عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 24 Dec 2017, 03:17 PM
أبو عاصم مصطفى السُّلمي أبو عاصم مصطفى السُّلمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2016
المشاركات: 607
افتراضي أيُستصعبُ الذّلول، ويُركبُ الشّرود؟!!

بـــسم الله الرحمن الرحيـــم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن تبعه. وبعد:
اجتنابُ الصّعبِ، وطروقُ السّهلِ، سنّةٌ ماضيةٌ، جُبلت عليها فطرُ العقلاء. ولا يُستصعبُ الذّلولُ، إلا كانت عاقبة ركوبهِ أصعب. ولا يُستسهلُ الصعبُ، إلا إذا كانت مغبّةُ استصعابه أوخمُ عاقبةً وأسوء غائلة. وهذا معلوم لذوي البصائر وأولي الألباب. ولذا فإن نواميس الفطرة تدلّ أن استصعاب السهل، واستسهال الشّديد، لإدراك العاقبة الحميدة، وتفويتِ غوائلِ ركوبِ الأولِ واجتنابِ الآخَرِ، هي عينُ الصوابِ، ومكمنُ السّدادِ. لذلك فإنّ الشّرود يُركب إذا كان سابقا عند قصد النّجاة وخوفِ الدّرَك. ويُجتنب الهيّن الذّليل لذلك.
أما إذا كانت الغوائل والعواقب الوخيمة، في امتطاء الصعب، والزّهد في الميسور. فإنّ اجتباب مثل هذا، لا يخفى حتى على ذوي الأبصار الخُفش، والبصائر العُمش - في الغالب -. والواقع فيه لا يكاد يُقبل له عذرٌ ولا اعتذار عند عموم النّاس، والتوبة تجب ما قبلها – كائنا ما كان – ولله الحمد.
إذا فهمتَ هذا فهمَ المُوفّق، فاعلم أنّ من أُخِذَ عليه، في سبيلٍ طرقَه واستيسره. ونصحه النّاصحون والأدلاء الخراريتُ، وحذّروه سوء المنتهى، وغبَّ النهاية. ومضى ولم يُعقِّب، وخاض ولم يُجنِّب. فهو ممن تنكّب التحاكم إلى قوانين الفِطر، وطرائق العقلاء. ويكون بهذا قد ارتكب جناية أشدّ، وصعد صارما أحدّ. إذ أنّه بعد أن استسهلَ الشّديد وسلكه، استعسر اليسير وحاد عنه. فإن الرجوع إلى قول الهادي الخرّيت، وعدم امتطاء سجيحة الرأس، من أيسر ما يكون وآمن عاقبة. فلو اجتنب الأول ولم يركبه، وركب الثاني ولم يزهد فيه. لأراح واستراح، بل لأنجح وأفلح.
هذا وقد أذكرني صنيع من يركب الصّعب ويستصعب السّهل ولو كان فيه هلاكه، قصة ذاك المثل العربي القديم «أي فتى قتله الدّخان». وأصله كما [قَال ابن الأعرابي: هو رجل كان يطبخ قِدْراً، فغشيه الدخان، فلم يتحول حتى قتله فجعلت ابنته تبكيه وتقول: يا أبَتاه، وأي فتىً قتل الدخان، فلما أكثرت قَال لها قائل: "لو كان ذا حيلة تَحَوَّل" وهذا أيضاً مثل، ولقوله "تحول" وجهان: أحدهما التنقل، والآخَر طَلَبُ الحيلَة.] اهـ (مجمع الأمثال ص:436 / ط بولاق سنة 1284). فتحمل الدخان وخَنقتَه وهو شديد، وزهد في التّحول وهو يسير. فتحوله – لو كان تحوّل – كانت فيه نجاته بأيسر كلفة وأقل عناء. ولكنّ لخفافيش الأبصار وعُشاة البصائر، نواميسا أُخر، أدهى وأمر.
ومن تفكّر في حوادث الظرف الحاضر، علم أنّ كثيرا من إخواننا – هداهم الله – ركبوا الشّرود واستسهلوه، واجتنبوا الذّليل واستصعبوه، وأبوا النُّقلة والتّحول، ولو كانوا ذووا حيلة لتحوّلوا.
ولكأني بهم غفلوا – أو تغافلوا – عن أن الْتِكَادَ مَحَلِّ النِّحْرِيرِ الضَّلِيعِ مِنْ أَهْلِ السُّنِّةِ، والإِبَاءَةَ فِي بَلَدِهِ، وَالاسْتِجْنَانَ بِعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، أَمَنَةٌ ـ بَعْدَ فَضْلِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ ـ مِنَ الفِتَنِ وَالدَّوَاهِي، وَأَرْجَى فِي إِدْرَاكِ بَوَاعِثِ الرُّسُوخِ وَالنَّبَاهَةِ وَالإِفَادَةِ. ولَأَنْ يُطْعَنَ المَرْءُ بِرِمَاحِ النَّصِيحَةِ وَيُجْلَدَ بِسِيَاطِ الأَمْرِ بِالمِعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُتَوَّجَ بِتَاجٍ مِنْ سَرَابٍ وَيُرْفَعَ عَلَى عَرْشٍ صَنَعَتْهُ حَنَاجِرِ المَادِحِينَ وَمَقَالَاتُ المُدَاهِنِينَ.
وما كان أيسر على أحدهم، سَطر كتاب يُعلن فيه رجعته، ويُظهر فيه توبته، ويسلم زمام الأمور إلى من يُحسنها، ويُعط القوس باريها. وللعلم أربابٌ، به يُعرَفون، وله يَعرِفون. وهو من السّهولة بمكان، ومن أمرإ ما يكون.
ولذلك جلّل العَجبُ العقلاء، وألقى إلى أفئدتهم، الاستفهام القائل: أيُستصعبُ الذّلول، ويُركبُ الشّرود؟!!
وخير الكلام، قليل دلّ على جليل.

والحمد لله على كل حال. ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾ [النساء:19].


أبو عاصم مصطفى بن محمد
السُّـــلمي
تبلـــبالة يوم الأحد 05 ربيع الثاني 1439 هـ


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عاصم مصطفى السُّلمي ; 25 Dec 2017 الساعة 01:40 PM
رد مع اقتباس