عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 27 Apr 2008, 11:24 PM
ابومحمد بلال ابومحمد بلال غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر
المشاركات: 24
افتراضي

(أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) (البقرة:16)


.{ 16 } قوله تعالى: { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى }؛ "أولاء" اسم إشارة؛ والمشار إليهم المنافقون؛ وجاءت الإشارة بصيغة البُعد لبُعد منزلة المنافق سفولاً؛ و{ اشتروا } أي اختاروا؛ و{ الضلالة }: العماية؛ وهي ما ساروا عليه من النفاق؛ و{ بالهدى }: الباء هنا للعوض؛ أخذوا الضلالة، وأعطوا الهدى . مثلما تقول: اشتريت الثوب بدرهم؛ فالهدى المدفوع عوض عن الضلالة المأخوذة، كما أن الدرهم المدفوع عوض عن الثوب المأخوذ..

قوله تعالى: { فما ربحت تجارتهم } أي ما زادت تجارتهم . وهي اشتراؤهم الضلالة بالهدى..

قوله تعالى: { وما كانوا مهتدين } أي ما كانوا متصفين بالاهتداء حينما اشتروا الضلالة بالهدى؛ بل هم خاسرون في تجارتهم ضالون في منهجهم..

الفوائد:

.1 من فوائد الآية: بيان سفه هؤلاء المنافقين، حيث اشتروا الضلالة بالهدى..

.2 ومنها: شغف المنافقين بالضلال؛ لأنه تبارك وتعالى عبر عن سلوكهم الضلال بأنهم اشتروه؛ والمشتري مشغوف بالسلعة محب لها..

.3 ومنها: أن الإنسان قد يظن أنه أحسنَ عملاً وهو قد أساء؛ لأن هؤلاء اشتروا الضلالة بالهدى ظناً منهم أنهم على صواب، وأنهم رابحون، فقال الله تعالى: { فما ربحت تجارتهم }..

.4 ومنها: خسران المنافقين فيما يطمعون فيه بالربح؛ لقوله تعالى: ( فما ربحت تجارتهم )..

.5 ومنها: أن المدار في الربح، والخسران على اتباع الهدى؛ فمن اتبعه فهو الرابح؛ ومن خالفه فهو الخاسر؛ ويدل لذلك قوله تعالى: {والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [العصر: 1 . 3] ، وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} [الصف: 10، 11] : تقف على {خير لكم} ؛ لأن {إن كنتم تعلمون} إذا وصلناها بما قبلها صار الخير معلقاً بكوننا نعلم . وهو خير علمنا أم لم نعلم..

.6 . ومن فوائد الآية: أن هؤلاء لن يهتدوا؛ لقوله تعالى: { وما كانوا مهتدين }؛ لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً؛ ولذلك لا يرجعون؛ وهكذا كل فاسق، أو مبتدع يظن أنه على حق فإنه لن يرجع؛ فالجاهل البسيط خير من هذا؛ لأن هذا جاهل مركب يظن أنه على صواب . وليس على صواب..

(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ) (البقرة:17) )صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (البقرة:18)


.{ 17 } قوله تعالى: { مثلهم } أي وصْفهم، وحالهم { كمثل الذي استوقد ناراً } أي طلب من غيره أن يوقد له ناراً، أو طلب من غيره ما يوقد به النار بنفسه؛ { فلما أضاءت ما حوله } أي أنارت ما حول المستوقد، ولم تذهب بعيداً لضعفها؛ { ذهب الله بنورهم } يعني: وأبقى حرارة النار؛ و "لما" حرف شرط، و{ أضاءت } فعل الشرط؛ و{ ذهب الله } جواب الشرط؛ والمعنى: أنه بمجرد الإضاءة ذهب النور؛ لأن القاعدة أن جواب الشرط يلي المشروط مباشرة..

وفي هذه الآية نجد اختلافاً في الضمائر: { استوقد }: مفرد؛ { حوله }: مفرد؛ { بنورهم }: جمع؛ { تركهم }: جمع؛ { لا يبصرون }: جمع؛ قد يقول قائل: كيف يجوز في أفصح الكلام أن تكون الضمائر مختلفة والمرجع فيها واحد؟ الجواب من وجهين:.

الأول: أن اسم الموصول يفيد العموم؛ وإذا كان يفيد العموم فهو صالح للمفرد، والجمع؛ فتكون الضمائر في { استوقد }، و{ حوله } عادت إلى اسم الموصول باعتبار اللفظ؛ وأما { نورهم }، و{ تركهم }، و{ لا يبصرون } فعادت إلى الموصول باعتبار المعنى..

الوجه الثاني: أن الذي استوقد النار كان مع رفقة، فاستوقد النار له، ولرفقته؛ ولهذا قال تعالى: { أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم... } إلخ..

وعلى الوجه الثاني تكون الآية ممثلة لرؤساء المنافقين مع أتباعهم؛ لأن رأس المنافقين هو الذي استوقد النار، وأراد أن ينفع بها أقرانه، ثم ذهبت الإضاءة، وبقيت الحرارة، والظلمة، وتركهم جميعاً في ظلمات لا يبصرون..

قوله تعالى: { وتركهم في ظلمات }: جمعها لتضمنها ظلمات عديدة؛ أولها: ظلمة الليل؛ لأن استيقاد النار للإضاءة لا يكون إلا في الليل؛ لأنك إذا استوقدت ناراً بالنهار فإنها لا تضيء؛ و الثانية: ظلمة الجو إذا كان غائماً؛ و الثالثة: الظلمة التي تحدث بعد فقد النور؛ فإنها تكون أشد من الظلمة الدائمة؛ و{ لا يبصرون } تأكيد من حيث المعنى لقوله تعالى: { في ظلمات } دال على شدة الظلمة..

