عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 17 Apr 2015, 11:40 AM
عبد القادر شكيمة عبد القادر شكيمة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2015
الدولة: الجزائر ولاية الوادي دائرة المقرن
المشاركات: 315
افتراضي توجيه الإشكالات النحوية في القرآن الكريم الإشكال الاخير

الإشكال الثامن:

ورد على قوله تعالى: { لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } [القيامة:01].وقوله: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ }[البلد: 01] وما شابهها في (لا), إذ ظاهرها هنا نفي القسم. ومعنى الآية دال على القسم, كما في قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } [الواقعة: 75-76].
قال ابن هشام في حل هذا الإشكال:
(( اختلف في (لا) في ... قوله تعالى: { لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } فقيل: هي نافية، واختلف هؤلاء في منفيها على قولين:
أحدهما: أنه شيء تقدم، وهو ما حكي عنهم كثيرا من إنكار البعث ، فقيل لهم: ليس الأمر كذلك ، ثم استؤنف القسم ، قالوا: وإنما صح ذلك لأن القرآن كله كالسورة الواحدة ، ولهذا يذكر الشيء في سورة وجوابه في سورة أخرى، نحو : { وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } [الحجر: 6] وجوابه: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } [القلم: 2] .
والثاني: أن منفيها أقسم، وذلك على أن يكون إخبارا لا إنشاء، واختاره الزمخشري، قال: والمعنى في ذلك أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاما له؛ بدليل: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة: 75-76] فكأنه قيل: إن إعظامه بالإقسام به كَلاَ إعظام، أي إنه يستحق إعظاما فوق ذلك .
وقيل: هي زائدة. واختلف هؤلاء في فائدتها على قولين:
أحدهما: أنها زيدت توطئة وتمهيدا لنفي الجواب، والتقدير لا، أقسم بيوم القيامة لا يتركون سدى، ومثله: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } [ النساء: 65] وقوله:
فَلَا وَأَبِيكَ ابْنَةَ الْعَامِرِيِّ لَا يَدَّعِي الْقوْمُ أَنِّي أَفِـرْ(1)
ورد بقوله تعالى: { لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ } [البلد: 1] الآيات؛ فإن جوابه مثبت وهو: { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [ البلد: 4 ] ومثله: { فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ } الآية .
والثاني: أنها زيدت لمجرد التوكيد وتقوية الكلام ، كما في: { لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [الحديد:29] ورد بأنها لا تزاد لذلك صدرا, بل حشوا, كما أن زيادة "ما" و"كان" كذلك , نحو: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّه } [ آل عمران:159], { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ } [ النساء: 78 ], ونحو: "زيد كان فاضل"؛ وذلك لأن زيادة الشيء تفيد اطراحه, وكونه أول الكلام يفيد الاعتناء به, قالوا: ولهذا نقول بزيادتها في نحو: { فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ } [المعارج: 40], { فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ } لوقوعها بين الفاء ومعطوفها, بخلاف هذه, وأجاب أبو علي بما تقدم من أن القرآن كالسورة الواحدة . )) (2)
وقال الشنقيطي رحمه الله ما ملخصه:
(( قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ}. هذه الآية الكريمة يتبادر من ظاهرها أنه تعالى أخبر بأنه لا يقسم بهذا البلد الذي هو مكة المكرمة مع أنه تعالى أقسم به في قوله: {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ}.[التين: 03]
