عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 19 Jan 2012, 10:37 PM
أم عبد الرحمن العاصمية أم عبد الرحمن العاصمية غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: الجزائر
المشاركات: 156
افتراضي

تابع لباب حسن الخلق
274- حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: " ما خُيِّرَ رسول الله- صلى الله عليه و سلم- بين أمرين إلا اختار أيسرَهما ما لم يكن إثمًا، فإذا كان إثما كان أبعد الناس منه. و ما انتقم رسول الله- صلى الله عليه و سلم- لنفسه،إلا أن تُنْتَهَكَ حرمة الله، فينتقم لله عز و جل بها ".

هذا الحديث فيه تفصيل في بعض ما أُجمِل في الحديث السابق
هذه الأخلاق التي تحلَّى بها نبينا- صلى الله عليه و سلم- و كان خير المتصفين بها.
"ما خُيِّرَ رسول الله- صلى الله عليه و سلم- بين أمرين إلا اختار أيسرَهما"

قال القاضي عياض: ويحتمل أن يكون تخييره صلى الله عليه وسلم هاهنا من الله تعالى فيخيره فيما فيه عقوبتان، أو فيما بينه وبين الكفار من القتال وأخذ الجزية، أو في حق أمته في المجاهدة في العبادة، أو الاقتصاد
و كان يختار الأيسر في كل هذا
يعني هذا يمكن فيما يخيره فيه ربه- جل و علا- و هذا من عظم قدر النبي-صلى الله عليه و سلم-
و التخيير هنا أعم حتى فيما يقع للنبي-صلى الله عليه و سلم- مع أصحابه، في سيرته إذا خُيِّر بين أمرين كان يختار الأيسر من باب عدم الحرج على الناس و من باب التيسير و التخفيف عليهم، لأن الله تعالى لما بعثه جعله لين الجانب، رءوفا رحيما، و من رأفته بهم يختار لهم دائما الأيسر و هذا أصل من أصول التشريع في العموم، أن التيسير من خصائص التشريع: التيسير في الأمور كلها، التيسير في الأحكام و المعاملات، ولكن لا ينبغي أن يفتح هذا الباب على مسراعيه و يتأول فيه المتأولة، فيلبسون على الناس من باب الأخذ بالأيسر فيقدمون الأقوال الضعيفة أو الشاذة على القول الصحيح الثابت بنص الكتاب و السنة الصحيحة.

- الأيسر: هو الذي لا يخرج عن هذا النص وهو موافقة الحق بموافقة الدليل.
- فهم هذا الحديث يكون بعمل ما كان عليه سلف هذه الأمة و لا يكون كمذهب بعض المنحرفين يقولون بأنه إذا وجد قول عالم في العلماء في مسألة ما و هذا القول هو أيسر الأقوال أخذنا به، وهذا يؤدي إلى الوقوع في فتنة تتبع الرخص و كان السلف ينهون عن هذا نهيا شديدا و كان بعضهم يقول:
" من تتبع رخص الفقهاء تزندق" بهذه الشبهة، و هذا المنهج تبناه محمد الغزالي في عصرنا هذا و سار عليه تلميذه الذي يسير على خطواته في الضلال و الغي ألا و هو القرضاوي فيقول بمثل هذا المذهب المنحرف و الشاذ، و لهذا تجد في بعض كتبه كالكتاب الذي سماه" الحلال و الحرام" و يصدق عليه أن يسمى " الحلال و الحلال" لأنه لم يحرم فيه شيئا مما حرَّم الله و رسوله- يعني في الغالب- و جاء إلى الأقوال الشاذة و الضعيفة و المرجوحة فقدمها على الأقوال القوية المعتمدة الراجحة، بحجة أن تلك الأقوال أيسر و أسهل على الناس. هذا ليس من دين الله-جل و علا- و لا من هدي رسول الله-صلى الله عليه و سلم-.
- الأيسر بالنسبة للنبي-صلى الله عليه و سلم- التشريع، تشريعٌ من بعده، لأنه "
لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى".
- أما من جاء بعد النبي- صلى الله عليه و سلم- فهو مطالب بالإتباع لا بالابتداع، مطالب بعدم الخروج عن نصوص الكتاب و السنة لا بالاعتقادات الباطلة و لا بالأقوال الشاذة و لا بالأعمال التي كانوا يتبرؤون منها أصحابه بحجة أن هذا أيسر و أن هذا أرفق بالناس. و لكن لن يكون أرحم بالناس و ألطف بهم من ربهم-جل و علا- فرحمته واسعة لذا كان تشريعه سمته السماحة و التيسير و رفع الحرج بل أصل من أصول الأحكام الشرعية رفع الحرج،
قال الله تعالى:" ما جعل عليكم في الدين من حرج".

