عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10 Nov 2015, 01:04 AM
أبو عبد الرحمن محمد الجزائري أبو عبد الرحمن محمد الجزائري غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: May 2014
الدولة: الجزائر
المشاركات: 241
افتراضي وفوق كل ذي علم عليم / تفريغ خطبة جمعة لفضيلة الشيخ أبي عبد الله أزهر سنيقرة

تَفرِيغُ خُطبةِ جُمُعة لِفَضِيلةِ الشَّيخِ أَبي عَبدِ اللهِ أزهَرَ سَنِيقْرَة حفظه الله تعالى
•┈••┈•✦••✦✿✦••✦•┈••┈•



الخطبة الأولى :

إن ّ الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله .
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ "(١) .
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءۚ وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً " (٢).
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا "(٣).

أما بعد :

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و آله و سلم ، و شر الأمور محدثاتها و كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة .

أما بعد أيّها المسلمون :

مما لا شك فيه أنّ دين الإسلام جاء لهداية الخلق جميعا، لهداية الثقلين الجن و الإنس. هذا الدّين العظيم الذي ارتضاه الله تبارك و تعالى لعباده ، و اختار له خير أنبيائه و رسله ، نبيّنا صلى الله عليه و على آله و سلم ، الذي دعا هذه الأمة لخير ما ينفعها في معاشها و معادها ، و إن من أعظم هذه المنافع التي يظهر أثرها في الناس دائما و أبدا ، تلك النصوص العظيمة من نصوص الكتاب المنزل ومن أحاديث المصطفى الهادي إلى سبيل الرشاد . ما جاء في بيان فضل العلم و أهله . أهله الذين فتح الله تبارك و تعالى عليهم في هذا الباب ، وكما جاء في حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه و أرضاه ، حيث قال عن النبي عليه الصلاة و السلام أنّه قال : " مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ "(٤)، و الفقه في دين الله تبارك و تعالى أساسه ومبناه على العلم بالله أولا .. على العلم بالله تبارك و تعالى بآلائه و أفعاله و صفاته و أسمائه ، هذا العلم الذي يُوَرِث الخشية في القلوب و لهذا أولى الناس بهذه المكرمة هم من فتح الله عليهم فيه ، لقول الله تبارك و تعالى : " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ "(٥) ، فالعلم الصحيح المبني على كتاب الله و سنة رسوله عليه الصلاة و السلام ، و الذي يسير فيه أهله على هدي سلف هذه الأمة الكرام ، فإنه يورث هذه الخصلة الطيبة الكريمة ، فيكون أهله و أصحابه أكثر الناس خشية لله عزّ وجل ويورث كذلك التواضع لله جلّ و علا أولا ، يعرف المرء قدر نفسه و يعرف قدر ربه و خالقه ، بهذا العلم النافع و لهذا فإن الله تبارك و تعالى أنبأ عباده بحقيقة عظيمة حتى لا يغفلوا عنها و حتى لا يغتروا بما قد يؤتون من هذا العلم ، الذي هو باب من أبواب الشيطان و مدخل من مداخله العظام ، كم من النّاس زلت أقدامهم بسببه لأنهم ما ساروا فيه على الطريقة المرضية ، لا اتقوا ربهم جلّ و علا فيه و لا حققوا ثمرته التي هي خشيته على الحقيقة ، قال رب العزة و الجلال : " وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ "(٦) ، يا من آتاك الله جلّ و علا من هذه الفضيلة .. يا من وفقت لهذه النعمة و لهذا الخير الجسيم ، إعلم أن