عرض مشاركة واحدة
  #30  
قديم 20 Jan 2020, 03:03 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي





الهداية وما أدراك ما الهداية، كلمة، حروفها قليلة، ومنافعها كثيرة، وعليها مدار سعادة الإنسان أو شقائه في هذه الحياة. ولهذا كان النبيّ محمد وجميع الأنبياء والرُّسل (عليهم من الله أفضل الصّلاة وأزكى التّسليم)، يعتنون بـإصلاح النّاس ويصبرون على هذه الوظيفة الشّاقّة، وقد تكبّدوا الصِّعاب، ولاقوا من أقوامهم أشدّ الأذى والعذاب.
وإصلاح النّاس، لايتقنه إلاّ مَن هيّأه الله لهذه المهمّة الثّقيلة، يحمل عبئًا، يسعد به غيره، رجاء ثوابٍ من الله، يحقّق له به سعادة أبديّة، لاشقاء بعدها ولا عناء.

وأجمل ما أختم به موضوعي هذا، ختامًا، بحجم الموضوع الأصلي في الأهميّة وأكثر بكثير، وإن كان من المفروض أن يأتي أوّله، وقد عدتُ بالقرّاء إلى الوراء، لكن بشيء من التّفصيل المبدع في الوصف والتدقيق للمعاني، من الإمام العلاّمة ابن قيم الجوزية رحمه الله. يتطرّق إلى الهداية وأقسامها، أذكر مثلاً من كتاب: شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل/الباب الرّابع عشر:

في الهدى والضلال ومراتبهما والمقدور منهما للخلق وغير المقدور لهم

يقول الإمام ابن القيّم رحمه الله:

[ هذا المذهب هو قلب أبواب القدر ومسائله. فإنّ أفضل ما يقدر الله لعبده وأجلّ ما يقسّمه له: الهدى، وأعظم ما يبتليه به ويقدره عليه: الضلال . وكلّ نعمة دون نعمة الهدى وكلّ مصيبة دون مصيبة الضلال. وقد اتّفقت رسل الله من أوّلهم إلى آخرهم وكتبه المنزلة عليهم على أنّه سبحانه يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء، وأنّه مَن يهده الله فلا مضل له ومَن يضلل فلا هادي له، وأنّ الهدى والإضلال بيده، لا بيد العبد، وأنّ العبد هو الضال أو المهتدي. فالهداية والإضلال فعله سبحانه وقدره والاهتداء والضلال فعل العبد وكسبه. ولا بد قبل الخوض في تقرير ذلك من ذكر مراتب الهدى والضلال في القرآن.
فأّمّا مراتب الهدى فأربعة:

- إحداها: الهدى العام وهو هداية كل نفس إلى مصالح معاشها وما يقيمها وهذا أعم مراتبه.

-المرتبة الثانية: الهدى بمعنى البيان والدلالة والتعليم والدعوة إلى مصالح العبد في معاده وهذا خاص بالمكلّفين وهذه المرتبة أخص من المرتبة الأولى وأعم من الثالثة.

-المرتبة الثالثة: الهداية المستلزمة للاهتداء وهي هداية التوفيق ومشيئة الله لعبده الهداية، وخلقه دواعي الهدى، وإرادته والقدرة عليه للعبد. وهذه الهداية التي لا يقدر عليها إلا الله عز وجل.

-المرتبة الرابعة: الهداية يوم المعاد إلى طريق الجنة والنار.

