عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 31 Aug 2015, 06:54 AM
شعبان معتوق شعبان معتوق غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
الدولة: تيزي وزو / معاتقة.
المشاركات: 331
افتراضي مقتطفات و طرائف من حياة الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

مقتطفات و طرائف من حياة الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-

لا يزال طلاب العلم يبحثون و ينهلون من سير و تراجم العلماء، لما في ذلك من إيقاظ للهمم و إقبال على الخير، و تزداد أهمية سيرة العالم و ترجمته إذا كان هو المُترجِم لها بنفسه أو أحد طلابه ممَّن عاصره و تتلمذ على يديه، فلا شك أنه من أقرب الناس و أعرفهم بشيخه، وقد سار على هذا، الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل رحمه الله، حيث ألف رسالة ماتعة سماها : «الشيخ عبد الرحمان السعدي كما عرفته» و قد عاشره الشيخ سنينا مديدة و لازمه عقودا متطاولة، و قد وقفت حين مطالعتي لهذه الرسالة على بعض المواقف و الطرائف التي حصلت للشيخ رحمه الله، فأحببت أن أنقلها لإخواني.

��- مما يذكر من مزاحه أنه كان يجيب دعوة من يدعوه للقهوة و نحوها بعد صلاة العشاء، أو بعد صلاة الظهر، فجاء أحد الإخوان، و طلب منه موعدا للقهوة. فقال الشيخ و الله هذه السنة مواعدين فيها كلها، لكن كان تبي(١) من السنة المقبلة فلا بأس، فتعجب الرجل و قال سنة كاملة مواعدين فيها، فتبسم الشيخ. و كان الوقت إذ ذاك لم يتبق من شهر ذي الحجة إلا ثلاثة أيام، فمعناه صحيح، أن هذه السنة سبق أن واعد فيها كلها.

��- و كان مرة يلقي درسا على تلاميذه الصغار في باب الأضحية، و ذكر أن الهتماء لا تجزئ، و هي ما سقطت ثناياها من أصلها، فسألهم عن الشاة إذا لم يكن لها أسنان من فوق هل تجزئ أم لا؟ فتحيروا في الجواب، فأخبرهم أن الشاة ليس لها أسنان من فوق، و ذلك خلقة، بل أسنانها خاصة بالحنك الأسفل، و هذه خلقتها التي خلقها الله عليها.

��- و كان له جار رجل كبير في السن أعرفه (أي الشيخ)، يقال له: الغديفي، عمره حول السبعين سنة، تزوج امرأة كهلة، فقابله الشيخ يهنئه بالزواج فقال: يا شيخ يا شيخ، شف يدي عضتها، فقال الشيخ مازحا: احمد ربك، هذه نعمة، ما دام عندها أسنان تعض فيها، فهذه معناها أنها شابة.

��- و من هذه المسائل و نحوها مما فيه ترويح للنفس من دون إكثار، أنه أهدى له مرة أحد أقاربه صحفة عشاء، و كان من العادة أن مثل هذه الهدية تهدى قبل آذان العصر، حينما كان عشاء الناس يعد العصر، فلما صلّى العصر، و جلس للطلبة، و انتهى الدرس. قال لهم: عندنا لَبِن (جمع لبنة) نريد نقله من محلّ إلى محلّ، فالذي ما عنده شغل، و يحب يساعدنا جزاه الله خيرا.
فجاء الإخوان، منهم من تقدم و من تأخر، و منهم من جاء مستعدا لنقل اللبن، فلمّا دخلوا قدم لهم العشاء، فقالوا: أين اللبن يا شيخ؟ فقال: عدلنا عنه.

·و كما ذكرنا أنه كان يمزح أحيانا فقد كان يمزح معه الآخرون أحيانا
:

��- فمن ذلك أنه سئل في مجلس جامع عن حكم رؤية الخاطب مخطوبته قبل عقد النكاح، فأجاب بجوازه، و أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أرشد إليه(٢)، و كان هناك رجل أعمى، فقال الأعمى: و نحن العميان، هل يجوز لنا أن نتلمّس ما دمنا لا نتمكّن من الرؤية، فضحك الشيخ و الحاضرون.

��- و كان رحمه الله يتقلّل من الأكل جدًّا، حتى إذا جلس على المائدة لا تحسّ أن ما حوله نقص منه شيء، فقد عوَّد نفسه على قلّة الأكل باستمرار صيفًا و شتاءً، في سفره و إقامته، و نفعه ذلك كثيرًا، فلهذا صار خفيف البدن، فهو ربعة من الرجال، ليس بطويل و لا قصير، و كان لونه أبيض و شعره أبيض فقد شاب مبكرًا.

��- و كان رحمه الله يقلّل من استعمال الماء عند الوضوء، اقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلّم، حيث إنه يتوضّأ بالمدّ، و يغتسل بالصاع.
و كان له صديق، له أمٌّ كثيرة الوسوسة في الوضوء، و تكثر صبّ الماء، فشكا إليه صديقه حالة أمّه، فنصحها الشيخ و كرّر عليها، وقال: حَضِّرها عندي إذا توضّأت لتشاهدني من خلف الباب، فلمّا رأت وضوءه قالت: هذا وضوء شيخ؟؟ يا أسفا على صلاتنا خلفه كلّ هذه المدة.

