عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 07 Apr 2015, 09:09 AM
عبد القادر شكيمة عبد القادر شكيمة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2015
الدولة: الجزائر ولاية الوادي دائرة المقرن
المشاركات: 315
افتراضي يتبع توجيه الإشكالات النحوية في القرآن الكريم

الإشكال الرابع:

ورد على قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } [المائدة:06]
وهو في قراءة من قرأ (أرجلِكم) بالجر, فهي في الظاهر معطوفة على ممسوح وهو (رؤوسِكم), والرجل في الوضوء حكمها الغَسل.
قال ابن هشام في حل هذا الإشكال:
1- (( ... في قراءة من جر الأرجل(1) لمجاورته للمخفوض وهو الرؤوس, وإنما كان حقه النصب, كما هو في قراءة جماعة آخرين(2)، وهو منصوب بالعطف على الوجوه والأيدي, وهذا قول جماعة من المفسرين والفقهاء.
وخالفهم في ذلك المحققون, ورأوا أن الخفض على الجوار لا يحسن في المعطوف؛ لأن حرف العطف حاجز بين الاسمين ومبطل للمجاورة, نعم لا يمتنع في القياس الخفض على الجوار في عطف البيان؛ لأنه كالنعت والتوكيد في مجاورة المتبوع، وينبغي امتناعه في البدل؛ لأنه في التقدير من جملة أخرى؛ فهو محجوز تقديرا, ورأى هؤلاء أن الخفض في الآية إنما هو بالعطف على لفظ الرؤوس, فقيل: الأرجل مغسولة لا ممسوحة, فأجابوا على ذلك بوجهين:
أحدهما: أن المسح هنا الغسل, قال أبو علي: حكى لنا من لا يتهم أن أبا زيـد(3) قال: المسح خفيف الغسل, يقال: تمسحت للصلاة (4), وخصت الرجلان من بين سائر المغسولات باسم المسح ليقتصد في صب الماء عليهما؛ إذ كانتا مظِنة للإسراف.
والثاني: أن المراد هنا المسح على الخفين, وجعل ذلك مسحا للرِّجل مجازا, وإنما حقيقته أنه مسح للخف الذي على الرِّجل, والسنة بينت ذلك.
ويرجح ذلك القول ثلاثة أمور:
أحدها: أن الحمل على المجاورة حمل على شاذ, فينبغي صون القرآن عنه.
الثاني: أنه إذا حمل على ذلك كان العطف في الحقيقة على الوجوه والأيدي, فيلزم الفصل بين المتعاطفين بجملة أجنبية وهو { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ }. وإذا حمل على العطف على الرؤوس لم يلزم الفصل بالأجنبي, والأصل أن لا يفصل بين المتعاطفين بمفرد فضلا عن الجملة.
الثالث: أن العطف على هذا التقدير حمل على المجاورة، وعلى التقدير الأول حمل على غير المجاورة، والحمل على المجاورة أولى.
فإن قلت: يدل للتوجيه الأول قراءة النصب.
قلت: لا نسلم أنها عطف على الوجوه والأيدي, بل على الجار والمجرور, كما قال:
يسلكن في نجد وغورا غائرا(5). )) (6)
2 - (( وقيل "وأرجلِكم" بالخفض: إنه عطف على (أيديَكم) لا على (رؤوسِكم), إذ الأرجل مغسولة لا ممسوحة, ولكنه خفض لمجاورة (رؤوسِكم) والذي عليه المحققون إن خفض الجوار يكون في النعت قليلا كما مثلنا, وفي التوكيد نادرا كقوله:
يا صاح بلغ ذوي الزوجاتِ كلِّهم *** أن ليس وصلٌ إذا انحلت عرى الذنَب(7)
... وقال الزمخشري: لما كانت الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها كانت مظنة الإسراف المذموم شرعا , فعطفت على الممسوح لا للتمسح ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها, وقيل: (إلى الكعبين) فجيء بالغاية إماطة لظـن من يظـن أنها ممسوحة؛ لأن المسـح لم يضرب له غاية في الشريعة. انتهى(8).)) (9)
الخلاصة:
تحصل من الجمع بين قراءتي الفتح والنصب في كلمة (أرجلكم) ما يلي:
- قراءة النصب عطفا على (وجوهكم) و(أيديكم) وهما مغسولتان فحكم الرجل الغسل, وذكرت بعد الرؤوس لبيان الترتيب، وهذه القراءة لا إشكال فيها.
- وقراءة الجر عطفا على (رؤوسكم) وهو ممسوح، فحكم الرجل المسح، والمقصود به المسح على الخفين، وقد بينت السنة ذلك. وقيل عطفت على ممسوح وحكمها الغسل لكي يقتصد في صب الماء عليهما إذ كانتا مظِنة الإسراف. والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
(1)-وهم ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم.انظر:الحجة للقراء السبعة: (3/227).
(2)-وهم نافع وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم.انظر: الحجة للقراء السبعة: (3/227).
(3)-هو سعيد بن أوس،أبو زيد،البصري اللغوي العلامة،كان يحفظ ثلثي اللغة،وكان صدوقا صالحا.توفي سنة (215هـ)، وله ثلاث وتسعون سنة. انظر ترجمته: شذرات الذهب: (3/70-71).
(4)-الحجة للقراء السبع: (3/215).
(5)-من كلام العجاج بن رؤبة الراجز وهو من شواهد سيبويه.انظر:الكتاب: (1/94).
(6)-شرح شذور الذهب.ص: 348-349.
(7)-لم أجد أحدا-في حدود ما بحثت-نسب هذا البيت إلى قائل معين.
(8)-في الكشاف:الزمخشري: (2/205).
(9)-مغني اللبيب.ص: 640-641.
- يتبع بإذن الله -


التعديل الأخير تم بواسطة عبد القادر شكيمة ; 15 Apr 2015 الساعة 10:10 PM
رد مع اقتباس