عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 12 Aug 2017, 12:04 AM
يوسف بن عومر يوسف بن عومر غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: الجزائر-ولاية سعيدة
المشاركات: 594
افتراضي شرح مقدمة النَّاظم

الشريط الثاني: شرح مقدمة (مراقي السُّعود لمُبتغي الرُّقَيِّ والصُّعود) (1)

نص الأبيات المشروحة:
يَقُولُ عَبْدُ اللهِ _ وَهُوَ ارْتَسَمَا ◌ سُمًى لَهُ وَالعَلَوِيُّ المُنْتَمَى _:
الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا فَاضَا ◌ مِنَ الجَدَا الذِي دُهُورًا غَاضَا
وَجَعَلَ الفُرُوعَ وَالأُصُولَا ◌ لِمَنْ يَرُومُ نَيْلَهَا مَحْصُولَا
وَشَادَ ذَا الدِّينَ بِمَنْ سَادَ الوَرَى ◌ فَهُوَ المُجَلِّي وَالوَرَى إِلَى وَرَا
مُحَمَّدٍ مُنَوِّرِ القُلُوبِ ◌ وَكَاشِفِ الكَرْبِ لَدَى الكُرُوبِ
صَلَّى عَلَيْهِ رَبُّنَا وَسَلَّمَا ◌ وَآلِهِ وَمَنْ لِشَرْعِهِ انْتَمَى
هَذَا وَحِينَ قَدْ رَأَيْتُ المَذْهَبَا ◌ رُجْحَـــانُهُ لَهُ الكَثِيرُ ذَهَبَـــــــــــــــــــــــــا
وَمَا سِوَاهُ مِثْــــــــــلُ عَنْقَا مُغْرِبِ ◌ فِي كُلِّ قُطْرٍ مِنْ نَوَاحِي المَغْرِبِ
أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ مِنْ أُصُولِــــــــــهِ ◌ مَـــــــــــــــــــــــــا فِيهِ بُغْيَةٌ لِذِي حُصُولِهِ
مُنْتَبِذًا عَنْ مَقْصِدِي مَا ذُكِرَا ◌ لَدَى الفُنُونِ غَيْرَهُ مُحَرِّرَا
سَمَّيْتُهُ: (مَرَاقِيَ السُّعُودِ ◌لِمُبْتَغِي الرُّقَيِّ وَالصُّعُودِ)
أَسْتَوْهِبُ اللهَ الكَرِيمَ المَدَدَا ◌ وَنَفْعَهُ لِلْقَارِئِينَ أَبَدَا
|||

الشرح:
هذه المقدمة انتظمت أربع مقاصد:
المقصد الأول: تعريفه بنفسه.
المقصد الثاني: حمد الله والثناء عليه والصلاة والسلام على نبيه.
المقصد الثالث: بيان غرضه من النظم وطريقته التي انتهجها.
المقصد الرابع: اللجإ إلى الله بأن يمده بعونه، وينفع بنظمه.
|||

قال النَّاظم:
يَقُولُ عَبْدُ اللهِ _ وَهُوَ ارْتَسَمَا ◌ سُمًى لَهُ وَالعَلَوِيُّ المُنْتَمَى _:
1_ أي: يقول الموصوف بكونه عبدا لله، وهو ارتسم، أي: ثبت له هذا الوصف بـ: عبد الله، أنه اسم له.
وهذه البداية حسنة جدًّا، وهي شبيهة بما وقع للحسن بن هانئ لمَّا قال في ممدوحته "حُسْن":
إِنَّ اسْمَ "حُسْنٍ" لِوَجْهِهَا صِفَةٌ ◌ وَلَا أَرَى ذَا لِغَيْرِهَا اجْتَمَعَا
فَهِيَ إِذَا سُمِّيَتْ فَقَدْ وُصِفَتْ ◌ فَيَجْمَعُ اللَّفْظُ المَعْنَيَيْنِ مَعَا

