عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 25 Nov 2019, 02:20 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي حديث: لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ.









حديث: لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ.

للمحدّث العلاّمة الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله

الشيخ : ... وهذا يذكّرني بالحديث الآخر الذي أخلّ بمعناه، كثير من أهل العلم فضلاً عن أنّ جماهير المسلمين أخلّوا بمعناه عمليا. ذلك هو قوله عليه الصلاة والسلام (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنّما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله)
لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنّما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله.
الإطراء في اللّغة يأتي تارة بمعنى المدح مطلقا أي أطرى: مدح , وتارة يأتي بمعنى المبالغة في المدح , وهذا الفرق يجب أن تتذكّروه بمناسبة الكلام على هذا الحديث لأن كون هذه الكلمة لغة تعطي هذين المعنيين المدح مطلقا والمبالغة في المدح , كان هذا من أسباب الخلاف في تفسير هذا الحديث فكثير من المتقدمين فضلا عن المتأخرين فسّروا (لا تطروني ) أي لا تبالغوا في مدحي وهذا له وجه في اللغة ولكن الألفاظ اللغوية التي تتضمن أكثر من معنى لا يجوز للمسلم أن يجنح أو أن يميل إلى معنى من هذه المعاني دون أن يراعي ما يتعلق بهذا اللفظ الذي جاء في مكان واحد أو في سياق واحد هذا أولا , وأيضا دون أن يراعي ما يتعلق بتلك الكلمة من نصوص أخرى كثيرة يمكن بها أن يستعين المسلم في ترجيح معنى من المعنيين الذَين يتضمنهما اللفظ من حيث اللغة , فهؤلاء الذين فسّروا : (لا تطروني) أي لا تبالغوا في مدحي لهم وجهة نظر من الناحية اللغوية كما ذكرت آنفا لكن المعنى الآخر وهو المدح مطلقا هو الأولى بسياق هذا الحديث وبنهايته, لأنّنا إن فسّرنا الإطراء بمعنى الغلوّ في المدح، لم يلتئم هذا المعنى مع تمام الحديث الذي هو (ولكن قولوا: عبد الله ورسوله)، إذا رجعنا إلى نص الحديث (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم)، نتصوّر كأنّ قائلا يقول، ولو بلسان الحال: إذًا ماذا نفعل يا رسول الله؟، الجواب يأتي مباشرة لأنّ الشرع كامل بإيحاء الله عزّ وجل إلى نبيّ هذا الكمال المنصوص عليه في القرآن , فجاء الجواب بدون سؤال قولوا عبد الله ورسوله , فتفسير المبالغة في المدح لا يلتقي مع أمر الرسول عليه السلام وهو قولوا: عبد الله ورسوله هذا شيء , وشيء آخر وهو مهم في وجهة نظري أنّ هذا الحديث إذا فُسِّر بالمعنى الأول: المبالغة في المدح، لا يتناسب مع تبويب بعض علماء الحديث لهذا الحديث كالإمام أبي عيسى الترمذي الذي عقد بابا في كتابه الشهير الشمائل المحمدية بعنوان "باب تواضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم " هذا الباب لا يلتئم مع المعنى الأوّل، لأنّ كلّ مسلم عنده شيء من العلم والصلاح واجب عليه أن يقول لا تبالغوا في مدحي, هذا ليس من باب التواضع هذا واجب على كل إنسان ، فأولى وأولى بنبيّ الإسلام، فكيف يليق أو كيف يلتقي حينئذٍ الحديث مع هذا التفسير مع الباب باب تواضع النبي صلى الله عليه وسلم , في تنافر وليس هناك تلاقٍ مطلقا بين هذا المعنى وبين هذا الباب , وكما تعلمون إن شاء الله أنّ علماء الحديث يترجمون عن جانب من جوانب فقه الحديث ومعناه بالباب الذي يعقدونه فوقه , فباب تواضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إنّما يلتقي مع نهيه المسلمين عن مدحه مطلقا وليس عن الغلو في مدحه , لأنّ هذا الغلوّ هو فرض على كل مسلم فليس للرسول حينئذٍ فضيلة خاصّة فيما إذا نهى عن المبالغة في مدحه، ولكن الذي يليق بـتواضعه عليه السلام كما تدل على ذلك سائر شمائله صلى الله عليه وسلم إنّما هو النهي عن المدح مطلقا.

إذًا صار عندنا حتى الآن أمران اثنان يؤكّدان لنا تفسير الإطراء، بمعنى المدح مطلقا، لا تمدحوني مطلقا الأمر الأوّل قولوا: عبد الله ورسوله، الأمر الثاني: تبويب وترجمة علماء الحديث لهذا الحديث بـباب تواضع الرسول عليه السلام ... لا يلتقي مع التفسير الأول ألا وهو المبالغة في المدح وإنّما النّهي عن المدح مطلقا .

