عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 20 Apr 2014, 12:30 PM
مهدي بن صالح البجائي مهدي بن صالح البجائي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 591
افتراضي فقه العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي (رحمه الله)

فقه العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي (رحمه الله)

الحمد لله الذي فقه في الدين من أراد به خيرا وصلى الله على نبيه محمد وعلى أله وصحبه وسلم، أما بعد:
فهذه كلمات(1) حول فقه العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله-، كتبتها تلبية لرغبة من يسرني تلبية طلبه ولا يسعني رده.

وإن الشيخ -رحمه الله- مدرسة في العلم بشتى فنونه، ومن ذلك الفقه، فكان رحمه الله ذا عناية فائقة بهذا العلم فقد ألف فيه عدة كتب زادت عن العشرة.

وقد كان في بداية أمره ملتزما بمذهب الإمام أحمد، وبتشربه من كتب وفقه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم –رحمهما الله- صار يدور مع الدليل حيث دار ويرجح ما يراه موافقا للنصوص الشرعية والنظر الصحيح، ولذا أفرد مؤلفا خاصا لاختياراته التي خالف فيها المذهب وهي نفس حاشيته على الروض المربع.

وقد تفنن الشيخ في التصنيف الفقهي تيسيرا للطلاب وتمرينا لهم، فألف على طريقة السؤال والجواب ، وعلى طريقة ذكر المسائل الراجحة بدلائلها ، وعلى طريقة المناظرة، كما طرق الشيخ باب النظم فألف منظومته في الأحكام.

وللشيخ عناية بالفنون التي تخدم الفقه خدمة مباشرة والتي بها يقوى نظر الفقيه وتتكون لديه الملكة، فألف في أصول الفقه وقواعده، وألف في النظائر والفروق الفقهية، كما في "رسالة لطيفة جامعة و"القواعد والأصول الجامعة" و"منظومة القواعد" و"تجريد قواعد ابن رجب" وغيرها.

مع صلاح الشيخ-رحمه الله- وتقواه، فقد كان قدوة للعامة والخاصة، حَسَن الأخلاق طيِّب المعاشرة كما شهد له بذلك القاصي والداني، وصلاح الفقيه من أهم ما يكون، إذ التوفيق منوط باتباع شرع الله وطاعته، وقد ذكر الشيخ في مقدمة كتابه المناظرات الفقهية أسبابا لإصابة الصواب –نحسب الشيخ من أولى من حصلها-، وأنقلها لعظم نفعها:
1. حسن الفهم عن الله وعن رسوله –صلى الله عليه وسلم-.
2. ونور الفهم والذكاء.
3. وقوة الإخلاص.
4. والاستعانة بالله للوصول إلى الصواب.
5. وعدم التعصب لما يقوله، أو يقوله من يعظمه.
6. وسرعة الرجوع إلى الحق عند اتضاح الصواب.
7. والمقابلة بين الأقوال المتعارضة، واستيعاب ما أمكن من أدلة كل قول، ومأخذه، ووزن الأدلة والأخذ بالموازين العادلة، وأصول الفقه المتفق عليها.

وفيما يلي نقل لبعض مقدمات الشيخ لكتبه في الفقه بها يتضح منهجه –رحمه الله- (وصاحب الدار أدرى بما فيه)، ثم أتبعها بخلاصة ما احتوت عليه:

• قال الشيخ -رحمه الله- في مقدمة كتاب "الإرشاد أولي البصائر والألباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب" أو "الإرشاد إلى معرفة الأحكام" (ص9-10/أضواء السلف): "فَهَذَا تَألِيفٌ بَدِيعُ المنْزَع ، سَهْلُ الأَلفَاظِ وَالْمَعَانِي ، حَسَنُ الترتيب ، يَحْتَوِي عَلَى مُهمَّات مَسَائِل الأَحكَام .
رتبته بصُورَةِ : السُّؤَال الْمُحَرَّر الْجَامِع ، وَالجواب المفصَّل النَّافِع .
يَحتَوِي عَلَى : أُصُولٍ ، وَضَوَابِطَ ، وَتَقسِيمَاتٍ .
تُقُرِّبَ أشتات الْمَسَائِل ، وتضم أالنّظَائِرَ والفَوَارِقَ .
وَكَثِيرٌ مِن هَذِه الأَجوِبَةِ يتناول أَبوَابًا مِنَ الفِقهِ عَدِيدَةً ، وَأصُولاً تَنْبَني عَلَيهَا أَحكَامٌ مُفِيدَةٌ .
وَتُعرِّفُ القَارِئَ مِن أَيِّ قَاعِدَةٍ أُخِذَتْ ، وعلى أَيِّ أَساسٍ أُثْبِتَتْ .
وتُوَضِّح التَّعْلِيلات والحِكَمَ .
ولعل هذه الأُمُور أكثرُ فائدةً مِمَّا في الأَجوبةِ منَ التَّفْصِيلات الفقهية؛ لِعمُوم نَفعِهَا وحُسْنِ موقعها .
وعند ذِكْر الأحْكَام: أَذكُرُ الْمَشْهُور مِن مَذهَبِ الإِمَام أَحمَد عِند مُتَأَخرِي الأَصحَاب.
فَإِنْ كَانَ فِيه قَولٌ آخر أَصَحُّ مِنة عِندِي ذكرته وَصَحَّحْتُهُ .
وَأَشَرتُ إِشَارَة لطيفة إِلَى دَليلِ كُلّ مِنَ القولين وَمَأْخَذِهِمَا ؛ إذ المقَامُ لا يقتضي البَسْطَ . وأَسْتَطْرِدُ في الجَوَابِ بِذِكْرِ الأَشبَاهِ وَالنظَائِرِ ؛ لِتَحْصُلَ الفَائِدَةُ الكَثِيرَةُ والأُنسُ بكثرةِ ما يدخلُ في الأَصلِ والضَّابطِ .وأَذكر أيضا الفوارقَ بينَ المسائِلِ التي يَكْثُر اشْتباهُهَا ؛ ليَحْصُلَ التَّمييزُ بينها.

