عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 23 Nov 2015, 01:29 PM
أبو عبد السلام جابر البسكري أبو عبد السلام جابر البسكري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2014
المشاركات: 1,229
إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد السلام جابر البسكري
افتراضي اللَّهُمَّ غَبْطًا لا هبْطًا

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ غَبْطًا لا هبْطًا .


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أمابعد:

تعددت أسباب الهبوط في الأمة الإسلامية ،و هذا ما تعاني بسببه الذل والهوان و الوهن ، واختلف الناس في وصف هته الحالة وأسبابها فكثر المحللون ، ولكنهم عن الحقيقة غافلون ، فما هي أسباب غبطة الأمة وعزها ؟ فالتحليل الجدير بالذكر والتذكير هو من كلام ربنا وسنة نبينا وأقوال الصحابة وفهمهم ، وكذلك بالرجوع إلى العلماء واستنباطاتهم .

فهذه أسباب الهبوط إن عملها الناس غشيتهم الذلة و خسروا الدنيا والآخرة .

أولا: الكفر بالله تعالى : قال تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ }[الأعراف: 152]
معلوم أن الكافر والمشرك سيذله الله تعالى في الدنيا و كذلك يوم الحساب بسبب كفره وتكبره على الحق ، قال تعالى : { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين } [ الزمر: 60]. قال ابن كثير : أي : أليست جهنم كافية لها سجنا وموئلا لهم فيها دار الخزي والهوان ، بسبب تكبرهم وتجبرهم وإبائهم عن الانقياد للحق .
قال البغوي في تفسيره : ( وكذلك نجزي المفترين ) الكاذبين ، قال أبو قلابة هو - والله - جزاء كل مفتر إلى يوم القيامة أن يذله الله . قال سفيان بن عيينة : هذا في كل مبتدع إلى يوم القيامة .
من أسباب الذل البدع :
قال الشاطبي: (كلُّ من ابتدع في دين الله، فهو ذليل حقير بسبب بدعته، وإن ظهر لبادي الرأي عزُّه وجبروته، فهم في أنفسهم أذلاء. وأيضًا فإنَّ الذلة الحاضرة بين أيدينا موجودة في غالب الأحوال، ألا ترى أحوال المبتدعة في زمان التابعين، وفيما بعد ذلك؟ حتى تلبسوا بالسلاطين، ولاذوا بأهل الدنيا، ومن لم يقدر على ذلك، استخفى ببدعته، وهرب بها عن مخالطة الجمهور، وعمل بأعمالها على التقية) [ الاعتصام 1 / 167 ].
ومن أسباب الذل مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم :
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد اللهُ-تعالى- وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعل الذل والصغار على مَن خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم).[ صحيح الجامع رقم : 2831].
قال تعالى : {قُل إن كنتم تُحبُّون الله فاتَّبعوني يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفورٌ رحيمٌ} [آل عمران: 31].
ومن أسباب الذلة كذلك ترك طاعة الله وخاصة الصلاة التي هي من أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين:
قال تعالى : { خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ } [القلم: 43].
قال ابن السعدي رحمه الله تعالى : لا يستطيعون الانحناء، وهذا الجزاء ما جنس عملهم، فإنهم كانوا يدعون في الدنيا إلى السجود لله وتوحيده وعبادته وهم سالمون، لا علة فيهم، فيستكبرون عن ذلك ويأبون، فلا تسأل يومئذ عن حالهم وسوء مآلهم، فإن الله قد سخط عليهم، وحقت عليهم كلمة العذاب، وتقطعت أسبابهم، ولم تنفعهم الندامة ولا الاعتذار يوم القيامة، ففي هذا ما يزعج القلوب عن المقام على المعاصي، و[يوجب] التدارك مدة الإمكان.[ تفسير بن السعدي ].
ومن أسباب الذلة الدخول على أبواب السلاطين طمعا فيما عندهم.
عن أبي الأعور السلمي قال :“ إياكم و أبواب السلطان , فإنه قد أصبح صعبا هبوطا “ . [السلسلة الصحيحة “ 3 / 252].
( هبوطا ) أي ذلا . في “ النهاية “ : “ فيه : “ اللهم غبطا لا هبطا “ , أي نسألك الغبطة و نعوذ بك من الذل و الانحطاط و النزول . يقال : هبط هبوطا و أهبط غيره “ .
يقول ابن منظور في لسان العرب : غبط : الغبطة : حسن الحال . وفي الحديث : اللهم غبطا لا هبطا ؛ يعني نسألك الغبطة . ونعوذ بك أن نهبط عن حالنا . التهذيب : معنى قولهم غبطا لا هبطا أنا نسألك نعمة نغبط بها وألا تهبطنا من الحالة الحسنة إلى السيئة ، وقيل : معناه اللهم ارتفاعا لا اتضاعا ، وزيادة من فضلك لا حورا ونقصا ، وقيل : معناه أنزلنا منزلة نغبط عليها وجنبنا منازل الهبوط والضعة ، وقيل : معناه نسألك الغبطة وهي النعمة والسرور ، ونعوذ بك من الذل والخضوع . وفلان مغتبط أي في غبطة ، وجائز أن تقول مغتبط ، بفتح الباء . وقد اغتبط ، فهو مغتبط ، واغتبط فهو مغتبط ، كل ذلك جائز . والاغتباط : شكر الله على ما أنعم وأفضل وأعطى.. إهـ.
من أسباب الذل التكالب على الدنيا .
عن أبي أمامة الباهلي قال و رأى سكة و شيئا من آلة الحرث فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : “ لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله الله الذل “ .[ السلسلة الصحيحة” 1 / 14].
