عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 16 Jun 2018, 06:09 PM
عبد الصمد بن أحمد السلمي عبد الصمد بن أحمد السلمي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Feb 2012
الدولة: في بلد ممتدة أرجاؤه...وطيب هواءه وماؤه
المشاركات: 351
افتراضي

الغباء الإخواني في علاج قضية فلسطين




جاء في كثير من نصوص التوراة المحرفة ما مجموعه: « أن فلسطين أرض وعد الله بها بني إسرائيل »؛ في " سفر التكوين ويشوع وسفر الأيام الأول " وغيرها، وهذا حقٌّ جاء الوحي المبين بصدقه؛ قال تعالى: { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها }، وهذه الأرض هي: « بلاد الشام التي باركنا فيها » التفسير الميسر ( ص/ 166 )؛ وهذا ميراثٌ شرعي؛ يعني مأمور به شرعا، ومطلوب تنفيذه.

ومما يدل على أنه شرعي وليس قدريا أنهم لما عرض عليهم دخول الأرض المقدسة مع موسى - عليه السلام - الذي أنقذهم من فرعون رفضوا؛ فعاقبهم الله { أربعين سنة يتيهون في الأرض }، وينظر تفسير الآيات ( 20 - 26 سورة المائدة ) من التفسير الميسر ( ص / 111 - 112 ).

وجاء ما يدلّ على أنهم سكنوها قدرا مدة أربعة قرون أو ثلاثة ونصف، أي: بعد موسى - عليه السلام - على يد يوشع بن نون - عليه السلام -، وبلغت مملكتهم أوجّها وقوتها في عهد داود وسليمان - عليه السلام -، وإن كان اليهود مدة مكثهم في فلسطين في مدّ وجزر وقوة وذلة؛ فإذا « فعلوا الشر في عيني الرب وعبدوا العشتار والبعليم.. » أذلهم الله، وسلط الله عليهم الفلسطينيين والعماليق والأموريين والحثيين وغيرهم من الأمم المشركة، وإذا أرسل الله إليهم نبيا - عليه السلام - واتبعوه انتصروا على أعدائهم؛ كما هو جليٌّ في العهد القديم سفر الملوك الأول والثاني.

وقد جاء في العهد الجديد - الإنجيل - أيضا في " إنجيل متى " وغيره هذا الوعد الإلهي لمن آمن من بني إسرائيل بعيسى - عليه السلام -، وهذا حقٌّ أيضا، كون عيسى - عليه السلام - كان رسولا إلى بني إسرائيل خاصة، ومصدقا لما بين يديه من التوراة.

وقد يكون في تلك الروايات التاريخية المضمومة لكتابهم المقدس كثير من التحريف والتلاعب بيقين، فإن هناك أيضا كثير من الحق فيها؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : [ لا تصدقوهم ولا تكذبوهم ] رواه البخاري.

فزعم الإخونجية وأشباههم بغباء أن اليهود ليس لهم حقٌّ أبدا في فلسطين عبر التاريخ؛ وهذا من تكذيب الحق الذي يأتي عن بني إسرائيل، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الطريقة في الأخذ عن بني إسرائيل؛ فقال صلى الله عليه وسلم : [ ولا يخبروكم بحق فتكذبوا به ].

ولذلك قال الإخونجية - منهم حسن البنا والقرضاوي -: « عدواتنا لليهود ليست دينية، ولكنها من أجل الأرض »؛ فأرجعوا القضية إلى مجرد نزاع حول الأرض.

وعلّلوا ذلك بأن بني إسرائيل لم يكن لهم وجود في فلسطين إلا مدة أربعة قرون، وأنها مدة قليلة لا تسمح لهم بوجود حق لهم فيها، وأن الأرض كانت عبر العصور لغيرهم من الكنعانيين والفنيقيين، وأن العرب استمر وجودهم في فلسطين بخلاف بني إسرائيل، وغيرها من الوجوه، والتي ذكرها الباحثون في هذا الباب، وهذا تعليل عليلٌ وعليه إيراداتٌ، ولا يقاوم الوحي الذي جاء به موسى ومن بعده من أنبياء بني إسرائيل - عليهم السلام - من قبل؛ كما بينه القرآن الكريم.


