عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 15 Apr 2015, 07:12 PM
عبد القادر شكيمة عبد القادر شكيمة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2015
الدولة: الجزائر ولاية الوادي دائرة المقرن
المشاركات: 315
افتراضي توجيه الإشكالات النحوية في القرآن الكريم

الإشكال السابع:

ورد على قوله تعالى: { قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى } [طه:63].
في كلمة ( هذان ) بالألف, وقد أتت بعد (إنّ) - عند من قرأ بتشديد النون - ، ومقتضى قياس اللغة أن تنصب بالياء.
قال ابن هشام في حل هذا الإشكال:
(( في هذا الموضع قراءات:
إحداها: هذه, وهي تشديد النون من (إنّ) و(هذين) بالياء, وهي قراءة أبي عمرو(1), وهي جارية على سنن العربية؛ فإن (إنَّ) تنصب الاسم وترفع الخبر, و(هذين) اسمها؛ فيجب نصبه بالياء لأنه مثنى, و(ساحران) خبرها فرفعه بالألف.
والثانية: (إنْ) بالتخفيف (هذان) بالألف(2), وتوجيهها أن الأصل (إن هذين), فخففت (إن) بحذف النون الثانية, وأهملت كما هو الأكثر فيها إذا خففت, وارتفع ما بعدها بالابتداء والخبر، فجيء بالألف, ونظيره أنك تقول: إن زيدا قائم؛ فإذا خففت فالأفصح أن تقول: إنْ زيدٌ لقائم على الابتداء والخبر، قال الله تعالى: { إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } [الطارق:4].
والثالثة: (إنّ) بالتشديد (هذان) بالألف(3), وهي مشكلة؛ لأن (إنّ) المشددة يجب إعمالها؛ فكان الظاهر بالإتيان بالياء كما في القراءة الأولى .
وقد أجيب عليها بأوجه :
أحدها: أن لغة بلحارث بن كعب وخثعم وزبيد وكنانة وآخرين استعمال المثنى بالألف دائما, تقول: جاء الزيدان, ورأيت الزيدان , ومررت بالزيدان , قال: تـزود منا بين أذنـاه طعنـة(4)
وقال الآخر: إِنَّ أَبَـاهَا وَأَبَا أَبَـاهَا قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا(5)
فهذا مثال مجيء المنصوب بالألف, وذاك مثال مجيء المجرور بالألف.
والثاني: أن (إنّ) بمعنى نعم(6)، مثلها فيما حكي "أن رجلا سأل ابن الزبير شيئا فلم يعطه, فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك, فقال: إنَّ وراكبها "(7) , أي: نعم ولعن الله راكبها, و(إن) التي بمعنى نعم لا تعمل شيئا, كما أن (نعم) كذلك, فـ(هذان) مبتدأ مرفوع بالألف, و(ساحران) خبر لمبتدأ محذوف, أي: لهما ساحران, والجملة خبر (هذان) ولا يكون (لساحران) خبر (هذان) لأن لام الابتداء لا تدخل على خبر المبتدأ.
والثالث: أن الأصل: إنه هذان لهما ساحران؛ فالهاء ضمير الشأن, وما بعدها مبتدأ وخبر, والجملة في موضع رفع على أنها خبر (إن) ثم حذف المبتدأ وهو كثير, وحُذف ضمير الشأن كما حُذف من قوله صلى الله عليه وسلم: إنَّ مِن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون (8) ومن قول بعض العرب: إن بك زيدٌ مأخوذ .
الرابع: أنه لما ثني (هذا) اجتمع ألفان: ألف هذا, وألف التثنية؛ فوجب حذف واحدة منها لالتقاء الساكنين؛ فمن قدر المحذوفة ألف (هذا) والباقية ألف التثنية، قلبها في الجر والنصب ياء, ومـن قدر العكس لم يغير الألف عن لفظها.
الخامس: أنه لما كان الإعراب لا يظهر في الواحد –وهو (هذا)- جعل كذلك في التثنية ؛ ليكون المثنى كالمفرد؛ لأنه فرع عليه .