فوقك من هو أعلم منك ، و الله تبارك و تعالى أعلم العالمين و هو في هذا فوق العالمين جميعا ، يقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما – عند هذه الآية الكريمة - : " يكون هذا أعلم من هذا و هذا أعلم من هذا و الله فوق كل عالم " ، ولهذا وجب على من فتح له في هذا الخير أن لا يعتد بنفسه و أن لا يغتر بعلمه و أن لا يظن أنه قد بلغ منزلة ، كلما تعلم تبصر هذه الحقيقة ، عَلِم عِلْمَ اليقين قدره و منزلته و أنّه ما زال جاهلا ، وما زال يحتاج لأن ينجلي عنه هذا الجهل بمزيد علم ، ولهذا فإن نبيّ الهدى عليه الصلاة و السلام، إمام العالمين وأعلمهم من خلق الله جلّ وعلا جميعا مصداقا لقوله "وَاللهِ، إِنِّي لَأَعْلَمُكُمْ بِاللهِ ..."(٧)، يسأل ربّه و يستزيد فضله من هذه المكرمة العظيمة وما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم زيادة في شيء إلاّ في هذا الباب ، قال الله عزّ وجل : " وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا "(٨) ، لأنه كلما ازداد منه كلما عرف قدره .. كلما ازداد خشية لربه .. وكلما ازداد تواضعا له أولا ثم لخلقه أجمعين ، و قال الحسن البصري - عليه رحمة الله - عند هذه الآية الكريمة : " ليس عالم إلاّ فوقه عالم حتى ينتهي العلم إلى الله " ، و يقول الإمام السّعدي عند تفسير هذه الآية : " فكل عالم فوقه من هو أعلم منه حتى ينتهي العلم إلى عالم الغيب و الشهادة " سبحانه عزّ وجل ، كل عالم إلا ّ و فوقه من هو أعلم منه .
هذه حقيقة ينبغي أن يعيها أهل هذا الشأن وهم يسيرون فيه ، و والله إنّ أئمة الإسلام و العلماء الربانيين من هذه الأمة ما فارقتهم هذه الحقيقة لحظة من حياتهم ، و لهذا تجد الكثير من الكلام في مصنفاتهم يدل على هذا الأمر ، يأتي أحدهم لشرح آية أو حديث فيقول : هذا ما وصله اجتهادي وآل إليه فهمي ، و فهمي سقيم و علمي ضعيف ، و الله تبارك و تعالى أعلم العالمين . و الله جلّ و علا فوق العالمين . يأتي أحدهم فيقول : هذا ما وصلت إليه باجتهادي و فوق كل ذي علم عليم . أما غيرهم ممن حرموا هذا الخير من المخذولين الأشقياء الذين انحرفوا في هذا الباب و زلت أقدامهم ، أو أقدام أتباعهم من مناصريهم ، فيجعلون عقد الولاء على أمثال هؤلاء ، يظن أحدهم أنه أوتي علم الأولين و الآخرين يصرح بعضهم : أن هذه الفائدة ما سبقني إليها أحد من خلق الله ، نعوذ بالله من التعالم و التطاول الذي هو مدخل من مداخل الشيطان على الإنسان .
الواجب على كل من فتح الله تبارك و تعالى عليه في هذا الباب أن يكون على الأقل .. أن يكون على هدي أصحابه البارزين فيه ، الذين شهد لهم الخلق جميعا بالإمامة و الريادة و السيادة كيف كانوا في طلبهم و سيرهم ، و كيف كانوا في نظرهم إلى علمهم ، حتى أن بعضهم من الأئمة و ليس هذا ببعيد عنكم ، هو من أئمة هذا الزمان ، سمعنا هذا من أئمة هذا الزمان : الشيخ ابن باز و الشيخ العثيمين و الشيخ الألباني – رحمة الله جلّ و علا عليهم أجمعين - ، كل واحد منهم يقول عن نفسه : ما أنا إلاّ طالب علم . يقول الألباني : ما أنا إلا طويلب علم ، أي ما بلغت حتى منزلة الطالب . و هم الأئمة الأعلام الذين اجتمعت كلمة المسلمين من مخالفيهم و موافقيهم و محبيهم على أنهم هم الأئمة . هذا كلامهم و هذه عقيدتهم و صفاتهم رحمة الله تبارك و تعالى عليهم أجمعين .

الخطبة الثانية :