والصواب هنا جمعا بين النصوص: أن الله سبحانه أراد شرعا أن يسكن بني إسرائيل الأرض المقدسة واشترط عليهم أن يؤمنوا به وبرسله - عليهم السلام - حتى يستحقوها شرعا، ومكنهم قدراً من السكنى في بعض المرات لما آمنوا به وسعوا إلى ذلك، كما سلّط عليهم أيضا من طردهم منهم لما كفروا؛ كبختنصر البابلي وغيره.

قال تعالى آمرا بني إسرائيل أن يدخلوا الأرض المقدسة ويسكنوها: { ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم } وقال: { وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا }، ينظر تفسير هاته الآيات في التفسير الميسر ( ص/ 111 ) و ( ص/ 292 )، وغيرها من النصوص، وهذه أوامر شرعية وليست قدرية.

وهذا جزء من معنى قوله تعالى: { وفضلناهم على العالمين }؛ أي: « عالمي زمانهم » تفسير ابن كثير ( 1/ 158 )،

ثم نسخ هذا المراد شرعا بكون النبي صلى الله عليه وسلم أرسل للناس كافة وكونهم كفروا به، وليس لكفرهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقط، وإن كانوا قدرا في العصر الحاضر قد احتلوا شيئا من الأرض المقدسة.

والذي جعل اليهود الآن يستميتون في سكنى الأرض المقدّسة هو كفرهم برسالة النبي - صلى الله عليه وسلّم -، وأن الوعد الإلهي غير منسوخ، بل باق إلى يوم القيامة.

والفرق هنا أن الأمر الشرعي لبني إسرائيل بسكنى الأرض المقدسة أمر مخصوص بطائفة نسبا، وهم ذرية إسحاق عليه السلام، لكن يجب عليهم الإيمان حتى يستحقوها شرعا؛ فهم مأمورون بأمرين:

1- السكنى.

2- والإيمان.

فلا يصحّ شرعا - في زمنهم - أن يسكنوها وهم كفار، ولا يصح أن يتركوا السكنى بها وهم مؤمنون؛ فالواجب عليهم الجمع بين الأمرين.

أما نبينا - صلى الله عليه وسلم - فكما أنه بعث للناس كافة خلاف غيره من الأنبياء - عليهم السلام -، كان كلّ من آمن به استحبَّ - وليس واجبا - له أن يسكن الأراضي المقدسة من مكة والمدينة وبين المقدس على اختلاف أنسابهم، فلسطينيا كان أو إسرائيليا أو غيرهما.

وقد جاءت أحاديث كثيرة في فضل الشام وأهله، ومنها بيت المقدس، وألف العلماء في فضلها؛ كابن عساكر الدمشقي وغيره.

ولهذا لو تغلّب اليهود على بيت المقدس بحيثُ لا يستطيع المسلم إقامة دينه وجب عليه أن يهاجر؛ لأن الواجب إقامة الدين وليس السكنى بالأرض، وهذا ما أفتى به العلامة الألباني - رحمه الله وأعلى درجاته -؛ فثار الإخونجية حينها في وجهه بسبب جهلهم وضلالهم، مع أنّ الحقّ مع الشيخ - رحمه الله -.

والخلاصة: أن اليهود كان لهم حق شرعي - قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم - وحكمه الوجوب من جهة النسب - أي: سلالة إسحاق عليه السلام - في سكنى الأرض المقدسة مع اشتراط الإيمان عليهم؛ وإلا عاقبهم الله بالطرد منها والتيه وغيرها من العقوبات، ثم نسخ ببعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي بُعث للناس كافة بشيرا ونذيرا.



عبد الصمد بن أحمد السلمي
السبت 2 شوال 1439 هـ

رد مع اقتباس