عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 14 May 2014, 05:24 PM
مهدي بن صالح البجائي مهدي بن صالح البجائي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 591
افتراضي دَمْعَةٌ عَلَى التَّوْحِيدِ مِنْ أَدِيبٍ أَرِيب

دَمْعَةٌ عَلَى التَّوْحِيدِ مِنْ أَدِيبٍ أَرِيب


الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وصلى الله على نبيه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:

فمما يحسن ويعظم موقعه التذكير بأمر التوحيد، فإن النفوس المؤمنة تنتفع بالتذكير أيما انتفاع، ويتأكد ذلك في زمن اختلت فيه المفاهيم وفسدت المعايير، حتى عند المشتغلين بالعلم فكيف بحال غيرهم؟!

فمن ذلك من يرى أن الدعوة إلى التوحيد غير كفيلة بتهذيب النفوس وتزكيتها وترقيتها في مدارج الكمال، فتراه يسرح في مسرح الدعوة إلى الأخلاق تارة وفي مسرح أعمال القلوب –زعم- تارة، لسان حاله: "فطنت لما لم تفطنوا له "، وكأن توحيد الرب جل وعلا ليس بأُسِّ الفضائل وأصل أعمال القلوب؟ أليس فسر ابن القيم –رحمه الله- التوحيد بالإخلاص؟!

ومن ذلك من يعامل مسائل التوحيد كقواعد النحو والتصريف، وفي سِلكه من همُّه نهاية المتن والانتقال إلى غيره، كأنما مراتب العبودية هي مستويات المتون، وغفل أن الجسد بلا روح هو جثة هامدة.

ومن ذلك من يهرع وراء شروح صغار طلبة العلم ممن يكثر من التفريعات والتشقيقات، ويَزهد في كلام من رسخت قدمه في العلم والعمل، واستقرَّت عقيدة التوحيد في قلبه قرار الجبال الرواسي، وغفل أن ليس المخبر كالمعاين.

ثم هذا كلام جميل للأديب الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي نقله الشيخ عبد السلام البرجس –رحمهما الله- في أحد شروحه لغرض نبيل، كلام ينمُّ عن غيرة عظيمة، و فيه إخبار بواقع مرير لا يفتأ يتكرر، ومثله حقيق بالنقل والتأمل إحياء للغيرة على أعظم حق وإذكاء لها، وليُعلم أن الدعوة إلى التوحيد هي دعوة الإسلام، ولا تختص بزمان أو مكان أو فلان من الأعيان، قال -رحمه الله- في كتابه " النظرات " :

( كتب إليَّ أحدُ علماءِ الهند كتاباً يقول فيه: إنه اطلع على مؤلف ظهر حديثاً (بلغة التاميل)، وهي لغة الهنود الساكنين بناقور وملحقاتها بجنوب مدراس.... و موضوعه : تاريخ حياة السيد عبد القادر الجيلاني، وذكر مناقبه وكراماته . فرأى فيه من الصفات والألقاب التي وصف بها الكاتب السيد عبدالقادر، ولقبه بها صفاتٍ وألقاباً هي بمقام الألوهية أليق منها بمقام النبوة ؛ فضلاً عن مقام الولاية كقوله: "سيد السموات والأرض" و "النفاع الضرار" و"المتصرف في الأكوان" و"المطلع على أسرار الخليقة" و"محيي الموتى" و"ومبرئ الأعمى والأبرص والأكمه" و"أمره من أمر الله" و"ماحي الذنوب" و"دافع البلاء" و"الرافع الواضع" و"صاحب الشريعة" و"صاحب الوجود التام" إلى كثير من أمثال هذه النعوت والألقاب ويقول الكاتب: إنه رأى في ذلك الكتاب فصلاً يشرح فيه المؤلف الكيفية التي يجب أن يتكيف بها الزائر لقبر السيد عبد القادر الجيلاني يقول فيه: "أول ما يجب على الزائر: يتوضأ وضوءاً سابغاً، ثم يصلي ركعتين بخشوع واستحضار، ثم يتوجه إلى تلك الكعبة المشرفة وبعد السلام على صاحب الضريح المعظم يقول يا صاحب الثقلين، أغثني وأمدني بقضاء حاجتي، وتفريج كربتي، أغثني يا محي الدين عبد القادر، أغثني يا ولي عبد القادر، أغثني يا سلطان عبد القادر، أغثني يا بادشاه عبد القادر، أغثني يا خوجة عبد القادر يا حضرة الغوث الصمداني، يا سيدي عبد القادر الجيلاني، عبدك ومريدك مظلوم عاجز محتاج إليك في جميع الأمور في الدين والدنيا والآخرة . ويقول الكاتب - أيضاً -: إن في بلدة ( ناقور) في الهند قبراً يسمى "شاه الحميد"، وهو أحد أولاد السيد عبد القادر - كما يزعمون - وإن الهنود يسجدون بين ذلك القبر سجودهم بين يدي الله، وإن في كل بلدة من بلدان الهنود وقراها مزار السيد عبد القادر.. فيكون القبلة التي يتوجه إليها المسلمون في تلك البلاد والملجأ الذي يلجؤون في حاجاتهم وشدائدهم إليه، وينفقون على خدمته وسدنته، وفي موالده وحضراته ما لو أنفق على فقراء الأرض جميعاً لصاروا أغنياء.

هذا ما كتبه إليَّ ذلك الكاتب، ويعلم الله أني ما أتممت قراءة رسالته حتى دارت بي الأرض الفضاء، وأظلمت الدنيا في عيني، فما أُبصر مما حولي شيئاً؛ حزناً وأسفاً على ما آلت إليه حالة الإسلام بين أقوام أنكروه بعد ما عرفوه، و وضعوه بعد ما رفعوه، وذهبوا به مذاهب لا يعرفها، ولا شأن له بها.

أي عين يجمل بها أن تستبقي في محاجرها قطرة واحدة من الدمع، فلا تريقها أمام هذا المنظر المحزن، منظر أولئك المسلمين، وهم ركَّع سجَّد على أعتاب قبر ربما كان بينهم مَنْ هو خير مِنْ ساكنه في حياته، فأحرى أن يكون كذلك بعد مماته؟ أي قلب يستطيع أن يستقر بين جنبي صاحبه ساعة واحدة، فلا يطير جزعاً حينما يرى المسلمين أصحاب دين التوحيد أكثر من المشركين إشراكاً بالله؛ و أوسعهم دائرة في تعدد الآلهة وكثرة المعبودات ؟ لِمَ يَنْقِمُ المسلمون التثليث من المسيحيين؟ لِمَ يحملون لهم في صدورهم تلك المُوجِدَةَ وذلك الضغن؟ وعلام يحاربونهم؟ وفيما يقاتلونهم، وهم لم يبلغوا من الشرك بالله مبلغهم، ولم يغرقوا فيه إغراقهم؟!يدين المسيحيون بآلهة ثلاثة، ولكنهم يشعرون بغرابة هذا التعدد وبعده عن العقل، فيتأولون فيه ويقولون: إن الثلاثة في حكم الواحد، أما المسلمون فيدينون بآلاف من الآلهة أكثرها جذوع أشجار، وجثث أموات، وقطع أحجار، من حيث لا يشعرون) انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

رد مع اقتباس