبو حـــاتم البُلَيْـــدِي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
المشاركات: 128
افتراضي

﴿ كُونُواْ أَنْصَارًا لِلَّه



جَزاكَ اللهُ خَيْراً أَخِي الفَاضِل عَبْد الله عَلَى هَذِهِ التَّنْبِيهَاتِ السَّدِيدَةِ الَّتِي وَقَفْتَ عَلَيْهَا، وَلِلدُّكْتُورِ فركوس مَثِيلَاتُهَا نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُوَفِّقَهُ لِلرُّجُوعِ عَنْهَا وَالتَّوْبَةِ!.

وَلَا وَجهَ -إِطْلَاقًا- لِلإِنْكَارِ عَلَى السَّلَفِيِّينَ الَّذِينَ كَتَبُوا هَذِهِ المَقَالَاتِ، بِدَعْوَى أَنَّهَا تَهْدُفُ لِلنَّيلِ مِن شَخصِ الدُّكْتُور فركوس، لِأَنَّ الحَقَّ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ جَمِيعِ العُلَمَاءِ مَهْمَا عَلَتْ مَنْزِلَتُهُمْ عِنْدَ النَّاسِ، قَالَ الإِمَامُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ الله: "وَلَوْلَا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَنَّ كُلَّ مَا عَدَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَمَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ وَمَتْرُوكٌ، وَهُوَ عُرْضَةُ الْوَهْمِ وَالخَطَأِ، لَمَا اعْتَرَضْنَا عَلَى مَنْ لَا نَلْحَقُ غُبَارَهُمْ، وَلَا نَجْرِي مَعَهُمْ فِي مِضْمَارِهِمْ، وَنَرَاهُمْ فَوْقَنَا فِي مَقَامَاتِ الْإِيمَانِ، وَمَنَازِلِ السَّائِرِينَ، كَالنُّجُومِ الدَّرَارِيِّ.
وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ فَلْيُرْشِدْنَا إِلَيْهِ، وَمَنْ رَأَى فِي كَلَامِنَا زَيْغًا، أَوْ نَقْصًا وَخَطَأً، فَلْيَهْدِ إِلَيْنَا الصَّوَابَ نَشْكُرْ لَهُ سَعْيَهُ. وَنُقَابِلهُ بِالْقَبُولِ وَالْإِذْعَانِ وَالِانْقِيَادِ وَالتَّسْلِيمِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهُوَ الْمُوَفِّقُ
". [(مَدَارِجُ السَّالِكِين:
۲/۱۳٧)].

هَذَا، وَإِنَّ الوَاقِفَ عَلَى هَذِهِ الأَخْطَاءِ الجَسِيمَةِ -إِنْ كَانَ مِمَّنْ يَفْهَمُ المَنْهَجَ السَّلَفِيَّ حَقَّ الفَهمِ- يُدْرِكُ أَنَّهَا لَوْثَةٌ مَنْهَجِيَّةٌ بَعِيدَةٌ عَنِ النَّفَسِ السَّلَفِيِّ لِعُلَمَاءِ السُّنَّةِ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِي أَهْلِ البِدَعِ وَالزَّنْدَقَةِ وَالإِلْحَادِ بِمَا يُجْلِي حَالَهُمْ لِلنَّاسِ.
أَمَّا إِنْ كَانَ مِمَّنْ أَصَابَتْهُ بِدْعَةُ "الجَزأَرَةِ" فَإِنَّهُ لَنْ يُحَرِّكَ سَاكِنًا فِي إِنْكَارِ هَذَا المُنْكَرِ العَظِيمِ، لَا لِشَيْءٍ إِلَّا لِأَنَّ الأَمْرَ لَا يَتَعَلَّقُ بِــ: "الجَزَائِر=الجَمْعِيَّة، وابن حَنفِيَّة"، وَاللهُ المُسْتَعَان.