* (فصل)

-فأما المرتبة الأولى فقد قال سبحانه: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلى الَّذِي خَلَقَ فَسَوّى والَّذِي قَدَّرَ فَهَدى
فذكر سبحانه أربعة أمور عامة: الخلق والتسوية والتقدير والهداية. وجعل التسوية من تمام الخلق والهداية من تمام التقدير. قال عطاء "خلق فسوى أحسن ما خلقه وشاهده قوله تعالى: ﴿الَّذِي أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُفإحسان خلقه يتضمن تسويته وتناسب خلقه وأجزائه بحيث لم يحصل بينها تفاوت يخلّ بالتناسب والاعتدال. فالخلق الإيجاد والتسوية إتقانه وإحسان خلقه"

وقال الكلبي "خلق كل ذي روح فجمع خلقه وسواه باليدين والعينين والرجلين"

وقال مقاتل" خلق لكل دابة ما يصلح لها من الخلق"

وقال أبو إسحاق "خلق الإنسان مستويا" وهذا تمثيل وإلاّ فالخلق والتسوية شامل للإنسان وغيره قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وما سَوّاها﴾ وقال: ﴿فَسَوّاهُنَّ سَبْعَ سَماوات﴾. فالتسوية شاملة لجميع مخلوقاته: ﴿ما تَرى في خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفاوُتٍ﴾ وما يوجد من التفاوت وعدم التسوية فهو راجع إلى عدم إعطاء التسوية للمخلوق. فإنّ التسوية أمر وجودي تتعلق بالتأثير والإبداع فما عدم منها فلعدم إرادة الخالق للتسوية، وذلك أمر عدمي يكفي فيه عدم الإبداع والتأثير، فتأمل ذلك، فإنّه يزيل عنك الإشكال في قوله: ﴿ما تَرى في خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفاوُتٍ﴾، فـالتفاوت حاصل بسبب عدم مشيئة التسوية كما أنّ الجهل والصمم والعمى والخرس والبكم يكفي فيها عدم مشيئة خلقها وإيجادها وتمام هذا يأتي إن شاء الله في باب دخول الشر في القضاء عند قول النبي ﷺ: "والشر ليس إليك"
والمقصود أنّ كل مخلوق فقد سوّاه خالقه سبحانه في مرتبة خلقه وإن فاتته التسوية من وجه آخر لم يخلق له.

* (فصل)

وأمّا التقدير والهداية فقال مقاتل "قدر خلق الذكر والأنثى فهدى الذكر للأنثى كيف يأتيها"
وقال ابن عباس والكلبي وكذلك قال عطاء "قدر من النسل ما أراد ثم هدى الذكر للأنثى" واختار هذا القول صاحب النظم فقال: "معنى هدى: هداية الذكر لإتيان الأنثى كيف يأتيها" لأنّ إتيان ذكران الحيوان لإناثه مختلف لاختلاف الصور والخلق والهيآت فلولا أنّه سبحانه جبل كلّ ذكر على معرفة كيف يأتي أنثى جنسه لما اهتدى لذلك، وقال مقاتل أيضا: "هداه لمعيشته ومرعاه"

وقال السدي: "قدر مدة الجنين في الرحم ثم هداه للخروج"

وقال مجاهد: "هدى الإنسان لسبيل الخير والشر والسعادة والشقاوة"

وقال الفراء: "التقدير فهدى وأضل فاكتفى من ذكر أحدهما بالآخر".

قلت: الآية أعمّ من هذا كلّه وأضعف الأقوال فيها قول الفراء.
إذا المراد هاهنا الهداية العامة لمصالح الحيوان في معاشه ليس المراد هداية الإيمان والضلال بمشيئته وهو نظير قوله: ﴿رَبُّنا الَّذِي أعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى﴾، فـإعطاء الخلق: إيجاده في الخارج والهداية: التعليم والدلالة على سبيل بقائه وما يحفظه ويقيمه. وما ذكر مجاهد فهو تمثيل منه لا تفسير مطابق للآية. فإنّ الآية شاملة لهداية الحيوان كلّه ناطقه وبهيمه طيره ودوابه فصيحه وأعجمه. وكذلك قول مَن قال أنّه هداية الذكر لإتيان الأنثى: تمثيل أيضا وهو فرد واحد من أفراد الهداية التي لا يحصيها إلا الله، وكذلك قول مَن قال هداه للمرعى: فإنّ ذلك من الهداية، فإنّ الهداية إلى التقام الثدي عند خروجه من بطن أمه والهداية إلى معرفته أمّه دون غيرها حتى يتبعها أين ذهبت والهداية إلى قصد ما ينفعه من المرعى دون ما يضرّه منه. وهداية الطير والوحش والدواب إلى الأفعال العجيبة التي يعجز عنها الإنسان كـهداية النحل إلى سلوك السبل التي فيها مراعيها على تباينها ثم عودها إلى بيوتها من الشجر والجبال وما يغرس بنو آدم.

