عرض مشاركة واحدة
  #21  
قديم 09 Feb 2021, 09:05 AM
عبد المجيد تالي عبد المجيد تالي غير متواجد حالياً
وفقه الله
 
تاريخ التسجيل: Aug 2019
المشاركات: 33
افتراضي

متى كانت التهمة بسوء القصد سبباً لدفع الحقِّ وردِّه؟!

بعد وضوح الحجَّة واستبانة المحجَّة ما بقي لطالب الحقيقة والراغب في النصيحة إلا التزام الحقِّ، وسلوك الواضحات والمْشي مع الحقائق، أما اللجوء إلى الطعن في القصود، والتهمة في النوايا؛ فهذه حجة الضعفة وسبيل أهل الغمغمة.
هب أن صاحب المقال -بغض النظر عن شخصه وعينه- كان محقًّا أفيكون سوء قصده أو عدم صحة نيته قادحاً في قالتِه أو سبباً في ردِّ حجَّته؟! أليس الأليق بـ: الديِّن هنا والأدعى لطالب الحقيقة في هذا المقام هو: الإذعان لسلطان العلم، القائم على وضوح الفكرة ومصداق اللهجة وشاهد الحس والعقل؟!
أليس هذا هو السبيل الحقُّ عند أصحاب النفوس الزكية الصادقة، وطالبي الحقِّ بحججه وبراهينه عند عقلاء البشرية، فكيف بمستقيمي الفطرة وسليمي النهج والمنهجية؟!!
بلى، بل هذا سنَّة متبعة، وطريقةٌ سوية لا تقبل الردَّ ولا المراجعة، وشاهدها في كتاب ربِّي وسنَّة النَّبي محمَّد .
قال تعالى في مؤمن آل فرعون: وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) [سورة غافر].
أفترى أن هذا الرجل العاقل الحازم الموفَّق كان مخطئاً في نصرته لرجل قامت البينات والدلائل على صدق دعواهفي قوله: رَبِّيَ اللَّهُ، وتركه للتعريج على دعوى أهل الهوى والغواية في الطعن في القصود والنوايا، والاتهام بطلب المناصب والرياسة كما هي: عادة القوم في محاربة البشائر وأنوار الرسالة.
وفي «الصحيحين» عن طارقِ بنِ شِهَابٍ، عن عمر بنِ الخطَّاب: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَؤُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا.
قال: أَيُّ آيَةٍ؟ قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [سورة المائدة:3] قال عمر: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ ، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ.
أفترى أن يهود هنا كانوا سليمي القصد صحيحي النوايا في سؤالهم أمير المؤمنين عمر عن ذلك؟! كلا، ومع ذلك لم يطعن عليهم أمير المؤمنين عمر لسوء قصدهم وفساد نواياهم، بل أبان لهم ما يصدِّق قولَهم من علمِه بالزمان والمكان.
ونحو هذا ما جاء في «صحيح» -صحيح البخاري- من حديث أبي هريرة ، وقول النَّبي له في مخاطبه: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ» الحديث.
أفترى النَّبي طعن عليه بسوء قصدِه وفساد نيَّته في ردِّ ما قال في آية الكرسي: «إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [سورة البقرة:255] حَتَّى تَخْتِمَ الْآيَةَ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ». ولهذا نظائر في السنَّة.
فبات طريق أهل هذه الصَّنِيعة مكشوفاً مفضوحاً لأهل الحقِّ والهداية، لا ينخدع به إلا السذَّج ممن رَضَخُوا لمطرقة التقديس ومقْصلة الهوى، أما من تنوَّرت عقولُهم وقلوبهم بأنوار الحقِّ والهدى؛ فهم: أهل البينات والبراهين الواضحات، تصقل أفهامهم وتذكي أذهانهم، وتشدُّ من عزيمتهم في المضيِّ قدماً والثبات على الحقِّ المبين.
فامضي منصور قدماً، فإن لأهل الحقِّ شَانِئين شَائِنين، فلا ينقص من عزيمتك تهريج المهرجين ولا تشويش المشوشين، فلصاحب الحقِّ صولة وجولة، وله في تأريخ الأمة الذكر الحسن، وعند صاحب الشرع النصرة والتمكين والهداية.
قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ[سورة العنكبوت:69].
فجزاك الله خيرا على ما كشفت وأبنت من أراجيف القوم، وتلاعبهم بعقول أبناء الأمة، وعلى ما أوضحت من حقيقة «الأسطورة الصورية»، و«القامة الوهمية» في جانب العلم والدعوى السلفية بالانتساب لا بالحقيقة.
فجزاك الله خيرا ثانيا وإنِّي لأحسب أن السلفيين ممتنون لك في هذا الكشف والبيان، كما أحسب أنهم لك من الشاكرين المقدِّرين.
لا نقول إلا ما علمنا والله على ما نقول من الشاهدين، وفي الأثر: «لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ» رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وغيرهم.

أخوكم ومحبكم: عبدالمجيد تالي
ليلة الاثنين لـ: 26-06-1442هـ
08-02-21

رد مع اقتباس