عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11 Dec 2019, 06:17 PM
فتحي إدريس فتحي إدريس غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2018
المشاركات: 48
افتراضي سيل الرابية في اجتراف ما جاء به يوسف أورابية

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

سيل الرابية في اجتراف ما جاء به يوسف أورابية

«فتفهَّم أيها المعارض ثم تكلم، ولا تنطقن بما لا تعلم، فإن كنت لا تحسن فتعلَّم، ولا ترسل من رأسك ما يأخذ منك بالكظم
فينقض عليك وتطلم، وتعدَّ في عداد من لا يفهم»
"النقض" (436) للدَّارمي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد:
فقد وقفتُ على مقالٍ رامَ فيه صاحبه الرَّدَّ على شيخِنا أبي البراء خالد بن محمد حمودة -حفظه الله- فيما سجَّله من صوتيةٍ ماتعةٍ نافعةٍ بعنوان: "قصتي مع فركوس" تعرَّض فيها بالتَّفصيل لما ذكرَه عنه الشَّيخ فركوس فأجاد في ذلك وأفاد.
ولكنَّ صاحبَنا انبرى للرَّدِّ فجمع في ردِّه بين أمرين اثنين أساسيَّين يتحلى بهما كلُّ كتاب المطَّة، فهو من ضمن من رمى بسهَم غَرْبٍ في هذه الفتنة كما رمى لداته، والأمران هما: التَّلميع لمتبوعيه ورفعهم فوق منزلتهم وقدرهم ومجاوزة الحدِّ في ذلك، والتَّشنيع على مخالفيه والحطُّ من قيمتهم وقدْرهم وتحقير شأنهم وتشويه صورتهم، وينبني على هذين الأمرين تنزيه متبوعيه عن كل نقيصةٍ والاستماتة في الدِّفاع والتَّأويل، ونفي كل فضيلةٍ عن مخالفه ولو كانت ثابتة حاصلة، ومن خطئه أنَّه عامل الشيخ خالدا -حفظه الله- على ما ذكره من قصص في الصوتية لها سنوات! فكان يعامله على أساس أنَّه لم يزل كذلك بل سلبه كلَّ فضيلةٍ! ومن هنا دخل عليه كثيرٌ من الاحتقار والتَّعالي وأيضًا تعامل مع ما ذكره الشيخ خالد -حفظه الله- من أخبار وما ساقه من قصصٍ أو من إشكال كأنَّ الشيخ خالد -حفظه الله- تعرَّض لها تقريرًا واحتجاجا واستدلالا وبحثا.
ومما أثر عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ»["مقدِّمة صحيح مسلم"(1/ 6)] فالمطلوب من كلِّ من تصدى لتقويم النَّاس والكلام عليهم أن ينزلهم منازلهم، وأن يضعهم في مراتبهم، فلا يرفعهم فوق قدرهم، ولا ينزل بهم عن رتبهم، وقد جمع صاحب الرَّدِّ بين الأمرين.
فتجاوز الحدَّ في ثنائه ومدحه للشيخ فركوس ومن أقواله في ذلك: «لريحانة بلادنا، وعلامة المغرب شيخنا وحبيبنا وتاج رؤوسنا، مفخرة السلفيين، ومرجع الفقهاء والأصوليين، منارة في زمن الظلمة، وإمام ترفع به الهمة، داع إلى الكتاب والسنة، عرف عند الصغير والكبير، والقريب والبعيد بالمثابرة والتحقيق، والشرح والتعليق، فنونه بلغت الآفاق، والانتفاع بعلومه من أعظم الأرزاق، رزقها من كان لفضل الشيخ عارفا، وحرمها من كان راجفا، ولن أخط السواد في البياض لأبين مناقب الشيخ، فمناقبه لا يحصرها المجلد والمجلدان، فضلا على أن يكون مقالا...».
وأنا أحب ما أحبَّه محمود شاكر -رحمه الله- حين قال كما في "ديباجة كتاب طبقات فحول الشعراء"(ص 38): «أحب أن نبرأ من المبالغة في الحب والبغض، وفي الثناء والقدح، وفي المجاملة والازورار، فإنها تضرُّ، وهي فوق ذلك متعبة للطرفين جميعا...» ولم يترك صاحبنا شيئا من المبالغة إلا وأتى به في مقاله كما سيأتي.
وأما ما يتعلَّق بالأوصاف والألقاب التي أطلقها هو وغيره على الشيخ فركوس، فيقال فيها عموما ما قاله محمود شاكر -رحمه الله- لما تكلم عن محمد بن سلام الجمحي -رحمه الله- كما في "مقدمة طبقات فحول الشعراء"(ص 24): «ابن سلام كان من أهل جيل يحسنون اختيار ألفاظهم لدلالة على معانيهم ومقاصدهم، لا يعمدون إلى اختيار ألفاظ الثناء ليضعوها في غير موضعها»، فهكذا من كان يضع مواضع الثناء في غير موضعها، ومن ذلك من قال عن الشيخ فركوس أنه محدِّث وأنا سمعته يقول عن نفسه أنه مقلد للألباني في الحديث! ولست أريد الاسترسال فشواهد هذا معلومة مثل من جعله إماما في ثمانية ومن جعله ابن تيمية وما تراه مبثوثا في ثنايا المقال كذلك، وهذه إذا صدرت من غير أهل الصنعة فلا يعبأ بمثلها ولو بلغت عنان السَّماء، وإنِّي لأعجب كيف يشدِّد الشيخ فركوس في إطلاق لقب الشيخ على الحدث وقد كان من الأئمة من لم يجاوز الثَّلاثين ومع ذلك يقرُّ كل هذه الأوصاف؟! بل يُنشر بمقال بأنه ينبغي للجزائريين أن يفخروا لكونهم في بلد يضم في جنباته الشيخ فركوس.
وهذا الثناء والمبالغة صار شيئا معهودًا لديهم وسنَّة مطروقَة وعادةً لا بدَّ منها، فكذلك فعل إبراهيم بويران، ومنور عشيش، وياسين وهذا يوسف ينسج على منوالهم، ومقدَّمهم في هذه الطَّريقة ومن سنَّ هذه السنة السيئة عبد المجيد جمعة ولزهر سنيقرة، فبعد أن تبيَّن لهما موقف الشيخ فركوس من هذه الفتنة وأنه مخالفٌ لقول العلماء الأكابر كالعلامة ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله- والعلامة عبيد بن عبد الله الجابري -حفظه الله- جعل كل واحد منهما يثني ويمدح الشيخ فركوس ويبدئ ويعيد في ذلك وكذلك أعضاء المطة، حتى جاءوا بأشياء من جنس ما يفعله الصُّوفيَّة كما تراه في ردِّ السِّيداوي على بويران.
والمقصودُ أنَّ كلَّ عارفٍ بالشَّيخ فركوس يدرك أنَّ هذه الصِّفات لا تنطبق عليه، فكيف تجعله مرجعا للفقهاء والأصوليِّين ومفخرة للسَّلفيين بل إمامًا وفنونه بلغت الآفاق! إنَّك لو ذكرت هذه الأوصافَ في العلماء الأكابر الَّذين طار ذكرهم في الآفاق واشتهر صيتهم في الدنيا ولم يأت بعدهم من قاربَ منزلتهم كابن باز والألباني وابن عثيمين -رحمه الله- لكنت مقاربا ومقرِّبا للحال!
ولكن كيف يكون مرجِعا للفقهاء والأصوليين ومفخرة للسَّلفيِّين وحامل لواء السلفية في المغرب العربي وإمام الفقهاء وغير ذلك من الأوصاف التي جازفت في إطلاقها، ولم يوضِّح ولم يشرح فتنة عارِمة وقعت بين السلفيين في الجزائر -حرسها الله- وقد بقيت كتابات الشيخ محمد مرابط -حفظه الله- معلَّقة دون إجاباتٍ، ومناقشة الأخ صالح -وفقه الله- لم تتمَّ، وكذلك ما نشر عنه من اتهاماتٍ غير مبنيَّة على أدلَّة وبراهين مثل قضيَّة بلاط وغير ذلك مما رُدَّ وبُيِّنَ.
