عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 25 Oct 2021, 01:45 AM
زهير بن صالح معلم زهير بن صالح معلم غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jun 2019
المشاركات: 113
افتراضي رد غلو المدعي أن الدكتور فركوس عالم بحق لأنه يحفظ المغني





رد غلو المدعي أن الدكتور فركوس عالم بحق لأنه يحفظ المغني

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد علم القاصي والداني الغلو الفظيع الذي بلغ إليه المعجبون بالدكتور فركوس حتى وصفوه بالألقاب العظيمة التي لم تطلق على كبار أئمة أهل السنة في هذا الزمان، فقيل فيه: (إمام في ثمانية فنون، وريحانة الجزائر ومفتي إفريقيا، ومجتهد النوازل..)، وغيرها من الألقاب التي قيلت فيه وهو ساكت بل مقر لها، ومن آخرها ما نشره بعض المقربين من الدكتور ممن جندهم في حربه الأخيرة ضد ركني فتنته التفريقية التي أعلن عنها في شهادته التاريخية، وهو المدعو (عبد الجبار سعيدي) المعروف بقربه الكبير من الدكتور حيث نقل تحت عنوان (الشيخ فركوس عالم بحق... ) كلاما لـ(عبد الحق أبو أحمد) نصه كما يلي:
(نقل أن أحد الإخوة أتى حلقة الشيخ فركوس فسأله وذكر له قول ونسبه إلى كتاب المغني لابن قدامة المقدسي، فقال له الشيخ: (إن هذا قول غير موجود في المغني)، فكرر السائل أنه موجود، فقال الشيخ: "إن كتاب المغني هنا..وأشار إلى صدره" ) انتهى.
وهذا الكلام وإن روي بصيغة التمريض، فغير بعيد أن يزكي الدكتور نفسه لأتباعه ويزعم أمام من يحضر مجالسه أنه يحفظ المغني في صدره؛ فهو الذي زعم أن (ما يقوم به مشايخ الإصلاح مجتمعين يقوم به هو لوحده وزيادة)، وزعم أنه (واجه فالحا الحربي وحده)، و..و...الخ
وقد رقمت عبارات الغلو في الدكتور بواسطة إدارة موقعه الرسمي، في مقال تحت عنوان: "في رد مقولة: وماذا قدم الشيخ فركوس للجزائرحتى ادعت أن الجزائر صارت تعرف به، حيث قالت: "وصارت الجزائر به تعرف في أقاصي البلدان الإسلامية وغيرها، فيقال: بلد الشيخ محمد علي فركوس، بعد ما كان يعرف بها في أداني البلاد العربية فيقال: الشيخ محمد علي فركوس الجزائريومن عبارات الغلو الشنيعة التي رقمتها إدارته تحت مرأى ومسمع منه، بل وإشراف ومتابعة قولها: (حق لأهل وطنه من إخوانه وأبنائه أن يتجاوزوا مرحلة الإعجاب بشخصيته الدينية وآثاره العلمية، إلى مرحلة الفخر والاعتزاز بكونهم أهد أبناء هذا الوطن العزيز الغالي، الذي يتضمن –في جنباته- علما هذه آثاره وتلك ثمارهوفاحت رائحة الغلو في الدكتور من منتدى التصفية والتربية عندما كان تحت إشراف صاحبيه السابقين لزهر وجمعة، حتى خلع عليه أحدهم بعض أوصاف الربوبية؛ فقال فيه: (محمد أحيا الناس والناس في بلى... ).
بل إن سكوت الدكتور عن هذا الغلو الذي كان ينشر في القنوات الرسمية للمفرقة؛ أوصل أتباعه لتحريف الحديث والقرآن من أجله، فهذا بويران حرف دلالة حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر" أمام الملأ؛ حيث لما طالب السلفيون الدكتور بالبينة على طعنه في مشايخ الإصلاح بالمتاجرة بالدعوة واتهامه للشيخ عبد الخالق بأخذ 400 مليون من بلاط- وغيرها من الاتهامات والافتراءات؛ عملا بعموم الحديث؛ زعم بويران : (أن المدعي وهو فركوس أصدق من المدعى عليه وهم مشايخ الإصلاح، وهو مثبت وهم نافون؛ والمثبت مقدم على النافيفأعفى فركوسا من المطالبة بالبينة في طعنه في المشايخ السلفيين الثقات بمجرد الاتهامات والإشاعات الكاذبة؛ بسبب تعطيله لدلالة الحديث على عمومه وإطلاقه؛ وجعلها قاصرة على غير الصادق والأصدق، وقال آخر: (قل لئن اجتمعت الصعافقة والجن على أن يأتوا بمثل الشيخ فركوس لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)؛ فنزل الدكتور منزلة القرآن المعجز، محرفا بذلك آية من القرآن، والعياذ بالله.
هذا وقد ادعى الدكتور أنه لا يخفى عليه شيء مما يدور في الساحة حتى إنه يعلم بزواج محرز بالزوجة الثانية؛ فلا يبعد -إن لم يكن الدكتور هو القائل: أن المغني في صدره- أن يكون قد وقف على هذا الادعاء والغلو في شخصه؛ ففرح به ورضي بأن ينشر بين الناس؛ لما فيه من تعظيمه في صدور الناس، وتعليق لهم بشخصه.
