عرض مشاركة واحدة
  #47  
قديم 10 May 2014, 10:54 PM
يوسف بن عومر يوسف بن عومر غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: الجزائر-ولاية سعيدة
المشاركات: 594
افتراضي

قوله تعالى: "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)"
1- البِرُّ: الطَّاعة والعملُ الصَّالحُ، والبِرُّ: الصِّدق، والبرُّ: ولدُ الثَّعْلَب، والبِرُّ: سَوْق الغنم، ومنه قولهم: " لا يعرف هِرًّا من بِرٍّ " أي: لا يعرف دعاءَ الغنم من سَوْقها، فهو مشترك، وقال الشاعر:
لا هُمَّ رَبِّ إنَّ بَكْرًا دُونَكَا *** يَبَرُّكَ النَّاس ويَفْجُرونَكَا

أراد بقوله: " يبَرُّكَ النَّاسُ ": أي يطيعونك.
ويقال: إنَّ البِرَّ الفؤاد في قول خِداش بن زهير:
أكونُ مكان البِرِّ مِنْه ودونَه *** واجعلُ ما لي دونَه وأُوامِرُه

والبُرُّ - بضم الباء- معروفٌ، و – بفتحها-: الإجلال والتَّعظيم، ومنه ولد بَرُّ وبارٌّ، أي: يُعظِّم والدَيْه ويُكرمُهُما.
2- وأنفُس: جمع نفْسٍ، جمعُ قِلَّة.والنَّفْس: الرُّوح، يُقال: خَرجَتْ نفسُه، قال أبو خِراشٍ الهُذَلي ويُنسب لحذيفة بن أنس:
نَجا سالِمٌ والنَّفْسُ منه بِشِدْقِه *** ولم ينجُ إلَّا جَفْنَ سَيْفٍ ومِئْزَرَا
أي: بجفْنِ سيفٍ ومئزرٍ.
والنَّفْس – أيضا -: الدَّمُ، يقال: سالتْ نفسُه، قال السَّموأل:
تَسيلُ على حَدِّ السُّيوفِ نفوسُنا *** وليستْ على غيرِ الظُّباتِ تسيلُ
والنفس – أيضا -: الجسد، قال أوس بن حجر:
نُبِّئْتُ أنَّ بَنِي سُحَيْمٍ أدخَلُوا *** أبْيَاتَهم تَامُورَ نَفْسِ المُنذِرِ
والتَّامور – أيضا -: الدَّمُ.
3- والعَقْلُ: المَنْع، ومنه: عِقال البعيرِ، لأنَّه يمنع عن الحركة، ومنه العَقْل للدِّيَة، لأنَّه يمنع ولِيَّ المقتول عن قتْلِ الجاني، ومنه: اعتقال البَطْن واللَّسان، ومنه يقال للحصن: مَعْقِل، والعقْلُ نقيضُ الجهْل، والعقل: ثوبٌ أحمر تتَّخذُه نساء العرب تُغَشِّي به الهوادج، قال علقمة بن عبد الفحل:
عَقْلًا ورَقْمًا تكاد الطَّير تخطَفُه *** كأنَّه مِن دَم الأجوافِ مَدْمُومُ
ويروى: تظل الطير تتبعه.
المدموم - بالدَّال المهملة -: الأحمر وهو المراد هنا.والمدموم الممتلئ شحما من البعير وغيره، ويقال: هما ضربان من البرود، قال ابن فارس: والعقل من شِيات الثياب: ما كان نقشه طولًا، وما كان نقشه مستديرا فهو الرَّقم.