واختار هذا القول الإمام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية رحمه الله , وزعم أن بناء المثنى إذا كان مفرده مبنيا أفصح من إعرابه , قال: وقد تفطن لذلك غير واحد من حذاق النحاة (9).
ثم اعترض على نفسه بأمرين؛ أحدهما: أن السبعة أجمعوا على البناء في قوله تعالى:" إحدى ابنتي هاتين" مع أن (هاتين) تثنية "هاتا" وهو مبني.
والثاني: أن "الذي" مبني, وقد قالوا في تثنيته "الّلذين" في الجر والنصب, وهي لغة القرآن كقوله تعالى: { رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا } [فصلت: 29].
وأجاب عن الأول بأنه إنما جاء (هاتين) بالياء على لغة الإعراب لمناسبة (ابنتي) قال: فالإعراب هنا أفصح من البناء؛ لأجل المناسبة, كما أن البناء في (إن هذان لساحران) أفصح من الإعراب ؛ لمناسبة الألف في (هذان) للألف في (ساحران).
وأجاب عن الثاني: بالفرق بين "اللذان" و"هذان" بأن "اللذين" تثنية اسم ثلاثي ؛ فهو شبيه بـ "الزيدان", و"هذان" تثنية اسم على حرفين؛ فهو عريق في البناء لشبهه بالحروف(10).
وقال رحمه الله تعالى: وقد زعم قوم أن قراءة من قرأ ( إن هذان ) لحن , وأن عثمان رضي الله عنه قال: إن في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتها, وهذا خبر باطل لا يصح من وجوه:
أحدها: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتسارعون إلى إنكار أدنى المنكرات, فكيف يقرون اللحن في القرآن, مع أنهم لا كلفة عليهم في إزالته؟
والثـاني: أن العرب كانت تستقبح اللحن غاية الاستقباح في الكلام, فكيف لا يستقبحون بقـاءه في المصحف.
والثالث: أن الاحتجاج بأن العرب ستقيمه بألسنتها غير مستقيم؛ لأن المصحف الكريم يقف عليه العربي والعجمي.
الرابع: أنه قد ثبت في الصحيح أن زيد بن ثابت أراد أن يكتب (التابوت) بالهاء على لغة الأنصار فمنعوه من ذلك, ورفعوه إلى عثمان –رضي الله عنه – وأمرهم أن يكتبوه بالتاء على لغة قريش(11), ولما بلغ عمـر رضي الله عنه أن ابن مسعود رضي الله عنه قرأ: "عتى حين" على لغة هذيل أنكر ذلك عليه, وقال: أقرئ الناس بلغة قريش؛ فإن الله تعالى إنما أنزله بلغتهم, ولم ينزله بلغة هذيل, انتهى كلامه ملخصا(12) .
وقال المهدوي(13) في شرح الهداية: وما روي عن عائشة –رضي الله عنها – من قولها : (( إن في القرآن لحنا ستقيمه العرب بألسنتها )) لم يصح (14), ولم يوجد في القرآن العظيم حرف واحد إلا وله وجه صحيح في العربية, وقد قال الله تعالى: { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] والقرآن محفوظ من اللحن والزيادة والنقصان. انتهى(15) .
وهذا الأثر إنما هو مشهور عن عثمان رضي الله عنه, كما تقدم من كلام ابن تيمية رحمه الله, لا عن عائشة رضي الله عنها كما ذكره المهدوي, وإنما المروي عن عائشة ما رواه الفراء عن أبي معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه أنها -رضي الله عنها- سئلت عن قوله تعالى في سورة النسـاء: { وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ } [النساء: 162] بعد قوله : { لَكِنِ الرَّاسِخُونَ } وعن قوله تعالى في سورة المائدة: { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ } [المائدة: 69], وعن قوله تعالى في سورة طه: { إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ } فقالت: يا ابن أخي, هذا خطأ من الكاتب ( روى هذه القصة الثعلبي(16) وغيره من المفسرين) ( 17), وهذا أيضا بعيد الثبوت عن عائشة رضي الله عنها؛ فإن هذه القراءات كلها موجهة كما مر في هذه الآية، و... الآيتين الأخيرتين ...، وهي قراءة جميع السبعة في (المقيمين) و(الصابئون), وقراءة الأكثر في (إن هـذان), فلا يتجه القول بأنها خطأ؛ لصحتها في العربية وثبوتها في النقـل. ))(18)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
(1)-الحجة للقراء السبعة: (5/229).
