مكــان وزمن المحاضرة : الجمعة 27 من ذي القعدة 1428هـ الموافق 7-12-2007م بالمسجد الشرقي - سبك الأحد - أشمون -
محافظة المنوفية - مصر
وقــت المحاضرة : ساعة و 12 دقيقة .
التفريـــــــغ :
إنّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا ، من يهدِهِ الله فلا مُضل له ومَن يُضلل فلا
هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ محمداً عبدهُ ورسوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي َتسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً *يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
أمّا بعدُ :
فإنّ أصدَقَ الحديثِ كِتابُ الله وخير الهدي هديُ محمدٍ ـ صلى الله عليه وعلى آلهِ وسلم ـ وشرَّ الأمور مُحدثاتُها وكلّ مُحدثةٍ بِدعة
وكلّ بِدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أمّا بعدُ :
فحسَنٌ جِداً أنْ يُحرِّرَ بعضُ طلابِ العلم كِتابٍ يُحذرُ فيهِ مِن الفِتن ، أو يُحذِّرُ فيهِ مِن مُلابَسةِ الفِتن ، ويدعوا إلى البُعدِ عنهُ ـ حَسَنٌ
جِداً ـ ولكِنهُ مَعيبٌ جداً أن يكتُبَ أحدٌ رسالةٌ يحذِّرُ فيها مِن التحذِيرِ مِن الفِتَن والتحذِيرُ مِمَّن يُحذِّرُ مِن الفِتَن ، هوَ الفِتنةُ حقا ، وإنْ
لم يكُن ذلِك فتنةً فلا فتنة تحتَ أديمِ السماء ، وهو مُصادِمٌ مصادمةً صريحةً لدينِ اللهِ ربّ العلمِين ، وهذا نبِيّنا ـ صلى الله عليه وعلى
آلهِ وسلم ـ قد حذّرَ مِن الفِتن وحذّر مِن أهلِها واشتدّ عليهِم فقد ذكرَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الخوارِجَ ونعتَهُم بِأنّهُم كلابُ
أهلِ النار ، وأخبَر أنه لو لقِيهُم لقتلَهُم قتلَ عَاد يعني وما أبقى منهُم أحدا ، وأخبَر أنَّ قتلاهُم شَرّ قتلى تحتَ أدِيمِ السماء ، ووَصف
رسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الخوارِجَ بِصِفَتِهِم ودلّ عليهِم بذكرِ نُعُوتِهِم بِحيثُ لا يلتبِسُ أمرُهُم على أحَد فذكَرهُم النبي
ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذِكراً مُستفيضاً ودلّ عليهِم بالوصفِ المُلازِم الذي لا ينفكّ عنهُم ، بِحيثُ إنه لا يَشتَبِهُ أمرُهُم على أحدٍ أتى
بعدَهُ ، وحذّرَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مِن القدرِية ، وأخبرَ أنهُم مَجُوسُ هذِهِ الأمة ، ونهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن
عِيادتِهِم إذا مَرِضوا ، فحذّرَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مِن بِدعتِهِم وحذّر مِن أشخاصِهِم ، كما حذّرَ مِن بِدعةِ الخوارِجِ ومِن
أشخاصِهِم ودلّ على سِماتِهِم بوصفِهِم ونعتِهِم بِحيث لا يُمكنُ أن يَشتَبِهَ الأمرُ بعدُ على أحد ، وأنكَر النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ
على خطيبٍ قامَ يخطُبُ بينَ يديه ، أنكرَ عليهِ قوله ( ومَن يعصِهِما فقَد غوى) وقد قال هذا الخطيبُ بين يدي النبي ـ صلى الله عليه
وعلى آلهِ وسلم ـ ( إنهُ مَن يُطع الله ورسُوله فقد رشِدَ ومَن يعصِهِما فقد غوى ) فقال ﴿ بأسَ خطيبَ القومِ أنت ﴾ وأتى بِها صريحةً
مِن غيرِ ما تثنيةٍ ولا مُواراة ، مُواجَهةً يسمَعُها من حضر ، وتُنقلُ إلى الأجيالِ مِن بعد مِن أجلِ التحذيرِ مِن الخطأ ، ( ومَن يعصِهِما فقَد
غوى ) قال ﴿ بِأسَ خطيبُ القومِ أنت ﴾ ، وأنكَرَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على مَن قال ( ما شاء الله وشاءَ مُحمد ) ـ صلى
الله عليه وسلم ـ ، ( ما شاء الله وشئتَ) ، فقال ﴿ أجَعَلتَني للهِ نِدا ﴾ فنهى عن هذا الاستخدامِ اللغوي الأسلوبيّ على هذا النحو
لأنهُ يُوهِمُ شيئاً لا يُحمَد ، وهذا كما ترى إنكارٌ بأمرٍ عظيم في موطِنٍ كريم لا يورِّ فيهِ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حينَ الإنكار ولا
يُعرِّضُ وإنما يأتي بهِ كِفاحًا بِغيرِ مُواربة ويأتي بهِ ظاهِرًا مِن غيرِ غموضٍ ولا خفاء ، وراجع النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ
النابِغَةَ الجَعدي وأخرجَ ذلِك ابن كثير في تاريخِه وذكرهُ الحافظُ في ـ الإصابة ـ وأبو نُعيم في ـ تاريخِ أصبهان ـ فأنكرَ النبي ـ صلى الله
عليه وسلم ـ على النابِغة الجعدي ـ رضي الله عنه ـ قوله :
بلغْنا السَمَاءَ مجدُنا وجُدُودنا ....... وإنا لنرجو فوقَ (1) ذلِك مظهرَا (2)
فقال لهُ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ﴿ أينَ المظهرُ يا أبى ليلى ﴾ فقال ـ رضي الله عنه ـ : الجنة يا رسول الله ، فقال النبيُّ ـ صلى الله
عليه وسلم ـ ﴿ أجل يا أبى ليلى إن شاء الله ﴾ .