وأمر النحل في هدايتها من أعجب العجب وذلك أنّ لها أميرا ومدبرا وهو اليعسوب وهو أكبر جسما من جميع النحل وأحسن لونا وشكلا، وإناث النحل تلد في إقبال الربيع، وأكثر أولادها يكن إناثا وإذا وقع فيها ذكر لم تدعه بينها، بل إما أن تطرده وإما أن تقتله إلا طائفة يسيرة منها تكون حول الملك. وذلك أنّ الذكر منها لا تعمل شيئا ولا تكسب ثم تجمع الأمهات وفراخها عند الملك فيخرج بها إلى المرعى من المروج والرياض والبساتين والمراتع في أقصد الطرق وأقربها فيجتني منها كفايتها، فيرجع بها الملك فإذا انتهوا إلى الخلايا وقف على بابها ولم يدع ذكرا ولا نحلة غريبة تدخلها. فإذا تكامل دخولها دخل بعدها وتواجدت النحل على مقاعدها وأماكنها، فيبتدئ الملك بالعمل كأنّه يعلمها إيّاه، فيأخذ النحل في العمل ويتسارع إليه ويترك الملك العمل ويجلس ناحية بحيث يشاهد النحل فيأخذ النحل في إيجاد الشمع من لزوجات الأوراق والأنوار ثم تقتسم النحل فرقا، فمنها فرقة تلزم الملك ولا تفارقه ولا تعمل ولا تكسب وهم حاشية الملك من الذكورة ومنها فرقة تهيئ الشمع وتصنعه والشمع هو ثفل العسل وفيه حلاوة كحلاوة التين وللنحل فيه عناية شديدة فوق عنايتها بالعسل، فينظفه النحل ويصفيه ويخلصه مما يخالطه من أبوالها وغيرها. وفرقة تبني البيوت وفرقة تسقي الماء وتحمله على متونها وفرقة تكنس الخلايا وتنظفها من الأوساخ والجيف والزبل. وإذا رأت بينها نحلة مهينة بطالة قطعها وقتلها حتى لا تفسد عليهن بقية العمال وتعديهن ببطالتها ومهانتها.
وأول ما يبنى في الخلية: مقعد الملك وبيته ، فيبنى له بيتا مربعا يشبه السرير والتخت فيجلس عليه ويستدير حوله طائفة من النحل يشبه الأمراء والخدم والخواص لا يفارقنه. ويجعل النحل بين يديه شيئا يشبه الحوض يصب فيه من العسل أصفى ما يقدر عليه ويملأ منه الحوض يكون ذلك طعاما للملك وخواصه ثم يأخذن في ابتناء البيوت على خطوط متساوية كأنها سكك ومحال وتبنى بيوتها مسدسة متساوية الأضلاع كأنها قرأت كتاب أقليدس حتى عرفت أوفق الأشكال لبيوتها لأن المطلوب من بناء الدور هو الوثاقة والسعة. والشكل المسدس دون سائر الأشكال إذا انضمت بعض أشكاله إلى بعض صار شكلا مستديرا كاستدارة الرحى ولا يبقى فيه فروج ولا خلل ويشد بعضه بعضا حتى يصير طبقا واحدا محكما لا يدخل بين بيوته رؤوس الإبر. فـتبارك الذي ألهمها أن تبني بيوتها هذا البناء المحكم الذي يعجز البشر عن صنع مثله، فعلمت أنها محتاجة إلى أن تبني بيوتها من أشكال موصوفة بصفتين
- إحداهما: أن لا يكون زواياها ضيقة حتى لا يبقى الموضع الضيق معطلا.
-الثانية: أن تكون تلك البيوت مشكلة بأشكال إذا انضم بعضها إلى بعض وامتلأت العرصة منها فلا يبقى منها ضائعا ثم إنها علمت أنّ الشكل الموصوف بهاتين الصفتين هو المسدس فقط. فإنّ المثلثات والمربعات وإن أمكن امتلاء العرصة منها إلاّ أنّ زواياها ضيقة وأمّا سائر الأشكال وإن كانت زواياها واسعة إلاّ أنها لا تمتلئ العرصة منها بل يبقى فيما بينها فروج خالية ضائعة.

