الموضوع
:
الصّيام وتعظيم الله.
عرض مشاركة واحدة
#
1
26 Apr 2020, 08:55 PM
أم وحيد
عضو
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
الصّيام وتعظيم الله.
الصّيام وتعظيم الله
.
من مقالات الشيخ عبدالرزاق البدر وفّقه الله للهدى والفلاح
أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ
)) (1) ، وفي رواية لمسلم ((
كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي
))(2).
إنّ الله
تفضّلاً منه وإكراماً لعباده
، يضاعف لهم الحسنات أضعافاً مضاعفة،
الحسنة بعشر أمثالها
إلى سبعمائة ضعف، على ما يفعلونه ويقومون به من
الطّاعات
من
أداء للواجبات
و
ترك للمحرّمات
و
ترفُّع عن المكروهات
و
منافسة ومسابقة في النوافل والمستحبّات
. أمّا
الصّوم
، فإنّ
الله قد نسبه إليه تشريفاً لشأنه ورفعاً لقدره ومنزلته عنده
ولم يخبر بثوابه وأجره واكتفى بقوله: ((
وَأَنَا أَجْزِي بِهِ
)).
فما ظنّك بـ
جزاء الله وعظيم تفضّله لعباده الصائمين
!! وليس أحدٌ من الناس يمكنه أن يحدِّد هذا الجزاء ولكن إذا عرفوا
هذا الإله المتفضّل
و
الربّ المكرم
، عرفوا
عظم أجره وثوابه
الذي يفرح بسببه العبد
فرحتين
، فالله سبحانه هو
الحيّ القيوم
،
الكبير المتعال
،
ذو الكبرياء والعظمة
، وهو
القويّ العزيز
،
الغني الحميد
،
ذو الجلال والإكرام
، لا يعجزه شيء، ولا شيء يثقله أو يكرثه، ولا يحتاج لأحدٍ ليرفعه أو يزيده، ولا يخشى أحداً يضرّه أو ينقصه،
له القوّة جميعاً وله الغنى المطلق
، لا تنفعه طاعة الطّائعين ولا تضرّه معصية العاصين، ولا ينقص
خزائنه نفقاته التي أعطاها ويعطيها السائلين وغير السائلين
، منذ خلق السّموات والأرض وإلى يوم لقائه،
الكلّ فقير إليه
، إنسهم وجنَّهم، حيوانهم ونباتهم، حجرهم ومدرهم، حيّهم وميّتهم، من في الأرض ومن في السماء وما بينهما: (
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ
[49]
يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ
) [النحل: 49-50]، وقال تعالى: (
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ
) [الحج: 18] .
والله
ذو المنّ والعطاء
والهبات العظيمة (
الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى
) [طه: 50]، تفضّل على عباده بـ
الهداية إلى هذا الدّين
، وأكرمهم بـ
بعثة محمد
صلى الله عليه وسلم وشرّفهم ب
ـإنزال القرآن في شهر رمضان
، هدًى للنّاس وبيّنات من الهدى والفرقان لـ
يخرجهم من الظلمات إلى النّور
، وكتب لهم
الأجور العظيمة جزاءً لما يقومون به
من واجبات ويجتنبونه من منهيات ومحرّمات، و
أفعالهم
التي يقومون بها
لا تعدل شيئاً
إذا قوبلت بـ
نعمه على خلقه
، ولكنّه
محض تفضّله سبحانه
وإكرامه لعباده، فهو
الّذي خلق
وهو
الّذي هدى ووفَّق
وهو
الّذي يعين ويكلأ
، وهو الّذي
يثيب ويكرم بأفضل الجزاء وأكمله
، فما أعظمه وما أجلّه وأكرمه و
ما أرحمه
و
أحلمه
، يأمر
بالقليل
ويجازي
بالكثير
.