وجاءت كتابته في هذه الفتنة مجملة تحتاج إلى تفصيل، ودعاوى تحتاج إلى براهين، وقديما كانوا يقولون: الضدُّ يظهر حسنه الضدُّ، فانظر لنصائح العلماء الأكابر كالربيع والجابري -حفظهما الله- كيف كانت مبنيَّة على الكتاب والسنة داعية للاجتماع والألفة مرصعة بالنصوص الشرعية واللهجة الثَّابتة البينة، وتأمل سابقتهم وسبقهم في هذا الباب ووقوفهم لعتاة المبتدعة وجهودهم في ذلك وكيف كانت ردودهم محبرة مفصَّلة وصوتياتهم واضحة بيِّنة، فإن السلفيين سيفخرون فبمثل هذا يفخرون بالردود المبنية على الحجج الشرعية في رد بدع محققة وليس على أمور متوهمة أو قيل وقال كـ«لم يحترموني» وغيرها.
وأما قولك «فنونه بلغت الآفاق» فما هي هذه الفنون التي بلغت الآفاق، لو قيل مثل هذا في الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- الذي فسر كتاب الله عز وجل فأتى عليه جميعا، ثم شرح أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم كالبخاري ومسلم ورياض الصالحين، وعرج على الفقه فشرح الزَّاد فجاء الشرح في خمسة عشر مجلَّدا، وكتب في الأصول والقواعد الفقهية وعلوم القرآن ومصطلح الحديث واللغة العربية والبلاغة وغير ذلك من الفنون العلمية نثرا ونظما، زيادة على المجالس في الفتاوى المتعددة والدروس المتنوعة، لكان وجيهًا، فاترك التَّهويل فليس على مثل هذا التَّعويل، فالشيخ كغيره من المشايخ لهم مؤلفات وكتابات ومشاركات أما أن يوصف بهذا الوصف فهو مبالغة بيِّنة.
والمقصودُ أنَّ هذا الثَّناء والمبالغة في المدح المقصودُ منه ما ينبني عليه من اتباع أقوال الشيخ فركوس لا سيما في هذه الفتنة، ورفع مكانته حتى يضاهي العلماء الأكابر ويكون قوله مقدَّما على قولهم، وحتَّى يزداد تعظيم الشباب له وتمسكهم به، وإلا فالسَّلفيُّ يسير على قاعدة: «اعرف الحقَّ تعرف أهله». فيدور مع الحقِّ حيثُما دار، ولهذا كان يقال: «من كان مستنا فليستن بمن قد مات، فإنَّ الحي لا تؤمن عليه الفتنة»، فينبغي ترسيخ مثل هذه القواعد في هذه الفتنة المزلزلة التي أتت على الأخضر واليابس حتى صار بعضهم يعتقد التقليد والتقديس دينًا.
قوله: «ورد في صوتيتك عدة طوام واتهامات تتلخص فيما يلي:
1- نفيك بأنك كنت من أتباع فالح».
هذه الطوام والاتهامات المزعومة سردها صاحبها من غير أن يردَّها أو يثبت عكسها مع محاولته في بعضها كما سيأتي، وانظر أول ما استفتح به وهذا المن العجب أن يعدَّ نفي الشَّخص وتصريحه بأنه لم يكن مع فالح من طوامه واتهاماته ولا يعدُّ من رماه بأنه كان مع فالح ويطعن في الشيخ فركوس ودار فيه حالة بأنه طامة واتهام! فهكذا يقلبون الموازين.
«2- الحكم على المشايخ في فتنة فالح وأنت لم تبلغ العشرين سنة».
ما الضير في أن يحكم على المشايخ بأنه ليس فيهم عالمٌ في ذلك الزمان، وقد كان العلماء أئمة ومشتهرون ولم يقولوا بأن في الجزائر عالم آنذاك.
وإن كنت تنكر مثل هذا على الشيخ خالد -حفظه الله- فقد قال من قريب الشيخ نور الدين يطو أنني لا أعلم عالما في الجزائر يرقى المنبر مثل الفوزان والمفتي وأحدث هذا ضجة حتى سئل عنه الشيخ فركوس في مجلسه!وكان حينها لزهر ممن يرقى المنبر، فبأي ميزان تزنون؟!
«3- تعارضك بقولك للشيخ عبد الله الغديان أن الجزائر ليس فيها علماء -وهو قول فالح الحربي- مع أنك تجزم للشيخ أنك لم تكن تطعن فيه».
الأولى أن تثبت لنا من عدَّ الشيخ فركوسا من العلماء حينها ووقتها، وأين الطعن إن كان قد أنزله منزلته! أم أنه لا بد من المجاملة والمبالغة في المدح والثناء حتى لا يكون ذلك طعنا؟! إن الطعن أن يقع فيه ويتكلم فيه ويجرحه أما أن يقول بأنه ليس بعالم ولم يكن من وسمه بهذا حينها فأين الطعن!
وإذا كان مثل هذا طعنا فما تقول إذن في المنتدى الذي يشرف عليه لزهر سنيقرة وقد طعن في بطانة الشيخ فركوس ورماه بالغفلة؟ أم أنه ما دام موافقًا مناصرًا فلا يضيره ما أتى وما قال وما دام الشيخ خالد -حفظه الله- مخالفا فإنه يحاكم على ما مضى ولو كان حقا وصوابا؟ويكفي العاقل أنك لم تثبت طعنا صريحا بل أنت تحاول وتتكلف، فلا أدري كيف يصدق القارئ مثل هذه الأفكار والنتائج العرية عن البينات والدلائل الهشة البناء.
«4- ازداء علامة المغرب العربي وانتقاصه والتطاول عليه».
وهذه مجرَّد دعاوى لا بد لها من بينات وإجمالات لا بد لها من تفصيل، وسنقف على بعض تفاصيل ما ذكره ونزنه لننظر بما نعود.
«5- تخريجك المسألة الفقهية في المعاملات تخريجا باطلا».
وهذا من عدوانه، فغاية ما فعله الشيخ خالد -حفظه الله- أنه طرح استشكالا وأخبر عن قصة قديمة مرت عليها سنون، ولكن صاحبنا يحاكمه كأنه يناقشه فيها الآن وكأنه كان سيناظره، والإشكال عند الطالب قد يكون بعيدا وقد يكون قريبا، وسيأتي الكلام على المسألة.
«6- الاندفاع بالفتوى بحضرة الكبار».
وهذا كذلك يحتاج إلى بينة وتفصيل.
«7- اتهام الشيخ بأنه يقصي المتفوقين من طلبة العلم ويقرب من يحفظ فتاويه».
وسيأتي مناقشة هذا.
«9- دعوى أن الشيخ يكن لك حقدا».
هذا ما يظهر إذ كيف لم ينسه كل هذه السنوات، ولا زال يتذكر المواقف ويذكرها له بحيث لا يقوى على كتمها، وأيضًا يقول عنه بأنه تركه للأيام حتى تفضحه، ما جناية الشيخ خالد حفظه الله- حتى يستحق كل هذا الأمر؟
«10- خلصت إلى أن الشيخ لا يصلح للرياسة».
من أظهر علامات من يصلح للرئاسة أن يكون حليما معطاء جوادا، وقد قيل:
ببذل وحلم ساد في قومه الفتى /// وكونك إياه عليك يسير
وهذا من الشواهد المعروفة، وانظر في سير من حاز السؤدد كالأحنف بن قيس أبي بحر وما كان عليه من الحلم العظيم، وكذلك قال ربنا سبحانه وتعالى: «وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون».
وفي قصة الشيخ خالد -حفظه الله- مع الشيخ فركوس نجد أنه لم يحلم عليه ولم يصبر ولم يجد عليه بعلمه كذلك، فما سامحه وعفى عنه لو تنزلنا وفرضنا أنه أخطأ بل تركه للأيام تفضحه ولا هو تركه ينهل من علمه ويستفيد منه بل أخبرهم أن يقولوا له أن لا يأتي مجددا، فهل من لا يقوى على الصبر على طالب في مقتبل العمر يصلح للرياسة على أصناف مختلفة من الناس وفيهم من فيهم! وتأمل كيف كانت حال نبينا صلى الله عليه وسلم وما كان معروفا به من محاسن الأخلاق ومكارم الشيم وكيف كانت معاملته مع الأعراب الذين يجذبونه حتى يؤثر الرداء على جسده، ويرفعون أصواتهم وينادونه باسمه مجردا، ثم انظر ما أنتم فيه من الريحانة وعلامة المغرب وإمام السلفية ومرجع الفقهاء والأصوليين ولا أدري هل يشفع لكم كل هذا أم لا بد أن تستكثروا وتستحدثوا ألقابا أكثر كلما تكلم فيه أهل العلم وبينوا حاله عساكم أن ترتقوا الفتق وهيهات.