و لأجل تقرير هذا الأصل في قلوب المؤمنين و السائرين إلى الله تبارك و تعالى بتقربهم إليه بهذا العلم أو بهذه الفضيلة أو بهذه المكرمة الجليلة ، الله تبارك و تعالى يقول أيضا : " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا "(٩) ، و مناسبة و سبب نزول هذه الآية كما جاء في الصحيحين و غيرهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه و أرضاه ، العالم بكتاب الله تبارك و تعالى ... العالم بتفسيره وسبب نزوله ، يقول : أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في بستان من بساتين المدينة أو في حرث منها على اختلاف ألفاظ الروايات ، فمر على نفر من يهود ، فقالوا يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم : عن الروح ، فمكث النبي صلى الله عليه و سلم مليا ، قال ابن مسعود : علمت أنه يوحى إليه . فأنزل الله تبارك و تعالى عليه هذه الآية الكريمة " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا " . هذه جامعات الدنيا اليوم و معاهدها و مراكزها و مراكز بحوثها، هل وصلت لأن تجيب على ما سأله اليهود !؟ .. عن حقيقة هذه الروح، كيف هي و ما هو كُنهُهَا !؟. هذا رب العزة و الجلال ، هذا علم اختص به رب العزة و الجلال ، و لهذا قال : " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي " ، لا شأن لكم بها و لا دخل لكم في علمها ، إنما المطلوب منكم أن تعرفوا قدر أنفسكم و أن تقدروا ربكم جلّ و علا حق قدره ، لأنه قال بعد ذلك : " وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً " .
مهما علمتم و تعلمتم فإن علم المخلوقين و لو اجتمع بعضه إلى بعض ، منذ أن خلق الله جلّ و علا أولهم إلى قيام الساعة، لا يكون في علم الله جلّ و علا شيئا ، واسمع إلى قول ربك تبارك و تعالى في بيان هذه الحقيقة العظيمة ، قال جل ّ في علاه : " قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً "، و إلى قوله عزّ وجل : " وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "(١٠)، أين أنت يا عبد الله !؟ .. أين أنت يا من تكبرت بما أتاك الله جلّ و علا و ادّعيت لنفسك ما ادّعيت يا جهول !؟ . ولهذا كان العلماء الربانيون يقولون: كل ما زاد الإنسان علما إزداد علما بجهله من جهة ، وقالوا كذلك : من علامات العالم التواضع ، و من علامات الجاهل الكبر . هو ليس بشيء و ليس عنده شيء مقارنة لا نقول مقارنة بعلم الله بل مقارنة بأقرانه أو من هم دونه لا يصلهم في علمه، و رغم ذلك تجده ينتفخ و تجده يطير في الهواء و يريد أن يصعد في السماء ، و يظن أنه أوتي علما الأولين و الآخرين ، و أنه هو وحيد دهره و فريد زمانه ، إلى الله جلّ و علا المشتكى و لهذا قال من قال :
فقل لمن يدّعي في العلمِ فلسفةٍ *** حَفِظْتَ شيئاً وَغابَتْ عَنْكَ أشيَاءُ (١١)
مهما تعلمت ، فإنك تعلمت جزئية من الجزئيات أو جانبا من جوانب العلم أو فنا من فنونه ، وغابت عنك أشياء كثيرة ، لأن هذا العلم بحر لا ساحل له .

نسأل الله تبارك و تعالى أن يعرفنا قدر أنفسنا، و أن يوفقنا في ما علمنا و أن يرزقنا به خشيته و التواضع إليه و التواضع لخلقه. إنه سميع مجيب . أقول قولي هذا و أسأل الله تبارك و تعالى أن يفتح علينا جميعا ، أن يفتح لكل مريد للخير ، مخلصا لله عزّ وجل فيه ، في هذا الباب أن يوفقه لهذه الأسباب ، و أن يفتح عليه في باب الإخلاص و الصدق مع الله و التواضع لله جلّ في علاه قبل أن يفتح عليه من أبواب العلم ، إنه سميع مجيب .
أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ، وسبحانك اللهم و بحمدك ، أشهد أن لا إله إلاّ أنت ، أستغفرك و أتوب إليك .


__________
الجزائر في: الثالث و العشرين من شهر الله المحرم ١٤٣٧ﻫ
الموافق لـ : ٢٦ نوفمبر ٢٠١٥م
___________
١- آل عمران/ ٢ ؛
٢- النساء/ ١ ؛
٣- الأحزاب/ ۷٠ ، ۷١ ؛
٤- متفق عليه ، قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ؛
٥- فاطر/ ٢٨ ؛
٦- يوسف/ ٧٦ ؛
٧- أخرجه أحمد (٢٤٩١٢). وهو في البخاري في «الإيمان» باب قول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (أنا أعلمكم بالله) وأنَّ المعرفة فعلُ القلب (٢٠)، ولفظه: (إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللهِ أَنَا) ؛
٨- طه/ ١١٤ ؛
٩- الإسراء/ ٨٥ ؛
١٠- لقمان/٢٧ ؛
١١- دع عنك لومي – لأبي نواس.


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن محمد الجزائري ; 10 Nov 2015 الساعة 01:41 AM
رد مع اقتباس