عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 02 May 2008, 10:40 PM
ابومحمد بلال ابومحمد بلال غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر
المشاركات: 24
افتراضي

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:21)



.{ 21 } يا أيها الناس }: النداء هنا وجِّه لعموم الناس مع أن السورة مدنية؛ والغالب في السور المدنية أن النداء فيها يكون موجهاً للمؤمنين . والله أعلم بما أراد في كتابه؛ ولو قال قائل: لعل هذه آية مكية جعلت في السورة المدنية؟

فالجواب: أن الأصل عدم ذلك - أي عدم إدخال الآية المكية في السور المدنية، أو العكس؛ ولا يجوز العدول عن هذا الأصل إلا بدليل صحيح صريح؛ وعلى هذا فما نراه في عناوين بعض السور أنها مدنية إلا آية كذا، أو مكية إلا آية كذا غير مسلَّم حتى يثبت ذلك بدليل صحيح صريح؛ وإلا فالأصل أن السورة المدنية جميع آياتها مدنية، وأن السور المكية جميع آياتها مكية إلا بدليل ثابت..

قوله تعالى: { اعبدوا ربكم } أي تذللوا له بالطاعة؛ وذلك بفعل الأوامر، واجتناب النواهي ذلاً تاماً ناشئاً عن المحبة، والتعظيم؛ و "الرب" هو الخالق المالك المدبر لشؤون خلقه؛ { الذي خلقكم } أي أوجدكم من العدم؛ { والذين من قبلكم } معطوف على الكاف في قوله تعالى: { خلقكم } . يعني وخلق الذين من قبلكم؛ والمراد بـ "من قبلنا" : سائر الأمم الماضية..

وقوله تعالى: { الذي خلقكم } صفة كاشفة تبين بعض معنى الربوبية؛ وليست صفة احترازية؛ لأنه ليس لنا ربان أحدهما خالق، والثاني غير خالق؛ بل ربنا هو الخالق..

قوله تعالى: { لعلكم تتقون }؛ "لعل" هنا للتعليل . أي لتصلوا إلى التقوى؛ ومعلوم أن التقوى مرتبة عالية، حتى قال الله عزّ وجلّ في الجنة: {أعدت للمتقين} [آل عمران: 133] ، وقال تعالى: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} [النحل: 128] ، وقال تعالى: {واعلموا أن الله مع المتقين} [البقرة: 194] ..

الفوائد:

.1 من فوائد الآية: العناية بالعبادة؛ يستفاد هذا من وجهين؛ الوجه الأول: تصدير الأمر بها بالنداء؛ و الوجه الثاني: تعميم النداء لجميع الناس مما يدل على أن العبادة أهم شيء؛ بل إنّ الناس ما خُلقوا إلا للعبادة، كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات: 56)

.2 ومنها: أن الإقرار بتوحيد الربوبية مستلزم للإقرار بتوحيد الألوهية؛ لقوله تعالى: { اعبدوا ربكم }..

.3 ومنها: وجوب عبادة الله عزّ وجلّ وحده . وهي التي خُلق لها الجن، والإنس؛ و"العبادة" تطلق على معنيين؛ أحدهما: التعبد . وهو فعل العابد؛ و الثاني: المتعبَّد به . وهي كل قول، أو فعل ظاهر، أو باطن يقرب إلى الله عزّ وجلّ..

.4 ومنها: أن وجوب العبادة علينا مما يقتضيه العقل بالإضافة إلى الشرع؛ لقوله تعالى: { اعبدوا ربكم }؛ فإن الرب عزّ وجلّ يستحق أن يُعبد وحده، ولا يعبد غيره؛ والعجب أن هؤلاء المشركين الذين لم يمتثلوا هذا الأمر إذا أصابتهم ضراء، وتقطعت بهم الأسباب يتوجهون إلى الله، كما قال تعالى: {وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين} [لقمان: 32] ؛ لأن فطرهم تحملهم على ذلك ولابد..

.5 . ومن فوائد الآية: إثبات أن الله عزّ وجلّ هو الخالق وحده، وأنه خالق الأولين، والآخرين؛ لقوله تعالى: ( الذي خلقكم والذين من قبلكم )

.6 ومنها: أن من طريق القرآن أنه إذا ذَكر الحكم غالباً ذَكر العلة؛ الحكم: { اعبدوا ربكم }؛ والعلة: كونه رباً خالقاً لنا، ولمن قبلنا..

.7 ومنها: أن التقوى مرتبة عالية لا ينالها كل أحد إلا من أخلص العبادة لله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: (لعلكم تتقون )..

.8 وربما يستفاد التحذير من البدع؛ وذلك؛ لأن عبادة الله لا تتحقق إلا بسلوك الطريق الذي شرعه للعباد؛ لأنه لا يمكن أن نعرف كيف نعبد الله إلا عن طريق الوحي والشرع: كيف نتوضأ، كيف نصلي... يعني ما الذي أدرانا أن الإنسان إذا قام للصلاة يقرأ، ثم يركع، ثم يسجد... إلخ، إلا بعد الوحي..

.9 ومنها: الحث على طلب العلم؛ إذ لا تمكن العبادة إلا بالعلم؛ ولهذا ترجم البخاري . رحمه الله . على هذه المسألة بقوله: "باب: العلم قبل القول، والعمل ..


التعديل الأخير تم بواسطة ابومحمد بلال ; 09 May 2008 الساعة 06:29 PM
رد مع اقتباس