«أكتفي بها وقد ترفعت عن ذكر كثير من الأكاذيب والأراجيف».
سيظهر في ثنايا مقالك هل ترفعت فأعرضت صفحا عن أشياء موجودة، أم أنك تتكلف حتى تصنع أشياء ترمي بها الشيخ خالد -حفظه الله-.
«فأول ما يلحظ مخاطبة الشيخ الجليل "بالرجل" و"قصته معي" و"مشكلتي معه" وغيرها من الألفاظ التي تدل على قلة أدبك إن خاطبت بها جاهلا في سن الشيخ، فضلا أن تخاطب بها إمام السنة وحامل لواء السلفية في المغرب العربي».
وهذا تهويل لا طائل من ورائه، ومن سمع صوتية الشيخ خالد -حفظه الله- لاحظ هدوءه وكلامه برزانة ولهجته المتأنية، مع أنَّ الشيخ فركوسا اتهمه بأشياء وتكلم بطريقة حادة وأخبر أنه طرده فما الذي تنتظره والحالة هذه؟ إنَّ المقام مقام دفاعٍ وردٍّ؛ وأيضا أثبت العرش ثم انقش، ينبغي أن تثبت أنَّ الشيخ فركوسا إمام السنة وحامل لواء السلفية في المغرب العربي بأن تذكر لنا من قرر هذا الأمر من العلماء الربانيين الراسخين وما قولهم فيه بأَخَرَة، إن الشيخ ربيع بن هادي المدخلي والشيخ عبيدا الجابري -حفظهما الله- وهما من حاملي لواء السلفية ليس في المغرب العربي فحسب بل في العالم جميعًا ليس مبالغة وتهويلًا كما تفعله بل بشهادة العلماء كما شهد الألباني وغيره -رحمهم الله- للشيخ ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله- وهو يحذِّر منه والشيخ عبيد الجابري -حفظه الله- ذكر أنه جاء ببدعة التهميش، فهل مثل من يحدث هذه البدع ويقف هذا الموقف مجابها لأئمة السنة في هذا العصر يكون حاملًا للواء السَّلفية في قطرٍ من الأقطار وتصدر عنه كل هذه الفواجع التي لم تبن على أساس متين، ألم يبلغك أنَّ الرجل لا يكون إماما وهو يحدث بكل ما سمع، هذا إذا كان يحدث بكل ما يبلغه فكيف إذا كان بعضه منشئه ومقرره كقوله: «ركبوا منهج التمييع في الجملة وأرادوا فرضة تدريجيا» وقضية التأكل بالدعوة وغير ذلك.
«ثم عرجت وذكرت الأسئلة الدقيقة التي عجز الشيخ يوسف الدخيل عن الإجابة عنها، وطرت بها فرحا إلى الشيخ ربيع ليشهد لك الجميع بقوة ذكائك ويظهر لهم سعة اطلاعك، وقد أدبك الشيخ ربيع بقوله "ما مستواك" وبين أن طريقتك في امتحان المشايخ وتعجيزهم لا تصلح لطلب العلم ثم أرشدك إلى الطريق الصحيح، وما ذاك إلا بما تفرسه فك من حب الظهور والشهرة الممقوتة، وقد سبقه إلى هذه الفراسة إمام الفقهاء شيخنا الجليل الشيخ فركوس حفظه الله».
هذا ركامٌ من الخلط والخبطِ، ولكن لا بأس بردِّ كلِّ شيءٍ لمكانته، إنَّ أمثال يوسف الدخيل -رحمه الله- من علماء الطراز الأوَّل لا يقال في حقِّه عجز ولو تهويلًا بل يقال تأدُّبا معه أحال لمن هو أولى منه بالإجابة كما جرت عادة السَّلف وأنت ممن ينصح الشيخ خالدًا بكتب الأدب فكانَ الأولى أن تمتثل هذا الشيء في تعبيرك عن العلماء وأن تعرف لهم قدرهم أم أنك تعرف قدر واحدٍ منهم فقط توقف الأدب عنده؟!.
ثمَّ إنَّ الشيخ خالدًا -حفظه الله- كسائر طلبة العلم أحيانا تجتمع لديه إشكالات مما قرأه وطالعه وقد ينظر طالب العلم ولو فرضنا أنه مبتدئ في كتاب موسع فتعرض له إشكالات أكبر منه فلا عليك أن تنسج من خيالك أنه كان يطلب شهرة أو طار بها فرحا ليشهد له بقوة الذكاء فإنَّ هذا من الكلام على النيات والمفروض أن تنزه نفسك عن اقتحام هذا الأمر إلا عن يقين أم أنكم تقتحمون نوايا خصومكم وتحملونها على ما تشاءون وما كان ظاهرا من أفعال متبوعيكم تلوونه حتى تجدون له المحامل والمخارج؟!
وأما الشيخ ربيع -حفظه الله- فقد نصحه بالاشتغال بما رآه أنسب إليه، ومعلوم أنَّ العالم قد لا يعرف الطالب معرفة خاصَّة ومستواه فينصحه بالأصل، فنصحه بحفظ بلوغ المرام ولو كان الشيخ خالد -حفظه الله- طالب شهرة كما تدعي وتزعم ومحبا للظهور لما عمل بهذه النصيحة ولضرب بها عرض الحائط ولذهب لغيره ممن يشيد به ويثني على أسئلته وذكائه ولكني أبشرك بما يسوءك وهو أنه عمل بنصيحته واشتغل بحفظ بلوغ المرام، بل أزيد شيئا آخر وهو أنَّ الشيخ خالد -حفظه الله- كانت له إشكالات فيما يتعلق بكلام الأئمة وخلافهم حول الرجال وهذا الكلام كله نذكره وهو لا يزال شابًّا فسمع الشيخ الألباني -رحمه الله- في شريط له ينصح لمن كانت هذه حاله بأن يديم النظر في كتاب "ميزان الاعتدال" للذهبي -رحمه الله- فإنَّه يذهب مثل هذه الإشكالات فقرأه الشيخ مرتين، فهذا الصنيع يدلُّ دلالة بينة أن الرجل ليس كما ترميه وتفتري عليه وإنما يبحث عما يحل إشكالاته وما ينفعه في طريقه وما يسير فيه.
وأما أن تسوي بين صنيع الشيخ ربيع وتخرج عليه صنيع الشيخ فركوس وأنه سبقه لذلك، فأين الطرد من المجلس لمجرد الاستشكال ممن ينصحك بكتاب يرى أنه أصلح لك وأنفع؟!
«والمستمع إليك يفهم منك أنك باحث متميز ومشمر في الجد والاجتهاد، وغاية الأسئلة التي طرت بها فرحا هي الخلاف في اشتراط اللقي عند البخاري ومسلم، والمسألة قد قتلت بحثا فما أدري الوجه الذي أعجزت به الشيخ يوسف الدخيل، ولم يجد لك مخرجا إلا أن يحيلك إلى الشيخ ربيع وذلك حتى يتخلص من إزعاجك وإحراجك، أفعلى مثل هذا عجبت يا مغرور».
أنبهك مرَّة أخرى إلى أن تعرف قيمة العلماء وأن تحترمهم وتجلهم وتعرف مراتبهم ومنازلهم فقد نبهتك قبل إلى حسن اختيار الألفاظ وإحسان الظن في إخراج تصرفاتهم، ولكن الفتنة الأخيرة قد فعلت فيكم فعلها، فصرتم لا تعظمون إلا أفرادا معدودين والمشكلة أنكم لستم وسط فيهم بل هؤلاء ترفعونهم فوق قدرهم، فجمعتهم بين طرفي ما يريده الشيطان إخراج العبد إما إلى الغلو أو الجفاء، فالشيخ يوسف الدخيل -حفظه الله- أحال لمن يراه أهل وأمكن، وهو صاحب كتاب "سؤالات الترمذي للبخاري" رحمهما الله وفيه من دقيق العلم وبديعه ما فيه، وإحالته كذلك ينبغي أن تحملها على أحسن المحامل بحيث أنه رأى أنَّ من أحسن من يفيد الشيخ خالدا -حفظه الله- في هذه المسائل هو الشيخ ربيع -حفظه الله- كما جرت عادة العلماء أنهم يحيلون الطالب لمن يعلمون انتفاعه به، قال ابن الصلاح -رحمه الله- في "مقدمته" (ص 239): «وينبغي للمحدث إذا التمس منه ما يعلمه عند غيره في بلده أو غيره بإسناد أعلى من إسناده أو أرجح من وجه آخر أن يعلم الطالب به ويرشده إليه، فإن الدين النصيحة» وهكذا الحال إذا كان يعلم أنه سيفيده أكثر، فعلى مثل هذا يخرَّج وليس أن تستكثر علينا وتتباهى بأنها مسألة يسيرة كيف يحال فيها؟!
