عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 17 Feb 2018, 08:34 AM
أبو همام عبد القادر حري أبو همام عبد القادر حري غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
المشاركات: 102
افتراضي فوائد من قصة صاحب "يس".

بسم الله الرحمن الرحيم

فوائد من قصّة صاحب (يس)

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي كُلِّ زَمَانِ فَتْرَةٍ مِنْ الرُّسُلِ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَدْعُونَ مِنْ ضَلَّ إلَى الْهُدَى وَيَصْبِرُونَ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى، يُحْيُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ الْمَوْتَى، وَيُبَصِّرُونَ بِنُورِ اللَّهِ أَهْلَ الْعَمَى، فَكَمْ مِنْ قَتِيلٍ لِإِبْلِيسَ قَدْ أَحْيَوْهُ، وَكَمْ مِنْ ضَالٍّ تَائِهٍ قَدْ هَدَوْهُ، فَمَا أَحْسَنَ أَثَرَهُمْ عَلَى النَّاسِ، وَمَا أَقْبَحَ أَثَرَ النَّاسِ عَلَيْهِمْ وصلِّ اللَّهمَّ وسلَّم وبارك على عبدك ورَسولك محمَّد صلى اللّه عليه وعلى آلِه وصحبِه أجمعين,وبعد:

فهذِه فوائد من قصّة صاحب (يس) أزّفها بشرى للدّعاة إلى الله ,تثبيتاً لهم وشدّاً لعضُدهم وتخفيفًا لمُعاناتهم وتسليةً لهم ,فقد جاء في كتاب الله ما يَشفي القُلوب ويروي صبابةَ المحبوب ويُسلِّي المكروب ويهدي لكلِّ خير ويكفي من كل سوء وشر ,ولكنّنا أصبحنا:

كالعيرِ في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوقَ ظهورها محمولُ

فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله ومن لم يكفه فلا كفاه الله ,قاله بن القيم رحمه الله. وهذا أوان ذكرِ الآيات وشيء من فوائدها بإذن الله:

قال الله تعالى :
وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) [ سورة يس ].

قوله تعالى: " وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ "
الْمَدِينَةُ هِيَ أَنْطَاكِيَّةُ والرَّجُلُ هُوَ حَبِيبٌ النَّجَّارُ كَانَ يَنْحِتُ الْأَصْنَامَ وقد آمن بمحمد صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَبْلَ وُجُودِهِ حَيْثُ صَارَ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَرَأَى فِيهِ نَعْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَبَعْثَتَهُ.

- وَجاءَ: - للدّعوة إلى الله, فيه تنقّل الدّعاة إلى الله من مكان إلى مكان ,وقد فعله رسول الله ولا يخفى إتيان النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم النّاس في مجالسهم وحديث الطّائف وما لاقى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم في ذلك اليوم وبعث الدعاة إلى الأقطار,كمصعب بن عمير ومعاذ وغيرهم رضي الله عنهم .

- مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ : - قَالَ بعضُهم: مسكن الْأَشْرَاف الْأَطْرَاف.

- رجلٌ: - تَنْكِيرِ الرَّجُلِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ مَعْرُوفًا مَعْلُومًا عِنْدَ اللَّهِ , تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ أَيْ رَجُلٌ كَامِلٌ فِي الرُّجُولِيَّةِ. - وكَانَ يَعْمَلُ الْجَرِيرَ - الْحِبَالُ-وقيل َكانَ قَصَّارا.أو إِسْكَافًا وَكَانَ رَجُلًا سَقِيمًا قَدْ أَسْرَعَ فِيهِ الْجُذَامُ،.[يُذكر هذا لئلا يُزدرى أحدٌ لأجل حرفته أو سقمه]. و كَانَ كَثِيرَ الصَّدَقَةِ، يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ كَسْبِهِ .

الدُّعاة إلى الله المتّصفون بصفات حبيب رجالٌ صادقون :
قال الله تعالى"مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [ الأحزاب23 ].
وقال :"رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ" [ النور37 ].

- يَسْعى: - تَبْصِرَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَهِدَايَةٌ لَهُمْ، لِيَكُونُوا فِي النُّصْحِ بَاذِلِينَ جُهْدَهُمْ.

- قال يا قَوْمِ :- أضافهم إلى نفسه : يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِهِمْ إِلَّا خَيْرًا.

- اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ :- قَدَّمَ إِظْهَارَ النَّصِيحَةِ عَلَى إِظْهَارِ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ كَانَ سَاعِيًا فِي النُّصْحِ.
- اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ :- يدعُو إلى إتِّباعهم لإيمَانه بهم وبما جاءُوا به من ربّهم.

- الدُّعاة إلى الله يقولون ما يفعلون ويدعون إلى ما يعتقدون ليسُوا كقطاع الطُّرق ,قال بن القيم في الفوائد: "عُلَمَاء السوء جَلَسُوا على بَاب الْجنَّة يدعونَ إِلَيْهَا النَّاس بأقوالهم ويدعونهم إِلَى النَّار بأفعالهم فَكلما قَالَت أَقْوَالهم للنَّاس هلمّوا قَالَت أفعالهم لَا تسمعوا مِنْهُم فَلَو كَانَ مَا دعوا إِلَيْهِ حَقًا كَانُوا أول المستجيبين لَهُ فهم فِي الصُّورَة أدلاء وَفِي الْحَقِيقَة قطّاع الطّرق " اهـ.