لذلك رأيت أن أسهم في محاربة هذا الغلو ببيان مستوى الدكتور الحقيقي في فهمه لكلام العلماء، وإظهار درجة فهمه لكلام ابن قدامة رحمه الله في كتابه المغني، وهذا على فرض التسليم بأن الدكتور يحفظ هذا الكتاب عن ظهر قلب ولا يعزب عنه قول ذكر فيه، وإلا فإنه أمر بعيد عن الحقيقة؛ لأمرين:
الأول: كبر حجم المغني وطول مسائله واستيعابه لكثير من أقوال الفقهاء مما يجعل حفظه أمر صعب على الحفاظ فضلا عن غيرهم:
فلا يخفى على طلاب العلم أن المغني فيه عشرة مجلدات أو أكثر، وكل مجلد فيه أكثر من 450 صفحة ، وهذا يعني أن عدد صفحاته أكثر من 4500 صفحة، فيه مسائل دقيقة ومتشعبة ذكر فيها الخلاف والدلائل ناسبا الأقوال والمذاهب إلى أصحابها، وكتاب مثل هذا لا يبعد أن يخفى على الحفاظ الكبار شيء من مسائله، أو على الأقل أن ينسوا بعضا منها خاصة ما كان من أقوال العلماء، فكيف لا يخفى قول واحد على أمثال الدكتور؛ لأن المغني -بزعمه- في صدره كما ينقل عنه أتباعه ؟!! كيف وقد بلغت عدد مسائل الكتاب (8880) مسألة ؟!!
الثاني: أن الكتب المعدة للحفظ من العلماء وطلبة العلم هي المتون والمختصرات والأشعار والمنظومات:
ولهذا لا يعرف في الأمة من العلماء ولا غيرهم من حفظ المغني أو المجموع أو فتح الباري أوغيرها، بل ولا حتى التفكير في ذلك؛ لأنها ليست من الكتب التي تحفظ، بل ولا هي من الكتب التي يمكن حفظها أصلا.
قال الشيخ العالم بحق صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله في كتابه القيم [جامع الرسائل والدروس العلمية في العلم والدعوة والتربية (22)]: (ارجعوا إلى الكتب التي ترجم فيها مؤلفوها لأهل العلم –كتب التراجم-فلن تجدوا أنهم ذكروا في ترجمة عالم أنه بدأ فقرأ كتابا كبيرا مثل فتح الباري أو المجموع ونحو ذلك، لكن تجد في تراجمهم أنه يقول: "حفظ الأربعون النووية" و "الملحة" في النحو و"العمدة" في الفقه يذكرون مثل هذه المختصرات لأمرين:
أحدهما: ليدلك أن طريق العلم هو هذا لا غير.
الثاني: ليبين مكانة هذا العالم وأنّ علمه مرسّخ مؤصل؛ لأنه ابتدأ بتلك المتون فأحكمها ودرسها على الأشياخ، فما تجد أن فلانا قرأ فتح الباري أو نيل الأوطار، ولا يثنى على العالم بذلك؛ لأن هذه الكتب تعرف مسائلها التفصيلية إذا أحكمت).
ولعل قائلا يقول: إن الدكتور لا يقصد بما نقل عنه من قوله: (أن المغني.. في صدره): أنه يحفظه عن ظهر قلب، وإنما يقصد أنه اشتغل به منذ بداية طلبه للعلم، واستمر على ذلك حتى كأنه يستحضر مسائله وما ذكر فيه من أقوال.
والجواب: إن كان هذا هو المقصود بتلك الكلمة، فيكون هذا دليلا واضحا على مخالفته لسنة التدرج والترفق في طلب العلم؛ لأن هذه الطريقة تسبب خللا كبيرا في الفهم؛ ولا تخرج عالما راسخا، وإنما تخرج مثقفا له معلومات متناثرة، كما بينه أهل العلم، قال الشيخ صالح آل الشيخ في الكتاب السابق (14) عمن يبدأ بالكتب الكبار في علم التفسير كتفسير بن جرير وفي الحديث كنيل الأوطار وفتح الباري: (اعلم أنه لن يحصل العلم على ما كان عليه أهل العلم، ولكنه يكون قارئا مثقفا عنده معلومات متناثرة، لكن ليس هو العلم الذي قد أُصّل والذي يصير به عالما إن وفقه الله عز وجل. وما قيل في العلمين المتقدمين يقال في الفقه، فإذا بدأ طلبه بالقراءة في " المغني" أو "المجموع" فهذا يصدق عليه أنه لم يأخذ بالترفق بل رام العلم جملة؛ إذ "المغني" و"المجموع" والكتب الكبار، هذه إنما يعي مسائلها الكبار من أهل العلم، لكن طالب العلم لا يقرأها قراءة من أولها إلى آخرها... ).
فليس الشأن إذن في البداءة بدراسة الكتب الكبار كالمغني فضلا عن حفظه؛ ليثني به المتعصب على شيخه ويقول: (إن الشيخ عالم بحق؛ لأن المغني في صدرهوإنما الشأن أن يبدأ بالمتون والمختصرات ويتقن حفظها وفهمها ثم يتدرج في العلوم على أيدي الشيوخ حتى تحصل له الملكة العلمية ويمتلك الفهم السليم لكلام الله ورسوله وما قرره العلماء في كتبهم، ويستطيع الأخذ منها من غير انحراف في الفهم عند الحاجة للتعليم والإفتاء.
والواقع يدل على بُعد الدكتور عن هذ المنهج السليم في الطلب، إذ الأدلة والبراهين تثبت عدم تحصيله للملكة الفقهية وجودة القريحة وقوة الإدراك لنصوص الكتاب والسنة وكلام أهل العلم عموما؛ حتى وصل به الحال إلى نصرة أقوال شاذة مخالفة لما دل عليه الكتاب والسنة وعليه جماعة العلماء:
1- منها تخصيصه لحديث "من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية" بفهمه؛ حيث أباح الإنكار العلني عند أمن المفسدة مع ما فيه من معارضة للنص الصريح ولفهم الصحابي الذي رواه.