فهذا شاعِرٌ يُراجِعُ في أمرٍ أتى بِه ، ولا يُمشِّيهِ رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا يُمرِّرُه بل يُراجِعُه ويُعلّمُه ، والنبيُّ ـ صلى الله عليه
وعلى آله وسلم ـ قال ﴿ أصدقُ كلمةٍ قالها شاعِرٌ كلمةُ لبيد ﴾
ألا كلُّ شيءٍ ما خلى الله باطلُ ............ وكلُّ نعيمٍ لا محالةَ زائلُ (3) .
وقد راجعَ فيهِ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ﴿ لا ، في الجنةِ نعِيمٌ لا يَزول ﴾ (4) .
والنبيُّ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كما في الصحيحين ، لمّا كان في سفرٍ فسمِع شاعِراً يُنشِدُ على بعيرٍ له فقال النبي ـ صلى الله
عليه وسلم ـ ﴿ خذوا الشيطان ، خذوا الشيطان ﴾ فلم يُفوّت هذا ولم يُمشّهِ وإنما راجع فيهِ ووصفهُ بِهذا الوصفِ الشديد ، يقولُ
أهلُ العِلم : إنّ الإسلامَ لا يُحارِبُ الشِعر ، الشعرُ ديوانُ العرب وهو لا ينبغي لرسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فليسَ بشاعِر ،
وأمّا أهلُ الصِدقِ والفضل والمُنافِحون عن دينِ الله تبارك وتعالى و الذابّون عن أعراض المؤمنون والمُؤمِنات فهؤلاءِ لا تثريب عليهِم ،
وقد قال حسان ـ رضي الله عنه ـ لِعُمرَ ـ رضي الله عنه ـ وقد قام في مسجدِ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُنشِدُ شِعره ، فلمّا نظرَ
إليهِ نظرَ اللائِمِ عليهِ قال حسّان ـ رضي الله تبارك وتعالى عنه ـ إليكَ عنّي يا عُمر ، فوالله إنكَ لتعلمُ أني كُنتُ أنشِدُ في هذا المسجدِ
من هو خيرٌ مِنك ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
﴿ خذوا الشيطان ، خذوا الشيطان ﴾ فأنكَرَ على شاعِرٍ أديب ، أن يُخطأ في أمرٍ ويأتي بأمرٍ معيب ، فراجَعَ النبي ـ صلى الله عليه
وسلم ـ أصحابَهُ ليدُلّهُم على موطِن العِبرة في الأمرِ فقال ﴿ خذوا الشيطان ، خذوا الشيطان ﴾.
وقد استَنشَدَ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ مَن يروي شِعرَ أميّةَ بن أبي الصّلد حتى سَمِعَ مائةَ قافية (5) ، ثم قال ـ صلى الله عليه
وعلى آله وسلم ـ ﴿ كادَ يُسلِمُ في شعرِه ﴾ ، أميّة بن أبي الصلد في شِعرِهِ هذا آمَنَ لِسانُهُ وكفرَ قلبه ، فدلّ النبي ـ صلى الله عليه
وسلم ـ على ما وراءَ ذلِك .
بشار بن بُرد (6)، قُتِلَ عل الزندقةِ التي أتى بِها في شِعرِهِ .
أبو الطيّب المُتنبي ، روجِعَ وكفّرهُ من كفّرهُ مِن العُلماء لأمورٍ وقع فيها في شِعرِهِ ، لم يُمَشِّها عالِمٌ مِن عُلماءِ الدّين ولم يقبلها ، وليست
هذِهِ بمحاكِمِ التفتيش ولكِنّهُ دين الله فتكلّم فيما تُحسِن وإلا فدع مَن يُحسِن يتكلمُ فيما يُحسِن ، مالك ولِهذا ؟ فلمّا أدخلَ أنفهُ
داسًّا إيّاهُ في هذهِ الأمور كان أنْ حكمَ عليهِ مَن حكَم ، و كذا حكَموا على أبي العلاء المعرّي بِما حكَموا عليهِ مِن أمورٍ لسببِ ما
وقعَ مِنه في شِعرِهِ ونثرِهِ على السواء .