موعظة:
قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله -: "اعلم - وفَّقك الله تعالى - أن التوبيخ في الآية بسبب ترك فعل البِرِّ لا بسبب الأمر بالبِرّ، ولهذا ذمَّ اللهُ تعالى في كتابه قومًا كانوا يأمرون بأعمال البِرِّ ولا يعملون بها، وبَّخهم به توبيخا يتُلْى على طول الدَّهر إلى يوم القيامة، فقال: "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ " الآية.
وقال منصور بن إسماعيل، أبو الحسن التميمي الشافعي فقيه مصر (ت:336هـ) فأحسن:
إنَّ قوما يأمرُونا *** بالذي لا يَفعَلونا
لَمجانينُ وإن هُم *** لم يكونوا يُصرَعونا
وقال أبو العتاهية إسماعيل بن قاسم بن سويد العنَزي (ت:213هـ):
وصفتَ التُّقى حتَّى كأنَّك ذو تُقى *** ورِيح الخطايا من ثيابِك تَسْطَعُ
وقال أبو الأسود الدُّؤَلِي في الأبيات المشهورة عنه وتنسب إلى المتوكل الكناني، والأخطل، وسابق البربري، والطِّرِمَّاح:
لا تَنْهَ عن خلُقٍ وتأتي مثلَه *** عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيمُ
وابدأْ بنفسِك فانْهَها عن غَيِّها *** فإنِ انتهَتْ عنه فأنتَ حكيمُ
فهناك يُقْبَل إن وعظتَ ويُقْتَدَى *** بالقولِ منكَ وينفعُ التَّعليمُ

وقال أبو عمرو محمد بنُ جعفر بن محمد بن مطَر النيسابوري المحدث (ت:360هـ): حضرتُ مجلسَ أبي عثمان الحِيْرِي الزَّاهدِ، فخرج وقعد على موضعه الذي كان يقعد عليه للتَّذكير، فسكت حتَّى طال سكوتُه، فناداه رجلٌ كان يُعرفُ: بأبي العبَّاس: تَرى أن تقولَ في سكوتِك شيئا ؟ فأنشأ يقول:
وغيرُ تقيٍّ يأمر النَّاسَ بالتُّقى *** طبيبٌ يُداوي والطَّبيبُ مريضُ
قال: فارتفعت الأصواتُ بالبكاء والضَّجيج .
قال إبراهيم النَّخَعِيّ – رحمه الله -: "إنِّي لأكره القصص لثلاث آيات، قوله تعالى: "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ "، وقوله: " لم تقولون ما لا تفعلون " ، وقوله: " وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ".
وقال سَلْمُ بن عمرو - رَاوِيَةُ بشَّار بنِ بُرد وتلميذُه -:
ما أقبحَ التَّزهيدَ مِنْ واعِظٍ *** يزهِّدُ النَّاسَ ولا يزهَدُ
لو كان في تزهيدِه صادِقًا *** أضحى وأمسى بيتُه المسجدُ
إنْ رَفَض الدُّنيا فما بالُه *** يستمنِح النَّاس ويسترفِدُ
والرِّزقُ مقسومٌ على مَنْ تَرَى *** يسعى له الأبيضُ والأسودُ
وقال الحسن لمطرِّف بن عبد الله: عِظْ أصحابك، فقال: إنِّي أخاف أن أقول ما لا أفعل، قال: يرحمك الله ! وأيُّنا يفعل ما يقول ! ويودُّ الشَّيطانُ أنَّه قد ظفر بهذا، فلم يأمرْ أحدٌ بمعروفٍ ولم ينهَ عن منكرٍ.
وقال مالكُ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن: سمعت سعيدَ بن جبير يقول: "لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتَّى لا يكون فيه شيءٌ، ما أمر أحدٌ بمعروف ولا نهى عن مُنكر".
قال مالك"وصدَقَ، مَنْ ذا الذي ليس فيه شيءٌ" اهـ.
فائدة:
وقال الزجاج: "العاقِلُ مَنْ عمِل بما أوْجب اللهُ عليه، فمَنْ لم يعملْ فهو جاهِلٌ".


التعديل الأخير تم بواسطة يوسف بن عومر ; 10 May 2014 الساعة 10:57 PM
رد مع اقتباس