2- ومنها فهمه من "الأحاديث الآمرة بتسوية الصفوف"، بطلان صلاة التباعد حتى في زمن الوباء فكيف بغيره، وجعله حديث: " لا صلاة لمنفرد خلف الصف" نصا في إبطال صلاة التباعد؛ مع أن الحديث يدل بمنطوقه على بطلان صلاة المنفرد خلف الصف، وصحة صلاة غير المنفرد من غير قيد تراص أو تباعد.
3- ومنها فهمه الرديء من كلام للشوكاني رحمه الله عن مذهب ابن القيم في اللباس الأحمر، أنه يرى بتحريم اللباس الأحمر مطلقا إلا المعصفر، مع أن مذهب ابن القيم هو تحريم اللباس الأحمر البحت وإباحة سواه. إلى غير ذلك مما يضيق المقام بذكره.

نسبة الدكتور مذهبا لابن قدامة في المغني لم يقل به:
والذي يهمني في هذا المقام هو بيان وقوع الدكتور في الفهم الخاطئ لكلام ابن قدامة في كتابه المغني الذي ادعي أن الدكتور يحفظه وأثني عليه بذلك وجعل بسببه عالما بحق، وبيان ما جره فهمه السيء لكلامه من تقويله ما لم يقله، الأمر الذي لا يقع فيه طاب علم بحق فضلا عن رجل يزعم لنفسه أنه عالم مجتهد.
فقد قرر الدكتور فركوس بطلان صلاة من كان عليه سجود سهو بسبب نقص واجب في صلاته، ولم يتذكره إلا بعد سلامه وانتقاض وضوئه، في فتواه رقم: (890) المعنونة بـ: «في حكم نسيان الإمام تكبيرة الانتقال وترك سجود السهو»، والصادرة بتاريخ 15 ربيع الثاني 1429ه» الموافق لـ 21/ 04/ 2008م؛ حيث قال: «فإذا لم يسجد الإمامُ ولا المأموم وانتقض وضوءُ كُلِّ واحدٍ منهما بعد السَّلام مِن الصَّلاة الناقصة بَطَلَت الصلاة، والواجب على كلِّ واحدٍ منهما استئناف الصلاة من جديد».

ولما كان في جوابه شيء من الإجمال وجه إليه سؤال آخر فيه استفسار عن معنى قوله السابق، وهل معناه أن مَن ترك تكبيرةَ الانتقال سهوًا وهي واجبة، ولم يسجد للسَّهو بَطَلَت صلاته؟ ومَن ترك واجبًا سهوًا أو ناسيًا ولم يسجد للسَّهو فهل تبطل صلاته كذلك؟
فكتب جوابا عليها في [فتوى أخرى برقم: 1251]، وهي بتاريخ 18جمادى الأولى 1442هـ الـمـوافــق لـ: 02 جانـــفي 2021م مقررا فيها وجوب تكبيرات الانتقال ووجوب سجدتي السهو عند وجود سببها، ثم قرر بصريح العبارة بطلان صلاة من لم يتذكر سجود السهو لترك تكبيرة الانتقال إلا بعد انتقاض وضوئه بعد السلام قائلا: (فإذا تقرَّر ذلك فإنَّ مَن ترك تكبيرةَ الانتقال سهوًا ولم يسجد للسَّهو وانتقض وضوؤه بعد السَّلام مِن هذه الصَّلاة النَّاقصة، ـ سواء طال الفصلُ أو لم يَطُلْ ـ بَطَلت صلاتُه واستأنف مِن جديدٍ)، واحتج على ذلك بكلام لابن قدامة في كتابه المغني؛ حيث قال الدكتور: (قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ: «فإن طال الفصلُ أو انتقض وضوؤه استأنف الصلاةَ، وكذلك قال الشافعيُّ: إن ذكر قريبًا مثل ما فعل النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم يوم ذي اليدين؛ قال مالك [كذا في نص الفتوى: والصواب: ونحوَه قال مالك] وقال يحيى الأنصاري واللَّيث والأوزاعي: يبني ما لم يُنقَض وضوؤه»)
والحق أن كلام ابن قدامة في واد وكلام الدكتور في واد آخر، ونسبة هذا القول لابن قدامة من الغلط بمكان، بل هو فهم خاطئ لكلام ابن قدامة من قبل الدكتور يقينا؛ لعدم اطلاعه على كلام الإمام جميعه في هذا الباب، وهو دليل على عدم ضبطه لمسائل الكتاب فضلا عن حفظه له، ويتبين ذلك من أربعة أوجه:
الأول: أن كلام ابن قدامة الذي نقله الدكتور يتعلق بمسألة من ترك ركنا من أركان الصلاة ولم يتذكره إلا بعد سلامه وانتقاض وضوئه، أو بعد طول الفصل:
فالذي يرجع إلى كلام ابن قدامة وسياقه الذي اجتزأ منه الدكتور ذلك المقطع من كلامه يدرك أن الحكم الذي توصل إليه الدكتور بخصوص ترك سجود السهو المترتب على نسيان واجبات في الصلاة كتكبير الانتقال لم يدر بخلد ابن قدامة رحمه الله، ذلك أن كلامه متعلق بمسألة أخرى وهي من ترك ركنا من أركان الصلاة ولم يتذكره إلا بعد سلامه وانتقاض وضوئه، أو بعد طول الفصل هل يلحق بمن ترك ركعة فأكثر فيبني على صلاته إذا لم يحدث بعد السلام ولم يطل الفصل، أم أنّ صلاته باطلة يجب عليه استئنافها ؟
والأدلة على ذلك عدة أمور:
الأول: أن كلام ابن قدامة السابق إنما أورده تحت ([بَابُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ] [مَسْأَلَةٌ سَلَّمَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ صَلَاتِهِ]، بحسب طريقته التي بينها في مقدمة المغني حيث قال: (ثُمَّ رَتَّبْتُ ذَلِكَ عَلَى شَرْحِ مُخْتَصَرِ أَبِي الْقَاسِمِ عُمَرَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيِّ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لِكَوْنِهِ كِتَابًا مُبَارَكًا نَافِعًا، وَمُخْتَصَرًا مُوجَزًا جَامِعًا، وَمُؤَلِّفُهُ إمَامٌ كَبِيرٌ، صَالِحٌ ذُو دِينٍ، أَخُو وَرَعٍ، جَمَعَ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ، فَنَتَبَرَّكُ بِكِتَابِهِ، وَنَجْعَلُ الشَّرْحَ مُرَتَّبًا عَلَى مَسَائِلِهِ وَأَبْوَابِهِ، وَنَبْدَأُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ بِشَرْحِهَا وَتَبْيِينِهَا، وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ بِمَنْطُوقِهَا وَمَفْهُومِهَا وَمَضْمُونِهَا، ثُمَّ نَتْبَعُ مَا يُشَابِهُهَا مِمَّا لَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِي الْكِتَابِ، فَتَحْصُلُ الْمَسَائِلُ كَتَرَاجُمِ الْأَبْوَابِ) [المغني (1/4-5)]
