عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 30 Jan 2015, 09:25 PM
نبيل باهي نبيل باهي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
الدولة: الجزائر -أم البواقي-
المشاركات: 53
افتراضي الكبر... أول الذنوب


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق وغمط الناس» (1).

قال ابن القيم- رحمه الله- (فسر النبي- صلى الله عليه وسلم- الكبر بضده فقال: الكبر بطر الحق وغمط الناس، فبطر الحق: رده وجحده والدفع في صدره كدفع الصائل، وغمط الناس: احتقارهم وازدراؤهم، ومن احتقرهم وازدراهم دفع حقوقهم وجحدها واستهان بها) (2) .

والكبر أول الذنوب التي عُصي الله بها، وهو ذنب إبليس اللعين فآل أمره إلى ما آل إليه،
قال الله تعالى:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (3).

قال الطبري رحمه الله:(هذا- وإن كان من الله جل ثناؤه خبرا عن إبليس- فإنه تقريع لضربائه من خلق الله الذين يتكبرون عن الخضوع لأمر الله والانقياد لطاعته فيما أمرهم به وفيما نهاهم عنه والتسليم له فيما أوجب لبعضهم على بعض من الحق) (4).

قال عوف بن عبد الله للفضل بن المهلب:(إني أريد أن أعظك بشيء إياك والكبر؛ فإنه أول ذنب عصى اللهَ به إبليس ثم قرأ: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (5).

واعلم أن الكبر سبب هلاك الامم السابقة:
فقوم نوح -عليه السلام- ما منعهم عن قبول دعوته طيلة ألف سنة إلا خمسين عاما إلا الكبر، قال الله تعالى عن نوح- عليه السلام- {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} (6).

وعاد ظنوا بسبب كبرهم أنه لا أشدَّ منهم قوة؛ قال الله تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} (7) .

وها هي ثمود تنهج نهج الاستكبار في الأرض قال الله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} (8).

وأما قوم شعيب فقد قال الله تعالى عنهم: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} (9).
والذي ملأ الدنيا كبرا حتى بلغ به مبلغا عظيما، قال الله تعالى عنه: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (10).

والكبر سبب للصرف عن دين الله قال الله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}(11).
وهو سبب الإعراض عن آيات الله قال جل وعلا: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ؛ يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (12).

وهو سبب دخول النار قال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} (13).

وروى الشيخان عن حارثة بن وهب الخزاعي-رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضاعف لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل، جواظ، مستكبر» (14).

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر» (15).
قال ابن تيمية – رحمه الله-: (فهؤلاء الثلاثة اشتركوا في هذا الوعيد واشتركوا في فعل هذه الذنوب مع ضعف دواعيهم، فإن داعية الزنا في الشيخ ضعيفة وكذلك داعية الكذب في الملك ضعيفة لاستغنائه، وكذلك داعية الكبر في الفقير، فإذا أتوا بهذه الذنوب مع ضعف الداعي دل على أن في نفوسهم من الشر الذي يستحقون به من الوعيد ما لا يستحقه غيرهم) (16).

وهو -أعني الكبر- ينافي حقيقة العبودية قال ابن تيمية -رحمه الله - : (الكبر ينافي حقيقة العبودية كما ثبت في الصحيح عن النبي – صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «يقول الله: العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني واحدا منهما عذبته» فالعظمة والكبرياء من خصائص الربوبية والكبرياء أعلى من العظمة ولهذا جعلها بمنزلة الرداء كما جعل العظمة بمنزلة الإزار) (17).

والكبر شر من الشرك قال ابن القيم -رحمه الله-: (سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية – قدس الله روحه- يقول: التكبر شر من الشرك فإن المتكبر يتكبر عن عبادة الله تعالى والمشرك يعبد الله وغيره. قلت – يعني ابن القيم- ولذلك جعل الله النار دار المتكبرين كما قال تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} (18).

وأخبر أن أهل الكبر والتجبر هم الذين طبع الله على قلوبهم، فقال تعالى: {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (19).

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} (20)، تنبيها على أنه لا يغفر الكبر الذي هو أعظم من الشرك وكما أن من تواضع لله رفعه فكذلك من تكبر عن الانقياد للحق أذله الله ووضعه وصغره وحقره ومن تكبر عن الانقياد للحق ولوجاءه على يد صغير أومن يبغضه أو يعاديه فإنما تكبره على الله فإن الله هو الحق وكلامه حق ودينه حق والحق صفته ومنه وله، فإذا رده العبد وتكبر عن قبوله فإنما رد على الله وتكبر عليه، والله أعلم (21).

