عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 05 Aug 2017, 09:44 PM
أبو همام عبد القادر حري أبو همام عبد القادر حري غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
المشاركات: 102
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه
(الجزء الثاني)

الحمد لله ربِّ العالمين وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْكَرِيمُ الْحَلِيمُ الغفور الرَّحيم وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى إخْوَانِهِ مِن النَّبِيِّينَ وَعَلَى الآلِ وَسَائِرِ الصَّالِحِينَ وَتَابِعيِهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ (وَبَعْدُ):

- فحالُ المرء مع النَّاس ممَّن يعاشرهم ويخالطهم يكون على أكمل حال وأفضله ,إذا صبر عليهم , لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ، ويصبرُ عَلَى أَذَاهُمْ، خَيْرٌ مِنَ الَّذِي لا يخالط النَّاسَ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ". ويتأكد هذا في حق من آتاه الله علما فيرحم الناس لجهلهم ,ويصبر عليهم رجاء هدايتهم. [صحيح الأدب المفرد]

ويجعل نصب عينيه قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :"الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" وهو على خير مادام كذلك لأنه قد اقتدى برسول الله الذي قال الله عنه " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر..ِ " وبصحابة رسول الله , الذين قال الله عنهم " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ.."

ألسنا نحب أن يختم الله لنا بخير :

كما ختم الله بذلك للصالحين ,جاء في السير ,عن زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ قَالَ: دُخِلَ عَلَى أَبِي دُجَانَةَ وَهُوَ مَرِيْضٌ، وَكَانَ وَجْهُهُ يَتَهَلَّلَ. فَقِيْلَ لَهُ: مَا لِوَجْهِكَ يَتَهَلَّلُ؟ فَقَالَ: مَا مِنْ عَمَلِ شَيْءٍ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنِ اثْنَتَيْنِ: كُنْتُ لاَ أَتَكَلَّمُ فِيْمَا لاَ يَعْنِيْنِي، وَالأُخْرَى فَكَانَ قَلْبِي لِلْمُسْلِمِيْنَ سَلِيْماً.

ألسنا نحب مغفرة الله :

-جاء في خطاب ربنا معاتبا لنا "وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم ...."فلنقل "بلى " كما قال الصديق "بلى أحب أن يغفر الله لي "
ولنكظم الغيظ ولنعف عن إخواننا رجاء أن نفوز بروضات الجنات.
لقول نبِيّناَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: ( مَنْ كظَمَ غيظاً ، وهُو قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ ، دَعَاهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالَى عَلَى رُؤُوسِ الْخلائقِ يَوْمَ الْقِيامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ )
رواه أَبُو داوُدَ ، والتِّرْمِذيُّ وقال : حديثٌ حسنٌ


فالجنَّة الجنَّة يا أهل الرحمة ,عَنْ عِيَاضِ بن حِمار رضي اللَّهُ عَنْهْ قالَ : سمِعْت رَسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ : (أَهْلُ الجَنَّةِ ثَلاثَةٌ : ذُو سُلْطانٍ مُقْسِطٌ مُوَفَّقٌ ، ورَجُلٌ رَحِيمٌ رَقيقٌ القَلْبِ لِكُلِّ ذِى قُرْبَى وَمُسْلِمٍ ، وعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيالٍ )رواه مسلم.

ونعوذ بالله من النار التي توعَّد الله بها أقوامًا ومنهم الذين يؤذون جيرانهم وإخوانهم ولو كانوا من المكثرين للصلاة والصيام ووعد الجنة آخرين من المحسنين جعلنا الله منهم وحشرنا في زمرتهم ,

-عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رجلا قال : يا رسول الله ، إن فلانة ذكر من كثرة صلاتها وصيامها ،غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها . قال : (هي في النار. قال : إن فلانة ذكر من قلة صلاتها وصيامها وإنها ما تصدقت بأثوار أقط ، غير أنها لا تؤذي جيرانها . قال : هي في الجنة .[ أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والألباني في الصحيحة ]

هذا حال من عرف قدر نفسه :

يعامل النَّاس بما يحب أن يعاملوه لا يزدريهم ولا يستهزء بهم ,وهو يعلم أن الازدراء فعل من خلاق له من المتكبِّرين وبحسب امرئ من الشرِّ أن يحقر أخاه المسلم, والاستهزاء مُتنفَّس المنافقين وفعل الجاهلين. وهذا جواب موسى عليه السلام لمن قَالُوا له أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا "قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ(البقرة67) إذ كيف يستهزئ بهم ولا يفعله إلا الجاهلون.فليتنا نُعرض عمَّا لا يليق بالعقلاء فضلا عن المنتسبين إلى العلم.
هذا لا يفعله إلا من رأى نفسه خيرا من النَّاس.

- لا أحد يرضى أن يكون محلًّا للسُّخرية ,إلا من شذَّ كمن يسمُّونهم بالفنَّانين ولا عبرة بالشاذّ في هذا, خاصة وأنه يوافقنا في حاله العادية مالم يكن متلطِّخا بالتمثيل .

- من عرف قدر نفسه يغلّب جانب الرحمة والرفق واللِّين فأكرم بها من معاملة طيبة يحبُّها جميع الناس ويعدُّون صاحبها من المحسنين .

من عرف قدر نفسه ترك المراء :

" أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلق ". رواه أبو داود وهو في الصحيحة.

من عرف قدر نفسه اجتنب الكبر والخيلاء:

قال الله تعالى :تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)

ذكر الذهبي في[ سير أعلام النبلاء5/362]:
الأَصْمَعِيُّ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَرَّ المُهَلَّبُ عَلَى مَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ مُتبخْتِراً، فَقَالَ:
أَمَا عَلِمتَ أَنَّهَا مِشْيَةٌ يَكرَهُهَا اللهُ إِلاَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ؟! فَقَالَ المُهَلَّبُ: أَمَا تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: بَلَى، أَوَّلُكَ نُطفَةٌ مَذِرَةٌ، وَآخِرُكَ جِيْفَةٌ قَذِرَةٌ، وَأَنْتَ فِيْمَا بَيْنَ ذَلِكَ تَحْمِلُ العَذِرَةَ. فَانْكَسَرَ، وَقَالَ: الآنَ عَرَفْتَنِي حَقَّ المَعْرِفَةِ.

من عرف قدر نفسه لم يرض أن يرفع فوق منزلته:

عن أنس بن مالك: أن رجلا قال: يا محمد! يا سيِّدنا وابن سيِّدنا! وخيرنا وابن خيرنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" يا أيها الناس قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينَّكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل ". [السلسلة الصحيحة1097]

هذا وأسأل الله أن يزكِّي نفوسنا فهو خير من زكَّاها وأن يؤتيها تقواها هو وليها ومولاها والحمد لله رب العالمين .

كتبه أبو همام عبد القادر حري (صبيحة الثالث والعشرين من شوال لعام ثمان وثلاثين بعد الأربعمائة والألف )

رد مع اقتباس