والشيخ خالد -حفظه الله- ذكر مسألةً آنذاك وإني لأفكر وأنا أكتب هذه الكلمات عما كنت تفعله في تلك السنوات وكيف كانت حالك وأنت الآن ربما جالس متكئ تحرر هذا الرد وترمي الشيخ خالدا -حفظه الله- بما بدا لك وظهر مرتاح البال هادئ النفس إذ قد ضمنت لردك هذا بالرَّواج فالعنوان والمقدمة كافيان لشيوعه وذيوعه وأخذ ما فيه على عجره وبجره، ولكن لو رجعت لذلك الوقت وما كانت عليه الحال لما استنكرت أن تستشكل مثل هذه المسائل بخلاف البذخ الذي وصل إليه الحال في هذا الزمان مع تيسر أساليب البحث مما خول لكثير من الناس أن يتبجح كما فعلت، قائلا:
«وتتكلم في المنطق فتذكر السلم وقد جعله صاحبه لمن ليس له تصور على المنطق أصلا، فأقل شيء إن كنت طالب علم أن تقرأ حاشيته المسماة بالاحمرار، وإن أردت المنطق فعليك بكتاب معيار العلم للغزالي، أو تهذيب المنطق والكلام للأصولي سعد التفتزاني أو المطلع شرح الاساغوجي لزكريا الأنصار وكتاب الرسالة الشمسية في القواعد المنطقية للكاتبي وشرحها للرازي ودرء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام».
أقول يا قلعة المطة أدركوا قومكم فإنه يحال لكتب الضلال في منتداكم وتحت أعينكم وأبصاركم لا سيما والمشرف قد علق وما أظنه قرأ أو وقف على المقال فقد هرع إلى التعليق بعد أن رأى العنوان واكتفى بالمقدمة، أولستم من أعلن الحرب عن الإحالة لكتب هي أدنى من كتب المنطق وعلم الكلام من هذه الكتب وأربابها، ولا أدري لم هذا التبجح والاستكثار والمسألة أصلا خارجة عن محل النزاع فالشيخ خالد -حفظه الله- ذكر قصة عن شيخه أحمد -رحمه الله- مع محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- ولكن صاحبنا يستدرك ويرد وكأن الشيخ خالدا -حفظه الله- كان في محاضرة للتدرج في علم المنطق وفاته ذكر أمات الكتب، وعجب كيف يحيل سلفيٌّ ويحفل بكونه يعرف هذه الكتب، أظنك أحوج لأن تقرأ رسالة "المنطق الأرسطي" منك إلى الإحالة لهذه الكتب، ولا أدري لم حشرت كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- معها وجعلته من كتب المنطق وهو في دحض نظرياتهم ورد مذاهبهم فجمعت بين الضب والنون بين ابن تيمية والرازي، فيا لك من حاطب ليل بارع.
«وأعجب العجب فرحك بأنك تدرس نثر الورود وتحسب أنك قد صرت أصوليا بارعا فلو ذكرت الإحكام للآمدي أو المحصول للرازي أو غيرها من الأمهات حق لك التكلم بأنك تسير على درب الأصوليين».
لا يسعني إلا أن أمسك رأسي من شدة الحيرة في هذا الموطن! أظنني لست مخطئا فمثل هذا الكلام نشر في منتديات المطة! وطريقة الأصوليين وأمهات الكتب هي كتب الرازي والآمدي؟! أليس الأولى بك أن تحيل لكتاب الرسالة للشافعي والقواطع لابن السمعاني وشرح الكوكب المنير للفتوحي وأمثال هذه الكتب الصافية وأنت تنقل للسلفيين، أوتروج لهذه الكتب؟!
ثم إنَّ ما ذكرته عن نثر الورود يدل على جهلك وأفيدك لا بأس بما ذكره العلامة الأصولي المحقق شيخ شيخنا خالد حمودة -حفظه الله- وقد سمعته ينقله عنه في مجلس بباتنة قال عن كتاب نثر الورود: «إنَّ الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- غاص في علم الأصول فاستخرج زبدته فنثرها في نثر الورود» فهذا حكم العلماء العارفين من أهل الصنعة وانظر إلى ما يؤدي إليه التحامل من الوقوع في مثل هذه الكوائن! حقا إن التحامل يلقي بصاحبه في المهاوي.
«في حين أنَّ الشيخ قد شرح روضة الناظر لابن قدامة بسنوات وحضره المتميزون من طلبته ولعلك كنت في ذلك الوقت صبيا تلعب مع الأطفال وحقق الشيخ كثيرا من المسائل الأصولية وأنت تدعي بعد كل هذه الجهود لؤما وتنكرا لأهل بلدك أن الجزائر ليس فيها علماء وتبجح بمثل هذه المتون التي وضعت للمبتدئين».
نعترف للشيخ بجهده ونشكره على تحقيق ما حققه وشرح ما شرحه ولا نتنكر لذلك، ولكن ليس كلُّ من شرحَ كتابا من الكتب عدَّ عالما، بل العالم يعرف بتنصيص العلماء على ذلك، وهذا في ذلك الوقت، فمن كان قد نصَّ على هذا الأمر حين تكلم الشيخ خالد -حفظه الله- بذلك الكلام ينبغي أن تحاكمه إلى مثل هذا، وإلا فما أكثر من يشرح ما هو أوسع من الروضة ويحقق الكثير من الكتب ومع ذلك ليس معدودا من جملة العلماء، فهذا الضابط الذي وضعته ليس بذاك.
وأيضا لا ينبغي أن تهون من قدر الشيخ خالد -حفظه الله- بأنه كان طفلا ويلعب مع الصبيان ونحو ذلك، فإن هذا ينعكس على لزهر وجمعة فيما يتعلق بالشيخ عبد الغني عوسات -حفظه الله- فهل يمكننا أن نجري هذا القول عليهما؟! بشهادة لزهر أنه لما كان الشيخ عبد الغني -حفظه الله- يدعو إلى الله عز وجل ويطوف البلاد كان يلعب بالكريات! إنك لا تقول بهذا ولا قريب منه، إذن فاثبت على أصل صحيح ثم حاكم إليه.
«وقد سألت إخواني ممن كانوا بالمدينة وممن هم فيها من الطلبة السلفيين فما أحد ذكرك بالجد والاجتهاد، ولا عرفت بذلك».
وهذا إبهام وإجمال في مقام يحتاج إلى التفصيل، فسم لنا من هؤلاء الذين سألتهم فقد يكونون على شاكلتك في رمي الأحكام جزافًا.
والقارئ لمقالك والناظر لتهجماتك على الشيخ خالد -حفظه الله- وأحكامك التي خضت فيها حتى وصلت للكلام على نياته يظنك من أقرب الناس إليه وألصقهم به وأعرفهم به، ومع ذلك أنت تحتاج لأن تسأل عنه غيرك ليطلعك على حاله.
أما قضية اجتهاده ففضلا عن كونها خارج محلِّ النِّزاع فالشَّيخ خالد -حفظه الله- لم يذكرها وإنما فهمتها واستنبطتها كما استنبطت غيرها، ومع ذلك فإني أنصحك أن تتجاوزها فقد عرف بهذا منذ صغره وصباه ولن أحيلك إلى أحد ليحدثك عن اجتهاده إلا للمشرف عليك وهو أزهر سنيقرة فقد عاين ذلك ورآه بلا شكٍّ، وإني أحسب أنك قلت في الشيخ خالد -حفظه الله- ما لا يعتقده فيه من تدافع عنهم.
