عرض مشاركة واحدة
  #95  
قديم 16 Jan 2017, 02:34 PM
يوسف صفصاف يوسف صفصاف غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2012
الدولة: اسطاوالي الجزائر العاصمة
المشاركات: 1,199
إرسال رسالة عبر MSN إلى يوسف صفصاف إرسال رسالة عبر Skype إلى يوسف صفصاف
افتراضي

فصلٌ
في قربِ اللهِ من خلقِه وأنَّ ذلكَ لا ينافِي علوهِ وفوقيتِه
يؤمنُ أهلُ السنة بأن اللهَ تعالى قريبٌ في نفسه، مجيب لعبادِه، كما قال سبحانه وتعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة 186]، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري : "والذي تدعونَه أقربُ إلى أحدِكم من عنقِ راحلةِ أحدكم"، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقا في جدار القبلة، فحكه، ثم أقبل على الناس، فقال : "إذا كان أحدُكم يصلي، فلا يبصقْ قبلَ وجهه، فإن الله قبلَ وجهِه إذا صلى".
ومع ذلك فإن اللهَ تعالى مع قربِه من عباده فإنه لا يستلزمُ أن يكون في المكانِ الذي فيه الإنسانُ، ولا يلزم من قربه أن يكون في الأرضِ، فإن قربه عز وجل لا ينافي علوَّه وفوقيته، إذ هو سبحانَه ليس كمثله شيء في جميع نعوتِه، وهو علي في دنوِّه، قريبٌ في علوه.
أقسامُ قربِ اللهِ تعالى
اختلفَ العلماء في تقسيمِ قرب الله تعالى من العبادِ على قولين، فمنهم جعلها قسمين، ومنهم من جعلها قسمًا واحدا.
فمن قسمها جعلها :
1 _ قرب عام : وهو الذي مقتضاه الإحاطة.
2 _ قرب خاص : وهو الذي مقتضاه الإثابة والإجابة، وهو على وجهين :
أ _ إجابة الداعي.
ب _ إثابة العابد.
ومن نفى التقسيمَ جعلها قربًا خاصا فقطْ، مقتضٍ لإجابةِ الداعي وإثابةِ العابد، وأنه لا يمكنُ أن يكون اللهُ تعالى قريبا من الفجرةِ الكفرة، وهذا اختيارُ شيخِ الإسلام وتلميذِه رحمهما اللهُ تعالى.
واستدل أصحاب هذا القول :
1 _ بقول الله تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة 186].
2 _ بما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أقرب ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد، فأكثروا الدعاء".
لكن أورد عليه إشكالات :
1 _ قال الله تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق 16] وهذا شامل لكل إنسان، ولهذا قال في آخر هذه الآية {لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقَالَ قَرِينُهُ هَٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24)} [ق].
ولكن أجيب عن هذا الإشكال بأن قوله تعالى {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق 16] يعني الملائكة، واستدلوا لهذا بقوله تعالى {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق 17].
2 _ قال تعالى {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ (85)} [الواقعة]، ومن هؤلاء الذين بلغت أرواحهم الحلقوم الكفار.
وأجيب عن هذا الإشكال بأن القرب هنا قرب الملائكة، إذ القريب يكون موجودا في ذلك المكان، وهذا ممتنع في حق الله تعالى إذ أنه مستو على عرشه في السماء.
فصلٌ
في الإيمانِ بأنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ حقيقةً
من الإيمانِ بالله الإيمان بأن القرآنَ كلامه حقيقةً، وذلك لأن القرآنَ كلامُه وصفة من صفاته، وأنه منزلٌ من عنده.
فأهل السنةِ يؤمنونَ بأن القرآنَ كلامُ الله، وذلك لأن ربَّ العزةِ والجلال قال {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة 6].
ويؤمنونَ بأنه منزلٌ من عندِ الله تعالى، وذلك لقولِه عز وجل {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر 9].
ويؤمنون بأنه غيرُ مخلوقٍ، حيث قال الله تعالى {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف 54]، أن وأن القرآنَ من أمرِه تعالى {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا} [الشورى 52].