.{ 18 } قوله تعالى في وصفهم: { صم } خبر لمبتدأ محذوف . أي هم صم؛ و{ صم } جمع أصم؛ و"الأصم" الذي لا يسمع، لكنه هنا ليس على سبيل الإطلاق؛ بل أريد به شيء معين: أي هم صم عن الحق، فلا يسمعون؛ والمراد نفي السمع المعنوي . وهو السمع النافع؛ لا الحسي . وهو الإدراك؛ لأن كلهم يسمعون القرآن، ويفهمون معناه، لكن لما كانوا لا ينتفعون به صاروا كالصم الذين لا يسمعون؛ وذلك مثل قول الله تعالى: {ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون}(الأنفال: 21).

قوله تعالى: { بُكْمٌ } جمع أبكم؛ وهو الذي لا ينطق؛ والمراد أنهم لا ينطقون بالحق؛ وإنما ينطقون بالباطل؛ و{ عُمْيٌ } جمع أعمى؛ والمراد أنهم لا ينتفعون بما يشاهدونه من الآية التي تظهر على أيدي الرسل . عليهم الصلاة والسلام..

فبهذا سُدت طرق الحق أمامهم؛ لأن الحق إما مسموع؛ وإما مشهود؛ وإما معقول؛ فهم لا يسمعون، ولا يشهدون؛ كذلك أيضاً لا يؤخذ منهم حق؛ لأنهم لا ينطقون بالحق؛ لأنهم بُكم؛ فهم لا ينتفعون بالحق من غيرهم، ولا ينفعون غيرهم بحق..

قوله تعالى: { فهم لا يرجعون }: الفاء هذه عاطفة، لكنها تفيد السببية . أي بسبب هذه الأوصاف الثلاثة لا يرجعون عن غيِّهم؛ فلا ينتفعون بسماع الحق، ولا بمشاهدته، ولا ينطقون به..

الفوائد:

.1 من فوائد الآيتين: بلاغة القرآن، حيث يضرب للمعقولات أمثالاً محسوسات؛ لأن الشيء المحسوس أقرب إلى الفهم من الشيء المعقول؛ لكن من بلاغة القرآن أن الله تعالى يضرب الأمثال المحسوسة للمعاني المعقولة حتى يدركها الإنسان جيداً، كما قال تعالى: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} [العنكبوت: 43] ..

.2 ومنها: ثبوت القياس، وأنه دليل يؤخذ به؛ لأن الله أراد منا أن نقيس حالهم على حال من يستوقد؛ وكل مثل في القرآن فهو دليل على ثبوت القياس..

.3 ومنها: أن هؤلاء المنافقين ليس في قلوبهم نور؛ لقوله تعالى: { كمثل الذي استوقد ناراً }؛ فهؤلاء المنافقون يستطعمون الهدى، والعلم، والنور؛ فإذا وصل إلى قلوبهم . بمجرد ما يصل إليها . يتضاءل، ويزول؛ لأن هؤلاء المنافقين إخوان للمؤمنين من حيث النسب، وأعمام، وأخوال، وأقارب؛ فربما يجلس إلى المؤمن حقاً، فيتكلم له بإيمان حقيقي، ويدعوه، فينقدح في قلبه هذا الإيمان، ولكن سرعان ما يزول..

.4 ومن فوائد الآيتين: أن الإيمان نور له تأثير حتى في قلب المنافق؛ لقوله تعالى: {فلما أضاءت ما حوله}: الإيمان أضاء بعض الشيء في قلوبهم؛ ولكن لما لم يكن على أسس لم يستقر؛ ولهذا قال تعالى في سورة المنافقين . وهي أوسع ما تحدَّث الله به عن المنافقين: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم} [المنافقون: 3] ..

.5 ومنها: أنه بعد أن ذهب هذا الضياء حلت الظلمة الشديدة؛ بل الظلمات..

.6 ومنها: أن الله تعالى جازاهم على حسب ما في قلوبهم: { ذهب الله بنورهم }، كأنه أخذه قهراً..

فإن قال قائل: أليس في هذا دليل على مذهب الجبرية؟

فالجواب: لا؛ لأن هذا الذي حصل من رب العباد عزّ وجلّ بسببهم؛ وتذكَّر دائماً قول الله تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} [الصف: 5] . حتى يتبين لك أن كل من وصفه الله بأنه أضله فإنما ذلك بسبب منه

.7 ومن فوائد الآيتين: تخلي الله عن المنافقين؛ لقوله تعالى: [ وتركهم]

ويتفرع على ذلك: أن من تخلى الله عنه فهو هالك . ليس عنده نور، ولا هدًى، ولا صلاح؛ لقوله تعالى: (وتركهم في ظلمات لا يبصرون )

.8 ومن فوائد الآيتين: أن هؤلاء المنافقين أصم الله تعالى آذانهم، فلا يسمعون الحق؛ ولو سمعوا ما انتفعوا؛ ويجوز أن يُنفى الشيء لانتفاء الانتفاع به، كما في قوله تعالى: {ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون} (الأنفال: 21)

.9 ومنها: أن هؤلاء المنافقين لا ينطقون بالحق . كالأبكم..

.10 ومنها: أنهم لا يبصرون الحق . كالأعمى..

.11 ومنها: أنهم لا يرجعون عن غيِّهم؛ لأنهم يعتقدون أنهم محسنون، وأنهم صاروا أصحاباً للمؤمنين، وأصحاباً للكافرين: هم أصحاب للمؤمنين في الظاهر، وأصحاب للكافرين في الباطن؛ ومن استحسن شيئاً فإنه لا يكاد أن يرجع عنه..

رد مع اقتباس