وإني محدثك عن بعض ذلك، أما في المدينة فقد قرأ "نثر الورود" وحفظ المراقي في أربعة أشهر، وفي هذه المدة كذلك أتى على "شرح ابن عقيل" مع حفظ ألفية ابن مالك، وحفظ كذلك "المنهج المنتخب" للزقاق ودرسه مع شرحه وشرع في "مختصر خليل" فحفظ منه جزء طيِّبا، وكان مواظبا على حلقات العلامة العباد في السنن، ومجلس الشيخ عبيد الله الأفغاني رحمه الله في الإقراء، وكان يخرج الأحاديث مع المحدث مفلح الرشيدي -رحمه الله- من الصباح إلى منتصف النهار، وكان يدرس على عبد الله بن عقيل وقربه لما رأى من اجتهاده وجده فقد كان يقرأ عليه كتاب السعدي -رحمه الله- وكانت نسخة الشيخ خالد -حفظه الله- يستخرج منها القواعد الفقهية ودرس على الشيخ عبد الرحمن كوني بعضا من الكتاب لسيبويه ومن اللطائف أن النحاة لهم قول مشهور يقدمونه بين يدي قراءة الكتاب للطالب فيقولون له هل خضت البحر يعنون بذلك اقتحمت كتب النحو وخضت مشكلها، وكان الشيخ خالد -حفظه الله- قد سافر عبره فقال: نعم، حسا ومعنى وغير ذلك مما يدل على أنَّ خبر هؤلاء الإخوة فيه نظر، والمبهم من أقسام الضعيف.
وهذه صوتيةٌ للشيخ عبد الرزاق البدر -حفظه الله- مضى عليها سنواتٌ ذوات عدد، متعلقة بدورة علميَّة في شرح كتاب "الكبائر" وكان فيها مسابقة علميَّة ببحوث يقدمها الطلبة، فكان بحث الشيخ خالد حمودة -حفظه الله- هو الأول، وهذا رابط الصوتية: http://bit.ly/32LuRog
«وأتحداك أن تعطيني كتابا علميا أتممته من أوله إلى آخره مجازا فيه، وآثارك تشهد عليك».
أما التحدِّي فإني أحيله للشيخ فركوس فقد أجازه في "الفتح المأمول" وعمره لم يتجاوز الثامنة عشرة، وعجيبٌ كيف يتحدى أخٌ سلفيٌّ بالإجازات ونعلم أنَّ السلفيَّ يحرص على العلم لا على تحصيل الإجازات، فلو كنت متحديا فتتحداه بما حفظه وما قرأه وما أخذه عن مشايخه ونحو ذلك، فليس من اللائق أن تحصر الأمر في الإجازة وأنت أطلقت التحدي فحصل المقصود بذلك الكتاب، فلتقر عينك.
وتنبه لمثل هذه الإطلاقات فإنها أودتك في مهاو «وآثارك تشهد عليك» فآثاره بحمد الله تشهد له بخلاف هذا، فقد شرح مسائل الجاهلية والواسطية وسلم الوصول ومراقي ومنظومة القواعد الفقهية وغير ذلك، فدع عنك التقزيم!
«ووجود هذا الخلق في بعض الطلبة دفع الشيخ أن يكتب نصيحة إليك وإلى أمثالك سماها بـ"نصيحة إلى مغرور" ولو تمعنت فيها وعملت بها ما وقعت في الحفرة التي أنت فيها».
ما أظنك إلا محتاجا لمراجعتها وأن تخرج نفسك من حفرتها قبل أن تنصح لغيرك، وألق نظرة على تبجحك في قضية كتب المنطق والأصول وحكمك على كتاب نثر الورود وتخريجك لصنيع العلماء وحكمك على النيات وغير ذلك لتدرك أنك أول مبتلى بهذا الخلق، فيصدق فيك المثل: «رمتني بدائها وانسلت».
«وأما نقلك لكلام الشيخ الغديان أو الشيخ أحمد الشنقيطي الذي فهمت منه بأنهم اعترفوا بحقك وعرفوا قدرك وتفرسوا فيك أنك ستكون يوما إمام الجزائر وعالمها، وأنك فهمت ما عجزوا عن فهمه، وحرصوا على إرشادك لتثمر يوما ما، فلا أجد لك كلاما إلا أن أقول لك أفق من نومك لتشرع في طلب العلم والأدب، فإن العمر قصير والأماني خداعات».
قد كان الشيخ أحمد الشنقيطي -رحمه الله- في مجلسه يقرئ الطلبة في أنواع من الكتب كما أخبر الشيخ خالد -حفظه الله- في الصوتية، ولكن أزيد تفصيلا بأنه كان إذا رأى الشيخ خالدا ولو لم يكن دوره فإنه كان يقدمه وإذا اعترض بعض الطلبة فكان الشيخ أحمد -رحمه الله- يقول بأنني كبرت وهذا وقتي وأنا أضعه حيث أشاء.
وممن قربه كذلك الشيخ يوسف الدخيل -حفظه الله- حتى أنه كان إذا دعي إلى وليمة يأخذ الشيخ خالدا -حفظه الله- دون ولده ليرافقه معه.
وكان قريبٌ للشيخ ابن عقيل -رحمه الله- يقرأ عليه، وكان يقرأ عليه لسنوات، ولكنه رأى أنَّ الشيخ ينبسط مع الشيخ خالد -حفظه الله- ما لا ينبسط مع غيره فكان يسأله عما فعله معه حتى صار يعامله بتلك المعاملة.
وهذه فتوحات من الله سبحانه وتعالى وأسباب يهيئها ربنا عز وجل لمن يشاء من عباده، وفضل الله واسع لن يحجره يوسف ولا غيره، وذكرت هذا وتركت بعضه من باب قول القائل:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت /// أتاح الله لها لسان حسود
وكذلك معاملة بنقيض القصد، فإنه أراد في مقاله هذا أن يحط من قدر الشيخ خالد -حفظه الله- حطا، وأنا بحمد الله ملتزم ألا أرفعه فوق قدره وأن لا أذكر إلا ما أعرفه دون زيادة ولا نقص من غير وقص ولا شطط غير مبالغ مثل ما صنع، فأعتقد أن الرفعة بيد الله عز وجل يرفع من يشاء ويضع من يشاء سبحانه، وليست الرفعة بكثرة الألقاب والأوصاف والإطراء.
«وردك هذه المسألة إلى فضل العلماء وحسن تعاملهم مع طلابهم، فما عليك إن كنت طالب حق إلا أن ترجع إلا (كذا/ والصواب إلى) آثار علماء السلف وتعاملهم مع المغرورين وإبعادهم عن مجالسهم لما في ذلك من الضرر على الدين، وبهذا تعرف أن الشيخ فركوس (كذا/ والصواب فركوسا) قد رحمك وأحسن إليك وأنه تعامل معك في أدنى مرتبة يعامل بها العلماء طالبا مغرورا» ثم ساقَ قصَّة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع صبيغ وضربه بجريد النَّخل.
أقول: إما أنَّك جاهلٌ حاطبُ ليلٍ لا تدري ما تنقل ولا تنتقي، وإمَّا أنَّك باغٍ معتدٍ اخترت هذا الأمر مع الفارق، وأحلاهما مرٌّ.
وعجبٌ كيفَ تقرِّر هذه المعاني وقد كان العلماء -رحمهم الله- أوَّل ما يبدؤون بحديث: «الراحمون يرحمهم الرحمن» بيانا أن العلم مبناه على الرحمة، وأنَّ المرء كلما اتسع علمه كلما ازدادت رحمته ولهذا قال عن نبيه صلى الله عليه وسلم: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» وأنت تتكلم عن الشيخ خالد -حفظه الله- وقد كان حينذاك طالبًا في مقتبل العمر! فما هذه الجناية التي جاء بها ليستحقَّ أن يترك للأيام تفضحه؟! بل أنت تعدُّ ذلك التعامل في طرد طالبٍ لمجرد استشكال رحمةً وإحسانًا؟! وأنه أدنى المراتب!
وأردت أن تستدل على الغرور فجئت بمثالٍ معروفٍ يضرب لمن كان يريد أن يفتن الناس في دينهم وينشر المحدثات والبدع، والنقل واضح صريحٌ في أنَّ صبيغًا كان يسأل عن المتشابه والله في كتابه يقول: «هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ غ– فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ غ—»[آل عمران: 7] وجاء الحديث: «إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ فَاحْذَرُوهُمْ»["صحيح مسلم" برقم (2665)] وقد قمشت فنقلت قول محمد بن الحسين: «فلما علم أنه مقبل على ما لا ينفعه، سأل عمر الله تعالى أن يمكنه منه، حتى ينكل به وحتى يحذر غيره، لأنَّه راع يجب عليه تفقد رعيته في هذا وفي غيره...» فقياسك مع الفارق من كل الجهات، فالأصل المقيس عليه ولي أمر مع محدثٌ مبتغ فتنة، والفرع المراد إلحاقه في معلم مع متعلِّم مستشكل طالب هدى، فيا بعد ما بينهما أصلا وفرعا وحكما وعلَّة.