وبعد أن نقل كلام الإمام أحمد فيما يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث في سجود السهو وكلام الخطابي في أن المعتمد عند أهل العلم في هذا الباب الأحاديث الخمسة المذكورة، قال: ( (892) مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: وَمَنْ سَلَّمَ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ صَلَاتِهِ، أَتَى بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاتِهِ، وَسَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ ثُمَّ تَشَهَّدَ وَسَلَّمَ.كَمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ).
وعند الرجوع إلى مختصر الخرقي وشروحه يعلم أن المقصود بهذه المسألة هو من نسي سجود السهو حتى سلم وقد بقي عليه ركعة أو أكثر أو نسي شيئا من الأركان كسجدة ونحوها، وليس المقصود من ترك بعض الواجبات سهوا؛ كما زعم الدكتور، ويدل على ذلك:
1- ذكره لحديث أبي هريرة في سلامه صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي (الظهر أو العصر) من ركعتين، في قصة ذي اليدين، وحديث عمران بن حصين في سلامه صلى الله عليه وسلم من ثلاث ركعات في صلاة العصر في قصة الخرباق.
2- وكذلك قول الزركشي شارحا قول الخرقي (ومن سلم وقد بقي عليه شيء.. )؛ حيث قال: (وقول الخرقي: (ومن سلم). أي ساهيا، إذ كلامه في السهو، لأنه لو فعل ذلك عامدا بطلت صلاته،
وقوله: (وقد بقي عليه شيء). يشمل القليل والكثير، وكذا أطلق أبو الخطاب، وأبو محمد، وغيرهما،
وشرط أبو البركات أن يكون ذلك من نقص ركعة تامة فأكثر، أما لو كان النقص سجدة ونحوها فإنه يسجد له قبل السلام، وقد نص أحمد على ذلك في رواية حرب، وهو موجب الدليل، لأن قاعدة أحمد أن السجود كله قبل السلام، إلا في هذين الموضعين لورود النص بهما، والنص إنما ورد في نقص ركعة تامة أو ركعتين، فإن كان الخرقي أراد الإطلاق فلعله يقول: لا فرق بين نقص ركعة وسجدة، فهو من باب لا فارق
.)[شرح الزركشي على مختصر الخرقي (2/12-13)]
الأمر الثاني: قول ابن قدامة: (وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ مَنْ سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِ صَلَاتِهِ سَاهِيًا ثُمَّ عَلِمَ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ وَنَقْضِ وُضُوئِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا بَقِيَ، ثُمَّ يَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ، ثُمَّ يَسْجُدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَيَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ)[المغني (2/12)].
وهذا صريح في أن المقصود: هو من سلم وبقي عليه شيء من الأركان؛ لأنها هي التي لا تسقط عمدا ولا سهوا، ويجب الإتيان بها إذا تركت سهوا -وإلا كانت صلاته باطلة- ثم يسجد للسهو بعد السلام؛ بخلاف الواجبات، فإنها تسقط في السهو إذا شرع في الركن الذي يليها وتجبر بسجدتي السهو، فأنى له أن يأتي بها وقد سلم من صلاته ؟!!
الأمر الثالث: أنه ذكر مسألة من سلم من صلاته قبل إتمامها ولم يتذكر حتى قام؛ مبينا وجوب البناء على صلاته قبل انتقاض وضوئه أو طول الفصل، وأنه يجب عليه الجلوس بعد النهوض؛ ليأتي بما عليه إلحاقا لها بالمسألة المتفق عليها بين أهل العلم -وهي صحة بناء من ترك ركعة كاملة سهوا ولم يتذكر إلا بعد السلام إذا لم يطل الفصل ولم ينتقض وضوؤه- حيث قال رحمه الله:
(وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى قَامَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْلِسَ لِيَنْهَضَ إلَى الْإِتْيَانِ بِمَا بَقِيَ عَنْ جُلُوسٍ؛ فَإِنَّ هَذَا الْقِيَامَ وَاجِبٌ لِلصَّلَاةِ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ قَاصِدًا لَهَا، فَكَانَ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِهِ مَعَ النِّيَّةِ. وَلَا نَعْلَمُ فِي جَوَازِ إتْمَامِ الصَّلَاةِ فِي حَقِّ مَنْ نَسِيَ رَكْعَةً فَمَا زَادَ اخْتِلَافًا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى ابْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ - قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: سَمَّاهَا لَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَكِنْ أَنَا نَسِيتُ - فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ إلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ فَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَخَرَجَتْ السَّرَعَانُ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَقَالُوا: أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ فَهَابَاهُ أَنْ يُكَلِّمَاهُ وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ، يُقَالُ لَهُ: ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ الصَّلَاةُ؟ قَالَ لَمْ أَنْسَ، وَلَمْ تُقْصَرْ، فَقَالَ: أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَتَقَدَّمَ، فَصَلَّى مَا تَرَكَ مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ. قَالَ فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ: ثُمَّ سَلَّمَ» ؟ قَالَ: فَنُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ...الخ. )
ثم ذكر بعدها [المغني (2/13)] الكلام الذي نقله الدكتور فقال رحمه الله: ( (893) فَصْلٌ:
- فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ، أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ. وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ ذَكَرَ قَرِيبًا مِثْلَ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ ذِي الْيَدَيْنِ، وَنَحْوَهُ قَالَ مَالِكٌ.