- فهذا معنى قول "
ما خُيِّرَ رسول الله- صلى الله عليه و سلم- بين أمرين إلا اختار أيسرَهما" فيما كان أيسر على الناس و لم يكن فيه حرج و هذا منهج ينبغي أن يسير عليه الأئمة سواء ما كان منهم الحكام أو العلماء
الحكام عليهم أن يرأفوا برعيتهم و أمة النبي-صلى الله عليه و سلم-، و العلماء كذلك الواجب عليهم أن يرأفوا بالناس و يبينوا لهم الأيسر و الأسهل الذي لا يخرجون به عن نطاق الشرع و لا عن هدي النبي-صلى الله عليه و سلم-

-
"فإذا كان إثما كان أبعد الناس منه" يعني إذا خُيَِرَ بين أمرين و كان أحدهما إثما كان أبعد الناس منه يعني يتركه و لا يفعله بل و لا يشهده.

• كما جاء عن أحد الصحابة، النعمان بن بشير أنه أراد أن يُشهِد النبي- صلى الله عليه و سلم- على نِحلةٍ نَحَلها لأحد أبنائه أي-عطية- فقال له النبي-صلى الله عليه و سلم- أَكُلَُ ولدك نَحَلْتَهُ كما نَحَلْتَ هذا، قال: لا ، فقال النبي- صلى الله عليه و سلم- إذن لا أشهد على باطل، و انصرف و تركَه. أي أَشْهِدْ عليه غيري.

• و كان إذا جيء بالجنازة يسأل عن صاحبها هل ترك من دَيْن فإذا قيل نعم، قال: هل ترك من سداد لدينه، فإذا قالوا: نعم، صلى عليها و إذا قالوا: لا ، لا يصلي عليها النبي-صلى الله عليه و سلم- حتى يقوم أحد بالتسديد أي بتسديد الدَّيْن، و إن لم يكن أحد يقول: صلوا على صاحبكم.
-
" و ما انتقم رسول الله- صلى الله عليه و سلم- لنفسه" أي لم يكن انتقامه انتقاما ذاتيا ينتقم لنفسه إذا ظلم مثلا في شيء أو أٌخذ منه شيء إنما كان غضبه و انتقامه إذا انتهكت حرمة من حرمات الله تعالى ، فكان يغضب لذلك الغضب الشديد و ينتقم لذلك كذلك من باب القيام بأمر الله تعالى و ذلك ينبغي على كل مسلم.
- و لا شك أن النفوس ضعيفة فمن رحمة الله بنا أن بعث إلينا الرَُسلَ لِيُقَوِّمُوا لنا هذه النفوس لتكون حركاتها و سكناتها لرب العالمين لا لحظ من حظوظ النفس. و هذا من مكارم الأخلاق: مقابلة الإساءة بالإحسان، و مقابلة ما يؤذي به الناس غيرهم بكظم الغيض. و هذا كله من الأخلاق الكريمة.

الفـــــــــــــــــوائــــــــــــــــد:
1- التيسير سمة من سمات التشريع الإسلامي و صفة من صفات النبي-صلى الله عليه و سلم-، هذه الصفة كان يربي أصحابه عليها: فأبو موسى الأشعري و معاذ-رضي الله عنهما- لما بعثهما إلى اليمن قال:"
يسرا و لا تعسرا و بشرا و لا تنفرا"
و بداية الطريق هو العلم هو الذي يعلمنا طريق الوصول فمن أخطأ في هذا الطريق أخطأ سبيله.

2- المقصود بالاختيار بين الأمرين هنا، ما كان من تخييره-صلى الله عليه و سلم- في بعض المسائل التشريعية كأنواع العقوبات و منه كذلك ما تعلق من عموم التخيير في الأمور كلها، اختيار النبي-صلى الله عليه و سلم- الأيسر لأمته.

3- فيه بيان لمناقب النبي-صلى الله عليه و سلم- منها أنه ما عاقب أحد على مكروه أتاه، و أنس بن مالك-رضي الله عنه- الذي خدم النبي-صلى الله عليه و سلم- عشرة سنين،قال: ما انتهرني رسول الله قط و ما قال لي عن شيء فعلته لما فعلته؟ و لا لشيء لم أفعله لما لم تفعله؟
و عن عائشة-رضي الله عنها- قالت:"
ما ضرب رسول الله-صلى الله عليه و سلم- شيئا قط بيده و لا امرأة و لا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله، و ما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن يٌنتهك شيء من محارم الله فينتقم لله-عز و جل- " أخرجه مسلم

4- من مناقبه عفوه و حلمه و احتماله للأذى

5- الحث على هذه الخصال الكريمة، العفو و الحلم

6- وجوب الانتصار لله جل و علا و الغيرة على محارمه، هذا واجب على المؤمن يدل عليه قول النبي-صلى الله عليه و سلم:"
من رأى منكم منكرا فليغيره بيدهن فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان".

7- ترك الغضب و الانتقام للنفس و مجاهدتها حتى يكون الانتقام و الغضب لله وحده و هذا يحتاج إلى مجاهدة عظيمة و تزكية للنفوس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(274) صحيح: البخاري في المناقب (3560)، و مسلم في الفضائل(2327/77)، و أحمد(114/6)


التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الرحمن العاصمية ; 19 Jan 2012 الساعة 11:13 PM
رد مع اقتباس