و
الصّائم
تقرّب إلى الله بطاعةٍ عظيمة عنده محبوبة إليه،
السرّ فيها بينه وبين عبده أكثر من العلن
، يظهر فيها
كمال الإخلاص
و
الخشية والمراقبة وجمالها
، فـ
الصّائم
جمَعَ بين
جمال الظاهر
و
الباطن
، فسكنت
جميع جوارحه لله
، والتزمت أمره و
امتلأ قلبه حباً لله وإخلاصاً
، و
الله جميل يحبّ الجمال
، فيحبّ من عبده أن
يجمِّل لسانه بالصدق
، و
قلبه بالإخلاص والمحبّة والإنابة والتّوكل
، و
جوارحه بالطاعة
، و
بدنه بإظهار نعمه عليه في لباسه وتطهيره له من الأنجاس والأحداث والأوساخ
والشعور المكروهة والختان وتقليم الأظافر، فيعرفه بـ
صفات الجمال
، ويتعرّف إليه
بالأفعال والأقوال والأخلاق الجميلة
فيعرفه بـ
الجمال
الّذي هو
وصفه
ويعبده بـ
الجمال
الذي هو
شرعه
و
دينه
.(3)
والعبد
كلّما عظمت معرفته بالله وعلمه به في نفسه
ازداد
تعلّقه بربّه
و
شوقه إليه
وامتلأ قلبه
طمعاً
و
رغبةً
و
رجاءً
في
رضاه
و
ثوابه
و
جنّته
، و
خشيةً
و
خوفاً
من
غضبه
و
عقابه
.
والنّاس
يتفاوتون
في
هذه المعرفة
وهذا
العلم
، قال ابن القيم رحمه الله: "من الناس
مَن يعرف الله
بـ
الجود والإفضال والإحسان
، ومنهم مَن يعرفه
بالعفو والحلم والتّجاوز
، ومنهم مَن يعرفه
بالبطش والانتقام
، ومنهم مَن يعرفه
بالعلم والحكمة
، ومنهم مَن يعرفه
بالعزّة والكبرياء
، ومنهم مَن يعرفه
بالرحمة والبِرِّ واللطف
، ومنهم مَن يعرفه
بالقهر والملك
، ومنهم مَن يعرفه
بإجابة دعوته وإغاثة لهفته وقضاء حاجته
. وأعمّ هؤلاء معرفة:
مَن عرفه من كلامه
، فإنّه يعرف
رباً قد اجتمعت له صفات الكمال ونعوت الجلال
،
منزه عن المثال
،
بريء من النقائص والعيوب
، له
كلّ اسم حسن
و
كلّ وصف كمال
، فعّال لما يريد،
فوق كلّ شيء
، ومع كل شيء، و
قادر على كل شيء
، ومقيم لكلّ شيء ،
آمرٌ ناهٍ متكلمٌ بكلماته الدينية والكونية
، أكبر من كلّ شيء ، و
أجمل من كلّ شيء
، أرحم الراحمين ، و
أقدر القادرين
، وأحكم الحاكمين. فـ
القرآن أنزل لتعريف عباده به
، وبـ
صراطه الموصل إليه
، وبـ
حال السّالكين بعد الوصول إليه
" (4) اهـ.
وا
لصّائمون
هم
أحقّ الناس بمعرفة الله وتوقيره
، لينالوا وافر العطاء وعظيم الجزاء يوم القيامة، و
الصّائم
كلّما
ازداد معرفةً بالله
ازداد
قرباً منه
، وعظم الله أجره لما اجتمع له من
فضل الصّيام
الذي يجزي الله به، و
هذه المعرفة
التي جعلته يتقن صيامه ويحسن أعماله و
يعبد الله كأنّه يراه
، فيراقبه في سرّه وخلوته كمراقبته له في علانيته، فاستوى
سرّه
و
علنه
لكمال
علمه
و
اعتقاده
بـ
رؤية الله له
، وهذا يثمر له
تعظيماً لربّه
، و
حياءً منه
، و
صلاحاً في جميع أعماله
، وتوبة و
خشوعاً لله
في كلّ أوقاته .
اللّهمّ تقبّل صيامنا واجعله خالصاً لوجهك ، ووفِّقنا للإخلاص في جميع أعمالنا ، وجنِّبنا الرّياء والنّفاق وسيّء الأخلاق .
---------------
(1) البخاري (1904)، ومسلم (1151) واللفظ له .
(2) مسلم (1151).
(3) انظر الفوائد (ص: 267ـ 268).
(4) الفوائد (ص: 258).
المصدر
الصور المرفقة
الصيام جُنَّة.png
(478.2 كيلوبايت, المشاهدات 1075)
صيام الجوارح.png
(715.0 كيلوبايت, المشاهدات 928)
جهادان في رمضان.png
(533.6 كيلوبايت, المشاهدات 1094)
خصلتان تحفظ الصيام.png
(516.3 كيلوبايت, المشاهدات 1079)
أم وحيد
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى أم وحيد
البحث عن المشاركات التي كتبها أم وحيد