- وَقَالَ يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: يَبْنِي، مَا لَمْ يَنْقُضْ وُضُوءَهُ.
وَلَنَا، أَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ بِنَاءُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ، كَمَا لَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ
).
فتبين بهذا أن كلام ابن قدامة لا يتعلق بمن نسي الواجبات وسجود السهو لها؛ كما زعم الدكتور فركوس أصلحه الله، وإنما يتعلق بمن نسي بعض الأركان، حتى سلم من صلاته؛ حيث ذكر أنه لا يصح البناء إذا لم يتذكر إلا بعد انتقاض الوضوء، ويجب عليه استئناف الصلاة، وذكر اختلاف العلماء فيمن لم ينتقض وضوؤه بين من يرى صحة البناء وإن طال الفصل، وبين من يرى بطلان الصلاة ووجوب استئنافها إذا طال الفصل، فما فائدة حفظ المغني، إذا كان فهم الدكتور لكلام المؤلف بهذا المستوى الذي أوصله إلى تفسير كلامه بغير مراده ؟

الوجه الثاني: أن مسألة من ترك واجبا ونسي أن عليه سجود السهو حتى سلم أفردها ابن قدامة بالكلام في موضع مستقل:
فقد تكلم الشيخ رحمه الله عن (هذه المسألة) في موضع آخر من [المغني (2/ 26-27)] تحت عنوان [مَسْأَلَة نَسِيَ أَنَّ عَلَيْهِ سُجُودَ سَهْوِ]، حيث قال رحمه الله
( (914) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (فَإِنْ نَسِيَ أَنَّ عَلَيْهِ سُجُودَ سَهْوٍ وَسَلَّمَ، كَبَّرَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، وَتَشَهَّدَ، وَسَلَّمَ، مَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ تَكَلَّمَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ).
ثم تكلم عن المسألة في ثلاثة فصول، باعتبار ثلاث حالات اختلف فيها العلماء:
الأولى: في حكم البناء والإتيان بسجود السهو في حال الكلام والانصراف عن القبلة قبل طول الفصل:
حيث بين فيه أن المختار صحة البناء والإتيان بسجود السهو بعد الكلام؛ لحديث ابن مسعود في سجوده صلى الله عليه وسلم بعد السلام والكلام.
فقال رحمه الله: ( الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي ثَلَاثَةِ فُصُولٍ:
(915) الْفَصْلُ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ إذَا نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ، ثُمَّ ذَكَرَهُ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ فِي الْمَسْجِدِ:
- فَإِنَّهُ يَسْجُدُ، سَوَاءٌ تَكَلَّمَ أَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ.
- وَكَانَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ يَقُولَانِ: إذَا صَرَفَ وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ، لَمْ يَبْنِ، وَلَمْ يَسْجُدْ.
- وَقَالَ: أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ تَكَلَّمَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، سَقَطَ عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ وَلِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يُنَافِيهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَحْدَثَ.
وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَيْضًا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَكَلَّمَ، وَتَكَلَّمَ الْمَأْمُومُونَ، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ.
- وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ لِقَوْلِهِ: "فَلَمَّا انْفَتَلَ تَوَشْوَشَ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ سَجَدَ بَعْدَ انْصِرَافِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ".
- وَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ إتْمَامُ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْكَلَامِ وَالِانْصِرَافِ، كَمَا فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ، فَالسُّجُودُ أَوْلَى
).
الحال الثانية: في حكم الإتيان بسجود السهو بعد طول الفصل.
وبين فيها رجحان سقوط سجود السهو بعد طول المدة؛ لكونه شرع لتكميل الصلاة، فلا يأتي به بعد طول الفصل؛ لعدم إمكان البناء كما لو ترك ركنا من أركان الصلاة.
فقال رحمه الله: ( (916) الْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ بَعْدَ طُولِ الْمُدَّةِ:
وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ الْمُدَّةِ الَّتِي يَسْجُدُ فِيهَا:
- فَفِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، يَسْجُدُ مَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ خَرَجَ لَمْ يَسْجُدْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ.
- وَقَالَ الْقَاضِي: يُرْجَعُ فِي طُولِ الْفَصْلِ وَقِصَرِهِ إلَى الْعَادَةِ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ إلَى الْمَسْجِدِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَالسُّجُودُ أَوْلَى.
- وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهُ يَسْجُدُ وَإِنْ خَرَجَ وَتَبَاعَدَ وَهُوَ قَوْلٌ ثَانٍ لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ جُبْرَانٌ يَأْتِي بِهِ بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ كَجُبْرَانِ الْحَجِّ.
- وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ إنْ كَانَ لِزِيَادَةٍ وَإِنْ كَانَ لِنَقْصٍ أَتَى بِهِ مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ؛ لِأَنَّهُ لِتَكْمِيلِ الصَّلَاةِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ لِتَكْمِيلِ الصَّلَاةِ، فَلَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ، كَرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهَا، وَكَمَا لَوْ كَانَ مِنْ نَقْصٍ وَإِنَّمَا ضَبَطْنَاهُ بِالْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الصَّلَاةِ وَمَوْضِعُهَا، فَاعْتُبِرَتْ فِيهِ الْمُدَّةُ، كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ
)

والحال الثالثة: في حكم الصلاة التي نسي فيها سجود السهو حتى طال الفصل:
فقد بين فيها رجحان: سقوط سجود السهو بعد طول الفصل مع الحكم بصحة الصلاة، بحسب ما يدل عليه ظاهر كلامه؛ حيث قال رحمه الله [المغني (2/ 28)]:
( [فَصْلٌ نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ حَتَّى طَالَ الْفَصْلُ]
(918) فَصْلٌ: وَإِذَا نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ حَتَّى طَالَ الْفَصْلُ، لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ.
- وَبِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
- وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ إنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَعَادَ الصَّلَاةَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ.
- وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ فِي السُّجُودِ الَّذِي قَبْلَ السَّلَامِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ جَابِرٌ لِلْعِبَادَةِ بَعْدَهَا، فَلَمْ تَبْطُلْ بِتَرْكِهِ كَجُبْرَانَاتِ الْحَجِّ، وَلِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِلصَّلَاةِ خَارِجٌ مِنْهَا، فَلَمْ تَفْسُدْ بِتَرْكِهِ، كَالْأَذَانِ
) اهـ.
ولا يخفى أن طول الفصل يشمل ما لو تذكر سجود السهو بعد نوم، أو بعد أيام فيكون قد تذكره بعد انتقاض وضوئه؛ وحكمه عند ابن قدامة رحمه الله سقوطه عنه مع الحكم بصحة صلاته؛ لأن سجود السهو بعد السلام مشروع:
1- جبرا للعبادة؛ فيكون بمنزلة جبرانات الحج التي تكمل النقص الحاصل فيه، من غير أن تبطله إذا لم يؤت بها.
2- ولأنه مشروع للصلاة خارج عنها؛ فلا تفسد الصلاة بتركه، مثل الأذان والإقامة وغيرها من أنواع الواجبات للصلاة.
فكيف ساغ للدكتور أن ينسب لابن قدامة الحكم ببطلان صلاة من نسي سجود السهو لترك الواجب حتى انتقض وضوؤه ؟ وأي أهمية لحفظ المغني، إذا كان الحافظ ينسب لصاحب الكتاب ما لم يقله ولا دار في خلده ؟

الوجه الثالث: بيان سبب فهم الدكتور الخاطئ لكلام ابن قدامة رحمه الله.
قد يقول قائل: ليس في كلام ابن قدامة السابق ذكر لانتقاض الوضوء، فيمكن أن يحمل كلامه على طول الفصل الذي لم ينتقض معه الوضوء بالنسبة للسجود القبلي، أو على سجود السهو البعدي وإن انتقض الوضوء؛ خاصة مع قوله: (ولنا أنه جابر للعبادة بعدها..)
فالجواب: نعم الظاهر أن هذا هو فهم الدكتور فركوس لهذه المسألة؛ متوهما أن هذا هو مقصود ابن قدامة منها؛ فقد جاء في فتوى قديمة للدكتور بعنوان [(فيمن انتقض وضوؤه ولم يسجد للسهو) صادرة بتاريخ [ 24ربيع الثاني 1427 الموافق لـ: 21 مارس 2006م ] سئل فيها عن رجلٌ سها في صلاته، ولمَّا سلَّم انتقض وضوؤه ولم يسجد للسهو، فماذا يترتَّب عليه؟
فأجاب: (فإن نسي ركنًا أو واجبًا في الصلاة فأتمَّه، ثمَّ انتقض وضوؤه،
- وكان عليه سجود سهوٍ قبل السلام؛ فإنه يجب عليه استئنافُ الصلاة من جديدٍ وهو مذهب الجمهور، لانتقاض طهارته قبل الفراغ من صلاته لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «
لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ
».
- أمَّا إذا انتقض وضوؤه بعد السلام ولم يسجد للسهو فعلى قولِ مَن يرى بوجوب سجود السهو -وهو الصحيح -، فإنه لا تبرأ ذمَّتُه إلاَّ بعد أن يسجدهما بعد الوضوء وإن طال الفصلُ، لأنه جُبرانٌ بعد السلام فلا يُبطل الصلاةَ، بل عليه أن يسجدهما بحسب الإمكان ).
يؤكد ذلك أن الدكتور قرر في كلامه السابق في فتواه المتعلقة ب(نسيان الإمام لتكبيرة الانتقال وتركه سجود السهو) أن العبرة في بناء المصلي على صلاته-في نسيانه للسجود القبلي-: هو عدم انتقاض الوضوء طال الفصل أم قصر، فقال: (أمَّا إذا لم ينتقض وضوء كلٍّ منهما وطال الفصل، فالواجب على كلِّ واحدٍ منهما البناء على صلاته والسجود للسهو).
والظاهر أيضا: أن هذا الفهم علق بذهن الدكتور من قراءة قديمة له لكلام آخر لابن قدامة رحمه الله عن مسألة أخرى في موضع آخر من المغني نفسه؛ فتوهم أنه المقصود بكلامه، من غير أن يرجع إليه عند كتابته لهذه الفتوى؛ فوقع في هذا الخطأ الجسيم، وكلام ابن قدامة الذي أشرت إليه هو قوله في [المغني (2/29)]:
( (922) فَصْلٌ: فَإِنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ عَمْدًا:
- فَإِنْ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِوَاجِبٍ فِي الصَّلَاةِ عَمْدًا.
- وَإِنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ بَعْدَ السَّلَامِ، لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ جَبْرٌ لِلْعِبَادَةِ خَارِجٌ مِنْهَا، فَلَمْ تَبْطُلْ بِتَرْكِهِ كَجُبْرَانَاتِ الْحَجِّ
)
فيكون التفريق السابق في فتوى الدكتور قد أخذه من هذا الشطر من كلام ابن قدامة، ظنا منه موافقة ما قرره في فتواه؛ لما قرأه قديما عن ابن قدامة؛ مع أن كلام ابن قدامة في ترك سجود السهو الواجب عمدا، وهذا من دلائل تسرعه في الفتوى، ولو أنه تأنى ورجع إلى كلام ابن قدامة للتأكد؛ لوجد في تتمته ما يدله على المقصود، حيث قال ابن قدامة بعد الكلام السابق:
(وَسَوَاءٌ كَانَ مَحِلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ أَوْ قَبْلَهُ، فَنَسِيَهُ، فَصَارَ بَعْدَ السَّلَامِ.
وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الصَّلَاةِ، وَنُقِلَ عَنْهُ التَّوَقُّفُ فَنَقَلَ عَنْهُ الْأَثْرَمُ فِي مَنْ نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ، فَقَالَ: إنْ كَانَ فِي سَهْوٍ خَفِيفٍ، فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ قُلْت: فَإِنْ كَانَ فِيمَا سَهَا فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: هَاهْ. وَلَمْ يُجِبْ، فَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُعِيدَ. فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي السَّهْوِ، فَفِي الْعَمْدِ أَوْلَى
).
فكلام ابن قدامة هذا متعلق بترك سجود السهو الواجب عمدا سواء كان قبل السلام أو بعده على التفصيل الذي ذكره؛ كما يدل عليه سياق كلامه ولحاقه، وفيه التصريح بأن السجود القبلي المتروك نسيانا فصار بعد السلام يأخذ حكم السجود البعدي إذا ترك عمدا في صحة الصلاة وعدم بطلانها؛ لأنه صار جابرا للعبادة خارجا عنها؛كما تؤيده فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله الآتي ذكرها قريبا، فكيف بمن ترك سجود السهو نسيانا حتى طال الفصل أو انتقض وضوؤه ؟ فصحة صلاة هذا أولى من العامد كما لا يخفى.

الوجه الرابع: مقارنة بين فهم إمام لكلام الشيخ ابن قدامة وفهم الدكتور العليل
ومما يؤكد للقارئ الكريم بُعد الدكتور عن فهم كلام أهل العلم وضبطه، وسلوكه سبيلا مخالفة لهم في الفتوى، قراءته فتوى للشيخ الإمام بحق عبد العزيز ابن باز رحمه الله في جواب له على سؤال قريب جدا من السؤال الموجه للدكتور، ومقارنته بين جواب الشيخ واستشهاده بكلام ابن قدامة في المسألة، وبين جواب الدكتور واستجلابه لكلام ابن قدامة من غير محله، تاركا كلامه الصريح الذي يتعلق بالمسألة المقصودة في نص السؤال.
فقد جاء في [مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (11/279-281) ]، تحت عنوان: (حكم صلاة من ترك التشهد الأول ناسيًا أو متعمدًا)
(س: إذا صلى الإمام الصلاة وقام ولم يتشهد التشهد الأول ونبه ولم يرجع وعندما سلم من الصلاة نبه وسلم ولم يسجد وبعد السلام قال له بعض المأمومين لم لم تسجد؟ فقال ذهب محله، فماذا عليه هل عليه الإعادة لأنه ترك واجبا عمدا، وإذا كان جاهلا والمأمومون يجهلون الحكم فماذا عليهم؟ أفتونا مأجورين.
ج: التشهد الأول:
1- إذا تعمد المصلي تركه بطلت صلاته في أصح قولي العلماء إذا كان عالما بالحكم ذاكرا،
2- فإن كان جاهلا فلا شيء عليه.
3- وإن تركه ناسيا:
أ- وجب عليه السجود للسهو، فإن تعمد تركه بطلت صلاته.
ب- أما إذا نسي وسلم قبل أن يسجد ثم نبه أو ذكر:
- فإنه يجب عليه أن يسجد بعد السلام للسهو ثم يسلم كالحال في سجود السهو الذي محله بعد السلام.
- فإن لم يفعل فقد اختلف في بطلان الصلاة بذلك، أي بترك سجود السهو بعد السلام، سواء كان محله بعد السلام أو قبله فنسيه فصار بعد السلام، قال أبو محمد بن قدامة رحمه الله في المغني: (فإن ترك الواجب عمدا فإن كان قبل السلام بطلت صلاته؛ لأنه أخل بواجب في الصلاة عمدا، وإن ترك الواجب بعد السلام لم تبطل صلاته؛ لأنه جبر للعبادة خارج منها فلم تبطل بتركه كجبرانات الحج، وسواء كان محله بعد السلام أو قبله فنسيه فصار بعد السلام، وقد نقل عن أحمد ما يدل على بطلان الصلاة، ونقل عنه التوقف
) . انتهى المقصود.
وبهذا يعلم أن الصواب صحة الصلاة وعدم وجوب الإعادة على الجميع:

أ- إلا إذا كان الإمام قد تعمد الترك لما يشرع الإتيان به قبل السلام مع العلم بالحكم الشرعي، فإنها تلزمه الإعادة لكونه ترك واجبا بدون عذر شرعي.