وشيء ثالث: قوله صلى الله عليه وآله وسلم (كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ) , يتوهّم كثير من المتأخّرين إنّو هذا التّشبيه يعني النهي عن المبالغة في الإطراء ، يتوهّمون أنّ قوله عليه السلام: لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، أنّه يعني: لا تبالغوا في مدحي، لأنّ هذا الذي وقعت فيه النصارى , الحق أنّ هذا التفسير ظاهريا مقبول لكن الحقيقة التي يعرفها أهل العلم والّذين يقدّرون قاعدة سدّ الذرائع، المكرّرة في الشريعة، هم أبعد ما يكونون عن هذه الملاحظة التي تشبّث بها المؤوّلون للإطراء هنا بمعنى المبالغة في المدح، ذلك لأنّنا إذا وقفنا عند هذا التّشبيه، فربّما قيل لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، ماذا قال النصارى في عيسى بن مريم؟ قالوا: ابن الله، إذًا، أنتم لا تُغالوا وتقولوا فيّ كما قالت النصارى في عيسى إنّه ابن الله، أو نحو ذلك ممّا هو شرك صريح , هل من قائل يقول ولو كان من أولئك الناس الذين يفسّرون الإطراء بمعنى المبالغة يقف عند هذه الظاهرة يقول: كما أطرت النصارى عيسى بن مريم؟ أي لا تقولوا: ابن الله ، ما أظنّ عالما يقول بهذا القول وإن كان شاعرهم قد وقع في هذا السّوء من الفهم حينما قال : دع ما ادّعته النصارى في نبيّهم ***واحكم بما شئت فيهم مدحا.

يعني هذا المدح أيش ليس له حدود، بس أبعد عن قول النصارى ابن الله , هذا هو الغلوّ في الدّين، الذي نهى الرسول عليه السلام في ذاك الحديث ونهى ربّ العالمين النّصارى أن يُغالوا في دينهم , فصدق في بعض المسلمين قوله عليه الصلاة والسلام (لتتبعن سنن مَن قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه)، وجاء في بعض الروايات في سنن الترمذي وغيره عبارة رهيبة جدا قال عليه الصلاة والسلام (حتى لو كان فيهم مَن يأتي أمّه على قارعة الطريق لكان فيكم مَن يأتي ذلك).

ويا سبحان الله، هذا الحديث، يعني، يكاد ينطبق بحرفيّته على تقليد المسلمين أو على الأقل بعض المسملين لهؤلاء الكفار من النصارى وغيرهم , الشّاهد نعود إلى ما أشرت إليه من باب سد الذرائع , الذي نقطع به أنّ النصارى ما وقعوا في الشرك الأكبر في قولهم عيسى ابن الله طفرة وقفزة واحدة لأنّ سُنَّة الله في خلقه أنّ الشرّ لا يأتي إلا رويدا رويدا، هكذا الشيطان يزيّن لعدوّه الإنسان أن يصل إلى الشرّ الأكبر بتقديم خطوات لطيفة جدا ناعمة لا يتنبه لها عدوّه الإنسان إلاّ بعد أن يقع على أمّ رأسه في الشَرَك وفي الشِرْك الذي أوقعه فيه الشيطان الرجيم.
لذلك، قال بعض الشعراء في بعض العصور :
أرى خلل الرماد وميض نار ***ويوشك أن يكون لها ضرام
فإنّ النّار من عودين تُذكى***وإنّ الحرب أوّلها الكلام.

وما معظم أيش .
سائل آخر : النار .
الشيخ : من مستصغر الشرر , أي نعم , والإسلام جاء بقواعد سدّ الذّريعة كما هو معلوم في الكتاب والسُنَّة ولسنا في هذا الصدد , فإذًا كان من الحكمة البالغة ومن السياسة الشرعية الحكيمة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أغلق باب مدحه عليه السلام إلاّ بما جاء في الشرع، خشية أن يؤدي المبالغة في مدحه إلى شيء يخالف الشرع, قد يبدأ المادح بكلمات في مدح الرسول عليه السلام لا غبار عليها ولكن من الصعب بمكان أن يقف المادح عند حدود الشرع إلاّ إذا كان عالما , عالما بالمنّاهي التي جاءت في الشرع صراحة وبـالمناهي التي لم تأت في الشرع صراحة، وإنّما جاءت من باب سدّ الذريعة , لهذا نرى أنّ تفسير الحديث السابق هو بمعنى: لا تمدحوني، ولكن قولوا: عبد الله ورسوله , ولو أنّ المسلمين التزموا أن يذكروا كل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الفضائل والمناقب، فذلك يكفيهم عن أن يبتكروا مدحا له عليه السلام، كما قال ذلك الشاعر البوصيري أغناهم؟ ذلك عن أيّ مدحٍ لأنّ الله عزّ وجل ليس بعد قوله فيه ((وإنّك لعلى خلق عظيم )) وبعدما جاء في الشرع كتابًا وسُنَّة من فضائل ومناقب للرسول عليه السلام، فذلك خير وأبقى ممّا عليه بعض المسلمين اليوم من تنظيم قصائد وأناشيد يتّخذونها زعموا في مدح الرسول عليه السلام ... .

للاستماع


الصور المرفقة
 
رد مع اقتباس