عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 22 Jul 2017, 02:34 PM
عبد القادر شكيمة عبد القادر شكيمة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2015
الدولة: الجزائر ولاية الوادي دائرة المقرن
المشاركات: 315
افتراضي فوائد تفسيرية ولغوية من الاختلاف في معنى قوله تعالى: (( وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ))

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:
أما بعد:
فهذه أقوال بعض المفسرين وأهل النحو واللغة وغيرهم في معنى قوله تعالى ((وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ)) تضمن بعض الفوائد التفسيرية واللغوية، فأقول:
اختلف المفسرون والنحويون واللغويون في مدلول قوله تعالى: ((وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ)) من قوله عز وجل:(( قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ)) [البقرة:71] على أربعة أقوال:
القول الأول: وما قاربوا الفعل قبل أن يفعلوا؛ بناء على أن الفعل "كاد" نفيه نفي وإثباته إثبات كغـيره من الأفعال، وعليه فإثبات الفعل وهو الذبح فهم من دليل آخر قبلها، وهو قوله تعالى: ((فَذَبَحُوهَا)). ذهب إلى هذا القول "ابن الحاجب والسمين الحلبي وابن هشام الأنصاري والسيوطي ومرتضى الزبيدي( 1) وابن عثيمين"( 2)، واختاره ابن مالك والزركشي وابن القيم"( 3).
القول الثاني: فعـلوا بعـد بـطء وجهـد واستثـقال؛ لتطويلهم المفـرط وكثـرة استكشافهم وأسئلتهم وتعمقهم. وهـو رأي "ابن جـني والواحدي وقوام السنة الأصبهاني(4 ) والزمخشري وابن منظور وابن كثير والألوسي ومحمد الأمين الشنقيطي"(5 ).
القول الثالث: أي فعلوا، اعتمادا على القول المشهور في الفعل (كاد) وهو "إثباتها نفي ونفيها إثبات" تقول: كاد يفعل؛ أي قارب الفعل ولم يفعل، وتقول: لم يكد يفعل؛ أي فعل وقارب عدم الفعل، ذهـب إليه ابن تيمية، وقال: (( إنه هو المشـهور وعليه عامة الاستعمال. ))(6 )، وهو "قول ابن الجوزي ومفهوم قول ابن عباس وابن جرير، ورجحه ابن عاشور"(7 ).
وألغز فيه أحدهم( 8) قائلا:
أَنَحْـوِيَّ هَذَا العَـصْرِ مَـا هِيَ لَفْظَــةٌ *** أَتَتْ فِي لِسَانَيْ جُـرْهُمٍ وَثَمُـودِ
إِذَا اسْتُعْمِلَتْ فِي صُورَةِ الْجَحْدٍ أُثْبِتَتْ *** وَإِنْ أُثْبِتَتْ قَامَتْ مَقَامَ جُحُودِ
القول الرابع: وما كادوا يجدونها باجتماع أوصافها، قاله "البغوي وابن جزيء"( 9).
الترجيح:
الذي يظهر لي –والله تعالى أعلم- صواب القول الأول؛ لأنه اعتماد على الأصل؛ فهو كغيره من الأفعال، فإن قيل: كيف ينفى الفعل وهم قد فعلوا (الذبح)؟ أجيب: "أنه إخبار عن حالهم في أول الأمر؛ فإنهم كانوا أوَّلًا بعداء من ذبحها، بدليل ما يتلى علينا من تعنتهم وتكرر سؤالهم، ولأ كثر استعمال مثل هذا فيمن انتفت عنه مقاربة الفعل أولا ثم فعله بعد ذلك، توهم من توهم أن هذا الفعل بعينه هو الدال على حصول ذلك الفعل بعينه، وليس كذلك، وإنما فهم حصول الفعل من دليل آخر، كما فهم في الآية من قوله تعالى: ((فَذَبَحُوهَا))"( 10).
قال ابن مالك:
وَبِــثُـبُــوتِ كَادَ يُــنــفَى الخبَـَـرُ *** وحِــــينَ يُــنفَى كَادَ ذَاكَ أَجْــدَرُ
فـ"كِدتَ تَصْبُو" مُنتَفٍ فِيهِ الصِّبَـا *** و"لَمْ يَـكَدْ يَصْـبُو" كَمِثْلِ "ما صَبَا"
وغَيـــرُ ذَا عَلَى كَـلاَمَــــيْنِ يَــرِدْ *** كَـوَلَدَتْ هِـنـدُ ولَمْ تَـكَــدْ تَــلِدْ
( 11).
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
ــــــ
( 1) هو:محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق،أبو الفيض،الحسينى الزبيدى اليمني المصري،الملقب بمرتضى،علامة باللغة والحديث والرجال والأنساب،ولد سنة (1145هـ)،من مصنفاته:اتحاف السادة المتقين في شرح إحياء علوم الدين،أسانيد الكتب الستة،تاج العروس،توفي سنة (1205هـ). ينظر في ترجمته:الإعلام للزركلي:(7/70).
(2 ) ينظر: الإيضاح شرح المفصل لابن الحاجب: (2/87)، عمدة الحفاظ للسمين الحلبي:(3/443)،مغني اللبيب لابن هشام: (1/869)،الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: (2/255)،تاج العروس لمرتضى الزبيدي:(9/119)،تفسير الفاتحة والبقرة لابن عثيمين:(1/239).
(3 ) ينظر:شرح الكافية الشافية لابن مالك:(1/467)،اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم:(2/61)،البرهان في علوم القرآن للزركشي:(4/137).
(4 ) هو:إسماعيل بن محمد بن الفضل،أبو القاسم،القرشي الطليحي التيمي الأصبهاني،الملقب بقوام السنة،ولد سنة (457هـ)، شيخ الحفاظ،وإمام في التفسير والحديث واللغة،من مصنفاته:الترغيب والترهيب،كتاب السنة،كتاب دلائل النبوة،،توفي سنة (535هـ). ينظر في ترجمته:سير أعلام النبلاء للذهبي:(20/80)، طبقات المفسرين للسيوطي:(37-38).
(5 ) ينظر:التفسير البسيط للواحدي:(12/435)،إعراب القرآن للأصبهاني:(1/273)،الكشاف للزمخشري:(1/152)،تفسير ابن كثير:(1/301)،البرهان للزركشي:(4/136)،لسان العرب:(3/383)،تفسير الآلوسي:(1/292)،العذب النمير للشنقيطي: (1/140).
(6 ) ينظر:منهاج السنة النبوية لابن تيمية: (5/141).
( 7) ينظر: زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي:(1/41)،تفسير ابن كثير:(1/301)،تفسير الطبري:(2/219)التحرير والتنوير لابن عاشور:(1/559).
( 8) وهو أبو العلاء المعري، ينظر:شرح الكافية الشافية لابن مالك:(1/467)،مغني اللبيب لابن هشام:(ص868)، عمدة الحفاظ للسمين الحلبي: (3/443)،همع الهوامع للسيوطي:(1/482)، التحرير والتنوير لابن عاشور:(1/559).
( 9) ينظر: تفسير البغوي:(1/108)، التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي:(1/70).
( 10) ينظر:مغني اللبيب لابن هشام:(1/869).
(11 ) شرح الكافية الشافية لابن مالك:(1/466).


التعديل الأخير تم بواسطة عبد القادر شكيمة ; 22 Jul 2017 الساعة 07:30 PM
رد مع اقتباس