عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 19 Mar 2017, 12:14 PM
أبو أيوب صهيب زين أبو أيوب صهيب زين غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
الدولة: بسكرة
المشاركات: 351
افتراضي

جاء في "مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (الجزء الثالث) [ج1 من الصفحة 42 إلى الصفحة 46] :

الرسالة الخامسة: [الهجرة والإقامة بين أظهر المشركين]

وله أيضا (أي عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ) -قدس الله روحه ونور ضريحه- رسالة في وجوب الهجرة وتحريم الإقامة بين أظهر المشركين، وسبب ذلك أن حسن بن عبد الله آل الشيخ لما كتب إلى عبد الرحمن الوهيبي يناصحه عن الإقامة بين أظهر المشركين، ويبين له وجوب الهجرة بالدلائل والبراهين كتب إليه، واحتج بما ستقف عليه في ضمن جواب الشيخ -رحمه الله-. وهذا نص رسالة الشيخ:

بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى ابن الأخ حسن بن عبد الله: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: يذكر لي ما كتب إليك عبد الرحمن الوهيبي من الشبهة لما ذكرت له قوله –تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} 1 ونصحته عن الإقامة بين أظهر العساكر الشركية، وأنه احتج عليك بأن الآية فيمن قاتل المسلمين، وقال: تجعلون إخوانكم مثل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟ وهذا جهل منه بمعنى الآية وصريحها، ومخالفة لإجماع المسلمين وما يحتجون به على تحريم الإقامة بين أظهر المشركين، مع العجز عن القدرة على الإنكار والتغيير . قال ابن كثير: هذه الآية عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنا من إقامة الدين؛ فهو ظالم لنفسه مرتكب حراما بالإجماع وبنص هذه الآية حيث يقول –تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} 2 أي: بترك الهجرة {قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} 3 أي: لم كنتم ها هنا وتركتم الهجرة {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} 4 أي: لا نقدر على الخروج ولا الذهاب في الأرض {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} 5.وساق -رحمه الله- ما رواه أبو داود عن سمرة بن جندب: أما بعد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من جامع مشركا(6) وسكن معه فإنه مثله ". قلت:
فانظر حكاية الإجماع على تحريم ذلك،
وانظر تقريره معنى الآية، وتعليق ما فيها من الأحكام والوعيد على مجرد الإقامة بين أظهر المشركين، وأن هذه الآية نص في ذلك.
وانظر خطاب الملائكة لهذا الصنف، وأنه على المكث والإقامة بدار الكفر.
وانظر ما أجابتهم الملائكة عن قولهم: لا نقدر على الخروج، وكل ذلك ليس فيه ذكر للقتال.
فتأمل هذا يطلعك على بطلان هذه الشبهة وجهل مبديها. وتأمل حديث سمرة وما فيه من تعليق هذا الحكم بنفس المجامعة والسكنى، واعرف معنى كونه مثله. وكذلك ما رواه ابن جرير عن عكرمة قال: كان أناس من أهل مكة قد أسلموا أفمن مات منهم بها هلك؟ قال -تعالى-: {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ} 7 الآية. وروى ابن جرير من تفسير ابن أبي حاتم: فزاد فيه: فكتب المسلمون إليهم بذلك، وخرجوا، ويئسوا من كل خير، ثم نزلت: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا} 8. فكتبوا إليهم بذلك أن قد جعل الله مخرجا لكم، فخرجوا فأدركهم المشركون فقتلوهم حتى نجا من نجا، وقتل من قتل. وروي عن ابن عباس في الآية: هم قوم تخلفوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوا أن يخرجوا معه، فمن مات منهم قبل أن يلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم ضربت الملائكة وجهه ودبره. وأظن هذا الجاهل رأى ما روي عن عكرمة عن ابن عباس أن قوما من أهل مكة أسلموا فاستخفوا بإسلامهم، وأخرجهم المشركون يوم بدر معهم، وأصيب بعضهم وقتل بعض، فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين، وأكرهوا