2_ و(سُمًى) لغة في الاسم، وفيه لغات: اقتصر صاحب (الصحاح) وغيره على أربع وهي: (اسم) بكسر الهمزة وضمها، و(سم) بكسر السين وضمها، وزاد بعضهم: سُمًى، ونازع في ذلك ابن يعيش وغيره، وذكر ابن جني أن ابن الأعرابي حكاها، وهو ثقة في حكايته، فهذه خمس لغات صحت في الاسم: (اِسم، واُسم، وسِم، وسُم، وسُمًى)، وعليها اقتصرت المعاجم الموثوقة.
تنبيه:
بعضهم حكى فيها عشر لغات، وبعضهم يتوسع في ذلك، وهذا مبني على أصل الكوفيين الذين يجعلون من كل كلمة رويت لغة، بخلاف البصريين ولغتهم _ أي: البصريين _ أصح وأقدم وأوثق في النقل.
3_ (وَالعَلَوِيُّ المُنْتَمَى)، أي: ينتسب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والناظم من قبيلة: (إدوعل) التي لا يختلف نسابوها في أنهم من العلويين، لكن اختلفوا في الجهة على ثلاثة أقوال:
أ_ من جهة محمد بن الحنفية رحمه الله.
ب_ من جهة الحسن رضي الله عنه.
ج_ من جهة الحسن رضي الله عنه أُمًّا لا أَبًا.
وجزم الناظم في (نيل النجاح) بالأول، ويقال: إنه رجع إلى القول الثاني، ومن أراد التوسع في هذا فليرجع إلى مقدمة محقق (فتاوي الناظم).
4_ (يَقُولُ عَبْدُ اللهِ)، هذا تعريف بنفسه ويستفاد منه: أنه ينبغي للعالم أن يعرِّف بنفسه ليعرف، ويؤخذ عنه العلم، ولهذا تجد العلماء يذكرون أسماءهم في أول تصانيفهم لا ليعرفوا ولكن ليثق الناس بعلمهم، وإلا فحالهم كما قال الشافعي رحمه الله: $وددت لو أن الخلق تعلموا هذا العلم على أن لا ينسب إلي منه حرف#، بخلاف بعض المتعالمين الذين يجعلون ذلك من قبيل الفخر والعلو والشهرة نسأل الله العافية.
ونظير هذا استعمال بعض المتعالمين (النون) للتعظيم، فيقول: قلنا، أو تبيَّن لنا، ولم يعلم بأنَّ استعمال بعض أهل العلم لها بقصد بيان موافقته لأقوال أهل فنِّه، فيما لم يحرّره هو من الأقوال، وهو تواضع وليس تعال بخلاف هذا المتعالم نسأل الله العافية، وقد نصَّ على هذا الزّركشي رحمه الله في كتابه (البرهان).
|||

قال النَّاظم:
الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا فَاضَا ◌ مِنَ الجَدَا الذِي دُهُورًا غَاضَا
1_ (الجَدَا)، حكى ابن السّكِّيت رحمه الله أنه يكتب بالألف والياء، والمشهور كتابته بالألف وهو الذي نصَّ عليه ابن الأنباري رحمه الله في (الزاهر)، ومعناها: العطاء والفضل، وشرحه الناظم بالنفع والخير.
2_ (غَاضَا)، أي: اختفى، قال تعالى: ﴿وَغِيضَ المَاءُ_، أي: اختفى وذهب في الأرض.
يقول: الحمد لله الذي أفاض علينا ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن غاض واختفى الخير والنفع دهورا طويلة بعد بعثة الأنبياء عليهم السلام.
3_ (فَاضَا) و(غَاضَا) الألف فيهما لإطلاق القافية.
|||

قال النَّاظم:
وَجَعَلَ الفُرُوعَ وَالأُصُولَا ◌ لِمَنْ يَرُومُ نَيْلَهَا مَحْصُولَا
يقول: وأحمد الله _ أيضًا _ على تسهيل العلم وجعلها ميسَّرة الحصول.
1_ ومن طريقة أهل العلم أن يأتوا في المقدمة بما يدل على مضمون ما يريدون التكلم فيه، وهذا ما يسمَّى (براعة الاستهلال)، الذي يعتني به الأدبيون.
|||