وأما المسدس فهو موصوف بهاتين الصفتين. فـهداها سبحانه على بناء بيوتها على هذا الشكل من غير مسطر ولا آلة ولا مثال يحتذى عليه، وأصنع بني آدم لا يقدر على بناء البيت المسدس إلا بالآلات الكبيرة. فـتبارك الذي هداها أن تسلك سبل مراعيها على قوتها، وتأتها ذللا لا تستعصي عليها ولا تضل عنها، وأن تجتني أطيب ما في المرعى وألطفه وأن تعود إلى بيوتها الخالية فتصب فيها شرابا مختلفا ألوانه (فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون)

فإذا فرغت من بناء البيوت خرجت خماصا تسيح سهلا وجبلا فأكلت من الحلاوات المرتفعة على رؤوس الأزهار وورق الأشجار فترجع بطانا. وجعل سبحانه في أفواهها حرارة منضجة، تنضج ما جنته فتعيده حلاوة ونضجا ثم تمجه في البيوت حتى إذا امتلأت ختمتها وسدت رؤوسها بالشمع المصفى، فإذا امتلأت تلك البيوت عمدت إلى مكان آخر إن صادفته، فاتخذت فيه بيوتا وفعلت كما فعلت في البيوت الأولى. فإذا برد الهوى وأخلف المرعى وحيل بينها وبين الكسب لزمت بيوتها واغتذت بما ادخرته من العسل وهي في أيام الكسب والسعي تخرج بكرة وتسيح في المراتع وتستعمل كل فرقة منها بما يخصها من العمل فإذا أمست رجعت إلى بيوتها وإذا كان وقت رجوعها وقف على باب الخلية بواب منها ومعه أعوان، فكل نحلة تريد الدخول يشمها البواب ويتفقدها فإن وجد منها رائحة منكرة أو رأى بها لطخة من قذر، منعها من الدخول وعزلها ناحية إلى أن يدخل الجميع، فيرجع إلى المعزولات الممنوعات من الدخول فيتفقدهن ويكشف أحوالهن مرة ثانية. فمن وجده قد وقع على شيء منتن أو نجس، قدّه نصفين ومَن كانت جنايته خفيفة تركه خارج الخلية هذا دأب البواب كل عشية.

وأما الملك فلا يكثر الخروج من الخلية إلا نادرا إذا اشتهى التنزه فيخرج ومعه أمراء النحل والخدم فيطوف في المروج والرياض والبساتين ساعة من النهار ثم يعود إلى مكانه.