��- و ذكر شاهد عيان أنّه في يوم شاتٍ غزير المطر، شاهد شيخنا شخصًا كبيرًا في السنّ في مسجد الجامع، ينتفض من شدّة البرد، و عليه خَلَق بال، فلما رآه شيخنا بهذه الصفة لاذ خلف العمود لئلَّا يشاهده أحد، ثم خلع أحد ثوبيه، ثم لفه و أعطاه ذلك الشخص، فلبسه و اتقى به من البرد، و دعا له.

��- و مرة أخرى كانت الشوارع مملوءة من الأمطار و الطين، و كان أحد من الجماعة المعروفين يمشي أمامه دون أن يشعر به، فزلق الرجل، ووقع على الأرض، وتوسخت ثيابه، فلمّا رأى شيخُنا حالته انصرف مع طريق آخر لئلّا يعلم الرجل أن الشيخ قد رآه على هذه الحالة فيخجل. و كم لشيخنا من مواقف مشابهة.(انتهى كلام الشيخ)

·- و للشيخ رحمه الله مواقف و مبادرات أذكر بإذن الله موقفين حصلا معه:

الأول: أنه كان أولّ من بادر إلى تركيب مكبر الصوت(المكرفون) لمّا ورد إلى عنيزة، فقام بتركيبه في الجامع، و خطب فيه على المنبر يوم الجمعة، مع أنّ بعض المشايخ استنكر ذلك، ورأى أنّه من البدع، و منع دخوله المساجد بحجّة أنه لم يكن على وقت النبي صلى الله عليه وسلّم و لا صحابته رضوان الله عليهم.
و أما شيخنا فأفتى بجوازه، بل باستحبابه لما رأى من النفع العظيم، من إيصال صوت العلم و الخطبة إلى أناس لم يكونوا يسمعون قبل هذا الجهاز.

الثاني: فيما يخص طاعة الشيخ لولاة الأمور، و قصة يأجوح و مأجوج:
كان الشيخ يعظّم طاعة ولاة الأمور، و لا يسمح لأحد أن يتكلّم فيهم، و يظهر حبه للملك عبد العزيز رحمه الله، و يثني عليه في كل مناسبة، و يذكر محاسنه، و تحكيمه الشريعة، و أمره بالمعروف، و نهيه عن المنكر.
و فيما يخص قصة يأجوج و مأجوج يقول الشيخ، أن الأرض الآن قد اكتشفت، و ما بقي فيها شيء يعدُّ مجهولا، إلا ما يتعلَّق بالقطب الشمالي و القطب الجنوبي، و هذا مكان لا يعيش فيه أحد غالبا، فيقول: ظهر لي أن الذين خلف السد هم الصين و اليابان و ما حولها، فألف رسالة في ذلك، و هذه الرسالة ثار حولها كلام كثير، حتى إن الملك عبد العزيز لمّا بلغه خبر الكتاب، طلب حضور الشيخ عبد الرحمان إلى الرياض و معه تفسيره، فلبى الشيخ الطلب، و جاء إلى الرياض، و استقبله المشايخ، و حضر عند الملك رحمه الله، و كان الملك عبد العزيز حكيما عاقلا، و بعيد النظر، أخلف ظن الناس، بل قال له: أنت يا شيخ أخونا، و المشايخ إخوانك، ما قالوا عنك شيئا أبدا، لكن يأجوج و مأجوج، لا نحب أنك تظهر هذا القول، لأن فيه إشكالا، و فيه كذا و كذا، فقال شيخنا: سمعا و طاعة، و خروج يأجوج و مأجوج مذكور في القرآن و السنة، و ما دام أن هذا رأيكم فسمعا و طاعة . ثم لم يتكلم فيها الشيخ حتى توفّي، و لم يرجع عما كتبه فيها، أو يظهر خلاف كلامه السابق.

و في الأخير أشكر إخواني المشرفين و على رأسهم شيخنا الشيخ لزهر حفظه الله تعالى أن قبلوا عُضويتي في هذا المنتدى المبارك، و كذلك إخواني الأعضاء على ما يبذلونه من خير، خاصة أخي فتحي إدريس على نصائحه و توجيهاته فجزاه الله خيرًا.

-----------------------------------------
(١) يعني: إن كنت تريد موعدًا من السنة القادمة.
(٢) ورد ذلك في أحاديث كثيرة، منها ما رواه الترمذي(٣٩٧/٣)، من أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر المغيرة بن شعبة أن ينظر إلى مخطوبته فإنه أحرى أن يؤدم بينهما.


التعديل الأخير تم بواسطة شعبان معتوق ; 31 Aug 2015 الساعة 07:15 AM
رد مع اقتباس