عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 27 Oct 2017, 07:24 PM
منصور خيرات
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

الحمدُ لله؛ وبه أستعينُ، وبعدُ:

جزاكَ اللهُ خيرًا أخِي أبا زخَّار على هذا التَّوضيحِ المُحلَّى بالأدلَّة والنُّقُولِ عن أئمَّةِ التَّفسِيرِ.

لكنَّني أستغربُ أنَّكَ أدخلتَ مسألةً أخرَى في بدايةِ مقالكَ وبنيتَ عليها تأييدًا لما تُريدُ أن تُوَضِّحَهُ.

فإنَّكَ قُلتَ - سلَّمكَ اللهُ تعالى -:
اقتباس:
وقد ورد التنصيص من الشرع الحكيم أن نسبة الأبناء ذكورا وإناثا تكون إلى الأب، فيتبع الولد في النسب أباه، قال الله تعالى: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ الله}.
قال الإمام المفسر ابن كثير رحمه الله في ((تفسيره)): ((قوله: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ الله}: هذا أمر ناسخ لما كان في ابتداء الإسلام من جواز ادعاء الأبناء الأجانب، وهم الأدعياء، فأمر الله تعالى برد نسبهم إلى آبائهم في الحقيقة، وأن هذا هو العدل والقسط.
قال البخاري، رحمه الله: حدثنا مُعَلى بن أسد، حدثنا عبد العزيز بن المختار، حدثنا موسى بن عقبة قال: حدثني سالم عن عبد الله بن عمر؛ أن زيد بن حارثة رضي الله عنهما مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد، حتى نزل القرآن: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ الله}. وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي، من طرق، عن موسى بن عقبة، به)) اهـ.
وحذر من أن ينتسب الرجل لغير أبيه، أخرج البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ومن ادعى قوما ليس له فيهم فليتبوأ مقعده من النار)).
كما حذر من الطعن في الأنساب، أخرج مسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربع في أمتي من أمر الجاهلية، لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة " وقال: ((النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب)).
وهذا في نسبةِ الولدِ لغيرِ أبيه، وليسَ المُرادُ منهُ أن لا يُنسبَ إلى أمِّهِ، لأنَّ الآيةَ كما هوَ موضَّحٌ نزلت في تحريم التَّبنِّي ونسبة الأبناء إلى آباءٍ آخرينَ.
وأمَّا نسبةُ الولدِ لأمِّهِ فسيأتي الكلامُ عليهِ.

وَأمَّا قولُكَ - سلَّمكَ اللهُ تعالى -:
اقتباس:
كما أن الابن قد ينسب إلى الأب الأعلى، قال الله تعالى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صالحا}.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله في ((فتح القدير)): (({وَكَانَ أَبُوهُمَا صالحا} فكان صلاحه مقتضياً لرعاية ولديه وحفظ مالهما، قيل: هو الذي دفنه؛ وقيل: هو الأب السابع من عند الدافن له، وقيل: العاشر)) اهـ.
وأصرح من هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم:
أنا النبي لا كذب *** أنا ابن عبد المطلب
فمن النصوص السابقة يتبين أن الانتساب الشرعي يكون للأب، وهذا حق له، وليس هذا للأم، سواء كانوا ذكورا أو إناثا.
بل جاء النصوص صريحة وواضحة في نسبة البنات لأبيهم آدم عليه الصلاة والسلام.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج فلما كنا بسرف طمثت فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي.
فقال: ((لعلك نفست ؟)).
قلت: نعم.
قال: ((فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)). متفق عليه.
وجاء في ((الصحيحة)) للإمام الألباني رحمه الله تحت رقم (2507): ((أما بعد يا عائشة! فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، [إنما أنت من بنات آدم]، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه)). وفي رواية: ((فإن التوبة من الذنب الندم)).
فهذا نَعَمْ يُستدلُّ بهِ على جوازِ نسبةِ الوَلَدِ إلى أبيه الأكبَر، كما هُوَ صَرِيحٌ في النُّصُوصِ الَّتي أوردتها.

فيبقى وجهُ اعتراضكَ على قولِ: بنت حوَّاء، هل هُوَ ممنُوعٌ من خلالِ هذه النُّصُوصِ الَّتي أوردتها؟
والجوابُ: لا، والدَّليلُ على هذا الجوابِ مِن وجهينِ:
أوَّلُهُما: أنَّ هذه النُّصوص لا تدلُّ على نهي نسبة الولدِ لأمِّهِ، فالنُّصُوص الأولى في تحريم التَّبنِّي، وهذا لا دخلَ لهُ في هذه القضيَّة.
والنُّصُوص الثَّانيَةُ فيها نسبةُ الولدِ لأبيه وجوازُ نسبتهِ لأبيه الأكبرَ آدم أو غيرُ ذلكَ من الآباء في نسبهِ، وليسَ فيها نهيٌ لنسبةِ الولدِ لأمِّهِ.

والوجهُ الثَّانِي: هُوَ ما جاءَ صريحًا في نسبةِ النَّبيِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - لعبدِ اللهِ بن مسعُودٍ - رضيَ اللهُ عنهُ - إلى أمِّهِ، فقد جاءَ في صحيح مُسلمٍ مِن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّ النَّبيَّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - قال: (( خُذُوا القرآن مِن أربعةٍ: مِن ابن أمِّ عبد ... )) الحديث.

وفي صحيح البُخاريِّ، سُئلَ حُذيفَةُ عن رجُلٍ أقرب هديًا إلى رسول الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - ليأخُذُوا عنهُ، فقال: (( لا أعرفُ أحدًا أقربَ هديًا إلى رسُول الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - من ابنِ أمِّ عبدٍ )) الحديث.

وكانَ يُعرفُ ابنُ مسعُودٍ - رضيَ اللهُ عنهُ - بينَ الصَّحابةِ - رضيَ اللهُ عنهُم - بابنِ أمِّ عبدٍ، مع معرفتهم بنسبهِ.

وهكذا؛ ابنُ أمِّ مكتُوم - رضيَ اللهُ عنهُ - يُقالُ لهُ ابنُ أمِّ مكتُوم، وهذه ليست نسبةً إلى الأبِ، بل هيَ نسبةٌ إلى الأمِّ.

ولعلِّي أكتفي بهذين كنموذجٍ، وإلَّا فيُوجدُ غيرُهُم، وهذان منَ الصَّحابةِ، ومنَ الرُّواةِ الَّذينَ يمُرُّ علينا اسمُهُم كثيرًا، إسماعيلُ بنُ عُليَّة، وهيَ - أي: عُليَّة - أمُّهُ أو جدَّتهُ، وليسَ أبوهُ.

فالحاصلُ أنَّ هذا لا مانعَ منهُ إن شاء اللهُ تعالى، إلَّا أن تُورِدَ - حفظكَ اللهُ تعالى - ما يَنهَى عن ذلكَ، وهذا غيرُ موجودٍ فيما كتبتَهُ - سلَّمكَ اللهُ تعالى -.

وما أوردتُهُ من الآثارِ فهُوَ بمعناهُ لا بلفظهِ لبُعدي عن مكتبتِي.

هذا، واللهَ نسألهُ أن يُرينَا الحقَّ حقًّا ويرزُقنا اتِّباعه، ويُرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه
وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ وسلَّم
وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.

منصور كرِيرات.

رد مع اقتباس