مسألة: لا يسقط النّصح عمّن فرّط في العمل,لئلَّا يتلطّخ بالشرَّين (ترك العمل وترك النّصح).
- إِنْذَارُ المرسلين وَدعوتُهم بَلَغَت إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ.
- جهاد الكلمة واللِّسان مقدّم على جهاد السّيف والسّنان.

قوله تعالى: "اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ".
- مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً :- دليل الإخلاص.
- وفي الآية دليل احتساب الأجر من الله في الدعوة :
قَالَ ابْنَ وَارَةَ :عَزَمْتُ زَمَاناً أَنْ أُمْسِكَ عَنْ حَدِيْثِ هِشَامِ بنِ عَمَّارٍ؛ لأَنَّه كَانَ يَبِيْعُ الحَدِيْثَ.
قال الذهبي : العَجَبُ مِنْ هَذَا الإِمَامِ مَعَ جَلاَلَتِهِ، كَيْفَ فَعَلَ هَذَا، وَلَمْ يَكُنْ مُحْتَاجاً، وَلَهُ اجْتِهَادُهُ.
قَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ: كَانَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ يَأْخُذُ عَلَى الحَدِيْثِ، وَلاَ يُحَدِّثُ مَا لَمْ يَأْخُذْ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَلِيٍّ، حَدِّثْنِي بِحَدِيْثٍ لِعَلِيِّ بنِ الجَعْدِ.فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الجعْدِ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيْعِ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، قَالَ: عَلِّمْ مَجَّاناً كَمَا عُلِّمْتَ مَجَّاناً. قَالَ: تَعرَّضْتَ بِي يَا أَبَا عَلِيٍّ؟ فَقُلْتُ:مَاتَعَرَّضْتُ، بَلْ قَصَدتُكَ. [سير أعلام النبلاء للذهبي ص426ج11 – ط الرسالة] .

قوله تعالى:" من لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ ": - الإخلاص مع البصيرة ,كقوله :"قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ".
- يقومون بالدعوة امتثالا لأَمر الله، ورجاءَ هداية النَّاس كقوله تعالى :" وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ".

قوله تعالى: "وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ".
-لم يقل: مالكم لَا تَعْبُدُونَ الَّذِي فَطَرَكُمْ. لأنهم لم يحققوا توحيد الربوبية المستلزم لتوحيد العبادة .
- فطرني : أضَافه إِلَى نَفسه؛ لِأَن النِّعْمَة كَانَت عَلَيْهِ أظهر، وأضاف الرُّجُوع إِلَيْهِم؛ لِأَن الزّجر كَانَ بهم أَحَق، وَفِي ذكر الرُّجُوع معنى الزّجر.
-وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ :إِشَارَةٌ إِلَى الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ.

وقوله تعالى: "أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ"
.- أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً :- إنكار الشركِ لِيُتِمَّ التَّوْحِيدَ،بعدما بيّنه أولا . فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
- لَا تُغْنِ عَنِّي..وصف للآلهة
.- أبطل شفاعتهم لاعتقادهم أن لها شفاعة.

وقوله: " إنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ "

- قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ فَأَقْبَلَ هُوَ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَقَالَ: إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُوا قَوْلِي وَاشْهَدُوا لِي.
- آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فُهِمَ أَنَّهُ يَقُولُ رَبِّي وَرَبُّكُمْ وَاحِدٌ.

وقوله تعالى:" قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ " .
- قُتِلَ ثُمَّ قِيلَ لَهُ ادْخُلِ الْجَنَّةَ بَعْدَ الْقَتْلِ فقال يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ.
قال بعضهم: رجموه بالحجارة. وقال آخرون: بل وثبوا عليه، فوطئوه بأقدامهم حتى مات.والرجم ليس ببعيد وقد توعّدوا به المرسلين من قبل "قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ"
- قال مجاهد : قد وجبت له الجنة.

- يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ كَمَا عَلِمْتُ فَيُؤْمِنُونَ كَمَا آمَنْتُ.

بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ .
- يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِالَّذِي غَفَرَ لِي رَبِّي.
- تمنى على الله أن يعلم قومه ما عاين من كرامة الله قال قتادة: فلا تلقى المؤمن إلا ناصحًا، ولا تلقاه غاشًّا.
- نصحهمْ حَيا وَمَيتًا.

فائدة عزيزة : أجر الرّجل الشّهيد في ميزان حسنات المرسلين دون أن ينقص منه شيء. والدّال على الخير له مثل أجر فاعله .

وقوله تعالى:" وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ ".
- كفى الله أمرهم بصيحة ملك لم يحتج في إهلاكهم إلى إرسال جند من الملائكة, صاح بهم جبريل عليه السَّلام فماتوا عن آخرهم وهو قوله: {فإذا هم خامدون} ساكنون قد ماتوا
[الطبري ,ابن كثير, الرازي ,السّمعاني ,السّعدي]

وسبحانك اللهمَّ وبحمدك أشهد أن لا اله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

كتبه أبو همَّام عبد القادر حري

في شهر ذي الحجة 1438


التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر ; 17 Feb 2018 الساعة 11:19 AM
رد مع اقتباس