وَأَتَوَجَّهُ بِكَلِمَةٍ إِلَى القَوْمِ فَأَقُولُ:
إِنَّ المَنْهَجَ السَّلَفِيَّ هُوَ سِلْسِلَةٌ مُمْتَدَّةٌ مِنْ أَوَّلِ العَهْدِ النَّبَوِيِّ، وَالأَخْذُ بِهِ وَاجِبٌ، وَتَبَنِّي المَوَاقِفِ السَّلَفِيَّةِ -الَّتِي مَرَّتْ عَبْرَ كُلِّ الأَزْمِنَةِ وَالعُصُورِ، وَفِي كُلِّ البُلْدَانِ والأَمصَار- مَطْلَبٌ شَرْعِيٌّ، فَلَيسَت دَعْوَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ مُقَيَّدَةً بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ وَلَا بِجِهَوِيَّةٍ وَلَا وَطَنِيَّةٍ وَلَا حِزْبِيَّةٍ، بَلْ السَّلَفِيُّ فِي القَرْنِ الأَوَّلِ المُفَضَّلِ وَالسَّلَفِيُّ فِي هَذَا اليَوْمِ عَلَى خَطٍّ سَوَاءٍ، مَوَاقِفُهُمْ فِي الوَلَاءِ وَالبَرَاءِ وَاحِدَةٌ، فَالسَّلَفِيُّ يَتَوَلَّى جَمِيعَ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ مُعَاصِرِيهِ إِلَى أَوَّلِ العَهْدِ، وَيَتَبَرَّأُ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ البِدَعِ مِنْ مُعَاصِرِيهِ إِلَى أَوَّلِ عَهْدِ ظُهُورِ البِدَعِ وَأَهلِهَا.
وَأَمَّا مَا طَرَأَ عَلَى مَنْهَجِ بَعْضِ النَّاسِ مِنْ حَصْرِ القَضَايَا المَنْهَجِيَّةِ عَلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ، وَشَيْخٍ مُعَيَّنٍ، فَهَذَا مِنَ الجَاهِلِيَّةِ الجِهَوِيَّةِ الَّتِي تَدْعُو إِلَى الاِنفِكَاكِ عَنْ دَعْوَةِ العُلَماءِ المُرْتَبِطِينَ بِأَسْلَافِهِمْ، بِدَعوَى الرُّجُوعِ إِلَى عَالِمِ البَلَد!.

وَحَيْثُ إِنَّنَا -مَعْشَرَ السَّلَفِيِّينَ- ابْتُلِينَا فِي هَذِهِ الفِتْنَةِ "فِتْنَةِ جُمعَة!" بِمَصَائِبَ كَثِيرَةٍ، مِنهَا مُصِيبَةٌ عَظِيمَةٌ -وَلَعَلَّهَا الأَعظَمُ- وَهِيَ العَمَلُ بِمُقَدَّمَاتٍ خَطِيرَةٍ -وَمُحَاوَلَةُ زَرْعِهَا فِي الشَّبَابِ- تُفْضِي إِلَى القَوْلِ بِتَقْدِيسِ الدُّكْتُورِ فركوس وَعِصْمَتِهِ مِنَ الخَطَأِ، فَإِنَّ افْتِتَاحَ "سِلْسِلَة النَّقْدِ العِلْمِيِّ لِأَقْوَالِ الشَّيْخِ فركوس وَمَوَاقِفِهِ" هُوَ السَّبِيلُ وَالمَنْهَجُ الأَنْفَعُ -بِإِذْنِ اللهِ- لِإِبْطَالِ هَذَا الفِكْرِ الخَطِيرِ الَّذِي اسْتَقَرَّ فِي أَذْهَانِ بَعْضِ الشَّبَابِ، حَيْثُ سُئِلَ أَحَدُهُمْ: "هَلْ الشَّيْخُ فركوس بَشَر؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ لَهُ: هَلْ يُصِيبُ وَيُخْطِئُ؟ فَسَكَت!" وَقِيلَ لِآخَرَ: "هَلْ الشَّيْخُ فركوس بَشَر؟، قَالَ: هُوَ عَالِمٌ، فَقِيلَ لَهُ: هَلْ هُوَ بَشَرٌ، فَقَالَ: هُوَ عَالِمٌ، وَرَفَضَ أَن يَقُولَ عَنهُ بَشَر حَتَّى لَا يُقَالَ لَهُ مِثْلُ غَيْرِهِ: البَشَرُ يُصِيبُونَ وَيُخْطِئُونَ"، هَذِهِ العَيِّنَةُ مَوْجُودَةٌ فِي أَتْبَاعِ جَمَاعَة فركوس، وَحَقُّهُمْ عَلَيْنَا هُوَ هَذَا البَيَانُ.