فكان عليك أن تنتقي أقل شيءٍ نقلا يدل على الغرور بين عالم ومتعلِّم وأنت الذي سردت تبجحا وتكثُّرا كتب الأخلاق! لا أن تنقل شيئا متعلقا بولي أمر يمكنه أن يغير المنكر بيده إذا خاف أن يحدث الرَّجل فتنة، اللهم إلا إن كنت على مذهب صاحبك بويران في التسوية مع الأمراء والعلماء!
ولكنْ أنت تثبت شيئا بخيالك وهو أنَّ الشيخ خالدًا كان مغرورًا وتخرج بخيالك زعم الشيخ فركوس طرده له بأنه على مثل هذا الوجه وأنه رحمةٌ وإحسانٌ، إنَّ التَّعصُّب يوصل أهله لمثل الذي أنت فيه.
ولو كنت منصفًا لأدركت أن الطَّالب يعلَّم وما قصد مجلس الشيخ إلا للاستفادة منه، وما استشكل إلا ليحل له المقفل ويؤخذ بيده.
ثم بعد أن خرَّجه هذا التَّخريج البعيد الذي استشعر بعده قال متنزِّلا: «وعلى فرض صحة قولك وأن الشيخ قد جفاك فأين أنت يا مغرور من صبر الطلاب على مشايخهم إن أثبتنا أنك طالب علم فقد كان الأعمش وساق قَصَصًا في ذلك وقال: ومع هذا قد جاءه طلاب الحديث من مشارق الأرض ومغاربها، ولم يعب عليه طلابه ذلك، بل صبروا عليه وتعلموا ورفعوا عن أنفسهم الجهل، وما زادهم ذلك إلا عزا، حتى خلص إلى هذه النتيجة: «وبهذا نعلم علم اليقين أنك لا لهدي السلف امتثلت ولا لمشايخ (كذا/ والصواب بمشايخ) المدينة اقتديت، فما تعلمت السمت من مشايخ الحجاز ولا الأدب، ما يدل على أن جلوسك عندهم كان يسيرا بقدر ما تتملق عليهم بمسائل تجمعها ليلا وتطير إليهم بها صباحا».
فأنت ترى ركامًا من الفِرَى والاعتداءات مجموعةً بين عينيك، كلُّ هذا استماتة في الدِّفاع، وإنَّ الأمثلة التي تسوقها دائما تدلُّ على أنَّك لا تعي ما تقرأ ولا تفهم ما تنقل، فالأعمش رحمه الله كان محدِّثا والمحدثون كان يصبرون على أخذ الحديث من الأئمة المعروفين بالرواية وقصصهم في ذلك مشهورة معروفة والأعمش -رحمه الله- كان طبعه ظاهرًا ومعلومًا، لكن أين هذا مما حصل بين الشيخ خالد -حفظه الله- والشيخ فركوس؟! ويكفيك فارقًا أن تنظر للآثار التي رتبها الشيخ فركوس هل رتبها الأعمش مع تلامِيذه!
فالشيخ خالد -حفظه الله- لم يزد على الاستشكالوالشيخ فركوس لم يظهر له طرده أو يبين له جنايته أو إساءته للأدب في ذلك وإنما اكتفى بالإجمال وأخبر الأخ أن لا يأتي لمجلسه مرة أخرى وتركه للأيام تفضحه؟! فأين هذا من ذاك؟ وما الذي فعله الشيخ خالد -حفظه الله- فقد كتم هذه المعاني وبقيَ يحاول أن يعالج آثارها شيئا فشيئا مع أنه مظلومٌ مجنيٌّ عليه! كما ذكر قصَّة ذلك في صوتيته.
وأيضا فقد فعل الذي ينبغي وهو أنه جاء يتثبت من شيخه هل صحَّ عنه الخبر بذلك أم لم يصح؟ فلم يخبره أن شيئا من ذلك كان! والأعمش كان يبدي هذا الأمر وكان هذا من طبعه -رحمه الله- فلذلك كانوا يصبرون عليه، ففرق بين البابين.
وإني لأعجب من تحاملك على الشيخ خالد -حفظه الله- إذ عريته عن لقب طالب العلم، وزدت على ذلك أن عريته من الأدب ومن الاستفادة من مشايخ المدينة، وثلثت بأنه ليس على هدي السَّلف، وحكمت رجما بالغيب بما كان يفعله في قضية المسائل، هل كلُّ هذا منك حسدٌ له أم لأنَّه دفع على نفسه بالحقِّ وصدع به؟! وعلى كلٍّ فالحسد والتعصب يحملان على مثل هذا، وأعيذك أن تبتلى بهما فإنهما داء وبيل يحجب المرء عن الحقِّ.
ثم قال: «ولم يكن الشيخ يوما ملزما لأحد إلا بالدليل وكم خالفه طلابه في مسائل فقهية وناقشها معهم بأدب، وليس كما ذكرت أن الشيخ يقصي المتفوقين ويقرب من يحفظ فتاويه بل العكس من ذلك فما تعلمنا من الشيخ إلا الحث على الاجتهاد والمساعدة في بيان الطريق الموصل إليه، ونبذل التقليد، واستفدنا من سماحته طريقة النظر في الأدلة وكيفية الاستنباط».
أمَّا أنَّ من خالفه فإنَّه يناقشُ بأدبٍ فقد خرجت صوتية الأخ صالح ولم نجد فيها سعةٍ صدر لخلاف في مسألة منهجيَّة، والشيخ خالد قد استشكل مرة وناقش أخرى بأدب ومع ذلك قوبل بما قوبل به؛ ولما كنت ملازما لمجالس الشيخ فركوس كنت أعلم في نفسي أنَّ الشَّيخ لا يحبُّ من يقاطعه أو يناقشه فضلا عن أن يعارضه.
وإنك لتدعي دعاوى فضفاضة فمقالك هذا يشهد بأنك مجتهد نعم، ولكنك مجتهد في التَّخريج فقط، لا تجاوز المذهب، سواء كان صوابا أم خطأ، وأما نفيك للتقليد فقد جاوزته فالمقلد يقتصر على كونه يتبع شيخه أصاب أم أخطأ، ولكنك تقلب الحق باطلا والباطل حقا، وهذا فعل المتعصب لا المقلد.
وأنت تنقل القصص فتخطئ في فهمها وتنزيلها، فكيف تدعي أنك تعلمت رتبة الاستنباط من النصوص الشَّرعيَّة التي تقاصر عنها كثيرٌ من المجتهدين قبل، بل خشية من هذا الأمر حجروا الاجتهاد وأغلقوا بابه، فلا ترم غيرك بالغرور وربما تكون متشبعا به.
ثم قال: «ثم العجب كل العجب إثباتك أن حضورك لحلقة الشيخ لم يتجاوز الخمس مرات، سولت لك نفسك بالحكم على الشيخ كيف يعامل طلابه، إذ ذلك لا يتأتى إلا لمن لازم الشيخ سنين عديدة، وشاهد مواقف متكررة، فتعين من خلال ذلك أنك صاحب هوى شن على الشيخ حربا إثر موقف للشيخ فيك وقد صدق والله».
إن العجب كلَّ العجب هو من أحكامك الجائرة على الشيخ خالد -حفظه الله- مع أنك أخبرت أنك سألت عنه، فأيهما أولى بالعجب حكم الشيخ خالد -حفظه الله- على الشيخ فركوس وقد حضر له أم حكمك على الشيخ خالد -حفظه الله- كل هذه الأحكام؟ إذا أصلت شيئا فسر عليه وامض فيه.
ولا تنفي شيئا لا تعلمه فإنَّ الشَّيخ خالدا -حفظه الله- ذكر المجالس وخصَّص بعد رجوعه من المدينة ولا ينافي هذا أن يكون حضر أو لازم قبل السَّفر إليها، فاحذر أن يجرفك التحامل.
وأيضا ما هي الحرب التي شنها؟ وهل بقي الشيخ خالد -حفظه الله- إلا ساكتا ممسكا لم يذكر هذا الشيء طيلة هذه السنوات إلا حين خرجت هذه الصوتية فلم يكن بد من توضيح القضية، ما أشد تحاملك!