وأنه منه بدأَ، فابتداءُ تنزيله من الله تعالى لا من غيرِه؛ لقوله تعالى {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الزمر 1]، وإليه يعودُ، رفعًا من الصدورِ والسطور آخرَ الزمنِ، وأنه يعودُ إليه وصفًا، فلا يوصفُ به أحدٌ سوى الله تعالى.
يؤمنونَ بأنه كلامُه حقيقةً، فإن الأصلَ أن جميع صفاتِ الله تعالى حقيقيةٌ، فإذا كان القرآنُ كلامَ الله فهو صفتُه، فلا يمكن أن تكون صفةُ الخالق مخلوقةً، وكونه مكتوبًا في السطور مقروءا لا يخرجُه عن كونه كلامًا لله تعالى حقيقةً، إذ الكلام يضافُ إلى قائله ابتداء.
قولُ المخالفين لأهلِ السنةِ في كلامِ اللهِ تعالى
خالفَ الضلالُ من الطوائفِ أهل السنةِ في مسألة أن القرآنَ كلامُ الله تعالى حقيقةً، فمنهم من قال :
1 _ أن كلامَ الله حروفٌ دون المعاني، إذ الكلامُ ليس معنى يقومُ بذاتِ الله، بل هو شيءٌ من مخلوقاتِه سماهُ كلاما، وهذا قول الجهميةِ والمعتزلة.
2 _ أن كلامَ الله معاني دونَ الحروفِ، إذ هو معنى قائمٌ بالنفس، ثم خلقَ أصواتًا تدل على هذا المعنى، واختلفوا في هذه الأصواتِ الدالةِ على المعنى على قولين :
أ _ أنه حكايةٌ عن كلامِ الله تعالى بإطلاقٍ، وهم الكلابيةُ.
ب _ أنه عبارة عن كلام الله تعالى بإطلاقٍ، وهم الأشاعرةُ.
والفرقُ بينهما أن الحكايةَ هي المماثلةُ، وأن العبارة هي تعبيرُ المتكلم عن كلامِه النفسي بحروفٍ وأصوات خلقت، لكن مع هذا الاختلافِ فهم متفقون أن القرآنَ الذي في السطور ليس كلامًا لله تعالى.
لو قيدت هذه العبارةُ لجاز ذلك ولم يكن بها بأسٌ، كأن يقول : أن القارئ الآن يعبرُ عن كلامِ الله أو يحكي كلامَ الله؛ لأن لفظَه بالقرآنِ ليس هو كلامُ الله.
فصلٌ
في الإيمانِ برؤيةِ المؤمنينَ ربهم يوم القيامةِ ومواضعِ الرؤيةِ
يؤمنُ أهلُ السنة بأن المؤمنين سيرونَ ربهم يوم القيامةِ عيانا أي رؤية بأعينهم، يرونه كما يرونَ القمرَ ليلة البدر، كما قال عليه الصلاة والسلام : "إنكم سترونَ ربكم كما ترون هذَا لا تضامون في رؤيتِه" متفق عليه من حديث جرير بن عبد الله.
المواضعُ التي يُرى اللهُ تعالى فيهَا
يُرى اللهُ تعالى في مواضعَ ثابتة بالنقلِ الصحيح، وهي :
الموضعُ الأول : في عرصاتِ يومِ القيامة، قبل أن يدخلَ المؤمنون الجنةَ.
الموضعُ الثاني : بعد دخولِهم الجنةَ.
هل الكفارُ والمنافقون يرونَ ربهم؟
الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف :
الأول : مؤمنون خلص، فهؤلاء يرون ربهم في العرصات وبعد دخول الجنة.
الثاني : كفار خلص، وهؤلاء اختلف فيهم العلماء على قولين :
أ _ أنهم لا يرون ربهم مطلقا، وهو ظاهر الأدلة {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [المطففين 15].
ب _ أنهم يرونه رؤية عذاب وعقاب.
الثالث : مؤمنون ظاهرا، وكفار باطنا، وهم المنافقون، وهؤلاء يرون ربهم في العرصات، ثم يحتجب عنهم بعد ذلك.

رد مع اقتباس