عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 28 Apr 2008, 08:29 PM
ابومحمد بلال ابومحمد بلال غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر
المشاركات: 24
افتراضي



(أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ) (البقرة:19) )يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:20)

.{ 19 } قوله تعالى: { أو كصيِّب من السماء }؛ { أو } هنا للتنويع؛ لأن المثل الثاني نوع آخر؛ والكاف اسم بمعنى "مِثل"؛ فالمعنى: أو مِثل صيب؛ ويجوز أن نقول: إن الكاف حرف تشبيه، والتقدير: أو مَثلهم كصيب؛ و "الصيِّب" المطر النازل من السماء؛ والمراد بـ{ السماء } هنا العلو..

قوله تعالى: { فيه ظلمات } أي معه ظلمات؛ لأن الظلمات تكون مصاحبة له؛ وهذه الظلمات ثلاث: ظلمة الليل؛ وظلمة السحاب؛ وظلمة المطر؛ والدليل على أنها ظلمة الليل قوله تعالى بعد ذلك: { يكاد البرق يخطف أبصارهم }، وقوله تعالى: { كلما أضاء لهم مشوا فيه }: وهذا لا يكون إلا في الليل؛ و الثاني: ظلمة السحاب؛ لأن السحاب الكثير يتراكم بعضه على بعض، فيَحدُث من ذلك ظلمةٌ فوق ظلمة؛ و الثالث: ظلمة المطر النازل ؛ لأن المطر النازل له كثافة تُحدِث ظلمةً؛ هذه ثلاث ظلمات؛ وربما تكون أكثر، كما لو كان في الجو غبار..

قوله تعالى: { ورعد وبرق }؛ "الرعد" هو الصوت الذي نسمعه من السحاب؛ أما "البرق" فهو النور الذي يلمع في السحاب..

فهؤلاء عندهم ظلمات في قلوبهم . فهي مملوءة ظلمة من الأصل؛ أصابها صيب . وهو القرآن . فيه رعد؛ والرعد هو وعيد القرآن؛ إلا أنه بالنسبة لهؤلاء المنافقين وخوفهم منه كأنه رعد شديد؛ وفيه برق . وهو وعد القرآن؛ إلا أنه بالنسبة لما فيه من نور، وهدى يكون كالبرق؛ لأن البرق ينير الأرض..

قوله تعالى: { يجعلون أصابعهم في آذانهم }؛ الضمير في { يجعلون } يعود على أصحاب الصيب؛ ففيها حذف المضاف؛ والتقدير: أصحاب الصيب؛ وإنما قلنا ذلك؛ لأنه ليس المشبه به هنا هو الصيب؛ وإنما المشبه به الذين أصابهم الصيب؛ و "أصابع" جمع أصبع، وفيه عشر لغات أشار إليها في قوله:.

(وهمزَ أنملةٍ ثلِّث وثالثَه التسعُ في إصبعٍ واختم بأصبوع) هذا وقد قيل: إن في الآية مجازاً من وجهين؛ الأول: أن الأصابع ليست كلها تجعل في الأذن؛ و الثاني: أنه ليس كل الأصبع يدخل في الأذن؛ والتحقيق: أنه ليس في الآية مجاز؛ أما الأول: فلأن "أصابع" جمع عائد على قوله تعالى: { يجعلون }، فيكون من باب توزيع الجمع على الجمع . أي يجعل كل واحد منهم أصبعه في أذنه؛ وأما الثاني: فلأن المخاطَب لا يمكن أن يفهم من جعْل الأصبع في الأذن أن جميع الأصبع تدخل في الأذن؛ وإذا كان لا يمكن ذلك امتنع أن تحمل الحقيقة على إدخال جميع الأصبع؛ بل الحقيقة أن ذلك إدخال بعض الأصبع؛ وحينئذ لا مجاز في الآية؛ على أن القول الراجح أنه لا مجاز في القرآن أصلاً؛ لأن معاني الآية تدرك بالسياق؛ وحقيقة الكلام: ما دلّ عليه السياق . وإن استعملت الكلمات في غير أصلها؛ وبحث ذلك مذكور في كتب البلاغة، وأصول الفقه، وأكبر دليل على امتناع المجاز في القرآن: أن من علامات المجاز صحة نفيه، وتبادر غيره لولا القرينة؛ وليس في القرآن ما يصح نفيه؛ وإذا وجدت القرينة صار الكلام بها حقيقة في المراد به..

قوله تعالى: { من الصواعق }؛ { من } سببية . أي يجعلونها بسبب الصواعق؛ و{ الصواعق } جمع صاعقة؛ وهي ما تَصعَق . أي تُهلك . مَنْ أصابته؛ هذه الصواعق معروفة بآثارها؛ فهي نار تنطلق من البرق؛ فإذا أصابت أحداً، أو شيئاً أحرقته؛ وغالباً تسقط على النخيل، وتحرقها؛ وترى فيها النار، والدخان؛ وأحياناً تسقط على المنازل وتهدمها؛ لأنها كتلة نارية تنطلق بشدة لها هواء تدفعه أمامها..

فيجعلون أصابعهم في آذانهم من هذه الصواعق لئلا يموتوا؛ ولكنهم لا ينجون منها بهذا الفعل؛ إلا أنهم كالنعامة إذا رأت الصياد أدخلت رأسها في الرمل لئلا تراه؛ وتظن أنها إذا لم تره تنجو منه! وكذلك الذين يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق لا يسلمون بهذا؛ إذا أراد الله تعالى أن يصيبهم أصابهم؛ ولهذا قال تعالى: { والله محيط بالكافرين }، فلن ينفعهم الحذر..