ثم قال: «وذكرت المسألة الفقهية في المعاملات فزعمت أنك أوجدت تعارضا بين قول الشيخ في تحريم التعامل مع من مكسبه حرام والقاعدة الفقهية، فاعلم أنَّ حمل المسألة على أصل التعاون على الإثم والعدوان أقرب من حملها على القاعدة، لأنَّ النص يشملها قطعا، أما الاستدلال بالقواعد الفقهية فيما لم يكن نصا أو إجماعا فغاية القاعدة إلحاق الفرع وإدراجه من باب القياس، وهذا يرجع إليه في حال انعدام النص، والنص فيما ذكر الشيخ موجود وهو قوله تعالى: «ولا تعاونوا على الإثم والعدوان»، ولا تكون قاعدة في ذاتها حجة للفروع وهي مستنبطة».
لم يدعِ تعارضًا بين قول الشيخ في تحريم التعامل مع من مكسبه حرام والقاعدة الفقهية، وإنَّما ذكر أنَّ هذه المسألة مختلفٌ فيها وهي مشكلةٌ عليه، وأشكل عليه كيف يقرر الفقهاء تلك القاعدة الفقهيَّة وفي هذا الباب يقولون بالمنع، فأشكل عليه الأمر وأراد من الشيخ أن يبيِّن له وجه ذلك، وهذا كان قبل سنواتٍ فمالي أراك تناقشه كأنه يحصل الآن، فالشيخ خالد -حفظه الله- أورد هذه المسألة لا ليبين التعارض بين قول الشيخ والقاعدة الفقهية فذهبت ترد على هذا الأمر، بل أورده ليبين تضايق الشيخ فركوس ممن يستشكل أو يحاول أن يتفهَّم أو غير ذلك ولهذا بادره بقوله: «راك غير تخلط» مما صدم الشيخ خالدًا -حفظه الله-.
وتأمَّل ما أخرجه البخاري (103) وترجم له (بابُ مَنْ سَمِعَ شَيْئاً فَرَاجَعَهُ حَتَّى يَعْرِفَهُ) أنَّ عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيهحتى تعرفه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حوسب عذب) قالت عائشة: فقلت: أو ليس يقول الله تعالى: {فسوف يحاسب حسابا يسيرا} (الانشقاق: 8) قالت: فقال: «إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب يهلك» واستفاد منه العيني في "عمدة القاري" (2/ 136): «فيه بيان فضيلة عائشة، رضي الله عنها، وحرصها على التعلم والتحقيق، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتضجر من المراجعة إليه» وانظر كيف أنَّه جعل من فضيلتها المراجعة لتفهم، وحسن تعليمه صلى الله عليه وسلم الذي كثرت شواهده ومنها ما شهد به معاوية بن الحكم السلمي فقال: «فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي»["صحيح مسلم" (537)].
بل يقول ربنا سبحانه وتعالى: «وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10)» يقول السعدي -رحمه الله- في "تفسيره" (928): «وهذا يدخل فيه السائل للمال، والسائل للعلم، ولهذا كان المعلم مأمورا بحسن الخلق مع المتعلم، ومباشرته بالإكرام والتحنن عليه، فإن في ذلك معونة له على مقصده، وإكراما لمن كان يسعى في نفع العباد والبلاد».
«واعلم أنَّ الأسلوب الذي يظهر من صوتيتك هو نفسه الأسلوب الذي سألت به الشيخ وهو التعالم وحب الظهور والانتقاص من قدر الشيخ، ودليل تعالمك وأنَّ سؤالك لم يكن للتعلم بل للتعالم، وذلك أنك لم تعمل بما أجابك الشيخ ونصحك به فلم تطلع على الفتوى الموجودة بالموقع إذ لم يكن قصدك تعارض وقع في ذهنك الصغير ولو رجعت لذكرت ذلك، ولكنه العجب والغرور وحب الرياسة والظهور».
وهذا كعادتك في سوق ركام من التهم والافتراءات جزافا قصد تشويه ما فعله الشيخ خالد -حفظه الله- ومن قلب الأشياء، فهو كان له إشكال في قاعدةٍ معينة لا في أصل المسألة فهي مبحوثة وفيها خلافٌ معروفٌ وتفاصيل، فما الفائدة من إحالته لفتياه في الموقع وليس فيها الجواب عن عين ما سأل عنه! فظاهر من صنيعه أنه ما أحاله إلا لغلبة ظنه أنه خالي الذهن من المسألة وليس الأمر كذلك، ثمَّ كان ماذا إذا أحاله ولم يرجع إلى كلامه! وهل تنزل كلَّ هذه الأحكام الشديدة على من أحاله غيره على بحث أو مسألة فلم يرجع إليها، عجبا، كان الشيخ عبد الله الغديان -حفظه الله- كما ذكر لي الشيخ خالد -حفظه الله- يقول بعد أن يذكر توجيها أو رأيا للطالب: «هذا رأيي إن شئت أن تأخذ به فخذ، وإلا فارمه في قارعة الطريق» فهل تجرأ أن تقول أنه كان يربي الطلبة على التعالم والعجب والغرور وحب الرياسة والظهور وغير ذلك!
«ثم ذكرت التشهد وأنكرت على الشيخ اجتهاده، مع أنَّ جميع العلماء ينصون على أن المسألة اجتهادية والشيخ أهل للاجتهاد بشهادة علماء الأمة الإسلامية قاطبة، وكما هو مقرر «لا إنكار في مسائل الاجتهاد» فعجبت من هذا ولم تعجب من تأصيلك الذي لم ينص عليه العلماء من تقسيم التشهد إلى قولي وفعلي وأنَّ الفعل قسيم للقول وله حكمه، وهذا لم يقل به أحد ولست أهلا للاجتهاد حتى تقسم وتفصل ولكنه العجب والغرور».
كان الأولى أن تذكر القاعدة الأخرى في الباب وهي أنه «لا اجتهاد مع النَّصِّ» فهذه أولى من استدلالك بقاعدة «لا إنكار في مسائل الاجتهاد» وأنت كنت تقرِّر قبل قليل بأن القاعدة لا يستدل بها إذا كانت معارضة للنَّصِّ قبل بضعة أسطر، فمالك انقلبت على عقبيك وأبحت الاجتهاد مع وجود النص الصريح، وكما قيل: «إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل».
وأما محاولتك التَّهويل في قضية التشهد، فكلٌّ يعلم أن التشهد له قول وهو لفظه، وفعل وهو حركة الأصبع، وهل فيه من قصر التشهد على أحدهما؟! ويذكرون هذا الأمر عند شرحهم وخلافهم في قول الراوي يحركها يدعو بها، وهذا مما يدل على نوع ارتباط بين القول والفعل، مما يبين أنَّ الشيخ خالدا لم يأت بشيء جديد.
وغاية ما في الأمر أنك فتحت للمجتهد أن يجتهد مع النَّصِّ، وأنكرت على من اقتصر على النَّصِّ وحاول أن يحوم حول معانيه ومراميه، فبأي ميزان تزن؟!
«وأكبر شهادة على نفسك بغرورك ويا ليتك طويتها ولم تروها ألا وهي مرورك بين يدي الشيخ في المدينة مرور المشتغل الجاد المجتهد الذي يعلم العالم ممن هو دونه فآثرت السلام لهذا على أن تشتغل بعلم هذا، فاعلم أنَّ الشيخ لم يذكرك بذلك إلا التماسا منه أنك تبت ورجعت عن غيك وغرورك فأعطاك فرصة تخرج بها من الغرور الذي كنت تتخبط فيه، أما سلامك عليه لم يكن منتظرا له ولا محتاجا إليه، ومرورك عليه أوغرت به صدر شخص هو في ذهنك، معدوم في الواقع».
هذا عينُ العقل! فلا أدري وجه الإنكار وكونها دليلا على الغرور! فلا شكَّ أنَّ الأنفع لطالب العلم حضور مجلس علم والاستفادة من أمثال العلامة عبد المحسن العباد -حفظه الله- من المزاحمة على شيءٍ لا يوصل إليه إلا بعد جهد وتضييع وقت، اللهم إلا إن كانت لك اعتقادات صوفيَّة أخرى فذلك خارجٌ عن محلِّ النِّزاع.
«والذي أبكاني كون الشيخ يكن لك حقدا، فمن تكون ومن أين أتيت، وكن على يقين حتى تنام قرير العين أنَّ عامة السلفيين قد أخرجوك من أذهانهم، فلا كلامك سمعوا ولا بك اشتغلوا فضلا على أن يحقد عليك الشيخ، وأنت تعلم علم اليقين أنه لو لم يزكك الشيخ لزهر -حفظه الله- ما علم أحد بوجودك».