فاستغفروا لهم فنَزلت {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} 9 الآية، فهذا القول ونحوه مما فيه ذكر من أخرج مع المشركين يوم بدر، لا يدل على أن الآية خاصة بهم بل يدل على أنها متناولة للعموم اللفظي، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وكذلك من قال من السلف: إن هذه الآية نزلت في أناس من المنافقين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجوا مع المشركين، فمرادهم أن هذه الآية تتناولهم بعمومها، ولم يريدوا أن هذا النفاق والقتال مع المشركين هو الذي نيط به الحكم ورتب عليه الوعيد، فإنهم أجل وأعلم من أن يفهموا ذلك. والسلف يعبرون بالنوع، ويريدون الجنس العام، ومن لم يمارس العلوم ولم يتخرج على حملة العلم وأهل الفقه عن الله، وتخبط في العلوم برأيه فلا عجب من خفاء هذه المباحث عليه وعدم الاهتداء لتلك المسالك التي لا يعرفها إلا من مارس الصناعة، وعرف ما في تلك البضاعة، وهذا الرجل من أجهل الناس بالضروريات فكيف بغيرها من حقائق العلم ودقائقه؟ وليتهم (أعني) هو وأمثاله اقتصروا على مجرد الإقامة، ولم يصدر عنهم ما اشتهر وذاع من الموالاة الصريحة وإيثار الحياة الدنيا على محبة الله ورسوله، وما أمر به وأوجبه من توحيده، والبراءة ممن أعرض عنه، وعدل به غيره وسوى به سواه.
وتأمل كلام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- على هذه الآية فإنه أفاد وأجاد: وتأمل ما ذكره الفقهاء في حكم الهجرة واستدلالهم بهذه الآية على تحريم الإقامة بين ظهراني المشركين لمن عجز عن إظهار دينه، فكيف بمن أظهر لهم الموافقة على بعض أمرهم وعلى أنهم مسلمون من أهل القبلة المحمدية؟ وصاحب هذا القول الذي شبه عليكم ينزل درجة درجة: أول ذلك شراؤه المراتب الشرعية والأوقاف التي على أهل العلم، حتى صرفت له من غير استحقاق ولا أهلية، ثم لما جاءت هذه الفتنة صار يتزين عند المسلمين بحمد الله على عدم حضوره بتلك البلد، ثم جمز ولحق بأهلها، ونقض غزله، وأكذب نفسه، ثم ظهر لهم في مظهر الصديق الودود، وبالغ في الكرامة والوليمة والتحف والهدايا والمجالسة والتردد شغفا بالجاه والرياسة ولو في زمرة من حاد الله ورسوله. (وأما) : ما نقل عنه من التحريض على أهل الإسلام، فهو إن صح أقبح من هذا كله وأشنع، وحسابه على الله الذي تنكشف عنده السرائر، وتظهر مخبئات الصدور والضمائر، وروى السدي قال: "لما أسر العباس وعقيل ونوفل قال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس: افد نفسك وابن أخيك، قال: يا رسول الله، ألم نصل قبلتك ونشهد شهادتك؟ قال: يا عباس إنكم خاصمتم فخصمتم، ثم تلا عليه هذه الآية: {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} ". فتأمل هذه القصة وما فيها من التصريح بأن الخصومة في الهجرة، وأن من ادعى الإسلام والتوحيد وهو مقيم بين ظهراني أهل الشرك بالله، والكفر بآيات الله فهو مخصوم محجوج؛ وهذا يعرفه طلبة العلم والممارسون، وتأمل قوله تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} 10.كيف حكم على أن من أطاع أولياء الشيطان في تحليل ما حرم الله أنه مشرك، وأكد ذلك بأن المؤكدة، وأن ذلك صادر عن وحي الشيطان. فاحذر هذا الضرب من الناس، وليكن لك نهمة في طلب العلم من أصوله ومظانه، والله –تعالى- أسأل أن يمن علينا وعليكم بالهداية إلى سبيله، ومعرفة دينه بدليله، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

_____________________________________
1 (سورة النساء آية: 97.)
2 (سورة النساء آية: 97.)
3 (سورة النساء آية: 97.)
4 (سورة النساء آية: 97.)
5 (سورة النساء آية: 97.)
6 (جامعه: خالطه وعاشره، فالمجامعة: المشاركة في الاجتماع من سكنى ومعاشرة، هذه حقيقته واستعماله في المخالطة الزوجية كناية.)
7 (سورة النساء آية: 97.)
8 (سورة النحل آية: 110.)
9 (سورة النساء آية: 97.)
10 (سورة الأنعام آية: 121.)

رد مع اقتباس