قال النَّاظم:
وَشَادَ ذَا الدِّينَ بِمَنْ سَادَ الوَرَى ◌ فَهُوَ المُجَلِّي وَالوَرَى إِلَى وَرَا
1_ يحمد الله تعالى بأن شاد هذا الدِّين وبناه بسيِّد الورى نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، والورى: هم الخلق، وأكَّد ذلك بقوله: فهو المجلِّي والورى إلى وراء، فهم خلفه في الدنيا والآخرة.
2_ (المُجَلِّي)، هي استعارة من صفة الفرس الأوَّل في السِّباق، والعرب تجعل للعشر الأول في السِّباق أسماء، نازع بعضهم في بعضها، وهي: المُجلِّي ثمَّ المُصلِّي _ وهو مأخوذ من وضع الثاني رأسه عند صَلَوَيْ الأوَّل ومن هذا اشتق بعضهم اسم الصلاة من صلوي الإنسان والصحيح أنها من الدعاء _ ثمَّ المُسلِّي ثمَّ التَّالي ثمَّ المُرتاح ثمَّ العاطف ثمَّ الحَظِيّ ثمَّ المُؤَمَّل ثمَّ اللَّطيم ثمَّ السُّكيت، ذكر ذلك صاحب (الصَّحاح).
وفي (اللسان) ذكر بيتين لمن أراد أن يضبطها _ وهما من أبيات الشتات الحاصرة، وقد ألف فيها ابن برجس رحمه الله كتاب: (الأبيات الحاصرة) وجمع فيها عبد الرزاق العباد (أبيات الشَّتات) _ يقول ابن منظور: وهذا ترتيبها منظَّما:
أَتَانَا المُجَلِّي وَالمُصَلِّي وَبْعَدُه ◌ مُسَلٍّ وَتَالٍ بَعْدَهُ عَاطِفٌ يَجْرِي
وَمُرْتَاحُهَا ثُمَّ الحَظِي وَمُؤَمَّلٌ ◌ يَحُثُّ اللَّطِيمَ وَالسُّكَيْتُ لَهُ يَبْرِي
|||

قال النَّاظم:
مُحَمَّدٍ مُنَوِّرِ القُلُوبِ ◌ وَكَاشِفِ الكَرْبِ لَدَى الكُرُوبِ
1_ (مُحَمَّدٍ) بدل مِن (مَنْ) في قوله: (بِمَنْ سَادَ الوَرَى).
2_ ثمَّ وصف النَّبي صلى الله عليه وسلَّم بوصفين:
الأول: (مُنَوِّرِ القُلُوبِ)، قال محمد الأمين في: (نثر الورود): $أنه سبب في تنوير القلوب بما جاء به من القرآن، ولأنه سبب في إيمان الأمة، وإلا فالقلوب لا ينورها حقيقة إلا الله# اهـ، أما ابتداء فلا قال تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ_ [القصص: 56]، ويُخشى من عبارة المؤلِّف على أهل الغفلة عن مسبِّب الأسباب وهو الله، كما في قوله تعالى: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُون _ [يوسف: 106] فقد فسَّرها بعض أهل العلم بنسبة الأسباب إلى غير مُسَبِّبِها، كقولهم: لولا البطُّ لهاجمنا اللُّصوص، ولولا الملَّاح لغرقنا، قاله ابن مسعود رضي الله عنه.
الثّاني: (وَكَاشِفِ الكَرْبِ لَدَى الكُرُوبِ)، أي: كرب الشَّفاعة العُظمى الذي يعانيه أهل الموقف، فيفصل صلى الله عليه وسلم في ذلك، وهو المقام المحمود الذي قال الله فيه: ﴿ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا_ [الإسراء: 79]، وهذه _ أيضًا _ من العبارات التي كان ينبغي للمؤلِّف أن يجتنبها لما تقدَّم، ثمَّ إنّ النَّاظم في شرحه فسَّر كشف الكرب بـ: التوسُّل بجاه النَّبيِّ صلى الله عليه وسلَّم، وهو من التَّوسل البدعي، وفسَّره _ أيضًا _ بما ذُكر آنفًا على المعنى الصَّحيح.
|||