قال العلامة الألباني رحمه الله تعالى : التكالب على الدنيا يورث الذل... و قد وفق العلماء بين هذا الحديث و الأحاديث المتقدمة في المقال المشار إليه بوجهين اثنين : أ أن المراد بالذل ما يلزمهم من حقوق الأرض التي تطالبهم بها الولاة من خراج أو عشر , فمن أدخل نفسه في ذلك فقد عرضها للذل . قال المناوي في “ الفيض “ : “ و ليس هذا ذما للزراعة فإنها محمودة مثاب عليها لكثرة أكل العوافي منها , إذ لا تلازم بين ذل الدنيا و حرمان ثواب البعض “ . و لهذا قال ابن التين : “ هذا من أخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات , لأن المشاهد الآن أن أكثر الظلم إنما هو على أهل الحرث “ . ب أنه محمول على من شغله الحرث و الزرع عن القيام بالواجبات كالحرب و نحوه , و إلى هذا ذهب البخاري حيث ترجم للحديث بقوله : “ باب ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع , أو مجاوزة الحد الذي أمر به “ . فإن من المعلوم أن الغلو في السعي وراء الكسب يلهي صاحبه عن الواجب و يحمله على التكالب على الدنيا و الإخلاد إلى الأرض و الإعراض عن الجهاد , كما هو مشاهد من الكثيرين من الأغنياء . و يؤيد هذا الوجه قوله صلى الله عليه وسلم : “ إذا تبايعتم بالعينة , و أخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم “ .
من أسباب الذلة التنافس على الدنيا حتى يبغي بعضهم على بعض.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : “ سيصيب أمتي داء الأمم , فقالوا : يا رسول الله و ما داء الأمم ? قال : الأشر و البطر و التكاثر و التناجش في الدنيا و التباغض و التحاسد حتى يكون البغي “ . [السلسلة الصحيحة” 2 / 296]
ومن أسباب الذل ترك الجهاد في سبيل الله .
قال صلى الله عليه وسلم : “ إذا تبايعتم بالعينة , و أخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم “ .
وعن أبي بكر رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب “ .[ السلسلة الصحيحة “ 6 / 352].
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ أما بعد يا معشر قريش ! فإنكم أهل هذا الأمر ما لم تعصوا الله , فإذا عصيتموه بعث إليكم من يلحاكم كما يلحى هذا القضيب - لقضيب في يده “ . [السلسلة الصحيحة 4 / 69].
قال العلامة الألباني تعليقا على هذا الحديث في الصحيحة : ( يلحى ) : أي يقشر . و هذا الحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم , فقد استمرت الخلافة في قريش عدة قرون , ثم دالت دولتهم , بعصيانهم لربهم , و اتباعهم لأهوائهم , فسلط الله عليهم من الأعاجم من أخذ الحكم من أيديهم و ذل المسلمون من بعدهم , إلا ما شاء الله . و لذلك فعلى المسلمين إذا كانوا صادقين في سعيهم لإعادة الدولة الإسلامية أن يتوبوا إلى ربهم , و يرجعوا إلى دينهم , و يتبعوا أحكام شريعتهم , و من ذلك أن الخلافة في قريش بالشروط المعروفة في كتب الحديث و الفقه , و لا يحكموا آراءهم و أهواءهم , و ما وجدوا عليه أباءهم و أجدادهم , و إلا فسيظلون محكومين من غيرهم , و صدق الله إذ قال : { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } . و العاقبة للمتقين .إهـ
ولن تعوذ العزة والغبطة إلا بالرجوع إلى الدين وتحكيمه.
فالتمسك بالكتاب والسنة من أعظم أسباب الفلاح والنجاح في الدين والدنيا وهما سبب عزتنا.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما : كتاب الله و سنتي و لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ) [صحيح الجامع 2937 ].
لن تعود العزة إلا بالرجوع إلى ما كان عليه الصحابة من الدين وتعليمه وترك البدع والحزبيات والتفرق ، لن تعود العزة إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله تحت راية ولي الأمر لا تحت راية عصبية أو حزبية ، لن تعود العزة إلا بالرجوع إلى العلماء الربانيين في كل صغيرة وكبيرة ، وهذا كله داخل في الرجوع إلى الدين الذي اشترطه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ملخص المقال :
من أسباب الذلة :
1 -الكفر بالله والإشراك به .
2- البدع والخرفات .
3- مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم .
4 – ترك طاعة الله تعالى وأعظمها الصلاة .
5 – الدخول على أبواب السلاطين طمعا في دنياهم.
6 – التكالب على الدنيا والتنافس فيها.
7 – ترك الجهاد في سبيل الله .
ومن أسباب العزة الرجوع إلى الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة.


اللَّهُمَّ غَبْطًا لا هبْطًا لهذه الأمة ، يعز فيها أولياؤك ويذل فيها أعدائك.

كتبه وجمعه : أبو عبد السلام جابر البسكري
الإثنين 11 صفر1437 هجري


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد السلام جابر البسكري ; 23 Nov 2015 الساعة 04:08 PM
رد مع اقتباس