(2)-وهي قراءة ابن كثير وحفص،إلا أن ابن كثير يقرأ بتشديد نون "هذانّ".انظر:الحجة للقراء السبعة: (5/229).
(3)-وهي قراءة ابن عامر ونافع وحمزة والكسائي.انظر: الحجة للقراء السبعة: (5/229).
(4)-تمامه:(دعته إلى هابي التراب عقيم).نسبه ابن منظور إلى هوبر الحارثي.انظر:لسان العرب: (هبا) (6/4609).
(5)-هذا الرجز منسوب لرؤبة بن العجاج.انظر ملحق ديوانه.تحق:وليم بن الورد.(دط)،دار ابن قتيبة،(دت):ص: 168.وينسب أيضا لأبي النجم العجلي.انظر:ديوانه.تحق:محمد أديب.(دط)، مطبوعات مجمع اللغة العربية،دمشق، 1427هـ-2006م:ص: 450. شرح التصريح: (1/63).
(6)-ويؤيده قول ابن جني: وتكون إنّ بمعنى نعم فلا تقتضي اسما ولا خبرا قال الشاعر:
بَكَرَ الْعَــوَاذِلُ فِي الصَّبَا ***حِ يَلُمْنَـــــنِي وَأَلُومُهُـــنَّـــــــــتهْ
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلَا *** كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إِنَّهْ
أي نعم هو كذاك, والهاء لبيان الحركة وليست اسما.انظر:اللمع في العربية لابن جني ص:43.
(7)-سير أعلام النبلاء: (3/383). المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: (4/50).
(8)-رواه بهذا اللفظ النسائي في سننه،كتاب الزينة،ذكر أشد الناس عذابا برقم (5364).تحق:الألباني ومشهور حسن سلمان ص: 806.
(9)-التفسير الكبير لابن تيمية.: (5/210). مجموع الفتاوى:ابن تيمية: (15/257)
(10)-مجموع الفتاوى: (15/261-263). التفسير الكبير: (5/210). دقائق التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن تيمية: (4/355).
(11)-رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن،باب جمع القرآن،برقم (4987).
(12)-التفسير الكبير: (5/207-210). مجموع الفتاوى: (15/250-256).
(13)-هو أحمد بن عمار،أبو العباس،المهدوي التميمي،المفسر المقرئ النحوي اللغوي،أصله من المهدية بالقيروان,ودخل الأندلس,صنف كتبا مفيدة منها التفسير واسمه:(التفصيل الجامع لعلوم التنزيل).توفي سنة (440هـ).انظر ترجمته:بغية الوعاة: (1/351). الأعلام: (1/184).
(14)-لأن في إسناده عكرمة مولى ابن عباس ويحيى بن يعمر،أما عكرمة فلم يثبت له ابن حجر سماعا من عثمان في تهذيب التهذيب: (7/263-264).وأما يحيى فقد أثبت أنه روى عن عثمان،كما في تهذيب التهذيب: (11/305). لكنه أثبت أنه كان يرسل كما في تقريب التهذيب ص: 1070. وفي الإسناد عبد الله بن فطيمة،قال البخاري في التاريخ الكبير: (5/170-171) عن إسناده:(منقطع).
(15)-شرح الهداية ص: 419.
(16)-الكشف والبيان (تفسير الثعلبي): (6/250).
(17)-معاني القرآن ليحيى الفراء: (2/183). معاني القرآن وإعرابه للزجاج: (3/362). تفسير الفخر الرازي (مفاتيح الغيب): (22/74).
(18)-شرح شذور الذهب. ص:75-80.
- يتبع بإذن الله -

رد مع اقتباس