قال النَّاظم:
صَلَّى عَلَيْهِ رَبُّنَا وَسَلَّمَا ◌ وَآلِهِ وَمَنْ لِشَرْعِهِ انْتَمَى
1_ [قال الحافظ في (الفتح: 8/419): "قَوْلُهُ _ يعني: البخاري _: (قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: صَلَاةُ اللَّهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ)، أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ وَمِنْ طَرِيقِ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ هُوَ بن أَنَسٍ بِهَذَا، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: لَهُ قَوْلُهُ، (وَقَالَ بن عَبَّاسٍ: يُصَلُّونَ؛ يُبَرِّكُونَ)، وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله: ﴿يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ قَالَ: يُبَرِّكُونَ عَلَى النَّبِيِّ، أَيْ: يَدْعُونَ لَهُ بِالْبَرَكَةِ، فَيُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي الْعَالِيَةِ لَكِنَّهُ أَخَصُّ مِنْهُ.
وَقَدْ سُئِلْتُ عَنْ إِضَافَةِ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ دُونَ السَّلَامِ وَأَمْرِ الْمُؤْمِنِينَ بِهَا وَبِالسَّلَامِ، فَقُلْتُ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ السَّلَامُ لَهُ مَعْنَيَانِ التَّحِيَّةُ وَالِانْقِيَادُ فَأُمِرَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ لِصِحَّتِهِمَا مِنْهُمْ، وَاللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ لَا يَجُوزُ مِنْهُمْ الانقياد فَلم يضف إِلَيْهِم دفعا للإيهام وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ" اهـ].
2_ [قال ابن القيم في (جلاء الأفهام: 1/210_212): ".وَاخْتلف فِي آل النَّبِي ف على أَرْبَعَة أَقْوَال:
فَقيل: هم الَّذين حرمت عَلَيْهِم الصَّدَقَة وَفِيهِمْ ثَلَاثَة أَقْوَال للْعُلَمَاء: أَحدهَا: أَنهم بَنو هَاشم وَبَنُو الْمطلب، وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي وَأحمد فِي رِوَايَة عَنهُ، وَالثَّانِي: أَنهم بَنو هَاشم خَاصَّة، وَهَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن أَحْمد وَاخْتِيَار ابْن الْقَاسِم صَاحب مَالك، وَالثَّالِث: أَنهم بَنو هَاشم وَمن فَوْقهم إِلَى غَالب، فَيدْخل فيهم بَنو الْمطلب وَبَنُو أُميَّة وَبَنُو نَوْفَل وَمن فَوْقهم إِلَى بني غَالب، وَهَذَا اخْتِيَار أَشهب من أَصْحَاب مَالك حَكَاهُ صَاحب (الْجَوَاهِر) عَنهُ وَحَكَاهُ اللَّخْمِيّ فِي (التَّبْصِرَة) عَن أصبغ وَلم يحكه عَن أَشهب، وَهَذَا القَوْل فِي الْآل أَعنِي أَنهم الَّذين تحرم عَلَيْهِم الصَّدَقَة هُوَ مَنْصُوص الشَّافِعِي وَأحمد والأكثرين وَهُوَ اخْتِيَار جُمْهُور أَصْحَاب أَحْمد وَالشَّافِعِيّ.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن آل النَّبِي ف هم: ذُريَّته وأزواجه خَاصَّة حَكَاهُ ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد)...." ثم ذكر ابن القيم / بقية الأقوال: الثالث: أنهم أتباعه من أمته، والرابع: الأتقياء من أمته، ثم قال: "وَالصَّحِيح هُوَ القَوْل الأول ويليه القَوْل الثَّانِي وَأما الثَّالِث وَالرَّابِع فضعيفان؛ لِأَن النَّبِي ف قد رفع الشُّبْهَة بقوله: $إِن الصَّدَقَة لَا تحل لآل مُحَمَّد#، وَقَوله: $إِنَّمَا يَأْكُل آل مُحَمَّد من هَذَا المَال#، وَقَوله: $اللَّهُمَّ اجْعَل رزق آل مُحَمَّد قوتاً#، وَهَذَا لَا يجوز أَن يُرَاد بِهِ عُمُوم الْأمة قطعا فَأولى مَا حمل عَلَيْهِ الْآل فِي الصَّلَاة الْآل المذكورون فِي سَائِر أَلْفَاظه وَلَا يجوز الْعُدُول عَن ذَلِك" اهـ].
3_ يستفاد من هذا البيت في قوله: (وَآلِهِ) من عطفه على الضمير من قوله: (عَلَيْهِ)، والمسألة فيها خلاف بين الكوفيين الذين يجوِّزون ذلك، والبصريِّين الذين يمنعون ذلك، وإلى قول الكوفيِّين جنح بعض المتأخِّرين كابن مالك وابن هشام وابن حِيَّان، ولهم في ذلك شواهد من القرآن وكلام العرب، لأنَّه ثبت قراءة الجرِّ في قراءة حمزة الزيَّات في قوله تعالى: ﴿ تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ _ [النساء: 1]، والعامَّة يقرؤون بالنّصب، وهي حجَّة للكوفيين لا تردُّ بحال.
|||