واعلم أن الكبر نوعان:

النوع الأول: التكبر على الحق وهو شر أنواع الكبر ويمنع استفادة العلم وقبول الحق والانقياد له كما قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} (22).
قال ابن كثير :(سأمنع فهم الحجج والأدلة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي يتكبرون على الناس بغير حق أي: كما استكبروا بغير حق أذلهم الله بالجهل) (23).
وقال ابن جريج:(سأصرفهم عن أن يتفكروا فيها ويعتبروا بها) (24).

النوع الثاني: التكبر على العباد وذلك بأن يستعظم نفسه ويستحقر غيره فتأبى نفسه الانقياد لهم وتدعوه إلى الترفع عليهم، فيزدريهم ويستصغرهم ويأنف عن مساواتهم، قال الهيثم ابن مالك الطائي:( سمعت النعمان بن بشير – رضي الله عنه- على المنبر يقول:" إن للشيطان مصالي وفخوخا وإن من مصالي الشيطان وفخوخه البطر بأنعم الله والفخر بإعطاء الله والكبر على عباد الله واتباع الهوى في غير ذات الله") (25).

وعليه فإن من الكبر ما يكون كفرا أكبر مخرجا من الملة وصاحبه مخلد في النار، ومنه ما يكون كبيرة من كبائر الذنوب صاحبه تحت المشيئة، قال القرطبي-رحمه الله- ( لما تقرر أن الكبر يستدعي متكبرا عليه، فالمتكبر عليه إن كان هو الله تعالى أو رسله أو الحق الذي جاءت به رسله فذلك الكبر كفر، وإن كان غير ذلك فذلك الكبر معصية وكبيرة يخاف على المتلبس بها المصر عليها أن تفضي به إلى الكفر فلا يدخل الجنة أبدا.) (26).

قال ابن القيم -رحمه الله-:( وكثيرا ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- يقول: " إياك نعبد" تدفع الرياء و"إياك نستعين" تدفع الكبرياء فإذا عوفي من مرض الرياء بـ "إياك نعبد" ومن مرض الكبرياء والعجب بـ "إياك نستعين" ومن مرض الضلال والجهل بـ" اهدنا الصراط المستقيم" عوفي من أمراضه وأسقامه ورفل في أثواب العافية وتمت عليه النعمة وكان من المنعم عليهم " غير المغضوب عليهم" وهم أهل فساد القصد الذين عرفوا الحق وعدلوا عنه، و" الضالين" وهم أهل فساد العلم الذين جهلوا الحق ولم يعرفوه) (27).


والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


كتبه: نبيل باهي
ليلة السبت
10 ربيع الثاني 1436 ه
ـ


---------------------------------------
(1)- رواه مسلم (91).
(2)- مدارج السالكين( 2/318).
(3)- جامع البيان(1/510).
(4)- البقرة 34.
(5)- مفاتيح الغيب(3/645).
(6)- نوح 07.
(7)- فصلت 15.
(8)- الأعراف 75.
(9)- الأعراف 88.
(10)- القصص 38.
(11)- الأعراف 146.
(12)- الجاثية 07.
(13)- الأحقاف 20.
(14)- العتل: الشديد الخصومة وقيل الجافي وقيل الفظ الشديد وقيل الفاحش الآثم وقيل العنيف الغليظ، قاله ابن حجر في الفتح 8/663.
الجواظ: الكثير اللحم المختال في مشيه (المصدر السابق).
(15)- البخاري 4918 ومسلم 2853.
(16)- مجموع الفتاوي (18/14).
(17)- العبودية ص 99.
(18)- الزمر 60.
(19)- غافر 35.
(20)- النساء 48.
(21)- مدارج السالكين (2/346).
(22)- الأعراف 46.
(23)- تفسير ابن كثير (2/329).
(24)- تفسير البغوي (1/282).
(25)- المصالي: شبيهة بالشرك تنصب للطير، واحدتها: مصلاة، ذكره في النهاية في غريب الحديث والأثر(3/51)؛ إحياء علوم الدين (3/339).
(26)- المفهم للقرطبي.
(27)- مدارج السالكين (1/66).

رد مع اقتباس