.{ 20 } ولما بَيَّن الله شدة الصوت، وأنهم لفرارهم منه، وعدم تحملهم إياه يجعلون أصابعهم في آذانهم بَيَّن شدة الضوء عليهم، فقال تعالى: { يكاد البرق يخطف أبصارهم } أي يقرب أن يخطف أبصارهم . أي يأخذها بسرعة، فتعمى؛ وذلك لقوته، وضعف أبصارهم..

قوله تعالى: { كلما أضاء لهم مشوا فيه }؛ فكأنهم ينتهزون فرصة الإضاءة، ولا يتأخرون عن الإضاءة طرفة عين؛ كلما أضاء لهم . ولو شيئاً يسيراً . مشوا فيه..

قوله تعالى: { وإذا أظلم عليهم } أي أصابهم بظلمة؛ وذلك أن الضوء إذا انطفأ بسرعة اشتدت الظلمة بعده؛ { قاموا } أي وقفوا..

قوله تعالى: { ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم } دون أن تحدث الصواعق، ودون أن يحدث البرق؛ لأن الله على كل شيء قدير؛ فهو قادر على أن يُذهب السمع والبصر بدون أسباب: فيذهب السمع بدون صواعق، والبصر بدون برق؛ { إن الله على كل شيء قدير }..

هذا المثل ينطبق على منافقين لم يؤمنوا أصلاً؛ بل كانوا كافرين من قبل، كاليهود؛ لأن المنافقين منهم عرب من الخزرج، والأوس؛ ومنهم يهود من بني إسرائيل؛ فاليهود لم يذوقوا طعم الإيمان أبداً؛ لأنهم كفار من الأصل؛ لكن أظهروا الإسلام خوفاً من النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أعزه الله في بدر؛ فهؤلاء ليسوا على هدًى . كالأولين؛ الأولون استوقدوا النار، وصار عندهم شيء من النور بهذه النار، ثم . والعياذ بالله . انتكسوا؛ لكن هؤلاء من الأصل في ظلمات؛ فيكون هذا المثل غير المثل الأول؛ بل هو لقوم آخرين؛ والمنافقون أصناف بلا شك..

و "الصواعق" عبارة عما في القرآن من الإنذار، والخوف؛ ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى عنهم في آية أخرى: {يحسبون كل صيحة عليهم} [المنافقون: 4] ؛ و "البرق" نور الإسلام، لكنه ليس نوراً يستمر؛ نور البرق ينقطع في لحظة؛ وميض؛ فهؤلاء لم يدخل الإيمان في قلوبهم أصلاً، ولا فكروا في ذلك؛ وإنما يرون هذا النور العظيم الذي شع، فينتفعون به لمجرد خطوة يخطونها فقط؛ وبعد ذلك يقفون؛ كذلك أيضاً يكاد البرق يخطف أبصارهم؛ لأنهم لا يتمكنون من رؤية النور الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؛ بل لكبريائهم، وحسدهم للعرب يكاد هذا البرق يعمي أبصارهم؛ لأنه قوي عليهم لا يستطيعون مدافعته، ومقابلته..

فالظاهر أن القول الراجح أن هذين مثلان يتنَزلان على صنفين من المنافقين..

فإن قال قائل: الصنف الأول كيف نقول: إنه دخل الإيمان في قلوبهم؟

فالجواب: نقول: نعم؛ قال الله تعالى: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون} [المنافقون: 3] ؛ وهذا يدل على أنهم آمنوا أولاً، ثم كفروا ثانياً؛ لأن الإيمان لم يستقر في قلوبهم، ولم تستنر به؛ وإنما هو وميض ضوء ما لبث أن طفئ؛ وإلا فإن الإيمان إذا دخل القلب دخولاً حقيقياً فإنه لن يخرج منه بإذن الله؛ ولهذا سأل هرقل أبا سفيان عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذين يدخلون في الإسلام: "فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فيه؛ فقال: لا؛ فقال: وَكَذَلِكَ الْإِيْمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ القُلوبَ"(65) ؛ لكن الإيمان الهش - الذي لم يتمكن من القلب - هو الذي يُخشى على صاحبه..

الفوائد:

.1 من فوائد الآيتين: تهديد الكفار بأن الله محيط بهم؛ لقوله تعالى: { والله محيط بالكافرين }..

.2 ومنها: أن البرق الشديد يخطف البصر؛ ولهذا يُنهى الإنسان أن ينظر إلى البرق حال كون السماء تبرق؛ لئلا يُخطف بصره..

.3 ومنها: أن من طبيعة الإنسان اجتناب ما يهلكه؛ لقوله تعالى:(وإذا أظلم عليهم قاموا)

.4 ومنها: إثبات مشيئة الله؛ لقوله تعالى: ( ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم )

.5 ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يلجأ إلى الله عزّ وجلّ أن يمتعه بسمعه، وبصره؛ لقوله تعالى: { ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم }؛ وفي الدعاء المأثور: "متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا"(66) ..

.6 ومنها: أن من أسماء الله أنه قدير على كل شيء..

.7 ومنها: عموم قدرة الله تعالى على كل شيء؛ فهو جلّ وعلا قادر على إيجاد المعدوم، وإعدام الموجود، وعلى تغيير الصالح إلى فاسد، والفاسد إلى صالح، وغير ذلك..

رد مع اقتباس