والجواب عن هذا من أوجه:
الأول - وعليه الجمهور -: أَنَّ «لَا» هنا صلة على عادة العرب، فإنها ربما لفظت بلفظة «لا» من غير قصد معناها الأصلي، بل لمجرد تقوية الكلام وتوكيده كقوله: مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِي [طه: 92 - 93] . يعني أن تتبعني.
وقوله: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ [الحديد: 29] .
وقوله: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ [النساء: 65] .
وقول امرئ القيس:
فَلَا وَأَبِيكِ ابْنَةُ الْعَامِرِيِّ *** لَا يَدَّعِ الْقَوْمُ أَنِّي أَفِرْ(3)
يعني وأبيك، وأنشد الفراء لزيادة لا في الكلام الذي فيه معنى الجحد، قول الشاعر:
مَا كَانَ يَرْضَى رَسُولُ اللَّهِ دِينَهُمُ *** وَالْأَطْيَبَانِ أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ
يعني وعمر، وأنشد الجوهري لزيادتها قول العجاج:
فِي بِئْرٍ لَا حَوْرَ سَرَى وَمَا شَعَرَ *** بِإِفْكِهِ حَتَّى رَأَى الصُّبْحَ شَجَرَ
والحور: الهلكة: يعني في بئر هلكة، وأنشد غيره:
تَذَكَّرْتُ لَيْلَى فَاعْتَرَتْنِي صَبَابَةٌ *** وَكَادَ صَمِيمُ الْقَلْبِ لَا يَتَقَطَّعُ
والوجه الثاني: أن «لا» نفي لكلام المشركين المكذبين للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: أقسم: إثبات مستأنف.
وقيل: إن هذا الوجه، وإن قال به كثير من العلماء، إلا أنه ليس بوجيه عندي ; لقوله تعالى في سورة القيامة: وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ; لأن قوله: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} يدل على أنه لم يرد الإثبات المستأنف بعد النفي بقوله «أقسم» والله تعالى أعلم.
الوجه الثالث: أنها حرف نفي أيضا، ووجهه أن إنشاء القسم يتضمن الإخبار عن تعظيم المقسم به. فهو نفي لذلك الخبر الضمني على سبيل الكناية. والمراد أنه لا يعظم بالقسم، بل هو في نفسه عظيم أقسم به أو لا. وهذا القول ذكره صاحب الكشاف وصاحب روح المعاني، ولا يخلو عندي من نظر.
الوجه الرابع: أن اللام لام الابتداء، أشبعت فتحتها. والعرب ربما أشبعت الفتحة بألف، والكسرة بياء، والضمة بواو. ومثاله في الفتحة قول عبد يغوث بن الحارث:
وَتَضْحَكُ مِنِّي شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّةٌ *** كَأَنْ لَمْ تَرَى قَبْلِي أَسِيرًا يَمَانِيَّا
فالأصل: كأن لم تر، ولكن الفتحة أشبعت.
وقول الراجز:
إِذَا الْعَجُوزُ غَضِبَتْ فَطَلِّقِ *** وَلَا تَرَضَّاهَا وَلَا تَمَلَّقِ
وقول عنترة في معلقته:
يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ *** زَيَّافَةٍ مِثْلِ الْعَتِيقِ الْمُكْدَمِ
فالأصل ينبع، يعني العرق، ينبع من الذفرى: من ناقته، فأشبعت الفتحة فصارت ينباع، وقال: ليس هذا الإشباع من ضرورة الشعر.
ثم ساق الشواهد على الإشباع بالضمة والكسرة، ثم قال: يشهد لهذا الوجه قراءة قنبل: «لَأُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ»(4) بلام الابتداء.)) (5)
ولعل أرجح الأقوال – والله تعالى أعلم – قول الجمهور من أن (لا) صلة وزيدت لتقوية الكلام وتوكيده كما تقدم في بعض آيات القرآن وكلام العرب.
[/color]
-يتبع بإذن الله-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
(1)-البيت لامرئ القيس.وهو في ديوانه ص: 105.
(2)-مغني اللبيب.ص: 243-244.
(3)-البيت لامرئ القيس.وهو في ديوانه ص: 105.
(4)-الحجة للقراء السبعة: (6/343).
(5)-دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب ص: 86، تتمة أضواء البيان :(8/370).


التعديل الأخير تم بواسطة عبد القادر شكيمة ; 16 May 2015 الساعة 11:59 PM
رد مع اقتباس