ب- أما المأموم فعليه أن يسجد للسهو إذا لم يسجد إمامه بعد السلام في قول الأكثرين كما في المغني؛ لأن السهو ينقص صلاة الجميع، فإذا لم يسجد الإمام لجبران النقص الحاصل بالسهو، وجب على المأموم السجود، سواء سجدوا فرادى أو عينوا من يؤمهم في ذلك؛ لأن الإمام لما امتنع من الواجب انقطعت تبعيتهم له، ووجب عليهم الاستقلال بأداء الواجب كما لو سلم عن نقص ونبهوه فلم يرجع للصواب فإنه يلزمهم أن يكملوا صلاتهم فرادى أو بإمام منهم لوجوب تكميل الصلاة على الجميع، فلما امتنع منه الإمام انقطعت تبعيتهم له.
ج- فإن لم يسجدوا لم تبطل صلاتهم؛ لأنه واجب خارج الصلاة فلم تبطل الصلاة بتركه كالأذان والإقامة وكجبرانات الحج والله سبحانه وتعالى أعلم). وانظر (الموقع الرسمي للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله على الأنترنيت
).
والخلاصة: أن الذي اختاره ابن قدامة رحمه الله في المغني أن ترك سجود السهو المنسي سواء كان محله قبل السلام أو بعده لا يبطل الصلاة إذا تركه عمدا بعد تذكره له، فمن باب أولى وأحرى إذا تركه نسيانا حتى طال الفصل أو انتقض وضوؤه، بخلاف زعم الدكتور فركوس هداه الله.
ملاحظة لطيفة:
يلاحظ القارئ الكريم أن السؤال الموجه للعلامة ابن باز وجوابه عليه منقول من برنامج نور على الدرب الذي كان يلقيه عبر إذاعة القرآن الكريم، وهذا يدل على أنه كان شفويا، ومع ذلك كان جوابا مفصلا وسديدا ظهر فيه قوة استحضار الشيخ لكلام ابن قدامة، وجودة فهمه وحسن استشهاده به في موضعه الصحيح، كما أن استدلاله بكلام ابن قدامة من الاستدلال بكلام أئمة المذهب الذي درسه من صغره، ومن الرجوع إلى العلماء والشيوخ المباشرين أو الذين بواسطة والإحالة على فتاويهم، كما هو معروف عنه في كثير من فتاويه؛ لأن علمه حصله عبر مراحل ومدارج، وأخذه من أهله، بخلاف الدكتور الذي يعلم القارئ أن جوابه كان مكتوبا ومحررا، ومع ذلك وقع في طامات عديدة، في هذه الفتوى وفي غير ما واحدة من أجوبته وفتاويه، وهذا لضعف رصيده العلمي وسوء تكوينه الدراسي؛ إذ لم يعرف بمجالسة العلماء وأخذ العلم عن الشيوخ، بل هجم على العلم من غير سلوك طريقه والتدرج في مدارجه، ولهذا لا تجد له ذكرا لشيوخه الذين أخذ عنهم في مجالسه ولا الإحالة عليهم عند نشر أقواله وفتاويه، كما هي طريقة العلماء.
ومما سبق يتبين للقارئ المنصف عدة أمور:
الأول: أن دعوى أن المغني في صدر الدكتور فركوس كلام فارغ يقصد منه ترسيخ الغلو في شخص الدكتور في قلوب أتباعه الجدد، كما رسخه من قبل بالسكوت عن من غلا فيه وقدسه لدرجة تحريف نصوص القرآن والسنة وخلع بعض صفات الروبية عليه، ممن صار يسميهم اليوم بالمبصبصة، فقد صرح أنه يعلم بكل ما يدور في الساحة، فيتحمل مسؤولية هذا الغلو الذي لا يرضاه الله ورسوله، وما يترتب عليه من مفاسد وأضرار على الدعوة وعلى دين الله، حتى يتبرأ منه براءة واضحة بصوته أو بكتابة رسمية من موقعه يبرئ بها ساحته.
الثاني: أن الدكتور بعيد عن ضبط الأقوال الفقهية المعلوم مصادرها، والتي لا تخفى على طلاب العلم، لاعتماده في الغالب على ما علق بذاكرته من قراءات قديمة أو على نقول من طلبته الذين لا يقرؤون الكلام بسباقه ولحاقه، كما ثبت ذلك عنه في غير ما موضع، مما يذهب الثقة بنقوله وفتاويه.
الثالث: أن الدكتور بعيد عن طريقة العلماء، في تحرير المسائل والفتاوى، فلا يعتمد عليه في ذلك؛ لأنه يستقل بالنظر في فهم النصوص معتمدا على بعض النقول من كلام العلماء التي يقتطعها من سياقها، فينتج عنها فتاوى شاذة لا يوجد من يوافقه عليها، بل ويسلط على بعض الأحاديث فهمه، ليرد به دلالتها الصريحة وفهم السلف لها معارضا بذلك أئمة الفتوى وعلماء الملة وأفهام الفحول من علماء السلف والخلف؛ بزعم الاجتهاد ونبذ الجمود الفكر والتقليد الأعمى؛ كما وقع منه في فتوى الجمعة في البيوت وإبطال صلاة التباعد بسبب الوباء، وفتوى الإنكار العلني على ولاة الأمر.
هذا ما تسنى لي كتابته بهذا الصدد، نصرة للحق وردا للغلو في شخص الدكتور، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

كتبه: زهير بن صالح معلم
وفرغ منه ليلة الإثنين: 19 ربيع الأول 1443هالموافق لـ 25 من شهر أكتوبر 2021 نصراني

رد مع اقتباس