عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 21 Aug 2013, 11:34 PM
عبد العزيز بوفلجة عبد العزيز بوفلجة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 227
افتراضي نبذة مختصرة عن حقيقة مذهب الطائفة الأشعرية في الصفات السبع العقلية

بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم

نبذة مختصرة عن حقيقة مذهب الطائفة الأشعرية في الصفات السبع العقلية


يدعي الأشعرية إثبات صفات سبع عقلية, وهي: العلم, والإرادة, والقدرة, والحياة, والكلام, والسمع, والبصر, ويزعمون أن العقل قد دل عليها, مع اختلاف فيما بينهم في دلالة العقل على الكلام, والسمع, والبصر؛ إذ أن من أئمتهم من قدح في دلالة العقل عليها, وزعم أن لا دلالة عليها سوى السمع, وهو الإجماع عندهم.

وليس هذا المقصود, إنما المقصود بيان دعواهم العريضة في إثبات حقيقة هذه الصفات, وأحكامها؛ إذ من المعلوم والمتقرر في باب الصفات أن ثبوت هذه الصفات يقتضي ثبوت أحكامها في الخارج؛ بيانه:

أن من أثبت العلم صفة لله عزوجل, لزم منه إثبات حكمه في الخارج, وهو أن الله تعالى يعلم بعلم قائم بذاته, يتجدد عند وجود المعلومات المستقبلية, فهو سبحانه وتعالى يعلم الشيء كائنا بعد وجوده, مع علمه السابق قبل وجوده, كما قال تعالى: (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) سورة البقرة الآية(143), وقوله تعالى: (فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) العنكبوت الآية(3), وقال تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم) محمد الآية(31), وأمثال ذلك كثير.

ومن أثبت الكلام صفة قائمة بذات الرب تعالى, لزم منه إثبات حكمه في الخارج, وهو أنه تعالى يتكلم بكلام قائم بذاته, ويكلم من يشاء من خلقه, متى شاء, كيف يشاء, بكلام هو حرف وصوت, يسمعه من قرب, كما يسمعه من بعد, كما قال تعالى: (ولما جاء موسى لميقتنا وكلمه ربه) الأعراف الآية(143), وقال تعالى: (فلما آتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن) الآية. القصص الآية(30).

قال ابن تيمية: (والقرآن والسنة, وكلام السلف قاطبة يقتضي أنه إنما ناداه وناجاه حين أتى, لم يكن النداء موجودا قبل ذلك, فضلا عن أن يكون قديما أزليا) جامع الرسائل(2/12).

ومن أثبت السمع صفة قائمة بذات الرب تعالى, لزم منه إثبات حكمه في الخارج, وهو أنه تعالى يسمع بسمع, يتجدد عند وجود المسموعات, كما قال تعالى: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) المجادلة الآية(1), فسمعه لها سبحانه وتعالى كان بعدما جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها.

قال ابن تيمية الإمام: (أخبر أنه يسمع تحاورهما حين كانت تجادل, وتشتكي إلى الله) جامع الرسائل(2/16).

ومن أثبت البصر صفة قائمة بذات الرب تعالى, لزم منه إثبات حكمه في الخارج؛ وهو أنه سبحانه تعالى يبصر ببصر, قائم به سبحانه وتعالى, يتجدد له وجه البصر عند وجود المبصرات, كما قال تعالى: (إنني معكما أسمع وأرى) طه الآية(46), وقوله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) التوبة(1050).
فال ابن تيمية الإمام: (...(فسيرى الله): دليل على أنه يراها بعد نزول هذه الآية الكريمة) جامع الرسائل(2/15).