• وقال في مقدمة كتاب "منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين" (ص19/ الأضواء):
"فَهَذَا كِتَابٌ مُخْتَصَرٌ فِي اَلْفِقْه، جَمَعْتُ فِيهِ بَيْنَ اَلْمَسَائِلِ وَالدَّلَائِلِ، وَاقْتَصَرْتُ فِيهِ عَلَى أَهُمِّ اَلْأُمُورِ, وَأَعْظَمِهَا نَفْعًا، لِشِدَّةِ اَلضَّرُورَةِ إِلَى هَذَا اَلْمَوْضُوعِ, وَكَثِيرًا مَا أَقْتَصِرُ عَلَى اَلنَّصِّ إِذَا كَانَ اَلْحُكْمُ فِيهِ وَاضِحًا، لِسُهُولَةِ حِفْظِهِ وَفَهْمِهِ عَلَى اَلْمُبْتَدِئِين، لِأَنَّ اَلْعِلْمَ: مَعْرِفَةُ اَلْحَقِّ بِدَلِيلِهِ".

• وقال في مقدمة "المناظرات الفقهية":
"...ولهذا أحببت أن أضع في هذا التعليق عدة مسائل من مسائل الفقه المختلف فيها بين العلماء مما اشتهر به الخلاف وكان الخلاف فيها له أهمية وأجعلها على صورة مناظرة بين المستعين بالله والمتوكل على الله لأن في جعلها على هذه الصورة فوائد كثيرة:
منها : تيسير مأخذ القولين ، ووجودهما في محل واحد وذلك من مقربات العلم.
ومنها : التمرُّن المناظرة والباحثة، التي هي من أكبر الوسائل لإدراك العلم وثبوته وتنوعه. ومنها: التمرن على الاستدلال، والرجوع إلى أصول المسائل ليصير للعبد ملكة تامة يحسن معها الاستدلال والمناظرة والنظر.
ومنها: أن يعلم أن الخلاف في هذه المسائل بين أهل العلم لا يوجب القدح والعيب والذم...

وبالنظر في هذه الكتب ومقدماتها يظهر ويتضح منهج الشيخ في تناول الفقه، وأنه صاحب فقه أصيل ونظر دقيق، فهو حريص على اتباع الدليل ومراعاة المعاني والمقاصد الشرعية، مع العناية بالأصول والضوابط الفقهية، وكذلك الفروق والتقسيمات، وكل ذلك مع سهولة اللفظ والمعنى وحسن السبك والعبارة، وهل الفقه المتين إلا جماع هذه الأمور؟

وختاما فقد قال الشيخ حمد العثمان –حفظه الله-" لاأعرف أنفع لطالب العلم في زماننا هذا من كتب العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله في سهولة العبارة وصحة العقيدة،وتقعيد أصول العلوم، وتحرير الراجح"، وعلق عليه أحد الأفاضل قائلا: "مع العناية بالمهمات دون سواها، والنفوذ إلى مقاصد أبواب العلم والدين" .

والمجال متسع لمزيد من الإضافات والفوائد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
(1) انظر كتاب فقه الشيخ ابن سعدي لـ د.عبد الله الطيار و د. سليمان أبا الخيل (106/1-107) فقد استفدت منه.


التعديل الأخير تم بواسطة مهدي بن صالح البجائي ; 20 Apr 2014 الساعة 11:47 PM
رد مع اقتباس