لا يمتنع أن يكنَّ له حقدًا لا سيَّما بعد أن أوغر صدر الشيخ فركوس من طرف المفسدين والوشاة كذبا وزورا بأنه يطعن فيه ومعلوم تضايق الشيخ فركوس من كل من يطعن أو يتكلم فيه، ثم يتوارد على ذلك أن يقدر الله عز وجل حدوث بعض الأحداث التي يحملها الدكتور على غير محملها ويوجهها بغير توجيهها إلى أن يؤول الحال لاستعمال القواعد الأصيلة كالتهميش في طرده والوقت جزء من العلاج في تركه للأيام حتى تفضحه، والله المستعان وعليه التكلان.
«ثم ذكرت مسألة دفاعك عن الشيخ ضد يوسف العنابي، وتعجبت كيف تعب الشيخ منك ومن أمثالك ولم يتعب من يوسف العنابي.
أولا: يوسف العنابي لم يحسب على السلفيين يوما فلهذا هو خارج عن محل النزاع.
ثانيا: أنَّ دفاعك عن الشيخ لم تدفع به عن الشيخ شيئا وقد ثار لنصرة الشيخ كل السلفيين داخل البلد وخارجها.
ثالثا: أنَّ ما ذكره الشيخ فركوس للشيخ لزهر من أنك دفعت عنه فتنة كادت تقع على فرض تصديقك فيه فهو محمول على شكر الشيخ لموقع التصفية والتربية لما تنشره دفاعا عن الشيخ في حين كان المخذلة من جماعة الإصلاح فرحين بهذا الطعن، فالشكر لم يكن لك وإنما كان لمن كنت تحسب عليه وهو الشيخ لزهر حفظه الله، أما أنت فلا محل لك من الإعراب».
خلط صاحبنا بين قضيتين اثتنين، فالشيخ خالد -حفظه الله- ذكر يوسف العنابي عرضًا لبيان أنه هو وأمثاله من «داروا في الشَّيخ حالة» وليس الشيخان خالد ومرابط -حفظهما الله- فهؤلاء دفاعهم عن الشيخ فركوس معلوم وموقفهم واضح قديمًا وحديثًا.
فيوسف العنابي كان يكتب الكتابات تلو الكتابات، ويحذر منه وألف في ذلك مصنفا، وهكذا ميلود الباتني وغيرهم، فأمثال هؤلاء يصدق عليهم ذلك القول.
أما الشيخ خالد -حفظه الله- فما كتبه كان ردا على ميلود الباتني في رسالة التنكيل وقد ألفها نصرة لدين الله عز وجل ودفاعا عن الشيخ فركوس لا دفاعا عن ذاته بل لأنه كما ذكر كان رمزا للسَّلفيَّة، فدافع عنه من هذا المنطلق لا تزلفا ولا تقربا لجنابه، بل لأنه رأى أن المصلحة اقتضت ذلك، وكان الشيخ خالد -حفظه الله- كثيرًا ما يذكر لي هذا المعنى ويقول بأنني لم أذهب إلى الشيخ وأهديه كتابي كما كان يطلب لزهر لأنه لم يكن دفاعا عن ذاته بل عن المنهج السلفي، ولم أعرِّج على تعليق لزهر في المنتدى تاركًا الأمر لأهله في ردِّ شهاداته.
«وأختم هذا بأعظم ما ورد في كلامك الخسيس، وأكبر ما جئت به من البهتان يا تعيس، رميك الشيخ بالكذب حين طردك ثم لما راجعته أنكر ذلك فانحصر الاحتمال عندك أنه كذب، فيا لك من ماكر حقير، ما الذي يمنع من كون الشيخ نسي حينها وبعد مضي وقت تذكر وهو وارد جدًا.
وقد يكون من وجه آخر أدبا من الشيخ في أن ما ذكره لصاحبك رفع حكمه فهو كأنه لم يقله، وهذا أسلوب معروف عندنا في الجزائر العاصمة يقول لك أحدهم أعتذر عن الدين الذي بيني وبينك، فتقول ليس بيني وبينك دين، تريد بذلك إسقاطه وإبطاله، فاعرف لغة القوم ثم احكم.
وما الذي يحمل الشيخ على الكذب عليك وأنت ما جئت عنده إلا ابتغاء الرفعة بين جمعك، وتعلم علم اليقين أنَّ الشيخ لو أراد أن يقصيك لكفته كلمة واحدة منه حفظه الله.
فهذا واضح بين أنَّ الشيخ صادق فيما قال ولكن غباءك وتطاولك منعك من معرفة ورؤية الأمور بوضوح وحملها على وجهها الصحيح».
وهذا من الاستماتة في الدفاع والتماس المخارج، والشيخ خالد -حفظه الله- ترك الأمر معلقا وقال بأنه لم يجد له مخرجا إلا هذا، فمن وجد مخرجا غيره فليطلعنا عليه، فهذان مخرجان وجدهما المجتهد في التخريج:
الأول: أنَّ الشيخ نسي ثم بعد مدَّة تذكر!
وهذا يشكل عليه كيف ينسى ما ذكره فروجع فيه مباشرة بحيث لم يطل الفصل بين الطرد والمراجعة كثيرًا، ثم بعد ذلك يذكره بعد سنوات عدَّة فيحيط بتفاصيله جميعًا ويذكر مضامينه ويذكر القرائن الحاملة على هذا الفعل، حتى يقول أنني تركته للأيام تفضحه، فمثل هذه القرائن يبعد معها هذا المخرج.
وأما قضية الأعراف فإنَّك أضحكتني لا سيما لما قلت «فاعرف لغة القوم ثم احكم» فكأنَّ من تخاطبهم من من زيمبابوي أو تمبكتو!
ولكن يشكل عليه أنَّنا لو بنينا على هذا الاحتمال وأنَّ الشيخ قد أسقط عنه هذا الأمر، فلماذا بقي يحمل له في نفسه كل هذه الأشياء ويخرج أفعاله على غير المحمل الحسن، ويتكلم بكل هذه اللهجة وأنه تركه للأيام تفضحه، فهل من يعفوا ويسقط عن غيره الأمر يتكلم بهذه الطريقة ويفعل مثل هذا الفعل.
إنَّ أبا بكر رضي الله عنه كان قد قطع على مسطح نفقته بعد أن تكلم له في عرضه وفي أغلى ما عند الرجل وهي بنته وهي كذلك زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم فتعلقت بها حقوق وأمور معظمة من نواح كثيرة ومع ذلك لما نزل قوله تعالى: «وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىظ° وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ غ– وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا غ— أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ غ— وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (22)»[النور] عفا عنه وصفح وأرجع نفقته، فأين هذا من ذاك؟ وأين آثار هذا وآثار ذاك؟والله المستعان وعليه التكلان.
«وفي الأخير أنصحك نصيحة مشفق أن تنطلق من جديد في طلب العلم وأن تتصدر هذا المشروع الجلل بأن تخرج من قلبك الغل والحسد الذي نشأت عليه وترعرعت فيه، لأن العلم النافع لم يجمعه الله لقلب حاسد أبدا، كما أنصحك بأن تتعلم الأدب مع العلماء والمشايخ، وأن تغترف آثار السلف في ذلك ومن أهم الكتب التي أنصحك بها...وبعدها تكون قد شرعت في طلب العلم، أما أن تأتي وتحكم على إمام جبل متفنن بشهادة العلماء الكبار، فهذا ليس منزلك والموضع ليس موضعك».
ما أحوجك لمثل هذه النصائح لا سيما وقد حشيت مقالك بانتقاص الشيخ خالد -حفظه الله- والتحامل عليه والظهور بمظهر المتمكن في العلوم العارف بالفنون، وازدريته ازدراء، وهي قرائن تدل على أنك أول مبتلى بهذه الأدواء.
وأما طلب العلم فكلنا جميعا بحاجة إلى التزود منه والعمل به، ويظهر من مقالك أنك بحاجة إلى العناية به والجد فيه، واحرص على الكتب الأصيلة ودعك من كتب الغزالي والآمدي والرازي واقرأ في كتب الأئمة الراسخين.
هذا ما يسر الله كتابته، وأسأله عز وجل أن يعيذني من طغيان القلم، ومن الظلم في القول والعمل، وأن يبعدني عن التحامل والتعسف، وأن يردنا إليه ردا جميلا.


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله حيدوش ; 12 Dec 2019 الساعة 07:12 PM
رد مع اقتباس