قال النَّاظم:
هَذَا وَحِينَ قَدْ رَأَيْتُ المَذْهَبَا ◌ رُجْحَـــانُهُ لَهُ الكَثِيرُ ذَهَبَـــــــــــــــــــــــــا
وَمَا سِوَاهُ مِثْــــــــــلُ عَنْقَا مُغْرِبِ ◌ فِي كُلِّ قُطْرٍ مِنْ نَوَاحِي المَغْرِبِ
أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ مِنْ أُصُولِــــــــــهِ ◌ مَـــــــــــــــــــــــــا فِيهِ بُغْيَةٌ لِذِي حُصُولِهِ

1_ مقصود النَّاظم رحمه الله بيان أصول مذهب مالك رحمه الله، والذي حمله على ذلك سببان:
الأول: رجحان مذهب مالك رحمه الله في قطره عند الكثير من المالكية، وفي بحث الاجتهاد والتقليد قال النَّاظم رحمه الله:
إِذَا سَمِعْتَ فَالإِمَامُ مَالِكُ ◌ صَحَّ لَهُ الشَّأْوُ الذِي لَا يُدْرَكُ
لِلْأَثَرِ الصَّحِيحِ مَعْ حُسْنِ النَّظَرْ ◌ فِي كُلِّ فَنٍّ كَالكِتَابِ وَالأَثَرْ