ثُمَّ اعلَم يَا طَالِبَ الحَقِّ "أَنَّ الله تَعَالَى قَدْ يُوقِعُ بعضَ المخْلِصينَ في شَيْءٍ مِن الخطَإِ، ابْتِلاءً لغَيْرِه، أَيَتَّبِعُونَ الحقَّ ويَدَعُونَ قَوْلَه، أَمْ يَغْتَرُّون َبِفَضْلِه وَجَلاَلَتِه؟ وهُو مَعْذُورٌ، بَلْ مَأْجُورٌ لاجْتِهَادِهِ وقَصْدِهِ الخَيْرَ، وَعَدَمِ تَقْصِيرِهِ.
وَلَكِن مَنِ اتَّبَعَهُ مُغْتَرًا بِعَظَمَتِهِ بِدُونِ التِفَاتٍ إِلَى الحُجُجِ الحقِيقِيَةِ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ يَكُونُ مَعْذُورًا، بَلْ هُوَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ
". [(رَفعُ الاِشتِبَاه، لِلعَلَّامَةِ المُعَلِّمِي: ۱٥۲)].

وَليَحذَر مَن يُرِيدُ الاِنتِصَارَ لِلبَاطِلِ عَلَى حِسَابِ الحَقِّ مِن أَجلِ إِرضَاءِ الخَلقِ، فَإِنَّهُ يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنيَا قَلِيل، "وَهَاهُنَا أَمْرٌ خَفِيٌّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ، وَهُوَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ قَدْ يَقُولُ قَوْلًا مَرْجُوحًا وَيَكُونُ مُجْتَهِدًا فِيهِ، مَأْجُورًا عَلَى اجْتِهَادِهِ فِيهِ مَوْضُوعًا عَنْهُ خَطَؤُهُ فِيهِ، وَلَا يَكُونُ الْمُنْتَصِرُ لِمَقَالَتِهِ تِلْكَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ، لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَنْتَصِرُ لِهَذَا الْقَوْلِ إِلَّا لِكَوْنِ مَتْبُوعِهِ قَدْ قَالَهُ، بِحَيْثُ إِنَّهُ لَوْ قَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ لَمَا قَبِلَهُ، وَلَا انْتَصَرَ لَهُ وَلَا وَالَى مَنْ وَافَقَهُ وَلَا عَادَى مَنْ خَالَفَهُ، وَهُوَ مَعَ هَذَا يَظُنُّ أَنَّهُ إِنَّمَا انْتَصَرَ لِلْحَقِّ بِمَنْزِلَةِ مَتْبُوعِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مَتْبُوعَهُ إِنَّمَا كَانَ قَصْدُهُ الِانْتِصَارَ لِلْحَقِّ، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ، وَأَمَّا هَذَا التَّابِعُ فَقَدْ شَابَ انْتِصَارَهُ -لِمَا يَظُنُّهُ الْحَقَّ- إِرَادَةُ عُلُوِّ مَتْبُوعِهِ وَظُهُورِ كَلِمَتِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إِلَى الْخَطَأِ، وَهَذِهِ دَسِيسَةٌ تَقْدَحُ فِي قَصْدِ الِانْتِصَارِ لِلْحَقِّ، فَافْهَمْ هَذَا فَإِنَّهُ فَهْمٌ عَظِيمٌ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" [(جَامِعُ العُلُومِ لاِبنِ رَجَب: ۲٦٧/۲٦۸)].

فَعَظِّمُوا اللهَ فِي أَنفُسِكُم وَلاَ تَأخُذكُمُ العِزَّةُ بِالإِثم، وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين.

البُلَيْـــدِي: ۲٦ صفر ۱٤٤۰ هـ

رد مع اقتباس