عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 21 May 2014, 07:19 PM
أبو عبد الرحمن حمزة التيارتي أبو عبد الرحمن حمزة التيارتي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2014
المشاركات: 43
افتراضي هَكَذَا فَلتَكُن الهِمَم! وَلِِمِثلِِ هَذَا فَليَعمَلِ العَامِلوُن

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيباً مباركًا فيه كما يحب الله ويرضى والصلاة والسلام على نبي الهدى وعلى آله وصحبه ومن لنهجه اقتفى أما بعد:
فإن الناظر في سير السلف -عليهم رضوان الله- لا يكاد ينقضي عجبه من شدة تقواهم وغزارة علمهم، فتجد الواحد منهم يتلذذ بطلبه للعلم لا ينثني عنه ولو كان على فراش الموت ومن ذلكم
ما ذكره ابن الصلاح -رحمه الله- في "مقدمته" أن الإمام يحي بن معين -رحمه الله- قيل له في مرضه الذي مات فيه:
" ما تشتهي؟ فقال: "بيت خالي، وسند عالي"
قلت: الله أكبر ما هذه الهمم ؟! وأين نحن من هؤلاء ؟! إنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد وقفت على كلامٍ للإمام النحرير ابن القيم -رحمه الله- في كتابه (زاد المعاد) والذي صار أكثرنا لا يعرف من هذا الكتاب إلا اسمه والله المستعان،
فتكلّم -رحمه الله- عن سبب تأليفه لهذا الكتاب العظيم وأخبر عن مكان تأليفه، فلم يكن -رحمه الله- في مكتبة فاخرة كبيرة، كثيرة المصادر، ولم يكن بحوزته الأجهزة الحديثة ولا عَرف المكتبة الشاملة -رحمه الله-
ولكنه كان يحمل الكتب في حافظته بعد أن وعاها قلبه فيستحضر منها ما شاء ومتى شاء.
وأترككم مع كلام الإمام ابن القيّم -رحمه الله- الذي وضح فيه سبب تأليف كتابه المذكور ومتى كان، وعن همته التي تفرقت شذر مذر !!

قال -رحمه الله- في كتابه (زاد المعاد في هدي خير العباد) :
" وَإِذَا كَانَتْ سَعَادَةُ الْعَبْدِ فِي الدَّارَيْنِ مُعَلَّقَةً بِهَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ وَأَحَبَّ نَجَاتَهَا وَسَعَادَتَهَا أَنْ يَعْرِفَ مِنْ هَدْيِهِ وَسِيرَتِهِ وَشَأْنِهِ مَا يَخْرُجُ بِهِ عَنِ الْجَاهِلِينَ بِهِ،
وَيَدْخُلُ بِهِ فِي عِدَادِ أَتْبَاعِهِ وَشِيعَتِهِ وَحِزْبِهِ، وَالنَّاسُ فِي هَذَا بَيْنَ مُسْتَقِلٍّ وَمُسْتَكْثِرٍ وَمَحْرُومٍ، وَالْفَضْلُ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.

فَصْلٌ
وَهَذِهِ كَلِمَاتٌ يَسِيرَةٌ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ مَعْرِفَتِهَا مَنْ لَهُ أَدْنَى هِمَّةٍ إِلَى مَعْرِفَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسِيرَتِهِ وَهَدْيِهِ، اقْتَضَاهَا الْخَاطِرُ الْمَكْدُودُ عَلَى عُجَرِهِ وَبُجَرِهِ،
مَعَ الْبِضَاعَةِ الْمُزْجَاةِ الَّتِي لَا تَنْفَتِحُ لَهَا أَبْوَابُ السُّدَدِ، وَلَا يَتَنَافَسُ فِيهَا الْمُتَنَافِسُونَ مَعَ تَعْلِيقِهَا فِي حَالِ السَّفَرِ لَا الْإِقَامَةِ، وَالْقَلْبُ بِكُلِّ وَادٍ مِنْهُ شُعْبَةٌ،
وَالْهِمَّةُ قَدْ تَفَرَّقَتْ شَذَرَ مَذَرَ، وَالْكِتَابُ مَفْقُودٌ،
وَمَنْ يَفْتَحْ بَابَ الْعِلْمِ لِمُذَاكَرَتِهِ مَعْدُومٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ،
فَعُودُ الْعِلْمِ النَّافِعِ الْكَفِيلِ بِالسَّعَادَةِ قَدْ أَصْبَحَ ذَاوِيًا،
وَرَبْعُهُ قَدْ أَوْحَشَ مِنْ أَهْلِهِ وَعَادَ مِنْهُمْ خَالِيًا، فَلِسَانُ الْعَالِمِ قَدْ مُلِئَ بِالْغُلُولِ مُضَارَبَةً لِغَلَبَةِ الْجَاهِلِينَ، وَعَادَتْ مَوَارِدُ شِفَائِهِ وَهِيَ مَعَاطِبُهُ لِكَثْرَةِ الْمُنْحَرِفِينَ وَالْمُحَرِّفِينَ،
فَلَيْسَ لَهُ مُعَوِّلٌ إِلَّا عَلَى الصَّبْرِ الْجَمِيلِ، وَمَا لَهُ نَاصِرٌ وَلَا مُعِينٌ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ." [1/ 69-70]
قلت: فإن كان تأليفه لهذا الكتاب في سفر والمصادر غير موجودة والهمة متفرقة!
فكيف لو توفر للإمام ابن القيم -رحمه الله- ما توفر لنا اليوم ؟!


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن حمزة التيارتي ; 21 May 2014 الساعة 08:40 PM
رد مع اقتباس