ويشير في البيت الثاني إلى الأثر: $يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل فلا يجدون عالما إلا عالم المدينة#، ويأتي الكلام عليه.
الثاني: حسن مذهب مالك رحمه الله من جهة النَّظر والأثر.
ولهذا تجد أنَّ كلَّ أهل مذهب يرجِّحون مذهبهم، فمثلا الحنفيَّة ألَّف لهم أكمل الدِّين البابرتي رحمه الله الإمام المحقق (النكت الظريفة في ترجيح مذهب أبي حنيفة)، والمالكية صنف الراعي الأندلسي (انتصار الفقير السالك لمذهب الإمام مالك)، وهو كتاب نفيس فيه فوائد يرحل إليها، والشافعية صنف الجويني (مغيث الخَلق)، والسيوطي (جزيل المواهب في اختلاف المذاهب)، عقد فيها فصلا في ترجيح مذهب الشافعي على بقية المذاهب.
والعدل في هذا الباب ألَّا يُرجَّح مذهب على مذهب بإطلاق والمقصود المذاهب الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد، على مرجوحية مذهب أبي حنيفة، بل على حسب الأبواب، فمثلا في باب البيوع فمذهب مالك راجح على غيره لمراعاته المقاصد وسدِّ الذَّرائع، حتَّى قال الذهبي رحمه الله في (السير) في آخر ترجمة مالك: $وبالجملة فإلى فقه مالك المنتهى، ولو لم يكن له إلا مراعاة المقاصد وسدُّ الذَّرائع لكفى# اهـ، وكذلك في باب الطهارة والمياه مذهب مالك رحمه الله من أصحِّ المذاهب، حتَّى أنَّه يروى عن الغزالي أنَّه تمنَّى أن لو كان مذهب الشَّافعي كمذهب مالك في هذا الباب، وفي غيره قد يضعف كباب الأطعمة.
ولهذا لا يسلَّم للناظم ترجيح مذهب مالك رحمه الله بإطلاق.
السبب الثَّاني: أنه المذهب السَّائد في ذلك القطر، ولذلك ضرب له مثلا بـ: (عَنْقَا مُغْرِبِ)، والعنقاء المغرب مضرب المثل في الشيء المعدوم، وقد حكى أبو عبيد رحمه الله عن العرب: $طارت بهم العنقاء المغرب#، قال في (الصَّحاح): $وأصل العنقاء طائر معروف الاسم مجهول الجسم#، وما ذكره الدميري في (حياة الحوان) من القصص عنها فباطل.
ولهذا أحسن الشَّاعر لمَّا هجا الرافضة فيما يزعمونه في المهدي فقال:
مَا آنَ لِلسِّرْدَابِ أَنْ يَلِدَ الذِي ◌ حَمَّلْتُمُوهُ لِجَهْلِكُمْ مَا آنَ
فَعَلَى عُقُولِكُمُ العَفَاءُ فَإِنَّكُمْ ◌ ثَلَّثْتُمُ العَنْقَاءَ وَالغِيلَانَ
فجعل الشاعر مضرب المثل فيما يندر أو ينعدم ثلاثة: العنقاء، والغول، ومهدي الرافضة _ أخزاهم الله _ المزعوم.
|||

قال النَّاظم:
مُنْتَبِذًا عَنْ مَقْصِدِي مَا ذُكِرَا ◌ لَدَى الفُنُونِ غَيْرَهُ مُحَرِّرَا
1_ (مُنْتَبِذًا) حال من الضمير المستتر من قوله: (أَنْ أَجْمَعَ)، أي: أردت أن أجمع فن أصول الفقه حال كوني منتبذا، أي: مجتنبا في مقصودي من ذلك ما ذكر في الفنون الأخرى كالمسائل الكلامية (أصول الدين)، ومسألة التحسين والتقبيح، ومسألة شكر المنعم، وكبعض المسائل اللغوية كمعاني الحروف، ومصطلح الحديث، هذه أعرض عنها المؤلف، إلا ما تعلَّق بالأصول.
وهل أحسن النَّاظم في ذلك؟
الجواب: نعم، أحسن في تجنُّبها، وبهذا يتميَّز باحث الأصول والمؤلِّف فيها.
ملاحظ:
نظر الأصولي في حروف المعاني ليس هو نظر النحوي، فكلٌّ منهما ينظر إليها من جهة، فلا يستغنى بكلام النحويين في معاني الحروف عن كلام أهل الأصول، فمثلا: الباء التبعيضية عند الشّافعية في قوله تعالى: ﴿بِرُؤُوسِكُمْ_ [المائدة: 6] لا تكاد تجد لها ذكر في كتب النحو القديمة إلا عن رجلين، وعند الأصوليين مبحوثة باستفاضة، وهذا نظير لن الزمخشرية التي زعم أنها للتأبيد، ونظيرها أيضا مسألة الاستثناء.
الخلاصة: أنه لا يسقط ذلك بإطلاق.
2_ قوله: (مُحَرِّرَا)، حال ثانية من الضمير في أجمع، ومعناه: متقنا خاليا من الحشو والتطويل، وسيأتي أن هذا النظم (طابق فيه الخُبر الخَبر) إلا مواطن يسيرة.




=======
1_ ما بين معقوفين من زياداتي.

الصور المرفقة
نوع الملف: pdf الفوائد المنتقاة من شرح مراقي السعود لشارحها الشيخ2.pdf‏ (342.6 كيلوبايت, المشاهدات 977)

التعديل الأخير تم بواسطة يوسف بن عومر ; 12 Aug 2017 الساعة 02:59 PM
رد مع اقتباس