وهكذا سائر الصفات, وهذه المسألة لها تعلق بالصفات الاختيارية, التي تقوم بالرب تعالى, وتتعلق بمشيئته, وقدرته, ولما كان من أصل مذهب الأشعرية نفي أن يقوم بالرب تعالى صفة تتعلق بمشيئته وقدرته, لامتناع قيام الحوادث بذاته؛ لأنها بزعمهم من صفات الأجسام, والله تعالى على مذهبهم ليس بجسم, ادعوا إثبات هذه الصفات, لكن نفوا أحكامها ومتعلقاتها:

فقالوا: إن الرب تعالى متصف بالعلم, لكن لا يتجدد له وجه العلم عند وجود المعلومات المستقبلية, فهو يعلم بعلم واحد, أزلي قديم, كما أنه متكلم بكلام واحد أزلي قديم, هو أمر, ونهي, وخبر, واستخبار, ووعد ووعيد, وهو ما يعبرون عنه بالكلام النفسي, ويسمع ويبصر بسمع وبصر أزلييين, قديميين, لا يتجدد له وجه السمع والبصر, عند وجود المبصرات, والمسموعات, وهكذا سائر الصفات الأخرى من القدرة, والإرادة, ونحوها.

يقول الجويني: ((كلام الله تعالى واحد, وهو متعلق بجميع متعلقاتها, وكذلك القول في سائر صفاته, وهو العالم بجميع المعلومات بعلم واحد, والقادر على جميع المقدورات بقدرة واحدة, وكذلك القول في الحياة والسمع والبصر والإرادة)) الإرشاد(ص136).

ويقول الشهرستاني: ((قال -يعني الأشعري-: وعلمه واحد يتعلق بجميع المعلومات: المستحيل, والجائز, والواجب, والموجود, والمعدوم, وقدرته واحدة تتعلق بجميع ما يصلح وجوده من الجائزات, وإرادته واحدة تتعلق بجميع ما يقبل الاختصاص, وكلامه واحد هو: أمر, ونهي, وخبر, واستخبار, ووعد, ووعيد, وهذه الوجوه ترجع إلى اعتبارات في كلامه, لا إلى عدد في نفس الكلام)) الملل والنحل(1/68).

ويقول أيضاً: ((قال الشيخ أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه على طريقته لا يتجدد لله تعالى حكم, ولا يتعاقب عليه حال, ولا تتجدد له صفة, بل هو تعالى متصف بعلم واحد قديم متعلق بما لم يزل ولا يزال, وهو محيط بجميع المعلومات على تفاصيلها من غير تجدد وجه العلم, أو تجدد تعلق, أو تجدد حال لقدمه, والقدم لا يتغير ولا يتجدد له حال...وكما لا تتغير ذاته بتغير الأزمنة, لا يتغير علمه بتجدد المعلومات...وكذلك تعلقات جميع الصفات الأزلية, فلا نقول يتجدد عليها حال بتجدد حال المتعلق)) نهاية الإقدام(ص218).

وقال ابن تيمية في القول الأول من هذه المسألة: (أحدها: أنه يعلم المستقبلات بعلم قديم لازم لذاته, ولا يتجدد له عند وجود المعلومات نعت ولا صفة, وإنما يتجدد مجرد التعلق بين العلم والمعلوم, وهذا قول طائفة من الصفاتية؛ من الكلابية والأشعرية.....) جامع الرسائل(2/177).

فهذا هو حقيقة مذهبهم, فأين دعواهم العريضة أنهم يثبتون صفات سبع عقلية؛ إذ لا حقيقة لهذا الإثبات عندهم إلا مجرد هذه الدعوى الباطلة, فلم يبق مع القوم إذا دعوى الإثبات لحقيقة هذه الصفات, ومن غير الإنصاف والعدل أن يطلق القول بأنهم مثبتون لحقيقة هذه الصفات, بل هم معطلة نفاة؛ إذ العبرة بالحقائق والمعاني, وليس بالأسماء والدعاوي.

فهذه لمحة مختصرة, أردت منها بيان حقيقة مذهب هؤلاء القوم في هذه الصفات, وإلا فإن المسألة طويلة الذيل, متشعبت الأطراف, وهي تعتبر من دقائق المسائل, وخاصة ما يتعلق بمسألة العلم, لكن على طالب العلم بذل الجهد في معرفة الحق, مع الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأنه وحده الهادي إلى سواء السبيل.
والحمد لله رب العالمين


التعديل الأخير تم بواسطة عبد العزيز بوفلجة ; 21 Aug 2013 الساعة 11:42 PM
رد مع اقتباس