ومن عجيب أمره أنّه ربّما لحقه أذى من النحل أو من صاحب الخلية أو من خدمه، فيغضب ويخرج من الخلية ويتباعد عنها ويتبعه جميع النحل وتبقى الخلية خالية، فإذا رأى صاحبها ذلك وخاف أن يأخذ النحل ويذهب بها إلى مكان آخر، احتال لاسترجاعه وطلب رضاه، فيتعرف موضعه الذي صار إليه بالنحل، فيعرفه باجتماع النحل إليه، فإنها لا تفارقه وتجتمع عليه حتى تصير عليه عنقودا وهو إذا خرج غضبا، جلس على مكان مرتفع من الشجرة وطافت به النحل وانضمت إليه حتى يصير كالكرة فيأخذ صاحب النحل رمحا أو قصبة طويلة ويشد على رأسه حزمة من النبات الطيب الرائحة العطر النظيف ويدنيه إلى محل الملك ويكون معه إما مزهر أو يراع أو شيء من آلات الطرب فيحركه وقد أدنى إليه ذلك الحشيش، فلا يزال كذلك إلى أن يرضى الملك، فإذا رضي وزال غضبه، طفر ووقع على الضغث وتبعه خدمه وسائر النحل فيحمله صاحبه إلى الخلية، فينزل ويدخلها هو وجنوده. ولا يقع النحل على جيفة ولا حيوان ولا طعام. ومن عجيب أمرها أنها تقتل الملوك الظلمة المفسدة، ولا تدين لطاعتها، والنحل الصغار المجتمعة الخلق هي العسالة وهي تحاول مقاتلة الطوال القليلة النفع وإخراجها ونفيها عن الخلايا. وإذا فعلت ذلك جاد العسل وتجتهد أن تقتل ما تريد قتلها خارج الخلية صيانة للخلية عن جيفته. ومنها صنف قليل النفع كبير الجسم وبينها وبين العسالة حرب فهي تقصدها وتغتالها وتفتح عليها بيوتها وتقصد هلاكها والعسالة شديدة التيقظ والتحفظ منها، فإذا هجمت عليها في بيوتها، حاولتها وألجأتها إلى أبواب البيوت فتتلطخ بالعسل فلا تقدر على الطيران ولا يفلت منها الآكل طويل العمر. فإذا انقضت الحرب وبرد القتال عادت إلى القتلى فحملتها وألقتها خارج الخلية.
وقد ذكرنا أنّ الملك لا يخرج إلاّ في الأحايين، وإذا خرج خرج في جموع من الفراخ والشبان، وإذا عزم على الخروج ظل قبل ذلك اليوم أو يومين يعلم الفراخ وينزلها منازلها ويرتبها، فيخرج ويخرجن معه على ترتيب ونظام قد دبّره معهن لا يخرجن عنه، وإذا تولدت عنده ذكران عرف أنهن يتطلبن الملك، فيجعل كل واحد منهم على طائفة من الفراخ ولا يقتل ملك منها ملكا آخر لما في ذلك من فساد الرعية وهلاكها وتفرقها، وإذا رأى صاحب الخلية الملوك قد كثرت في الخلية وخاف من تفرّق النحل بسببهم، احتال عليهم وأخذ الملوك كلّها إلاّ واحدا ويحبس الباقي عنده في إناء ويدع عندهم من العسل ما يكفيهم حتى إذا حدث بـالملك المنصوب حدث مرض أو موت أو كان مفسدا، فقتلته النحل، أخذ من هؤلاء المحبوسين واحدا وجعله مكانه لئلاّ يبقى النحل بلا ملك، فيتشتت أمرها.

ومن عجيب أمرها أنّ الملك إذا خرج متنزّها ومعه الأمراء والجنود، ربّما لحقه إعياء فتحمله الفراخ، وفي النحل كرام عمال لها سعي وهمة واجتهاد وفيها لئام كسالى قليلة النفع مؤثرة للبطالة. فـالكرام دائما تطردها وتنفيها عن الخلية ولا تساكنها خشية أن تعدي كرامها وتفسدها.
والنحل من ألطف الحيوان وأنقاه ولذلك لا تلقي زبلها إلاّ حين تطير. وتكره النتن والروائح الخبيثة. وأبكارها وفراخها أحرس وأشد اجتهادا من الكبار وأقل لسعا وأجود عسلا، ولسعها إذا لسعت أقلّ ضررا من لسع الكبار.
ولمّا كانت النحل من أنفع الحيوان وأبركه قد خصّت من وحي الربّ تعالى وهدايته لما لم يشركها فيه غيرها. وكان الخارج من بطونها مادة الشفاء من الأسقام والنّور الذي يضيء في الظلام بمنزلة الهداة من الأنام كان أكثر الحيوان أعداء وكان أعداؤها من أقلّ الحيوان منفعة وبركة وهذه سُنّة الله في خلقه وهو العزيز الحكيم.

....يتبع...إن شاء الله...

الصور المرفقة
 
رد مع اقتباس