[أبو خليل عبد الرحمان]

السلام عليكم
لقد أثار فضولي سؤالك الثاني فعزمت البحث عن ذلك ، فكان هذا البحيث الذي بين يدي إخواننا فالرجاء فالرجاء أن ترشدوني – أهل الفن - إن ضللت فنحن عوام دفعتنا الرغبة في الإستفادة فأقول :

[ للنّحاة في التمييز بين أقسام الكلمة طريقان : الحدّ و الرسم ، أو العلامة و الحكم ، و الأول أضبط و أدق لاطراده و انعكاسه ، ولكنّه على المبتدئ أعسر و أشق ، لذلك اعتمد الكثير منهم في مقام التعليم على الثاني لأنّه أسهل و أليق و إن كان لا ينعكس ]1[ فتعددت علامات الإسم بتعدد أنواعه فما يصلح لبعض منها لا يصلح للآخر ]2. و من العلامات ما قد يوقع المبتدئ في اللبس و الخطأ كـ ( حرف الجر) و إن ذكر في أشهر المتون كالآجرومية و الملحة و عبر عنه آخرون بـ ( الجر) كابن مالك في الخلاصة و الكافية ، و الحطاب في المتمّمة ، و الأزهري في مقدمته ، و جمع بينهما السيوطي في جمع الجوامع ، و أعرض عنهما بالكلية ابن هشام في الشذور و القطر.
و حجة الأول هي: أنّ الحرف [ أعم علامات الإسم ]3 ، أو [ لأنّ المضاف إليه مجرور بالحرف المقدّر فذكر الحرف شامل له ] 4 ، [ أو لأنّ الجرّ بالحرف لا خلاف فيه ] 5 قال ابن مالك
(وكان ذكر الجرّ أولى من ذكر حرف الجر؛ لأن الجر -مطلقًا- يتناول الجر بالإضافة، والجر بحرف الجر ) الكافية ، فأفهم قوله (وكان ذكر الجرّ أولى ) :
1- إنحصارالخلاف في أولوية التعبير بأحدهما فلو جمع بينهما إرتفع الخلاف كفعل السيوطي فـ[ الأولوية بالنظر لمن أراد الإقتصار على أحد التعبيرين ] 6
2- التعبير ( بحرف الجر) له حظ من النّظر ، [ و لذلك رجحه ابن هشام من جهة أنّ عَنْ، وَعَلى، والكاف الاسميات يستدل على اسميتها بحرف الجر لا بالجر لعدم ظهوره ] 7 و لكن التعبير بالحرف يبقي الإسمَ ملتبسا على المبتدئ عندما يدخل على الفعل كما قال أحدهم : و الله عن يشفيك أغنى و أوسع ، و قول الآخر : وَ الله ما هي بنعم الولد ، و بئس السير على بئس البعير ، [بل إنّ الكوفيين إستدلوا على إسمية ( نعم و بئس ) بدخول حرف الجرّ و إن أجاب عنه البصريون ]8
و أفهم قول ابن مالك في الكافية (لأن الجر - مطلقًا- يتناول الجر..) أنّ الأولوية رجحتها شمولية التعبير بـ (الجرّ) و تبعه الكثير من شراح الخلاصة كابن عقيل و المرادي و الشاطبي - رحمهم الله - إلاّ السيوطي زاد مستدركا [سيأتي أنّ مذهبه أنّ المضاف إليه مجرور بالحرف المقدّر فذكر الحرف شامل له إلاّ لأن يراعى مذهب غيره ]9 .
أمّا ابن ابن هشام فأبقى قول الخلاصة (بالْجَرِّ ) على ظاهره ، مشيرا للخلاف بقوله [ وليس المراد به حرف الجرّ لأنّه قد يدخل في اللفظ على ما ليس باسم نحو : عجبت من أن قمت ، و إن كان إسما بالتأويل ، أي من قيامك ]10 و لم يعقبه بترجيح لأنّ [ في كلٍّ ما ليس في الآخر ]11 ، بل خَنَقَ الخلافَ بقوله ( و المراد" بالْجَرِّ" الكسرة أو نائبها التي يحدثها عامل الجر من حرف أو إضافة و تبعية ) فخرج بقوله (الكسرة) الأفعال ، و بقوله ( يحدثها عامل الجر ) نحو الكسرة في الباء من قولك ( مررت بالمسجد ) لأنَّ الحروف كلها مبنية. [ فكل كلمة مجرورة فهي اسم، لا أن كل كلمة تجرها فهي اسم ؛ فلو جرَّ أحدهم (ضرب) و قال: ضربي فلا يُصَيره إسما ] 12 ، و كأنّ ابن هشام قصدَ أنّ الخلاف تعدّى من دائرة الأولوية إلى دائرة اللّبس و الخطأ خصوصا عند المبتدئ و لذلك – والله أعلم - أعرض عن ذكر ( الجر أو عامله ) كدليل على الإسمية في القطر و الشذور [ و اقتصر على أشهرها و أوضحها ]13 باعتبارهما للمبتدئ أو المتوسط فوافق الحديث الصحيح ( دع ما يريبك ) و الأثر الصحيح ( حدّثوا النّاس بما يعرفون ) ، و يمكن الإستئناس بقوله في القطر و الشذور [ و هذه العلامة - أي الإسناد - هي أنفع علامات الإسم ] .
و نختم البحث بقول النحوي زين الدين يس الحمصي رحمه الله [ علامة الفعلية لا تقبل التأويل لاطرادها بخلاف علامة الإسمية لأنّ حرف الجر قد يدخل على ما ليس اسما إتفاقا ]14


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 - شرح الجوجري على الشذور 2- النحو الوافي عباس 3- حسن الحريري في شرح في الملحة 4- شرح السيوطي على الخلاصة 5-قال الخضري ( الصحيح أن الجار هو المضاف لا الإضافة، وأن العامل في التابع ليس التبعية بل هو عامل المتبوع من حرف، أو مضاف إذ لا عامل للجر غيرهما حتى في المجاورة، والتوهم كما حققه ابن هشام في شرح اللمحة ) 1/18 6-حاشية الصبّان على شرح الأشموني 7- حاشية الصبان على شرح الأشموني8 - و هما فعلان على مذهب الجمهور و صححه ابن هشام وتبعه محي الدين في التوضيح 9 البهجة المرضية 10 – التصريح على التوضيح 11- حاشية الحضري 12- شرح ابن عثيمين على الخلاصة 13 – شرح عبد الفوزان على القطر 14-:مجيب الندا على شرح قطر الندى ص 1/65